قدّم المنتخب الفلسطيني لكرة القدم، أداءً مشرّفاً في مباراته ضد منتخب أستراليا صاحب التصنيف الـ27 عالمياً، وخسر أمامه بصعوبة، بهدف نظيف ضمن تصفيات كأس العالم 2026، في المباراة التي أقيمت في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على ملعب جابر الأحمد الدولي في الكويت، في ظل تعذّر استضافة المنتخب الفلسطيني لمبارياته على أرضه، بسبب إجراءات إسرائيل، بالإضافة إلى الحرب المستمرة على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
صحيح أن عبارة "أداء مشرف"، فقدت معناها الحقيقي لكثرة ما استهلكها الإعلام الرياضي الرسمي العربي، لتبرير هزائم المنتخبات الوطنية، ومحاولة نقل العقلية الانهزامية إلى الجماهير لتجعلها تعيش حالة إنكار، فتتحول الهزائم في رأسها إلى انتصارات وهمية، إلا أن الحال يختلف لدى الحديث عن منتخب فلسطين، فـ"الفدائي" لعب مباراةً بطوليةً ضد أستراليا التي بلغت دور الثمانية في نهائي مونديال قطر الأخير، وكان قريباً من معادلة النتيجة أكثر من مرة، وتفوق عليها في بعض فترات المباراة، وهذا بحدّ ذاته يعدّ إنجازاً استثنائياً في ظل الظروف القاهرة التي تحيط بالمنتخب، والمعوقات التي يواجهها أكثر من أي منتخب آخر في العالم، وهي ظروف بعضها دائم ومستمر، وبعضها الآخر مستجد فرضته الحرب الشعواء التي يتعرض لها قطاع غزة منذ شهرين.
خاض لاعبو فلسطين المباراة ضد أستراليا، تحت تأثير ظروف نفسية استثنائية، بحسب ما أعلن مدرب المنتخب مكرم دبوب، مشيراً إلى أن لاعبيه كانوا يتابعون الأخبار لحظةً بلحظة في الفندق وعبر هواتفهم النقالة، ويعيشون قلقاً حقيقياً على مصير أهلهم وأقاربهم في غزة والضفة الغربية.
انقطاع لستة عقود عن تصفيات كأس العالم
يشارك المنتخب الفلسطيني منذ عام 1998، بشكل منتظم في تصفيات قارة آسيا لكأس العالم وتصفيات كأس الأمم الآسيوية، بالإضافة إلى كأس العرب وبعض البطولات الودية، لكنه وعلى عكس جميع المنتخبات في القارة الصفراء، لا يستفيد من خاصية الأرض والجمهور، ويلعب نصف مبارياته في التصفيات على أرض خصومه، والنصف الآخر منها على ملاعب محايدة، لأن إسرائيل تمنع المنتخب الفلسطيني من استضافة مبارياته في غزة أو في الضفة.
تأسّس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، في العام 1928، وانضم في العام التالي إلى الاتحاد الدولي للّعبة، وهو واحد من أقدم الاتحادات في العالم العربي، وقد شارك في تصفيات مونديال 1934، وخسر أمام مصر في المباراة الحاسمة.
بعد النكبة عام 1948، تفرّق العدد الأكبر من لاعبي المنتخب الفلسطيني في بلاد الشتات، إلا أن الشعبية الكبيرة لكرة القدم في صفوف الشباب الفلسطيني، دفعت المتبقين في فلسطين المحتلة إلى إعادة تشكيل منتخب محلي لم يكن يُسمح له بالمشاركة إلا في بعض البطولات العربية، إلى حين توقيع اتفاقية أوسلو وإعادة تنظيم الحكم في غزة والضفة الغربية، فأعيد تشكيل الاتحاد الفلسطيني للكرة من جديد، وانضم إلى الاتحاد الآسيوي في العام 1998، وشارك المنتخب في تصفيات كأس آسيا 2000 في لبنان، وفي تصفيات كأس العالم 2002، في كوريا الجنوبية واليابان بعد انقطاع دام أكثر من 60 سنةً.
بالإضافة إلى حرمانه اللعب على أرضه في معظم الاستحقاقات، واجه المنتخب الفلسطيني على الدوام مشكلات في لمّ شمل لاعبيه الموزعين بين قطاع غزة والضفة الغربية ودول الشتات، سواء للمشاركة في الاستحقاقات أو لإقامة معسكرات تدريبية، وهي مشكلة ذات ثلاثة أبعاد، حيث يُحرم أحياناً اللاعبون الدوليون المقيمون في قطاع غزة من الالتحاق بزملائهم في الضفة الغربية
انتظر المنتخب الفلسطيني حتى عام 2008، ليلعب أول مباراة دولية على أرضه، حيث استضاف منتخب الأردن في مباراة ودية على ملعب فيصل الحسيني في رام الله، وقد تشكّل المنتخب يومها من لاعبين من غزة والضفة الغربية بالإضافة إلى لاعبين من فلسطينيي الشتات، وحضر المباراة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم يومها جوزيف بلاتر، وانتهت بالتعادل الإيجابي 1-1.
وفي العام 2015، استضاف الملعب نفسه المباراة الرسمية الأولى في تاريخ المنتخب الفلسطيني على أرضه، وكانت ضد منتخب الإمارات ضمن التصفيات المزدوجة لكأس آسيا وكأس العالم، وسط حضور جماهيري كبير ناهز الـ14 ألف مشجع. ومع ذلك فإن خاصية اللعب على الأرض لم تدُم لفترة طويلة، حيث لعب المنتخب للمرة الأخيرة على أرضه في العام 2019، وعاد بعدها للعب المباريات التي يحق له استضافتها، على ملاعب محايدة في دول مجاورة، بسبب الإجراءات الإسرائيلية الجائرة تارةً، والاعتداءات على غزة والضفة تارةً أخرى، كما هو الحال في تصفيات كأس العالم الحالية.
الحصول على تأشيرات عبور
بالإضافة إلى حرمانه اللعب على أرضه في معظم الاستحقاقات، واجه المنتخب الفلسطيني على الدوام مشكلات في لمّ شمل لاعبيه الموزعين بين قطاع غزة والضفة الغربية ودول الشتات، سواء للمشاركة في الاستحقاقات أو لإقامة معسكرات تدريبية، وهي مشكلة ذات ثلاثة أبعاد، حيث يُحرم أحياناً اللاعبون الدوليون المقيمون في قطاع غزة من الالتحاق بزملائهم في الضفة الغربية، كما يواجه اللاعبون صعوبةً في الحصول على تأشيرات للسفر والمشاركة في البطولات والمعسكرات الخارجية، كذلك الأمر بالنسبة للاعبين المحترفين في دوريات الشتات، إذ يُمنعون في بعض الحالات من دخول فلسطين بسبب الإجراءات الإسرائيلية.
من أبرز هذه الحالات، منع إسرائيل في العام 2004، أحد عشر لاعباً فلسطينياً مقيمين في قطاع غزة من الالتحاق ببعثة المنتخب المسافرة إلى قطر لمواجهة أوزبكستان ضمن تصفيات مونديال 2006، في ألمانيا، وقد طلب الاتحاد الفلسطيني يومها من الفيفا تأجيل المباراة، لكن الأخير رفض الطلب الفلسطيني، بينما شارك في المعسكر التدريبي الذي أقامه المنتخب في مدينة الإسماعيلية المصرية في العام نفسه عشرة لاعبين فقط.
كذلك فعلت إسرائيل في العام 2006، عندما منعت ثلاثة لاعبين من بينهم قائد المنتخب صائب جندية من مرافقة بعثة المنتخب المتوجهة إلى الأردن لإقامة معسكر تدريبي تحضيراً للمباراة ضد الصين في تصفيات كأس آسيا 2007، كما منعت نصف لاعبي المنتخب الأولمبي من الانتقال من غزة إلى الضفة الغربية في العام 2017، للالتحاق بزملائهم المسافرين إلى الجزائر والمشاركة في المعسكر التحضيري استعداداً لتصفيات كأس آسيا تحت 23 سنةً، مع الإشارة إلى أن الاتحاد الفلسطيني كان يتقدم بشكاوى باستمرار للاتحاد الدولي لكرة القدم، دون أن يلقى أي تجاوب منه.
ضحايا الكرة الفلسطينية
في الأيام الأولى للاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، أُفيد عن مقتل رشيد دبور نجم المنتخب الفلسطيني ونادي بيت حانون لكرة القدم، بعد غارة استهدفت منزله في قطاع غزة، لينضم إلى لائحة طويلة من اللاعبين الفلسطينيين الذين سقطوا بنيران الجيش الإسرائيلي.
بالإضافة إلى دبور، خسرت الرياضة الفلسطينية عشرات الرياضيين في الاعتداءات الأخيرة، منهم طارق الهور، لاعب نادي خدمات النصيرات، ونظير النشاش لاعب خدمات البريج، ورياضيون وإداريون وحكام آخرون في مختلف الرياضات.
عشرات الرياضيين الفلسطينيين عاشوا تجربة الاعتقال، لعلّ أبرزهم نجم الكرة محمود السرسك الذي اعتُقل في العام 2009، في أثناء مروره على أحد الحواجز في طريقه من غزة إلى الضفة الغربية، للالتحاق بنادي شباب بلاطة، بالرغم من أنه تحصّل مسبقاً على إذن للعبور
في الأسبوع الأخير من العام 2022، اقتحمت القوات الإسرائيلية مدينة نابلس في الضفة الغربية، وقامت بإطلاق النار بشكل عشوائي ما أدى إلى مقتل أحمد الدراغمة لاعب نادي طولكرم والمنتخب الفلسطيني (23 عاماً)، والذي كان يعدّ من أبرز المواهب الفلسطينية، وتوقّع له المحللون الاحتراف في الخارج. الاحتلال قال يومها إن دراغمة كان مسلحاً، ولذلك أطلقوا النار عليه، لكن أصدقاء اللاعب دحضوا هذه الرواية، وأكّدوا أنه كان يشارك في مناسبة رياضية وقد تواجد في المكان صدفةً.
كذلك خسرت الكرة الفلسطينية اللاعب الدولي المتألق معاذ نبيل (23 عاماً)، الذي قُتل نتيجة القصف على بيت حانون ربيع العام 2021، ضمن عملية "حارس الأسوار" التي أعلنت إسرائيل عنها يومها، وهو المصير نفسه الذي لاقاه أسطورة الكرة الفلسطينية، اللاعب والمدرب والإعلامي عاهد زقوت، الذي قُتل في غارة إسرائيلية استهدفته بينما كان نائماً في بيته في غزة في العام 2016.
نجوم الكرة خلف القضبان
لم يسلم لاعبو كرة القدم في فلسطين من حملات الاعتقال المتواصلة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية، منتهكةً بذلك المعايير الدولية، ومتذرعةً بمبررات غير منطقية لاقتيادهم إلى السجن.
عشرات الرياضيين الفلسطينيين عاشوا تجربة الاعتقال، لعلّ أبرزهم نجم الكرة محمود السرسك الذي اعتُقل في العام 2009، في أثناء مروره على أحد الحواجز في طريقه من غزة إلى الضفة الغربية، للالتحاق بنادي شباب بلاطة، بالرغم من أنه تحصّل مسبقاً على إذن للعبور.
وقد أرسل الاتحاد الفلسطيني يومها، كتاب احتجاج إلى الفيفا، وطالبت منظمات دولية إسرائيل بالإفراج عن السرسك، دون أن تلقى أي تجاوب. وبعد ثلاث سنوات في السجن، بدأ اللاعب رحلة إضراب عن الطعام استمرت 96 يوماً، دفعت إسرائيل في النهاية إلى الإفراج عنه، منتصف العام 2012.
