شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كيف يمكن لأغنية أن تغيّر؟…

كيف يمكن لأغنية أن تغيّر؟… "اخلعي حجابَكِ" منطلقة، ومهدي يرّاحي في السجن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أُعلِن عن اعتقاله دون أن يستغرب الخبر أحدٌ. فبعد انتشار أغنيته الجديدة "روسريتو دربيار"، التي تعني "اخلعي الحجاب"، والتي غنّاها للنساء اللواتي لم يلتزمن بقانون ارتداء الحجاب الإلزامي في إيران، قُبض عليه من قبل السلطات الأمنية، في 28 آب/أغسطس الجاري.

مهدي يراحي في إحدى حفلاته

تسبب خبر اعتقاله في صدمة كبيرة لمتابعيه ومحبّيه، ذلك برغم توقعهم ومخاوفهم من حدوث هذا الأمر، فمنهم من شجعه وكان رأيه إيجابياً، ومنهم من لامه على خطوته الجريئة هذه خوفاً عليه من الاعتقال، لا سيما أن مهدي يراحي، كان من أوائل الفنانين الذين دعموا انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، التي حدثت في إيران خريف العام الماضي، إثر مقتل الفتاة "مهسا أميني"، بعد اعتقاله من قبل شرطة الحجاب في طهران.

من هو مهدي يراحي؟

هو مطرب وملحن وشاعر إيراني، وُلد في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1981، في مدينة الأهواز، وهو من عرب محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد. بدأ مشواره الفني عام 2000، وله الكثير من الأغاني باللغتين الفارسية والعربية، وأكثر أعماله بالفارسية.

أُعلِن عن اعتقاله دون أن يستغرب الخبر أحدٌ. فبعد انتشار أغنيته الجديدة "روسريتو دربيار"، التي تعني "اخلعي الحجاب"، والتي غنّاها للنساء اللواتي لم يلتزمن بقانون ارتداء الحجاب الإلزامي في إيران

أُعجب بالموسيقى الكلاسيكية الغربية منذ طفولته، وتعلّم الموسيقى من الفنان علي كسرائي، الذي يعدّه يراحي معلمه الوحيد، وفي ما بعد تعلم العزف على البيانو والغيتار بنفسه، ومن هنا انطلق مشواره في التلحين، حيث لحّن أغاني كثيرةً لمطربين شهيرين، منهم المطرب "داريوش إقبالي" الذي يُعدّ أحد أشهر وأكبر الفنانين الإيرانيين.

اشتهر بعدما أطلق أغنية "خذني تحت ظلك"، لبرنامج تلفزيوني بالعنوان نفسه، أُنتج في إذاعة إيران الوطنية في عام 2006. لم تكن تلك الخطوة إلا بداية نجومية كبيرة في إيران، وعلى وجه الخصوص في مسقط رأسه محافظة خوزستان.

صورة من المطرب الإيراني مهدي يراحي

أغنية "خذني تحت ظلك"، جلبت له الكثير من العروض للغناء في "تترات" المسلسلات والبرامج التلفزيونية، التي كانت لها شعبية كبيرة ويتابعها الملايين من الإيرانيين، وواصل غناءه لـ"التترات"، حتى أصدر أول ألبوم غنائي له تحت عنوان "اتركني" بالفارسية (منو رها كن)، في عام 2011، وضمّ عشر أغنيات، تسع منها بالفارسية وأغنية "على مودك" بالعربية، التي أعاد غناءها وهي أغنية بالعنوان نفسه للمطرب العراقي كاظم الساهر.

بعد ذلك بعامين، قدّم ألبومه الثاني "إمبراطور"، وفي عامي 2015 و2016، صدر له ألبومان على التوالي تحت عنوانَي "التمثال" و"المرآة"، ولم تتضمن الألبومات الثلاثة أي أغنية عربية، إذ أُنتجت جميعها بالفارسية، لكنه كان يقدّم باستمرار أغنيات "سينغل" باللغة العربية خلال تلك الفترة.

القضايا الاجتماعية في فنّه

عام 2018، هو العام الذي قدّم فيه أول ألبوم اجتماعي له في شهر كانون الأول/ديسمبر، وسمّاه بالـ"ثلاثية الاجتماعية الأولى"، وفيه ثلاث أغنيات عناوينها: "هذيان" و"إنكار" و"قطعة حجر". هذا الألبوم، وعلى وجه الخصوص أغنية "قطعة حجر"، التي غنّاها ضد الحرب الإيرانية العراقية التي دامت ثماني سنوات، جلبت له مشكلات عديدةً، أهمها كان حظر أعماله الفنية، ولم يكن هذا الأمر جديداً على يراحي.

أظهر خلال فيديو كليب أغنية "قطعة حجر"، صوراً لمعاناة الناس خلال تلك الحرب، التي تسببت في قتل الملايين من الإيرانيين، كما دُمّرت خلالها البنى التحتية لمدن محافظة خوزستان المجاورة للعراق، فكان هذا الفيديو هو السبب الرئيسي في منعه من ممارسة عمله.


لم تكن هذه المرة الأولى التي يواجه فيها هذا المطرب الشاب، حظراً ومنعاً للعمل من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران، إذ مُنع من العمل بشكل مؤقت في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، بعدما اعتلى خشبة المسرح في الأهواز، برفقة أعضاء فرقته الموسيقية، مرتدين زيّ عمال شركة فولاذ خوزستان، الذين كانوا قبل فترة معتصمين أمام مبنى الشركة لأيام، مطالبين بحقوقهم.

