فجأة، فقد نحو مليون شخص يتابعون قناة المحامي أحمد أبو إياد المعروف بـ"المستشار" على تطبيق تليغرام، الترجمات التي كان ينقلها عبر الإعلام العبري خاصة بعد طوفان الأقصى، وذلك منذ أن اعتقلته قوة إسرائيلية من منزله في العيزرية شرقي القدس، يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وحسب شقيقه إياد أبو دعموس، فقد داهمت قوة عسكرية إسرائيلية المنزل بعد منتصف الليل "بصورة همجية أرعبت الأطفال الذين استفاقوا فزعين على صوت الطرق والصراخ، واعتقلوا شقيقي، ولم نعرف مكان وجوده سوى بعد قرابة 5 أيام من اعتقاله، عندما أخبرنا المحامي أنه محتجز في مركز توقيف عصيون، قبل أن يُزجّ به في سجن عوفر".
وإلى جانب كونه محامياً، فقد برز أبو إياد (41 سنة) في متابعة ونقل الأخبار عن وسائل الإعلام الإسرائيلية والقنوات العبرية، وفق شقيقه الذي يوضح أن أخاه في السابق كان ينقل الأخبار وينشرها عبر فيسبوك، لكنَّ إغلاق حسابه أكثر من مرة بسبب معايير فيسبوك "جعله يتوجه إلى التليغرام، فكان مؤثراً بالذات أثناء الحرب الأخيرة، ولديه نسبة عالية من المتابعين" وإن تناقص عددهم بعد اعتقاله وتوقفه عن النشر، إلى نحو 850 ألفًا.
لم يكن أبو إياد وحده من اعتقله الاحتلال الإسرائيلي من المؤثرين في القدس والضفة الغربية، إذ يستعرض الصحفي سامر خويره عدة أسماء ألقي القبض عليها بعد السابع من أكتوبر "مِمَّن اشتهروا عبر السوشيال ميديا ولديهم متابعين بعشرات الآلاف على تليغرام أو تيك توك وغيرهما، وتحقق فيديوهاتهم تفاعلاً. وفيديوهاتهم عليها ملايين المشاهدات، كما في حالة الصحفي علاء الريماوي، و(المستشار)، وغيرهما".
"ولم تقتصر عمليات الاعتقال هذه على الفاعلين والمؤثرين"، يتابع خويره حديثه إلى رصيف22 "فقد جرى أيضاً اعتقال الناشطين والمؤثرين في مجتمعاتهم، مثل الناشطة والمؤثرة عهد التميمي (التي أُفرج عنها لاحقاً عبر صفقة التبادل التي تمت أيام الهدنة في الحرب على غزة)، وبعض الخطباء والأئمة".
إسرائيل تدرك خطورة المعركة الإعلامية عليها "ما يدفعها للتخلص ممن يقومون بمثل هذا الدور وتغييبهم عن المشهد، في سياق محاولة منع تأثيرهم وإسهامهم في تشكيل الرأي العام، سواء الفلسطيني أو الإسرائيلي وحتى الدولي، من خلال عرض حقيقة ما يجري على أرض المعركة"
ويرى خويره، الذي يعيش في محافظة نابلس بالضفة الغربية، أنَّ الدوافع الإسرائيلية لاعتقال المؤثرات والمؤثرين في المجتمع الفلسطيني تتعلق بالرغبة في إسكات الأصوات الفلسطينية التي تفند وتدحض الرواية الإسرائيلية، ويعتبرها جزءاً من المعركة الإعلامية التي يخوضها الاحتلال.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، يواجه الفلسطينيون والأصوات المؤيدة لهم حول العالم، تضييقاً إعلامياً كبيراً انتبه له خويره الذي يعتبر أنَّ إسرائيل تدرك خطورة المعركة الإعلامية عليها "ما يدفعها للتخلص ممن يقومون بمثل هذا الدور وتغييبهم عن المشهد، في سياق محاولة منع تأثيرهم وإسهامهم في تشكيل الرأي العام، سواء الفلسطيني أو الإسرائيلي وحتى الدولي، من خلال عرض حقيقة ما يجري على أرض المعركة، والذي لولاه لما رأينا مثلاً المسيرات الشعبية التي اجتاحت دول العالم دعما لفلسطين، بما فيها دول وقفت في صف إسرائيل تاريخياً مثل بريطانيا".
