منذ أيام قلائل، احتفل الأمازيغ في شتى أنحاء المغرب الكبير بيوم "أيض يناير"، والذي يوافق حلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة، وهي السنة رقم 2972 في التقويم الأمازيغي.
كالعادة كل عام، يدور الجدل حول تحديد رأس العام الأمازيغي، فبينما يذهب الأمازيغ الجزائريون إلى أنه يوافق الثاني عشر من شهر يناير، فإن معظم أمازيغ المغرب يحتفلون به في الثالث عشر من الشهر نفسه.
الكثير من الباحثين يعتقدون أن الاحتفال بتلك المناسبة في هذا التوقيت على وجه التحديد، يأتي متزامناً مع تغيّر حالة المناخ، دخول فصل الشتاء وهطول الأمطار، وهي التغيرات التي ترمز لتجدد الخصوبة والنماء، وتعني الكثير بالنسبة للمزارعين والفلاحين الذين ترتبط حياتهم ومصائرهم بخصوبة الأرض وفلاحتها.
الجدل الأكبر يحيط بتوقيت بدء التقويم الأمازيغي، وبتفسير السبب الذي حدا بالعام 950ق.م على وجه التحديد، ليصبح أول الأعوام المعتمدة في هذا التقويم، وعن علاقة كل ذلك بالملك شيشنق، الوارد ذكره في كل من حوليات التاريخ المصري، وأسفار العهد القديم.
منذ أيام قلائل، احتفل الأمازيغ في شتى أنحاء المغرب الكبير بيوم "أيض يناير"، والذي يوافق حلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة، وهي السنة رقم 2972 في التقويم الأمازيغي
ملك أمازيغي قاد شعبه للانتصار على المصريين: شيشنق في المِخيال الأمازيغي المعاصر
بحسب الرواية الأمازيغية المتداولة، فإن التقويم الأمازيغي يبدأ من العام 950 قبل الميلاد، وهو العام الذي شهد انتصار الملك الأمازيغي شيشنق الأول، على القوات المصرية التي يقودها الملك المصري رمسيس الثالث، الأمر الذي تبعه وصول شيشنق إلى العرش، وتأسيسه للأسرة الثانية والعشرين في مصر.
رغم شهرة هذه الرواية بين الكثير من الأمازيغ، إلا أنها لا تعتمد على أي سند تاريخي معتبر، لدرجة أن الشكوك تحوم حول بطلها ومكان وقوعها. فيما يخصّ الملك الأمازيغي شيشنق، فقد اختلفت الآراء حول أصوله، فبينما يدّعي الجزائريون أن أصوله جزائرية، فإن الكثير من الليبيين يعتقدون أنه ينحدر من قبائل الليبو القديمة التي كانت تسكن في غربي مصر، وكذلك أدعى بعض الأمازيغ المغاربة نسبته إلى بلادهم.
الجدل يدور أيضاً حول مكان وقوع المعركة، فبينما يذهب البعض إلى أنها قد دارت بالقرب من مدينة تلمسان الجزائرية الحالية، فإن البعض الأخر يرفض ذلك بشكل قاطع، ويؤكد على أن تلك المعركة قد وقعت في مصر نفسها.
اعتماداً على ذلك الركام من الشكوك والشبهات التي تحيط بملابسات تلك المعركة، فإن الكثير من الباحثين المغاربة من ذوي الأصول العربية، والمعارضين للتوجهات الأمازيغية، يذهبون إلى أن قصة الملك الأمازيغي شيشنق، ليست أكثر من قصة مُتخيلة، وأنه قد تم اختراعها في فترة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في منطقة القبائل في الجزائر في إبريل من عام 1980م، والتي عرفت باسم الربيع الأمازيغي، وهي الاحتجاجات التي امتدت آثارها فيما بعد لتشمل معظم مناطق التواجد الأمازيغي في بلاد المغرب الكبير، سواء في ليبيا، المغرب أو تونس.
