في خضم الآراء والمواقف والأحكام التي أثارها، ويثيرها، "طوفان الأقصى"- "السيوف الحديد" معاً، حاولت الأمريكية جوديث بَتْلِر (1956)، المعروفة بـ"فيلسوفة الجندر" والدراسات الجندرية، التفكير في الواقعة المزدوجة- الفلسطينية/ الإسرائيلية، هجوم "حماس"/ الحرب على غزة، الحادثة الظرفية/ تاريخ العنف- على وجهيها، الأخلاقي المعياري والإِنّي (من "إن"، تقرير ما يحدث في صيغة الخبر) الداخلي أو المحايث.
فكتبت مقالة فكرية أرادت لها وفيها أن تتفادى فظاعة الآن، أو اليوم، الماثلة ملء السمع (الخبر والتعليق عليه) والنظر (الإعلام ووسائطه)، على السبعين سنة المنصرمة، منذ "نكبة" الفلسطينيين/ "استقلال" إسرائيل. ووسمت مقالتها ببوصلة الحداد، ونشرتها في دورية لندن ريفيو أوف بوكس، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وسعت، في الوقت نفسه، في ألا تغلّب حكم الآن الأخلاقي، والانفعالي ضمناً، على "رؤيا أخلاقية" تحتسب عمومية المعيار و"المعرفة" التاريخية والموضعية معاً. ويحدوها شاغلان مباشران هما، أولاً، تخطئة قول لجنة التضامن مع فلسطين، في جامعة هارفرد، إن "نظام التمييز هو وحده المسؤول" عن هجوم "حماس" القاتل على أهداف إسرائيلية، في السابع من الشهر العاشر. والشاغل الثاني والمتمم هو الحؤول دون أن يترتب على "فهم" العنف الإسرائيلي، الماثل والمتمادي، شبهة تسويغ هذا العنف. والحق أن الشاغل الثاني يصح في عنف "حماس" كذلك. فحملُ هذا العنف على ظروفه وملابساته، أي فهمه، يُخشى، من منظور الكاتبة المزدوج، أن يبرئ الفصيل الفلسطيني الإسلامي من إدانته على مجزرته، ويصرف النظر عن فظائعه.
الأخلاقي و"الطبيعي"
وعلى هذا، ترفض بَتْلِر اعتبار كل فهم للظروف والملابسات تسويغاً للواقعة بذريعة نسبيتها أو نسبتها إلى شروط حدوثها، وسوابق هذا الحدوث. وترد على لجنة هارفرد، وحملها مجزرة "حماس" على ماضي وحاضر التمييز العنصري، وتضيف بَتْلِر: ونظامه الكولونيالي، الإسرائيلي. فتقول إن من الخطأ تجزئة المسؤولية على هذا النحو. فلا ينبغي لشيء، سابقة أو فظاعة، أن يعفي "حماس" من "كل مسؤولية" (وليس من المسؤولية كلها) عن القتل البشع الذي ارتكبته. ولا تستحق "حركة المقاومة الإسلامية"، رغم فعلتها، لائحة الإرهاب السوداء التي كُتبت فيها. فالحمساويون محقون في تشديدهم على تاريخ العنف في الشرق الأوسط: من مصادرة الأراضي، والقصف الجوي الأعمى، والتوقيف الاعتباطي على الحواجز، إلى تفريق الأسر، والاغتيالات المستهدفة، والموت البطئ والقتل المفاجئ معاً.
رغم إنكار بَتْلِر تجزئة المسؤولية عن العنف أو توزيعها، وذلك على نحو يحمّلها كلّها التمييزَ العنصري والكولونيالي ويعزو العنف إلى التمييز هذا، تعمد بدورها إلى انتهاج توزيع يحمّل إسرائيل (بعض) المسؤولية عن عنف "حماس"، من غير أن يحمّل، صراحة ومباشرة، الفلسطيني بعض المسؤولية عن عنفه
ورغم إنكار بَتْلِر تجزئة المسؤولية عن العنف أو توزيعها، وذلك على نحو يحمّلها كلّها التمييزَ العنصري والكولونيالي ويعزو العنف إلى التمييز هذا، تعمد بدورها إلى انتهاج توزيع يحمّل إسرائيل (بعض) المسؤولية عن عنف "حماس"، من غير أن يحمّل، صراحة ومباشرة، الفلسطيني بعض المسؤولية عن عنفه. وهي تترجح، في هذه المسألة، بين رأيين أو موقفين.