ومن هنا بدأت سلسلة منع براحي من العمل، حيث توالت عليه هذه الأحكام، وأُلغيت كل تصاريحه للحفلات في جميع أرجاء البلاد، لغاية أواسط عام 2019، وبعد ذلك أخذ تصريحاً لإقامة حفل في طهران في 17 تموز/يوليو 2019، شريطة أن لا يغنّي أغنية "قطعة صخرة" خلال الحفل. لكن في نهاية الحفل، وبعد خروجه، تم عزف الأغنية وغنّاها الحاضرون كاملةً.

بعد فترة وجيزة من هذا الحدث الذي تم تداوله إعلامياً على نطاق واسع، وغُطّي من قبل الكثير من القنوات والمواقع الإعلامية المحلية والدولية مثل "بي بي سي فارسيBBC persian ، ألغيت مجدداً جميع تصريحاته للحفلات في البلاد، حتى 16 آب/أغسطس 2019، تحديداً قبل أسبوع من موعد حفلاته في إيران.

احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"

مهدي يراحي من أوائل الفنانين الإيرانيين الذين أعلنوا تضامنهم وانضمامهم مع النساء في احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، بإصدار أغنية "كفى حبساً" (قفس بس)، في أول أيام الاحتجاجات، حيث لاقت الأغنية صدى واسعاً من قبل المحتجات/ين، وأعلن خلال تلك البرهة أن هذه الأغنية ليست سوى بداية، حيث سينشر الكثير من الأعمال المشابهة للمشاركة بدوره في الاحتجاجات، ومنذ ذلك الحين وهو مطلوب من الجهات الأمنية في إيران.

وكما وعد أوفى، إذ نشر أغنيةً جديدةً بعنوان "نشيد المرأة" (سرود زن)، انتشرت بشكل سريع بين المحتجات/ين، وأصبحت نشيد الاحتجاجات في جميع أرجاء البلاد، فكان الكل يرددها خلال الاحتجاجات والتجمعات في الشوارع.


في هذه الأثناء حكم القضاء الإيراني عليه، بمنعه من الخروج من البلاد وبالإقامة الجبرية في منزله ومنعه من أي معاملة مالية أو تجارية حتى إشعار آخر، كما أُعلن عبر صفحته في تطبيق التلغرام.

لكنه لم يلتزم بالأمر، وشوهد مراراً في مراسم تشييع بعض الفنانين الإيرانيين؛ جنازة الراحل حسين زمان، المطرب والأستاذ الجامعي، وتواجده خارج المنزل تسبب في تأزيم قضيته وتشديد الأحكام عليه.

كانت الاحتجاجات مستمرةً في إيران، حين أنتج أغنيةً جديدةً بعنوان "نشيد الحياة" (سرود زندگی)، وقدّمها لكل من كان حاضراً في الشوارع، محتجاً على قوانين البلاد والظروف الاقتصادية والمعيشية المتردّية للشعب، وفعل كل هذا وهو بعيد عن منزله ولم تكن هناك معلومات عن مكانه، لكن ما كان مؤكداً أنه لم يكن خارج البلاد.

بعد ذلك لم ينتج أي عمل فنّي، حتى أصدر أغنية "اخلعي الحجاب"، في 27 آب/أغسطس الجاري، قبيل سنوية مقتل "مهسا أميني" واحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، إذ طالب خلالها بعدم السكوت والعودة إلى الاحتجاجات، وعدّت السلطات هذه الخطوة بمثابة تحريض على قلب نظام الحكم وعدم اتّباع القوانين الرسمية في إيران.

ردود الأفعال على اعتقاله

بعد يوم من انتشار الأغنية الاعتراضية الجديدة لمهدي يراحي، تم القبض عليه، وانتشرت صور اعتقاله على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها بشكل واسع المؤيدون للحجاب الإلزامي والمحافظون، قبل المخالفين والمتعاطفين معه.

قبل أيام من ذكرى وفاة "مهسا أميني"، واحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" بأيام، تم القبض على مهدي يراحي، الذي لم يستكِن ولم يهدأ منذ أول يوم للحركة

توالت ردود الأفعال بعد انتشار خبر اعتقاله، كما تزايدت عقب تصدّر صوره صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي، وكثر من الفنانين والمشاهير الإيرانيين، مثل: المطرب "محسن جاوشي" والناشط السياسي "حسين رونقي" والشاعرة "مونا برزوئي" والإعلامي "سينا ولي الله" والممثل "حميد فرّخ نجاد"، وغيرهم، نشروا منشورات على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لتسليط الضوء على هذه القضية.

لحظة اعتقال المطرب الإيراني مهدي يراحي

حتى الآن لم تعلن الجهات الرسمية عن تفاصيل احتجاز أو حبس مهدي يراحي، ولكن من الواضح أنه محجوز في سجن "إیفين" في طهران، حسب ما كتب محاميه مصطفى نيلي عبر صفحته على "إكس": "اتصل السيد يراحي بعائلته وأعلمهم بأنه محجوز في سجن إيفين، كما أنه بخير، وليست لديه أي مشكلات جسدية أو نفسية".

قبل أيام من ذكرى وفاة "مهسا أميني"، واحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" بأيام، تم القبض على مهدي يراحي، الذي لم يستكِن ولم يهدأ منذ أول يوم لها، لكنه الآن يُعتقل، وتُنشر صور اعتقاله، وربما تكون هذه الصور بمثابة تحذير وإنذار لأي شخص يخطط للقيام بتجمعات في المناسبة السنوية هذه، كما لو أن القوات الأمنية تقول للّذين ينوون الاحتجاج خلال الأيام القادمة: "قد أُعذر من أنذر"!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image