بحسب هذا الرأي فإن بعض المفكرين المحسوبين على الأكاديميات الأمازيغية المدعومة من فرنسا، قد اخترعوا قصة الملك شيشنق الأمازيغي، كنوع من أنواع التأكيد على حضور الهوية الأمازيغية، وفي محاولة لإثبات التميز القومي والإثني والثقافي الأمازيغي، في مواجهة الهوية العربية الإسلامية المنتشرة في بلاد المغرب الكبير.
الجدل الأكبر يحيط بتوقيت بدء التقويم الأمازيغي، وبتفسير السبب الذي حدا بالعام 950ق.م على وجه التحديد، ليصبح أول الأعوام المعتمدة في هذا التقويم، وعن علاقة كل ذلك بالملك شيشنق، الوارد ذكره في كل من حوليات التاريخ المصري، وأسفار العهد القديم
غزا أورشليم ونهب كنوز الهيكل: الفرعون شيشق في السردية اليهودية
ورد الحديث عن الفرعون شيشق (الذي يُعتقد أنه نفسه الملك المصري شيشنق الأول) في بعض أسفار العهد القديم، ومنها سفر ملوك الأيام الأول، وسفر أخبار الأيام الثاني على وجه الخصوص.
السفران تحدثا عن المرحلة الحرجة التي مر بها الإسرائيليون في أواخر عهد الملك سليمان، وعن العلاقات المضطربة بين حكام بني إسرائيل ومصر في تلك الفترة، تلك العلاقات التي اتسمت بالتقلب بين الهدوء والتحالف حيناً، والتنافس والصراع أحياناً أخرى.
في الإصحاح الثالث من سفر الملوك الأول، ورد الحديث عن المصاهرة التي انعقدت بين المملكتين: "...وصاهر سليمان فرعون ملك مصر، وأخذ بنت فرعون، وأتى بها إلى مدينة داود إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب وسور أورشليم حواليها...". بحسب ما ورد في هذا السفر، فإن هذا الفرعون أراد أن يوطد علاقته مع الملك سليمان، ولذلك فإنه قام بغزو مدينة جازر الكنعانية الحصينة وخربها، وهي التي عجز ملوك بني إسرائيل جميعاً على الاستيلاء عليها، ثم قام الفرعون بتقديمها كهدية ومهر لابنته -زوجة سليمان- بمناسبة زواجها،
وبعدها قام سليمان بإعادة بناء المدينة وضمّها لأملاكه في أرض فلسطين، وعلى الرغم من أن السفر لم يذكر اسم هذا الفرعون، إلا أن أغلبية دارسي العهد القديم قد ذهبوا إلى أنه الملك سي أمون، أو الملك بسوسنس الثاني، وهما آخر ملكين في الأسرة الحادية والعشرين في مصر القديمة.
في سياق آخر، تحدث العهد القديم عن قصة أحد مساعدي الملك سليمان، وهو يربعام بن نباط، إذ ورد أن النبي أخيا الشيلوني قد أخبر سليمان بأن مملكة إسرائيل سوف تنقسم بعد وفاته، وأن يربعام سوف يحكم الجزء الشمالي من المملكة، وسينضم إليه الأسباط العشرة، عندها عزم سليمان على قتل يربعام، ولكن الأخير هرب إلى مصر، وبقي فيها حتى توفي سليمان، ويبدو أن ذلك التغير في موقف حاكم مصر -احتضانه لعدو سليمان- يدلّ على تغير الفرعون الحاكم، الأمر الذي ربطه الباحثون بسقوط الأسرة الحادية والعشرين، وتأسيس الأسرة الثانية والعشرين، على يد الملك شيشنق الأول.