فتنكر تحدر عنف "حماس"، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر حصراً على الأرجح، من عنف إسرائيل "تحت اسم آخر"، على ما تكتب. ومعنى هذا أن المسؤولية الأخلاقية والسياسية عما ارتكبته المنظمة الفلسطينية الإسلامية في المدنيين، وفي ذلك اليوم، ليست "نتيجة طبيعية"، على ما كتب ويكتب أنصار عسكرة العمل السياسي على وجوهه كلها، للنظام الاستعماري أو الكولونيالي. والتعليل التاريخي للحادثة- وردها إلى إخلاف وعود "أوسلو" بالدولة الوطنية، وإلى "حال الموت" التي يعانيها فلسطينيون كثر تحت الاحتلال والحصار- لا يُنتج "تسويغاً أخلاقياً أو سياسياً لأفعال (حماس)".
ويترتب هذا، أي نفي تحدُّر القتل، قتل المدنيين، من عنف الاحتلال، عن أصل أو مبدأ أخلاقي وسياسي جوهري. ويقر الأصل هذا بأن فاعل الفعل إنما يختار فعله. ويدخل الفعل الإنساني، والقتل والحرب إنسانيان بامتياز، في باب الأخلاق وأحكامها من طريق الاختيار. ولا يستقيم الجمع بين طلب الصفة الأخلاقية وبين التذرّع بالطبيعة وحتمها. وملابسات الاختيار، وظروفه وتاريخه، لا تجعل منه فعلاً آلياً يرد الصاع صاعاً، أو عشرة، على ما أجرى المصري الأمريكي باسم يوسف عمليته الحسابية الساخرة والأليمة.
وهذا الإقرار ركن "الرؤيا الأخلاقية" التي تدعو الفيلسوفة الأمريكية إلى توسيطها في تقويم العنف المتبادل، وإن من غير تكافؤ، على مسارح الشرق الأوسط. وهو كذلك ركن "رؤيا سياسية". فحركة التحرر والاستقلال لا تنسب نفسها إلى الاستعمار، "تحت اسم آخر" مرة ثانية، بل توجب لقيامها قيماً وأحكاماً لا تقتصر على نفي النهج الاستعماري، مثل حقها في تدبيرها كيانها، وجمعها أمتها على هذا الكيان، وهذه الهوية. فالحقوق لا تترتب على طبائع و"جواهر"، بل هي تشريع تتواضع عليه إرادات متعاقدة.
وهي تنكر، من وجه آخر، إحجام الفلسطينيين عن نسبة عنف أفعالهم إلى نفسهم. ويخالف هذا أصلاً أخلاقياً وسياسياً آخر يقر بأن الشر لا ينجم عن مصدر وحيد، هو إله الشر بحسب معتقد ميتافيزيقي (على المعنى المبتذل)، إثنيني وجبري. وتَسُوق الكاتبة سبباً عملياً وسجالياً، لرأيها هذا في مصادر الشر وكثرتها. فهي تريد فصل فهم العنف الإسرائيلي، الماثل والمتمادي، عن صور أو أشكال تسويغ العنف كلها، من أي مصدر جاء العنف. ويترتب على تسويغ "حماس" عنفها بحمله على ردٍ على عنف "أول"، جوابٌ تصفه بَتْلِر بـ"المرعب والرهيب"- تلمح إلى "إزالة اليهود من الوجود"، وإلى "فلسطين من البحر إلى النهر"، و"استئصال الغدة السرطانية"...
و"الصيغة الأخرى" التي تدعو المقالة إلى تصورها ومناقشتها، هي صيغة "إلغاء النظام الكولونيالي"، وحصار غزة من ثمراته. فعلى خلاف الإبادة أو الإعدام الذي يتبادل الطرفان الوعيد به- ويسد باب المستقبل على الطرف الخاسر، ويُحجِّر سياسته وتطلعاته على قتل عدوه- يتيح "إلغاء النظام الكولونيالي" القائم تصور عالم ممكن آخر، على قول مناهضي العولمة في تظاهراتهم مطلع القرن، تشارك كلاهما تصوره على طريقته وهواه.
فلهذه الصيغة كلماتها أو لغتها. وهي تقتضي إجراءاتٍ أو سلاسل إجراءات، مثل الكف عن التوقيف الاعتباطي، وإلغاء التعذيب في السجون الإسرائيلية، ورفع الحصار عن غزة، وحظر مصادرة الأراضي، والرجوع عن الاستيطان، وإقرار حرية الانتقال، والإعداد لانتخابات حرة... على طريق الدولة الوطنية، أو الدولتين، أو الدولة الاتحادية. بينما تقتصر "لغة " الاستئصال، أو الموت، أو اللعنة، على كلمة واحدة، أو باب واحد هو الموت أو التلويح به.
لغة الحزب
ومسألة اللغة مركزية، في الشأن الفلسطيني والشرق أوسطي على ما ينبغي ربما القول مباشرة بعد التلفظ بالنسبة الأولى. فإذا حاول المرء (المرأة بالأحرى في حال بِتْلَر) الجمع العسير والرجراج بين الحكم الأخلاقي وبين الفهم التاريخي، على قصد المقالة، باغته السؤال عن "حزبه" أو "معسكره" في القضية. ويضمر السؤال القاطع، وتوقعه جواباً لا يقل عنه قطعاً، اعتقاداً جازماً بأننا نستعمل على الدوام لغة مناسبة وصحيحة في تناولنا الأمور العامة، التاريخية والسياسية. فإذا تساءلنا عن مناسبة لغتنا أو مقالتنا الموضوع الذي نتكلم فيه، وهذا ما تفعله الكاتبة وتحسب أنها تفعله، تراءى غالباً للسامعين، وربما للمتسائل نفسه، أننا نتجنب الإدانة الأخلاقية الصريحة والقوية.
مسألة اللغة مركزية، في الشأن الفلسطيني والشرق أوسطي على ما ينبغي ربما القول مباشرة بعد التلفظ بالنسبة الأولى. فإذا حاول المرء (المرأة بالأحرى في حال بِتْلَر) الجمع العسير والرجراج بين الحكم الأخلاقي وبين الفهم التاريخي، على قصد المقالة، باغته السؤال عن "حزبه" أو "معسكره" في القضية
وترد هذه الملاحظة، المعقدة بعض الشيء إلى جزءٍ من سيرة الفيلسوفة الأمريكية القريبة. فمنذ سنين قليلة، ترقى ربما إلى ستٍ أو سبع، صرفت الكاتبة بعض اهتمامها وكتابتها إلى المسألة الفلسطينية، هي بنت حاخام يهودي انصرفت منذ نشأتها الأولى إلى دراسة الفكر اليهودي. ودعاها شاغلها الجديد إلى معالجة مسألة هي في صلب المسائل الناجمة عن شبك أحكام العقل ("العقل العملي") بتفلسف غير جوهري، وغير معياري، وغير مركزي، هو حرفتها، إذا جازت العبارة. وعلى هذه المسألة يترتب ترجّح بِتْلَر بين ما لا يتخفف الحكم الأخلاقي من معياريته العامة والمفارِقة وبين إلزام الثقافة الحديثة الفهم والمعرفة، العاديين والشائعين، بتناولهما موضوعاتهما تناولاً تاريخياً.
وخلصت في كتاباتها "الفلسطينية" إلى موقف ينتصر لقضية الفلسطينيين الوطنية والسياسية، ويدين إدانة صارمة نظام الاحتلال الإسرائيلي، وهي تصفه بالكولونيالي والتمييزي (العنصري). ولكنها لا تخلص، شأنها في مقالتها بوصلة الحداد موضوع التعليقة، وعلى خلاف ما تخلص إليه مقالات عربية وإسلامية (وأخرى) كثيرة، إلى إدانة كيان الدولة العبرية. والجمع، أو الترجح معاً، بين إدانة العنفين وبين إيجاب الكيانين، ألَّب على الكاتبة دعاة "الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود"، ومنكري وجود شعب فلسطين وحقه في دولة وطنية على أرضه التاريخية.