انتهاكات قانونية ومداهمات ليلية
شهدت محاكمة أبو إياد، وفقاً لشقيقة إياد أبو دعموس، انتهاكات لحقوقه كمتهم؛ إذ عاقبته محكمة إسرائيلية في جلسة عُقدت عبر "زووم"، ودون حضور محاميه، بالسجن ستة أشهر بعد ثلاثة أيام من اعتقاله بتهمة التحريض. وعند استئناف الحكم، خُفضَّت المحكومية إلى ثلاثة أشهر "ولم يعلم أخي عن ذلك سوى بعد شهر من قبول طلب الاستئناف، عبر أحد الأسرى الذين التقى بهم. لم يتمكن أحد منا من الوصول إليه، حتى المحامي".
ولا يرى أبو دعموس أن أخاه محرِّض "لم يكن مأجوراً ولا محرضاً، ولا توجد فيما ينقله أيُّ عبارات تحريضيه. كان يترجم ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية أولًا بأول، وكان في كلِّ ما ينشره صوتياً أو كتابياً يشير إلى المصدر الذي ينقل عنه". ويضيف "كان همّه الأول إيصال المعلومة بلحظتها لكلِّ فلسطيني، ولو تريَّث لدقائق كانت وسائل الإعلام المختلفة ستسبقه".
ومن بين الخطباء والأئمة الذين اعتقلتهم إسرائيل، الدكتور الجامعي أيمن البدارين (46 سنة) من الخليل، الذي قُبض عليه من منزله في 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث تواصل رصيف22 مع زوجته، التي فضَّلت تأجيل المقابلة إلى ما بعد الإفراج عن زوجها.
كما تواصل رصيف22 مع عهد التميمي (23) سنة، عقب إطلاق سراحها في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أن أمضت 23 يوماً رهن الاعتقال بتهمة "التحريض على الإرهاب"، غير أنَّها فضّلت عدم التحدث إلى وسائل الإعلام.
وتلقت عهد مثل جميع من أفرجت إسرائيل عنهم، تهديدات قبل الإفراج عنهم من قِبل ضباط مخابرات. ولا يزال والدها أسيراً لدى إسرائيل، منذ اعتقاله قبل اعتقال ابنته بأيام. وبينما قامت القوات الإسرائيلية بتفتيش منزل العائلة في قرية النبي صالح شمالي غرب رام الله، وخريته وصادرت الهواتف المحمولة أثناء القبض عليها، نشر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير صورة توثق لحظة الاعتقال، وأشاد بها.
عائلات الأسرى مشاريع رهائن
لا تخلو عمليات الاعتقال التي تقوم بها إسرائيل بشكل عام، بما فيها تلك التي استهدفت المؤثرين والناشطين بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، من احتجاز آباء أو أمهات أو أبناء المطلوبين كرهائن حتى تسليم أنفسهم، مثلما حدث مع الصحافي علاء الريماوي، الصحفي المختص في الشأن الاسرائيلي ومدير وكالة J media المحلية، الذي اضطر لتسليم نفسه بعد أن أخذت القوات الإسرائيلية ابنه البالغ من العمر 18 عاماً رهينة.
لدورهم في "كشف وتعرية وفضح الرواية والسردية الإسرائيلية المضللة"... إسرائيل تُلاحق وتعتقل مؤثرين وناشطين فلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتأخذ ذوي البعض منهم "رهائن" لإجبارهم على تسليم أنفسهم
وتقول الدكتورة ميمونة حسام الدين، زوجة الريماوي الذي يقضي الآن حكماً بالسجن الإداري لستة أشهر، إن قوة إسرائيلية داهمت منزلهم في بلدة بيت ريما في محافظة رام الله والبيرة، في الثانية من فجر 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي "بهدف اعتقال زوجي، لكنه لم يكن متواجداً ف المنزل لأنه ومنذ اندلاع الحرب على غزة، ظل يعود إلى البيت فجراً بسبب متابعاته وتغطياته الصحافية والبث المباشر الذي يستمر فيه حتى الفجر".
وتتابع ميمونة "بعد أن فتشوا المنزل ولم يجدوه، وضعوا ولديَّ محمد وإياس في غرفة منفصلة عنا، وبدأوا باستجوابهما عن مكان تواجد أبيهما بصراخ يهدف إلى الترهيب. وحين قالا لهما إن والدهما لا يزال في عمله، اعتقلوا محمد (18 سنة) رهينة لديهم حتى يسلَّم زوجي نفسه! وقبل مغادرتهم أخذوا رقم هاتف إياس للتواصل معنا".