بحسب الرواية الأمازيغية المتداولة، فإن التقويم الأمازيغي يبدأ من العام 950 قبل الميلاد، وهو العام الذي شهد انتصار الملك الأمازيغي شيشنق الأول، على القوات المصرية التي يقودها الملك المصري رمسيس الثالث
بحسب ما ورد في الإصحاح الثاني عشر من سفر الملوك الأول، فإن يربعام بقي في مصر حتى وفاة سليمان، ولما عرف بوفاته رجع إلى فلسطين: "أَتَى يَرُبْعَامُ وَكُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ وَكَلَّمُوا رَحُبْعَامَ -ابن سليمان- قَائِلِينَ: إِنَّ أَبَاكَ قَسَّى نِيرَنَا، وَأَمَّا أَنْتَ فَخَفِّفِ الآنَ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ، وَمِنْ نِيرِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا، فَنَخْدِمَكَ"، ولكن رحبعام رفض طلب يربعام وجماعته، وأصر على أن يستمر على المعاملة الصارمة التي عاملهم بها سليمان من قبل، الأمر الذي أسفر عن انفصال الأسباط العشرة عن مملكة يهوذا، وبينما قاموا بتأسيس مملكة إسرائيل في الشمال، ومنحوا السلطة ليربعام، فإن رحبعام بن سليمان حكم مملكة يهوذا في الجنوب، وكانت عاصمتها هي أورشليم.
في الإصحاح الثاني عشر من سفر أخبار الأيام الثاني، ورد ذكر الفرعون المصري شيشق بشكل صريح للمرة الأولى، حيث تحدّث العهد القديم عن غزو هذا الفرعون لأورشليم، وبيّن أن ذلك الغزو قد وقع بتقدير إلهي بسبب انتشار عبادة الآلهة الأجنبية الوثنية في مملكة يهوذا، فيقول: "في السنة الخامسة للملك رحبعام صعد شيشق ملك مصر على أورشليم لأنهم خانوا الرب، بألف ومئتي مركبة وستين ألف فارس ولم يكن عدد للشعب الذين جاءوا معه من مصر لوبيين وسكيين وكوشيين، وأخذ المدن الحصينة التي ليهوذا وأتى إلى أورشليم...
فلما رأى الرب أنهم تذللوا -أي سكان مملكة يهوذا- كان كلام الرب إلى شمعيا -أحد أنبياء بني إسرائيل- قائلاً قد تذللوا فلا أهلكهم بل أعطيهم قليلاً من النجاة ولا ينصب غضبي على أورشليم بيد شيشق، لكنهم يكونون له عبيداً ويعلمون خدمتي وخدمة ممالك الأراضي، فصعد شيشق ملك مصر على أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، أخذ الجميع وأخذ أتراس الذهب التي عملها سليمان"، بعدها ينقطع الحديث عن شيشق ويسكت العهد القديم عن سيرته، ويعود مرة أخرى لتأريخ تطور العلاقة بين مملكتي إسرائيل ويهوذا، وكيف تفاعلا مع الدول الكبرى المحيطة بهم في المنطقة.
مصري من أصول ليبية: شيشنق الأول في التاريخ المصري القديم
تتفق مدونات التاريخ المصري القديم مع النقوشات المحفورة على جدران الكثير من المعابد، على اعتلاء شيشنق الأول لعرش مصر في القرن العاشر قبل الميلاد.
شيشنق الأول هو مؤسس الأسرة الثانية والعشرين، والتي حكم ملوكها مصر لمدة مائتي عام
بحسب ما يتفق عليه الباحثون، فإن شيشنق الأول هو مؤسس الأسرة الثانية والعشرين، والتي حكم ملوكها مصر لمدة مائتي عام، وهناك اختلاف حول مكان عاصمتهم، ففي حين ذهب المؤرخ المصري مانيتون السمنودي إلى أن حكام تلك الأسرة قد حكموا من بوباسطة الواقعة بالقرب من الزقازيق الحالية، فإن عدداً من مؤرخي اليونان قد أكدوا على أن عاصمة تلك الأسرة كانت تقع في تانيس، الواقعة في صان الحجر الحالية.
من المُرجح أن شيشنق الأول قد حكم لمدة تزيد عن العشرين عاماً، في الفترة الواقعة بين 950- 929 قبل الميلاد، ويُعتقد أن الجذور الأولى لأسرته تعود لمدينة إهناسيا الواقعة في محافظة بني سويف في صعيد مصر.
