هل لا تزال وحدة المصير الفلسطيني حقيقية؟ هل لا يزال الفلسطينيون يعدّون شعباً واحداً في ظل تشتتهم في المجتمعات الحاضنة؟ هل تشكل الظروف والشروط القانونية والسياسية المختلفة لفلسطينيي الشتات هويات فرعية مختلفة؟ وهل يعني الماضي المشترك المستقبل المشترك بالضرورة؟
هذه التساؤلات وأكثر، يجيب عنها مفكّرون وكتّاب فلسطينيون، خاضوا غمار الفعل السياسي ببعديه السياسي والفلسفي، بدءاً من النكبة إلى النكسة إلى العمل الفدائي ومنظمة التحرير، ومروراً بأوسلو وما بعدها.
رصيف22 وجه إليهم الأسئلة السابقة، وكانت الأجوبة التالية خلاصات أعوام الشتات والسياسة.
قد نكون قومية عن بعد
حسن خضر (مفكر وكاتب)
لم أعثر يوماً على ما يفسرني، بكل هذا القدر من الوضوح، كما يحدث الآن، وفي ضوء النار التي تشتعل في غزة: أنا لاجىء، وابن لاجئين من هناك.
أما بالنسبة لسؤال المصائر، فهناك شيء اسمه القومية عن بعد "nationalism from a distance"، وقد صاغ هذا المفهوم بندكت أندرسون، أهم منظّري القومية في الوقت الحاضر، ويعني ارتباط جاليات تعيش في مناطق مختلفة برقعة جغرافية وجماعة أم.
وقد استخدم أندرسون الصينيين والهنود واليهود كوسائل تمثيل لنموذج جديد للرابطة القومية. ومع هذا في الذهن، إذا كانت النكبة حدثاً مؤسّساً بالنسبة للفلسطينيين، فالإبادة في غزة حدث مؤسّس أيضاً، يعزّز الذاكرات والسرديات الوطنية، مثل صبرا وشاتيلا، وأحداث غيرها. الخلاصة: بقدر ما يبدو تفكّكنا في أعلى الهرم واضحاً ولا نجاة منه، تبدو مصائرنا موحّدة في قاعدة الهرم بشكل غير مسبوق، وبين هذين القطبين سيجد الفلسطينيون أنفسهم في المدى القريب والمتوسط.
"كلنا في الهم فلسطينيون"
غسان عبدالله (أكاديمي)
جوابي ينبع من وضعي كلاجىء في سوريا في الخمسينيات، ثم في أوروبا للدراسة في الستينيات، ثم في الأردن في أيلول 1970، ثم في لبنان في السبعينيات، وبعدها في الأردن ثانية بعد 1982، وأخيراً في رام الله بعد 1994.
حسن خضر: "إذا كانت النكبة حدثاً مؤسّساً بالنسبة للفلسطينيين، فالإبادة في غزة حدث مؤسّس أيضاً، يعزّز الذاكرات والسرديات الوطنية، مثل صبرا وشاتيلا، وأحداث غيرها. وبقدر ما يبدو تفكّكنا في أعلى الهرم واضحاً ولا نجاة منه، تبدو مصائرنا موحدة في قاعدة الهرم بشكل غير مسبوق"
أعتقد أن الجغرافيا والتشتّت فعلتا فعلهما في اختلاف البيئات والمشاكل للتجمّعات الفلسطينية المختلفة، وبالتالي أهدافها الآنية والمتوسطة المدى، ولا أدري عن البعيدة المدى. ما أعاينه مثلاً هو أن الخطاب والتعابير لها مدلولات مختلفة باختلاف الأماكن، وكمثل على ذلك كلمة "المقاومة".
بسبب تشتّت عائلاتنا في العالم أيضاً، أجد أن هناك اختلافاً في التصورات والأهداف وبالتالي المهمات، ولكننا نبقى "كلنا في الهم فلسطينيون"، مع الاعتذار لأحمد شوقي.
"الأمل ضرب من الجنون، لكنها محاولة أخيرة"
حسني أبو كريّم (فنان وأكاديمي)
بالرغم من سوداويّة الحالة المفرطة والتشظي حدّ التناقض في حالتنا، فلا بد من بارقة أمل وضوء ولو بسيط في آخر النفق. أجلس أمام اللوحة البيضاء منذ شهرين ولا أدري ما الذي ينبغي أن أخطه. بياض مطبق. ولكن لا بد من أمل.
هل الأمل منطقي اليوم؟ أو هل نحن أبناء المنطق أم الجنون؟ قد نكون أبناء الجنون، وقد يكون الأمل محاولة أخيرة لتفادي الوقوع في هاوية العدمية.
غسان عبدالله: "أعتقد أن الجغرافيا والتشتّت فعلتا فعلهما في اختلاف البيئات والمشاكل للتجمعات الفلسطينية المختلفة، وبالتالي أهدافها الآنية والمتوسطة المدى".
"الفكرة غير منطقية"
سامي أبو شحادة (سياسي وعضو كنيست سابق)
باعتقادي أن هذه الفكرة أصبحت غير منطقية أو واقعية منذ عشر سنوات، دون علاقة لما يحدث الآن في غزة. الشعب الفلسطيني في أغلبه لاجئ في دول مختلفة وظروف حياة مختلفة، ولبعضهم فممارسة حق العودة ستكون بمثابة نكبة جديدة، فليس كل اللاجئين يعيشون ظروفاً حياتية صعبة في مخيمات اللجوء، مثلاً الفلسطيني الذي يعيش في الأردن متجذّر اقتصادياً واجتماعياً ووضعه جيد، حق العودة غير قابل للتصرّف بالطبع ولا خلاف عليه، لكن يجب عقلنة النقاش ومنطقته.