تكررت بالفعل اتصالاتهم وأسئلتهم عن موعد عودة علاء "وما إذا كنّا تواصلنا معه، ومكان تواجده، وإن كان سيسلم نفسه، ومتى"، تكمل ميمونة حديثها موضحةً تلقيها وأطفالها "تهديدات بأنه إذا يسلم نفسه، فإنهم سيعودون لتكسير المنزل فوق رؤوسنا، وطالبونا إبلاغه ذلك، واستمرت اتصالاتهم بنا إلى أن تواصلوا مع زوجي هاتفياً، حيث هددوه بأنه في حال لم يسلم نفسه، فإنهم سيبقون على محمد رهينة لديهم".
قبل أن يسلم نفسه، خرج علاء بفيديو مباشر عبر مختلف منصاته، تحدث فيه عن مساومة الاحتلال باعتقال ابنه، وأكد أنه فور انتهائه من فحوصات كان يجريها في المستشفى، سيسلم نفسه. وتشير زوجته إلى أنه بعد عودته صباحاً للمنزل "حيث أخذ أغراضه الضرورية، سلم نفسه في سجن عوفر، ليُفرَجْ بعدها بعد ساعات عن ابني محمد".
مثله مثل المستشار؛ قام الريماوي بتغطية جرائم الاحتلال ونشرها. وبعد أن ازدادت حدة الحرب أصبحت هذه التغطيات متواصلة ومكثفة، ومع تغطياته المباشرة عبر تيك توك وغيره من التطبيقات أصبح لديه آلاف المتابعين.
وتصف زوجة الريماوي ما يقوم به زوجها بأنه "دوره المهني في كشف وتعرية وفضح الرواية والسردية الإسرائيلية المضللة، والبروباغندا التي يتبعها الاحتلال، ويحاول من خلالها تزييف الحقائق أمام الرأي العام، عبر تحويل الضحية إلى قاتل والمجرم إلى ضحية". وهو ما تعتبره دوراً مؤثراً في شريحة الشباب بالذات.
إسرائيل تخاف من عدوى المقاومة
تشكل حملات الاعتقالات هذه أبرز أدوات السلطات الإسرائيلية الرامية إلى تقويض أي مواجهة محتملة في الضفة الغربية، وفق مدير مؤسسة يبوس للدراسات والاستشارات الإستراتيجية، الباحث والمحلل السياسي سليمان بشارات.
تشكل حملات الاعتقالات هذه أبرز أدوات السلطات الإسرائيلية الرامية إلى تقويض أي مواجهة محتملة في الضفة الغربية، وفق مدير مؤسسة يبوس للدراسات والاستشارات الإستراتيجية، الباحث والمحلل السياسي سليمان بشارات
ويضيف في حديثه إلى رصيف22 أن مثل هذه الاعتقالات "تأتي في سياق خشية إسرائيل من تأثير معركة طوفان الأقصى في غزة على باقي مفاصل الحالة الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو القدس أو الأراضي المحتلة عام 1948، فيتحول التحرك الجماهيري الشعبي واسع النطاق، إلى عمل منظم يؤسس لحركة وطنية فلسطينية على غرار الانتفاضتين الأولى والثانية، وهو ما سيؤثر على رؤية اسرائيل المستقبلية فيما يتعلق بمستقبل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية".
لذلك فإن إسرائيل تعمد إلى القيام ببعض الخطوات الاستباقية، وفق سليمان، تستهدف الصحافيين والمؤثرين في مجتمعهم، خوفاً من أن تؤثر أو تدفع باتجاه التحرك المجتمعي والجماهيري ضد الممارسات الإسرائيلية "والتحرك هنا ليس بالضرورة أن يكون على شكل ثورة أو انتفاضة، وإنما على أقل تقدير أن يكون تحركاً يعبر عن التضامن ودعم ما جرى في السابع من أكتوبر" تشرين الأول الماضي.
يلفت سليمان بشارات هنا إلى القانون الذي صادقت عليه إسرائيل خلال الحرب، بتجريم مدح أو تأييد أو تشجيع أو التعاطف مع المقاومة عبر السوشيال ميديا، بحيث تُجرَّم مشاهدة أيِّ محتوىً مؤيدٍ للمقاومة بالسجن لمدة قد تصل إلى عام.
ورصد المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل "عدالة"، منذ بداية الحرب وحتى 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، 251 حالة اعتقال، تحقيق، أو"محادثة تحذيرية"، منها 121 حالة على خلفية منشورات على السوشيال ميديا، معظمها بتهمة الدعم والتماهي مع ما أسمته "منظمة إرهابية"، أو "التحريض على الإرهاب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه