شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
واقعية؟.. أم مجرد نسخة من

واقعية؟.. أم مجرد نسخة من "ماذا لو؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الجمعة 15 ديسمبر 202312:12 م

كما تضطرب المشاعر وتعلو الانفعالات خلال الأزمات الكبرى، كالحرب والعدوان، تزدهر في المقابل مقولات وأفكار تموضع نفسها في موقع العقلانية والواقعية، وتحاول، أو تدعي أنها تحاول، التصدّي للشعبوية والمثالية والطموحات التي لا تستند إلى الحقائق، لكن أهي كذلك حقاً، أو دائماً، أم أنها مجرّد نسخة أخرى، أو وجه آخر للعملة التي تظن تلك المقولات أنها تناقضها؟

"إذا اكتفت الفصائل الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر بالهجوم على المواقع العسكرية، من دون التعرض للكيبوتسات والمدنيين الإسرائيليين، أكان الانتقام الإسرائيلي سيبلغ الحد الذي شهدناه، بتدمير كلّي لقطاع غزة وعشرات آلاف الضحايا المدنيين؟ وهل كانت إسرائيل ستحصل على الدعم الدولي الذي نالته، في بداية العدوان على الأقل؟".

يتردّد السؤال السابق، بصيغ وكلمات مختلفة، في المجال العام، وهو مثيل لأسئلة مشابهة طالما تردّدت في الأزمات الكبرى عموماً، ومراحل الصراع العربي-الإسرائيلي خصوصاً، منذ كان السؤال: "ألم يكن من الأفضل لو قبل العرب بقرار تقسيم فلسطين سنة 1947 بدلاً من خسارة كل شيء فيما بعد؟"، وصولاً إلى: "لماذا لم يقبل عرفات بعرض الـ 80% في مفاوضات كامب ديفيد سنة 2000؟".

إن "الشر" الذي نتج عن اختيار حصل في الواقع، لا يعني بالضرورةـ أن الاختيار المقابل كان ليكون أقل شرّاً، أو سيحقق نتائج أقل سوءاً

وبالطبع تتكرّر الصيغة، تحت شعار "الفرص الضائعة"، لوصف معظم – إن لم يكن كل – مراحل الصراع، وتتفرّع بالطبع إلى أسئلة أكثر تخصيصاً، من قبيل: "لماذا لا يوجد ملاجئ للمدنيين في غزة كما توجد أنفاق لحماس؟"، و"ألا ينبغي أن تتوقف السلطة الفلسطينية عن التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ ألم يكن ذلك التعاون وراء خسارتها موقعها في قلوب – وأصوات – الفلسطينيين، وأتاح لخصومها من التنظيمات المسلحة اكتساب الشعبية والنفوذ؟".

تتسع مثل تلك الأسئلة لتخرج من النطاق الفلسطيني المباشر، إلى النطاق العربي الأوسع؛ "ألم تصل بنا ديكتاتورية عبد الناصر إلى نكسة 1967؟"، "إذا قبل الفلسطينيون دعوة أنور السادات للحضور في مفاوضات كامب ديفيد، ألم يكونوا لينعموا بدولتهم الآن؟"، "ألم يتسبب حزب الله في تدمير لبنان بتنفيذ عمليته لاختطاف جنود إسرائيليين في 2006"؟، "ألم يلحق وسم الإرهاب بالتنظيمات الفلسطينية حتى ما قبل عصر (الصحوة الإسلامية) بسبب هجمات اختطاف الطائرات في السبعينيات؟".

يمكن مد بساط مثل تلك الأسئلة إلى ما لا نهاية، بل حتى صياغتها بأشكال لا تنتهي، ينفتح مع كل منها مزيد من الاحتمالات، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا، هو أن "العقلانية" أو "الواقعية"، بوصفها نهجاً ينظر إلى الحقائق والوقائع وحدها، بعيداً عن ما نعتقد أنه جيد أو سيء (حسب النصيحة الأخيرة التي وجهها برتراند راسل إلى الأجيال التالية)، لا ينبغي أن يُبنى على مجرد محاولة تخيل نقيض ما حدث فعلاً، على طريقة "ماذا لو؟" التي تصلح أكثر لأفلام الخيال العلمي.