أمر آخر في المصير المشترك، أنا شخصياً أفضّل مصطلح "حق تقرير المصير" لكل الشعب الفلسطيني، هذا مطلب سياسي يجب أن يقدم حلاً لأزمة فقداننا لوطننا ولوجود دولة مستقلة نتطوّر من خلالها، في نفس الوقت، لا يمكن أن نتجاوز أن هناك بعداً رومانسياً على مستوى المشاعر في المطالب.
أعتقد أن واحدة من أهم نتائج النكبة هي تجزئة الشعب الفلسطيني، ووضعنا تحت ظروف قانونية مختلفة.
هناك 3.5 مليون تحت الاحتلال، صار حتى من الصعب أن نشرح للعالم ما هو الاحتلال، لأنه غير موجود في العالم اليوم ولم يختبره أحد، هناك أيضاً 2.3 مليون في غزة يتم تحديد السعرات الحرارية التي سيتناولونها بكمية الغذاء التي تدخل إلى القطاع، وفي إسرائيل نفسها تتدخل الدولة في كل شيء في حياة الفلسطيني، حتى زواجه الممنوع من الضفة وغزة والأردن بموجب قانون "منع لم الشمل".
لكن بالعودة إلى المربع الأول، قد لا نملك حالياً وحدة المصير، لكننا على الأقل عدنا إلى وحدة العدو التي يمكن أن تمغنط الهوية الفلسطينية من جديد باتجاه الحل الواحد، وهذا النقاش قائم حتى بدون علاقة بالحرب.
"لا خلاص فردي للفلسطينيين"
ماجد توبة (صحافي ونقابي)
أعتقد أن سؤال المصير المشترك مشروع في ظل حالة الانفراد بقطاع غزة بصورة مطلقة والضفة الغربية بصورة نسبية، لكنني أؤمن أن الشعور والإيمان الفلسطيني بوحدة المصير المشترك لهذا الشعب المقطّع في غير بلد، إضافة إلى توزعه داخل فلسطين التاريخية ذاتها، هو ثابت وراسخ كفكرة وعقيدة، وأنه أحد أسس الوعي الوطني الفلسطيني الجامع.
ماجد توبة: "وحدة المصير كفكرة جامعة تظهر بقوة لدى الفلسطينيين في الـ48، كل محاولات الدمج والتذويب والفصل عن باقي مكونات مجتمعنا الفلسطيني في الضفة وغزة باءت بالفشل، لتتحول إسرائيل إلى الإقصاء والتمييز العنصري والتهجير".
نعم تبدو الصورة عند انفراد العدو بالفلسطينيين في ساحة ما، كما في غزة اليوم، وقبلها في الضفة وغزة بالانتفاضتين الأولى والثانية، وفي حرب بيروت عام 1982، والتحييد الإجباري لباقي الفلسطينيين في المحاضن الجغرافية الأخرى عن الإسهام في معارك التحرير والدفاع عن الوجود... أقول قد تبدو الصورة مقلقة، خاصة وأن هدفاً رئيسياً للعدو الإسرائيلي وداعميه يعتمد على رواية أن لا شعب فلسطيني واحد بل مجاميع بشرية، لا تشكل شعباً بالمعنى القومي.
وحدة المصير المشترك، رغم الواقع الصعب، ثابتة وأساسية في الوعي الفلسطيني، حتى بين مغتربيه في الدول الغربية، فكيف به في مخيمات اللاجئين ومناطق اللجوء والوطن الواسعة التي يتجمّع فيها الفلسطينيون. يظهر ذلك بصورة أساسية في الهبّات الشعبية التضامنية السياسية والإعلامية، والمظاهرات التي تؤكّد أول ما تؤكّد على الإيمان بوحدة المصير والرابط الوطني المتين.
أعتقد أن الحرب على الوعي بوحدة المصير للشعب الفلسطيني هي الأقوى. يظهر ذلك اليوم بما يتسرب من مخططات إسرائيلية وأمريكية للتهجير الفلسطيني من غزة ولاحقاً من الضفة، وعدم استثناء فلسطينيي 48، والحديث عن تأمين استيعاب عشرات آلاف، وربما مئات آلاف، اللاجئين في الغرب والدول العربية الخليجية لتذويب الهوية الوطنية الفلسطينية، والدفع بمجاميع هذا الشعب للبحث عن حلول وخلاص فردي شخصي بعيداً عن الخلاص الجماعي الوطني من الاحتلال، وتحقيق أحلام العودة والتحرير والدولة.
حسني أبو كريّم: "هل الأمل منطقي اليوم؟ أو هل نحن أبناء المنطق أم الجنون؟ قد نكون أبناء الجنون، وقد يكون الأمل محاولة أخيرة لتفادي الوقوع في هاوية العدمية".
وحدة المصير ورسوخها كفكرة جامعة جوهرية تظهر بقوة لدى الفلسطينيين في الـ48، أي داخل ما يسمى المجتمع الإسرائيلي، حيث كل محاولات الدمج والتذويب والفصل عن باقي مكونات مجتمعنا الفلسطيني في الضفة وغزة باءت بالفشل، لتتحول إسرائيل إلى منهج آخر للتعامل مع هذه الشريحة الواسعة من الشعب الفلسطيني في بالاقصاء والتمييز العنصري والتهجير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...