وغداة نشر مقالة بَتْلِر هذه، صح ما قالته في شأن اللغة (وما نعرض له)، وحضها على "التحزب" و"التعسكر"، أو الانحياز إلى حزب ومعسكر. فعلى هذا المنطق أو الوجه، لا تجتمع إدانة أخلاقية لـ"حماس"، وبعض الفهم التاريخي والسياسي لها وإقرار تام بدولة فلسطينية، مع إدانة أخلاقية وسياسية لعنف إسرائيل وإقرار أخلاقي بكيانها. فلم يتأخر بعض من رحبوا بمقالاتها "الفلسطينية" السابقة عن التنديد المرير بمقالتها الأخيرة، وحمل رأيها على المراجعة والنكوص.
وطَعَن الوجه الثقافي من الاحتجاج، وجملته هجاء وتصنيف استخباريان، في إغفال المقالة بُعد الصراع التاريخي. وهو، على ما مرَّ، البعد الذي تجهد المقالة وسعها في سبيل احتسابه، وإدراجه في "فهم" حلقات الحوادث ومصائرها المستقبلية أو الآتية. وكان هذا رداً على زعم إسرائيلي بأن السابع من أوكتوبر هو البداية التي لم تسبقها سابقة. وكان هذا الزعم مبرر مهاجمة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على قوله إن السابع من تشرين الأول/ أوكتوبر "لم يأت من فراغ".
وتحميل "التاريخ"- أي التفسير والتعليل بتعاقب الحوادث "الطبيعي" أو الميكانيكي والمحتم- التبعة كلها عن حوادث ذات بعد أخلاقي أكيد، يسوغ التهرب من أحكام هذا البعد. وذلك على نحو التخفف من التاريخ، وأثقاله وتبعاته، والقصر على الحساب والتقويم الأخلاقيين. وكلا الموقفين أو النهجين في المحاكمة يناقض بعضه بعضاً.
تحميل "التاريخ"- أي التفسير والتعليل بتعاقب الحوادث "الطبيعي" أو الميكانيكي والمحتم- التبعة كلها عن حوادث ذات بعد أخلاقي أكيد، يسوغ التهرب من أحكام هذا البعد.
فالهجوم "الهمجي" على غزة يدان أشد الإدانة في ضوء تقييد الدفاع عن النفس- وهو "حق" في ميزان قانون حَفِظَ اعتباراً أخلاقياً وقيَّد الحرب به- بالقانون. وهو يدان لحربه على المدنيين. ولكان هجوم "حماس" "الإرهابي" على مستوطنات غلاف غزة حُمل على عمل عسكري مشروع وقانوني لو اقتصر على مهاجمة مرفق إسرائيل الحربي، ولم يتعدَّه إلى المدنيين والرهائن من غير الأسرى.
والقيدان مضمران في المواقف السياسية التي تناصر الطرفين المتحاربين. فأنصار الدفاع عن النفس ليس في وسعهم الإغضاء عن الحرج الذي يسببه لهم الاشتطاط الإسرائيلي في إعمال هذا الحق، وخروجه عن القيود المعقولة، والأخلاقية، التي تلجمه وتحول دون الدخول في حد "الإبادة". ويضطر أنصار "النتيجة الطبيعية" (والحق في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل- والوقوف في "المشروعة") إلى السكوت عن حلقة السابع من تشرين الأول/ أوكتوبر، ودورها، وإن غير الابتدائي أو الاستهلالي، في إطلاق العنف من عقاله، الواسع والحق يقال.