ومن الحالات البارزة في هذا المجال، قامت إسرائيل ربيع العام 2014، باعتقال نجم المنتخب الفلسطيني سامح مراعبة، بعد عودته من معسكر تدريبي مع منتخب بلاده في قطر، حيث اتُّهم بمقابلة قادة من حماس هناك، ونقل أموال معه إلى داخل فلسطين المحتلة، وهي تهمة نفاها مراعبة بشكل قاطع، وقال بعد خروجه من السجن إن الهدف من اعتقاله كان محاربة المنتخب الفلسطيني الذي كان يحقق إنجازات في تلك الفترة، من بينها التأهل التاريخي إلى كأس آسيا 2015. شهور السجن وظروفه الصعبة لم تكسر إرادة سامح مراعبة، إذ عاد وشارك في تصفيات كأس آسيا 2019، ونجح في تسجيل تسعة أهداف ساعدت منتخب بلاده إلى التأهل التاريخي الثاني إلى العرس القاري.
اتّخذت هذه الاعتقالات طابعاً جماعياً في بعض الحالات، كما حصل مع لاعبي نادي "بيت أمر"، ومقّره مدينة الخليل، حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال سبعة من لاعبي النادي على دفعتين في العام 2015، بعد مداهمات لمنازلهم، وتفتيشها والتنكيل بالأهل قبل اقتياد اللاعبين إلى السجن، وتوجيه تهم غريبة إليهم والحكم عليهم بفترات تراوحت بين سبعة أشهر وسنوات، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية عليهم.
لم تنجح الظروف القاهرة في كسر إرادة اللاعب الفلسطيني، فيما نجح القائمون على المنتخب الفلسطيني في إبقاء "الفدائيين" في الواجهة، برغم كل المعوقات، فالمنتخب يحتل اليوم المركز 96 عالمياً وفقاً لتصنيف الفيفا، متفوقاً على بلدان عربية وآسيوية عدة تفوقه في الإمكانات المادية والفنية
وزير إسرائيلي يحرّض
عرب 48، أو عرب إسرائيل كما يسميهم الإسرائيليون، هم مواطنون فلسطينيون يعيشون في المدن والمناطق المحتلة من قبل السلطات الإسرائيلية، ويمثلون خمس عدد السكان تقريباً هناك، وهم يمتلكون الجنسية الفلسطينية وتالياً يحقّ لهم تمثيل المنتخب الفلسطيني من الناحية القانونية، إلا أنهم يواجهون مشكلات كبيرة للالتحاق بالمنتخب، ولا يحصلون على تأشيرات المرور في أغلب الأحيان.
عطاء جابر (29 عاماً)، من عرب 48، وتحديدًا من قرية مجد الكروم في الجليل، شارك مع منتخب فلسطين في المباراة التي تعادل فيها مع نظيره اللبناني قبل أسابيع ضمن التصفيات الحالية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، ما تسبب في إطلاق حملة ضده في الداخل الإسرائيلي، رافقها خطاب كراهية ودعوات إلى محاسبته، وقد وصلت الحملة إلى وزير الثقافة والرياضة في الحكومة الإسرائيلية ميكي زوهر الذي طالب بسحب الجنسية الإسرائيلية من جابر، مع الإشارة إلى أن الأخير مثّل الفئات العمرية الشبابية لمنتخب إسرائيل قبل أن يقرّر تمثيل المنتخب الفلسطيني الأول، ويُعدّ من أبرز المواهب وكانت له تجربة احترافية في أذربيجان.
الظروف القاهرة المذكورة أعلاه، لم تنجح في كسر إرادة اللاعب الفلسطيني، فيما نجح القائمون على المنتخب الفلسطيني في إبقاء "الفدائيين" في الواجهة، برغم كل المعوقات، فالمنتخب يحتل اليوم المركز 96 عالمياً وفقاً لتصنيف الفيفا، متفوقاً على بلدان عربية وآسيوية عدة تفوقه في الإمكانات المادية والفنية، ويتدرب لاعبوها في ظروف ملائمة ويجتمع منتخبها بشكل طبيعي، كما أن المنتخب حديث النشأة سلك مساراً تصاعدياً، توّجهُ بتأهل ثالث على التوالي إلى كأس آسيا الذي سيقام في قطر مطلع العام القادم، كما يمتلك المنتخب حظوظاً جيدةً في التأهل إلى الدور الثاني من تصفيات مونديال 2026.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...