بدأت الحكاية من سوق السمك، في مدينة رشت، الواقعة في محافظة كيلان شمال إيران، حيث رقص المسنّ الإيراني صادق بوقي، رقصةً عفويةً وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو رقصته بكثرة، فلاقى المقطع تفاعلاً واسعاً، لكن الرقصة أثارت ردود فعل متباينةً بين مؤيد ورافض، فعدّها البعض حريةً شخصيةً تعبّر عن فرحة الرجل، وآخرون عدّوها خادشةً للحياء العام.
لم يمر وقت كثير حتى تابع كثر الصفحة الشخصية لصادق بوقي على منصة إنستغرام، وتخطى عدد متابعي صفحته أكثر من 120 ألف شخص، لكن لم تدُم فرحة بوقي بهذا الأمر طويلاً، إذ أغلقت شرطة إيران هذه الصفحة، وحذفت جميع المنشورات منها، ونشرت فيها بلاغاً كتبت تحته: "تم حجب هذه الصفحة بسبب إنتاج محتوى إجرامي، وبناءً على النصوص الجنائية الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية، تم التعامل مع صانعي المحتوى بهذه الصفحة".
إغلاق الصفحة هذه، تسبب بتكهنات حول ما إذا تم القبض على صادق بوقي، وبناءً على هذا شُنّت حملة دعم من قبل الإيرانيين/ات في مواقع التواصل الاجتماعي، فظهر الداعمون في مقاطع فيديو وهم يؤدون رقصة العم صادق، مطالبين بعدم اعتقاله أو صدور أي حكم جنائي بحقه.
ردة فعل الشرطة
وبعد وابل من الانتقادات على اعتقال صادق بوقي، وتزايد الموجة الداعمة له، نفت شرطة محافظة كيلان اعتقاله، واعدةً بأنها ستفتح صفحته و12 صفحةً أخرى من الصفحات التي ساهمت في نشر محتوى بوقي على إنستغرام، كما طلب قائد شرطة محافظة كيلان من السلطات القضائية، فتح بعض الصفحات التي أُغلقت مؤخراً على إثر هذا الحدث.
تابع كثر الصفحة الشخصية لصادق بوقي في منصة إنستغرام، وتخطى عدد متابعي صفحته أكثر من 120 ألف شخص، لكن لم تدُم فرحة بوقي بهذا الأمر طويلاً، إذ أغلقت شرطة إيران هذه الصفحة، وحذفت جميع المنشورات منها
وأعلنت شرطة كيلان، دون أن تذكر اسم صادق بوقي، أنه بعد نشر فيديو "شخص معروف الهوية في مدينة رشت"، تم تدوال "أنباء غير حقيقية عن اعتقاله"، حيث حذرت الشرطة فحسب هؤلاء الأشخاص الذين شاركوا وساهموا في نشر هذا السلوك غير اللائق في الفضاء الإلكتروني.
ردود الفعل
أثار هذا الحدث الرأي العام في إيران، وتسبب في ردود فعل متباينة بين السياسيين/ات والمشاهير والناشطين/ات الإيرانيين/ات، وأبرز هذه الردود، رد وزير السياحة الإيراني عزت الله ضرغامي، الذي رأى أن الفرح والبهجة لطالما كانا جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الفارسية، كما أن الدين جاء لنشر راحة البال والفرحة.
وقال ضرغامي في العاشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، في أثناء كلمته في حفل افتتاح أسبوع البحوث: "لدينا مشكلة في إنتاج السعادة، كما أننا لم نتمكن بعد من تقديم السعادة بشكل صحيح، فإذا فرح رجل عجوز عند باب متجره أو غنّى أغنيةً شعبيةً، يصبح متهماً من وجهة نظرنا (السلطات)، ولكن إذا فعل الشيء نفسه في الأيام أو المناسبات الدينية أو في يوم ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، فسيتم تشجيعه".
وحول هذا الموضوع، نشر محمد جواد آذري جهرُمي، وزير الاتصالات الأسبق الإيراني، رسماً بيانياً تناول فيه حجم عمليات البحث على غوغل في الأسبوع الماضي، ويُظهر هذا البحث أن قضية صادق بوقي، قد تفوقت على قضية فساد شركة "دبش للشاي".
ويرتكز قياس جهرمي على افتراض أن الحملة التي قام بها التيار الأصولي المتشدد في هذه القضية، وإغلاق الصفحات على إنستغرام، ليس لها أي مبتغى سوى خفض الحديث بشأن قصة الفساد التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي كانت وراءها شركة الشاي.
وكتب الناشط السياسي مطهرنيا في صفحتة بمنصة إكس (X): "صادق بوقي ليس بظاهرة، بل حركة ديناميكية للغاية وتكتسب قوةً، وتعمل على حدّ سيطرة الحكومة الإيرانية، على مختلف جوانب حياة الناس، وذلك من خلال المقاومة الإيجابية النشطة".
الكيل بمكيالين
تناولت وسائل الإعلام الإيرانية المحلية هذه القضية، وأشارت غالبيتها إلى ازدواجية موقف السلطات القضائية في مثل هذه القضايا، حيث كتب موقع "رويداد 24": يقول البعض إن جريمة صادق بوقي هي ’هزّ جسده’، وهو ما عدّته السلطة القضائية مثالاً على ’الرقص’! ولنفترض أن هذا البيان صحيح، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي المادة القانونية التي تُجرّم صادق بوقي؟ وكيف لا تكون رقصة رجال الأمن الملثمين في ساحة "وليعصر" في العاصمة طهران جريمةً؟ ولا تخدش رقصتهم الحياء العام مثل رقصة صادق؟.
كما قارنت صحيفة "هم ميهن"، بين التعامل مع هذا الشخص المسنّ والممثل الشهير محمد رضا كلزار، فجاء فيها: "في رشت يُضطهد رجلٌ عجوزٌ سعيد، وتُركّب كاميرات مراقبة الحجاب في مترو أنفاق مشهد، ويُشكَّل نفق من شرطة الأخلاق في مترو طهران لمراقبة الحجاب، بينما هؤلاء الأشخاص الذين يضعون القوانين الصارمة، هم أنفسهم يدعون محمد رضا كلزار في برامج التلفزيون الحكومي الإيراني لحل مشكلاته ورفع مكانته".
كتب موقع "رويداد 24": يقول البعض إن جريمة صادق بوقي هي ’هزّ جسده’، وهو ما عدّته السلطة القضائية مثالاً على ’الرقص’! ولنفترض أن هذا البيان صحيح، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي المادة القانونية التي تُجرّم صادق بوقي؟
موقع "إنصاف نيوز"، أشار إلى تداعيات السعادة في رشت، حيث سخر من الحادث تحت عنوان "على الناس أن يدفعوا ليضحكوا". وبحسب مقابلة أجراها هذا الموقع مع بائع في سوق السمك في مدينة رشت، فإن هناك محلين أو ثلاثة، أُغلقت في هذه المدينة بعد انتشار مقطع الفيديو الذي يرقص فيه صادق بوقي وبعض الرجال من حوله، وتابع البائع: "عندما يدفعون وينفقون من أجل البكاء (في إشارة إلى مراسم العزاء الدينية)، علينا أن ندفع الثمن لكي نضحك".
ووصف موقع "انتخاب" معاملة السلطات مع صادق بوقي بأنها "بناء جدار بين المواطنين والسعادة". وقارن الموقع معاملة النظام القضائي في البلاد مع صادق بوقي ورضا ثقتي (المدير العام السابق لمنظمة الثقافة في محافظة كيلان، والذي تم فصله قبل بضعة أشهر بسبب نشر مقطع فيديو له وهو يمارس الجنس مع رجل).، قائلا: "لماذا يعتبر تصرف صادق بوقي في سوق رشت جريمة، فيما لم يتم اتهام أحد بسبب ما قام به ثقتي، ولم يكن هناك أي أخبار عن القبض عليه ومتابعة قضيته؟".
من هو صادق بوقي؟
صادق بنّا، الملقب بصادق بوقي، وُلد عام 1953 في مدينة رشت، ويُعرف بـ"عجوز سوق السمك"، كما أنه زعيم جماهير فرق كرة القدم في شمال إيران، وأبرز هذه الفرق هي: "ملوان" و"داماش" و"سبيدرود". هذا المشجع الكبير عُرف بين الناس من خلال الرقصات التي يؤديها في سوق السمك في مدينة رشت.
لدى هذا الرجل ذي الـ70 عاماً، محل تجاري في سوق السمك، وكان ينشر فيديوهات قصيرةً عن غنائه ورقصه في السوق مع بعض أصحاب المتاجر والمارة، حيث كان يجلب البهجة والفرحة للناس والأشخاص الذين يتابعون صفحته الشخصية، التي ينشر فيها منذ سنوات مقاطع لمحتواه.
وشهدت السنوات الأخيرة، مواجهة النظام الإيراني مع المواطنين الذين تنشر صورهم وهم يرقصون على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تم قبل أشهر، اعتقال شابات إيرانيات ظهرن في مقطع فيديو راقص لاقى انتشاراً كبيراً على الإنترنت، وهن يرقصن على أنغام أغنية "كالم داون" للمغني النيجيري "ريما" أمام بناء ضخم في ضاحية إكباتان السكنية بطهران. وفي عام 2019، تم القبض على ثلاث راقصات شهيرات على إنستغرام.
وأُعتقل عام 2018، مسؤولاً بارزاً في وزارة الثقافة بعد نشر فيديو على الإنترنت لصبيان وفتيات يرقصون في مكان عام في مدينة مشهد بشمال شرق البلاد. وفي نفس العام، اعتقلت السلطات الإيرانية المراهقة مائده هجبري بعد أن نشرت على حسابها في إنستغرام مقاطع فيديو تؤدي فيها رقصات على أنغام إيرانية وغربية. وفي عام 2017، اعتقلت السلطات في إيران ستة أشخاص متهمين بتعليم رقص الزومبا ومحاولة "تغيير نمط الحياة".
وربما يكون رأي جهرمي أو ضرغامي أو حتى مطهرنيا قريباً للواقع، لكن ما هو واضح أن السلطات الإيرانية تتعامل بمزاجية مع القضايا حسب الظروف والمصلحة، فعلى سبيل المثال، في يوم ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران، يصبح الحجاب غير قسري، والرقص والفرح في الأعياد والمناسبات الدينية مباحين لا بل يوصى بهما، فالإيرانيون/ات اعتادوا على ازدواجية المعايير لدى السلطات في هذه الأمور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...