الكثير مما نعرفه عن أصول شيشنق، يعود بالمقام الأول للمعلومات المدونة على لوحة "حور باسن"، وهي لوحة من الحجر الجيري، وتعود لسنة 730 قبل الميلاد، وتتحدث بشكل مفصل عن أجداد شيشنق، وعن جده الأعلى المسمى "بويا واوا"، والذي ينتمي لقبيلة المشوش الليبية، وهي القبيلة التي تحركت شرقاً شيئاً فشيئاً، حتى وصلت لمنطقة الواحات في أقصى غربي البلاد المصرية، ثم تحركت بعدها داخل الحدود المصرية لتستقر في منطقة إهناسيا.
الباحث المصري الدكتور سليم حسن، ذكر في موسوعة مصر القديمة، أن أسرة شيشنق الأول -ورغم انصهارها في المجتمع المصري- فإنها كانت لا تزال تحتفظ بالكثير من العادات الليبية: "ذلك أن هؤلاء المشوش أو اللوبيين كانوا يحتفظون بأسمائهم اللوبية، وكذلك كانوا يحتفظون بعادة وضع ريشتين في شَعرهم المستعار وهي عادة لوبية. ولا غرابة في ذلك فقد كان يُطلَق عليهم القوم الذين يلبسون الريشتين".
من المؤكد أن أجداد شيشنق قد تمكنوا من الاستحواذ على قدر كبير من السلطة، وأن هذه السلطة قد تزايدت مع مرور الوقت، للدرجة التي أهلت شيشنق لاستغلال حالة الفوضى والاضطراب والضعف في أواخر حكم الأسرة الحادية والعشرين، وأن يعلن نفسه حاكماً جديداً للبلاد، ورغم أننا لا نعرف الطريقة التي لجأ إليها شيشنق في سبيل الوصول للحكم، إلا أنه -في أغلب الظن- قد وصل إلى السلطة عن طريق سلمي، ويدل على ذلك مجموعة من الشواهد والأدلة، من بينها أنه قد عُثر على بعض التماثيل التي ذكرته بوصفه واحداً من كبار القادة والنبلاء المحترمين في فترة حكم الأسرة الحادية والعشرين، ولهذا نجد سليم حسن يذكر في كتابه:
"إنه من البديهي أن هذا الفرعون لم يَعْتَلِ عرش الملك إلا بعد موت الملك بسوسنس آخر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين، وليس لدينا أي دليل على أن شيشنق قد اغتصب الملك قسراً، أو ما يشير إلى قيام أي ثورة للاستيلاء على العرش، بل على العكس نرى أن هذا الفرعون كان يمجد آثار من سبقه من ملوك الأسرة الواحدة والعشرين، والظاهر أنه قد عمل على أن تكون توليته الملك بصفة شرعية، ويدل على ذلك أنه زوَّج ابنه أوسركون الذي أصبح فيما بعد الفرعون أوسركون الأول من ابنة الملك بسوسنس التي تُدْعى ماعت كارع".
من جهة أخرى، عُرف شيشنق الأول في التاريخ المصري القديم بوصفه واحداً من الملوك البنائين والمحاربين، إذ يُذكر له أنه قد أقام الكثير من الأعمال العمرانية في معبد الكرنك، وقد حفظت لنا النقوش التي تركها على جدران هذا المعبد، أخبار حملاته المظفرة في فلسطين، كما سجلت أسماء الكثير من المدن والشعوب التي تمكن شيشنق من السيطرة عليها وإخضاعها بشكل مطلق لسطوته.
الملاحظة المهمة هنا، أن أسماء تلك المدن تشير إلى أن حملة شيشنق قد امتدت لتصل لبعض المناطق الشمالية التابعة لدولة إسرائيل، الأمر الذي لا يتحدث عنه العهد القديم على الإطلاق، أما الملاحظة الثانية، فهي أن اسم أورشليم قد غاب تماماً عن قوائم المدن المُسجلة على جدران الكرنك، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام لدي باحثي المصريات، ولا سيما أولئك الذين ربطوا بين شخصية الملك المصري شيشنق الأول والفرعون شيشق الوارد ذكره في العهد القديم، وذلك لأن تلك المدينة كانت أعظم المدن الموجودة في فلسطين في تلك الحقبة التاريخية، وكان من الطبيعي أن يتصدّر اسمها تلك القوائم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...