إن "الشر" الذي نتج عن اختيار حصل في الواقع، لا يعني بالضرورةـ أن الاختيار المقابل كان ليكون أقل شرّاً، أو سيحقق نتائج أقل سوءاً. إن اتخاذ المواقف وتكوين الآراء بناء على الحماسة والأيديولوجيا – ومنها القناعات الدينية- ليس أفضل الحلول، لكن هذا لا يعني بصورة آلية، أن اتخاذ خيارات أخرى سيحقق ما هو أفضل، بل قد يصل الوعي الجمعي أحياناً، حتى لو تم التعبير عنه بصورة "غير علمية"، إلى خيارات أفضل، بحكم التجربة اليومية وخبرة العيش والمواجهات المباشرة، ولهذا، على سبيل المثال، يكرّر داعمو الفلسطينيين، من نشطاء الغرب في الستديوهات الغربية، الطلب من الآخرين الذهاب إلى الأراضي المحتلة، مقتنعين أن التجربة المباشرة وحدها – لا الافتراضات النظرية - سوف تغير تماماً قناعاتهم.

لكن، التجربة الحسية قد تكون بالطبع مخادعة أحياناً، وعرضة للتأثير بعوامل مختلفة، وفي المقابل، ما يحصل في كثير من الطروحات "العقلانية"، أنه يتم تجاهل وقائع تم توثيقها، ويمكن بالعودة إليها الانتفاء إلى حاجة طرح سؤال "ماذا لو"، وعلى سبيل المثال، بالنظر إلى سؤال استهداف المدنيين في 7 أكتوبر، يمكن العودة إلى واقعة أسر العسكري جلعاد شاليط، في هجوم عسكري خالص نفّذته المقاومة الفلسطينية، إذ إنه طوال خمس سنوات من محاولة إسرائيل استعادة شاليط، قتلت اعتداءاتها أكثر من 1600 فلسطيني قبل أن "تستسلم" وتستجيب لصفقة التبادل في العالم 2011.

كنا دائماً ثماراً هشة في صراع الأفيال والقوى النووية الكبرى ومعسكرات الشرق والغرب، ومطالبتنا بأن نحسن الاختيار، تتناسى أننا لم نمتلك، إلا نادراً جداً، أي اختيار

يمكن قول الشيء نفسه عن تدمير إسرائيل لنصف لبنان في حرب 2006، إذ إن هجوم حزب الله كان عسكرياً خالصاً على دورية عسكرية، لم يمنع ذلك إسرائيل من إعلان حرب شاملة. إن مثل هذه المقارنات هي ما منح الحجّة التي استخدمها الإعلامي باسم يوسف شعبية دولية واسعة في لقائه مع البريطاني بيرس مورجان. لقد استخدم نموذج السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية للحكم على كل "الافتراضات" بخصوص غزة، ليس من داع لطرح أسئلة تخيلية عن خيارات حركة حماس في غزة، طالما أن الضفة مثال شاخص أمامنا.

يكن مدّ ذلك على إطلاقه، أكان الغرب وإسرائيل سيمتنعان عن "صيد الديك الرومي - جمال عبد الناصر" وتجربته لو كان أقل ديكتاتورية؟ يمكن استحضار تجربة سلفادور الليندي في شيلي كمقارنة، أو صداقة أميركا مع الأنظمة الرجعية لاستكمال الصورة.

كانت "الديكتاتورية" بالتأكيد عنصراً فاسداً أضرّ بالتجربة الناصرية، لكنها، على نحو ما، كانت جزءاً لا ينفصم عنها، وإلا كيف كان ممكناً، بالديمقراطية، نزع أراضي الباشوات لعمل الإصلاح الزراعي، أو التأميم من أجل الخطط الخمسية و التصنيع والتعليم المجاني؟.

إن الحكم هنا ليس أخلاقياً، لا بخصوص الحريات في حالة الناصرية، ولا استهداف المدنيين في حالة حماس. إنه مجرّد محاكاة لما يفترض أن العقلانية/ الواقعية/ البرجماتية تدعيه لنفسها، محاولة للـ "نظرة الباردة" بعيداً عن العاطفة. فإذا كان "العاطفيون"، والمؤمنون بـ "الفداء" والشهادة" و"انبلاج الفجر" يعتقدون أن "الحق" كاف لتحقيق الانتصار، فمن المفترض أن "العقلانيين" و"الواقعيين" يعرفون أنه لا ينبغي منح الخيارات العربية طول تاريخ الصراع، ما هو أكبر من حجمها، بوصفنا كنا دائماً ثماراً هشة في صراع الأفيال والقوى النووية الكبرى ومعسكرات الشرق والغرب، وأن مطالبتنا بأن نحسن الاختيار، تتناسى أننا لم نمتلك، إلا نادراً جداً، أي اختيار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image