العمومي والاستثناء
والحكم الأخلاقي، في صميمه، عمومي ومشترك. وميزانه أو معياره هو ألا تريد لغيرك ما لا تريده لنفسك، ومن ساواك بنفسه فما ظلمك، ولا تزِر وازرة وزر أخرى. ويرسي هذا المعيار أحكام العمل على ما تسميه جوديث بَتْلِر تصور الفظائع التي نزلت في ناس ليسوا مِثْلنا، إلى تصورها، ربما أولاً، في ناس مثلنا، أو هم "أهلنا" على وجه من الوجوه. ويفضي هذا إلى عدم تخصيص الحكم الأخلاقي أو قصره على الأهل والعصبية. فما يدان في حال، مثل قتل المدنيين العزل وغير المقاتلين، ينبغي أن يدان في الأحوال الشبيهة كلها، ومن غير ذريعة "الأسباب التخفيفية". وإلا حملت الإدانة الأولى على مراوغة متحيزة، ومصلحة جزئية وآنية.
وفي معرض تضييق الإدانة الأخلاقية، وقصرها على جرائم الحاضر التي يبرزها الإعلام، ويضج بها، دون تلك التي يغفلها (على شاكلة جرائم النزاعات الحربية التي أودت في الكونغو بمليونين ونصف مليون في العقد الأخير، على قول الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما)، تسأل المقالة: أين تبدأ إدانتنا وأين تنتهي؟ وما القيمة الأخلاقية الباقية من إدانات حرب إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين، والمرافق المدنية في غزة، حين أصحاب هذه الإدانات هم السوري بشار الأسد، أو الإيراني إبراهيم رئيسي، أو الروسي فلاديمير بوتين؟ وتعريف هؤلاء بـ"الضحايا"، في سياق التنديد بـ"المساواة بين الضحية والجلاد" أو "أنسنة القاتل"- والجملتان من الذخيرة الإنشائية التي تتكرر في كتابات الخمينيين على الخصوص- (هذا التعريف) قرينة على بلبلة اللغة وفسادها في الاستعمال الحزبي والإثنيني، على ما سبق القول.
الحكم الأخلاقي، في صميمه، عمومي ومشترك. وميزانه أو معياره هو ألا تريد لغيرك ما لا تريده لنفسك، ومن ساواك بنفسه فما ظلمك، ولا تزِر وازرة وزر أخرى. ويرسي هذا المعيار أحكام العمل على ما تسميه جوديث بَتْلِر تصور الفظائع التي نزلت في ناس ليسوا مِثْلنا، إلى تصورها، ربما أولاً، في ناس مثلنا، أو هم "أهلنا" على وجه من الوجوه
وينبغي أن يترتب عمل على أحكام العمل، وإن كان الخلوص من الحكم إلى العمل غير ملزم فعلاً، وليس خطيّاً في معظم الأحوال. وعليه، تسأل بَتْلِر: ما هي صورة الحياة التي يسعها تحرير المنطقة (المشرق العربي) من مثل هذا العنف، إذا شئنا، وشاء أهلها، مستقبلاً تنتفي منه المجازر الدورية، والإنكار الدائم المتبادل للكيانات السياسية والوطنية؟ وبعض الجواب عن السؤال ينبغي ألا ينص على القضاء على "حماس". فالحركة الإسلامية، في "باب الفهم" التاريخي، هي وليدة "دمار ما بعد أوسلو" والنظام الكولونيالي الذي سبقه والذيول التي خلفته. والأرجح أن تخلفها جماعات قوية الشبه بها إذا استؤنفت السياسات التي لابست ولادتها.
ويحول دون استنساخ أخوات من "حماس" ولها، على ما تراهن الفيلسوفة الأمريكية، قيام فلسطين حرة تذوب فيها الحركة الإسلامية المسلحة، وتحل محلها جماعات أو منظمات تتطلع إلى مساكنة غير عنيفة، وترعى الحقوق الفلسطينية رعاية حريصة ويقظة. والنظر إلى ما بعد الحاضر الجاثم، وإلى الحال التي قد تولد منه، أو تُستولد، جزء من الرأي أو الحكم السياسي. ولكنه جزء من الحكم الأخلاقي كذلك. فـ"الأمر" بفعل، أو النهي عنه أو إدانته، يُسْلِم الحاضر إلى مستقبل، أو صورة مستقبل تُرجَّح على غيرها. ومديح "الميدانيين" من غير قيد يدعو إلى استنتاج العنف من العنف لا إلى نهاية، ولا إلى أفق، على قول مارتن لوثر الإصلاحي في اقتصار الفكر على المنطق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 12 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 19 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com