تعرضت هبة (16 سنةً)، من بغداد، للتحرش الجنسي المتكرر منذ أن كانت في التاسعة من عمرها. ولأنها لم تجد من يصغي إلى معاناتها بسبب انفصال والديها، بقيت التداعيات النفسية تلاحقها عاماً إثر عام.
تقول وفي عينيها نظرة شرود: "ليست لديّ صديقات، ولا أحب الاختلاط مع أحد في المدرسة. وفي البيت أريد فقط البقاء وحدي في غرفتي".
عند بلوغها التاسعة من عمرها، التحق والدها بالعمل في شركة سياحة خاصة في دبي في الإمارات، واصطحب معه زوجته، وهبة وشقيقتها التي تصغرها بسنتين، وبسبب انشغاله المستمر في العمل، حدث خلاف بينه وبين زوجته، ولم تعد الأخيرة تمكث كثيراً في الشقة، وباتت تقضي معظم وقتها برفقة صديقات لها، بينما تمكث ابنتاها بعد عودتهما من المدرسة، لدى جارة لهما من جنسية غير إماراتية، في الشقة المقابلة.
كان لها ابن مطلق، بدأ يلاطف هبة، ويستغل في بعض الأحيان غياب والدته، فيدخلها إلى غرفته بحجة مساعدتها في مذاكرة دروسها، حيث يتلمس أعضاءها الحساسة، ويطلب منها أن تمسك عضوه.
تضع يديها على وجهها، وتقول بعصبية: "كان مخيفاً، وضخم الجسم، له فم كبير، وصوته خشن، وأنا كنت أخاف، ولا أعرف ماذا يفعل بي. أمه كانت تذهب للعمل عصراً وتعود ليلاً، وفي كل مرة كنت أظن بأنه سيقتلني".
استمر هذا الأمر بالحدوث لفترات متفاوتة على مدى ثلاث سنوات، وتذكر وهي تبكي، أنه أدخل فيها عضوه في واحدة من المرات، وأوجعها بشدة، وأنه كان يعضّها ويجبرها على ممارسة الجنس الفموي.
القاسم المشترك بين الكثير من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي أن الضحية تلتزم عادةً الصمت لأنها لا تجد من تخبره بما حدث، أو تخشى من ردة الفعل، أو أن الأهل يخفون الأمر خوفاً من الوصمة الاجتماعية أو الفضيحة
حدث الانفصال بين والديها، وهي في الثانية عشرة من عمرها، فأعادها والدها مع شقيقتها إلى بغداد، وهما تسكنان مع جدتهما لأبيهما منذ ذلك الحين، إذ رجع والدهما إلى الإمارات ليستمر في مزاولة عمله هناك.
تستغرق في البكاء لدقائق، ثم تسحب من تحت سريرها رزمةً من أوراق الرسم، وتتأمل إحدى رسوماتها التي تعبّر عنها: "ليس لدي أحد لأخبره بما حدث لي سوى هذه الأوراق".
المشجع في قصة هبة، وعلى الرغم من انعزالها وفقدان ثقتها بالآخرين، وقيامها في بعض الأحيان بأمور متطرفة، كتجريح ساعديها بقلم الرصاص، أنها تواصل دراستها في الصف الرابع الإعدادي، وهذا يعني أنها قادرة على الخروج من أزمتها النفسية، لو أن ثمة من يصغي إليها فقط.
وهذا هو القاسم المشترك بين الكثير من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي، فالضحية تلتزم عادةً الصمت لأنها لا تجد من تخبره بما حدث، أو تخشى من ردة الفعل، أو أن الأهل يخفون الأمر خوفاً من الوصمة الاجتماعية أو الفضيحة.
أغلب الضحايا من أسر مفككة
مستشارة الصحة النفسية، الطبيبة إخلاص جاسم جبرين، تقول إنها توصلت من خلال دراسات أعدّتها، إلى أن الأطفال في ظل أسر مفككة، كأسرة هبة، هم الأكثر عرضةً للتحرش الجنسي: "كطلاق الوالدين، أو وفاة أحدهما، وبالدرجة الأساس الأم، لأن غيابها سوف يُشعر الطفل بأنه عالة على الأسرة، فيصعب عليه التعبير أو البوح بما يتعرض له".
مستشارة الصحة النفسية، الطبيبة إخلاص جاسم جبرين، تقول إنها توصلت من خلال دراسات أعدّتها، إلى أن الأطفال في ظل أسر مفككة هم الأكثر عرضةً للتحرش الجنسي: "كطلاق الوالدين، أو وفاة أحدهما"
وتؤكد على أن "الوقاية خير من العلاج"، وأن أرباب الأسر مسؤولون عن توعية وتثقيف أبنائهم لمنع دخولهم في تجارب من ذلك النوع. فهي تعتقد أن أخطر شيء يتعرض له الأطفال، هو التحرش الجنسي.
وتوضح: "لأن مرحلة الطفولة تشكل مرحلةً مهمةً في حياة الإنسان وتكوينه، على الأبوين اصطحابهم إلى الطبيب النفسي أو المرشد لتخصيص جلسات علاج متكاملة لهم، والعمل على محاسبة المتحرش، ومن الضروري جداً أن يعرف الطفل أن من تحرش به نال عقاباً، لكي يطمئن".
وتذكر أن الأمراض التي تصيب الطفل المتحرَّش به، تنقسم إلى نفسية وجسدية. وتواصل: "المشكلات النفسية تتمثل في الكآبة والعزلة والخوف وقضم الأظافر والخجل وتجنّب المواجهة والكوابيس في أثناء النوم، وكل ذلك قد يؤدي في بعض الأحيان إلى محاولة الانتحار".
أما الجسدية فهي: "انقطاع الشهية للأكل وشحوب ملامح الوجه، وإيذاء النفس وقد يصاب الطفل بأمراض جنسية انتقالية تكون نتيجة التلامس مع المتحرش، وإن تعرّض للاغتصاب يصاب بتهتك الأعضاء أو الحكة الشديدة... وغيرهما".
وعن نتائج التحرش الجنسي المستقبلية، تقول: "في مرحلة النضوج تتكون لدى المتحرَّش بهم نظرة مشوهة للجنس ورفض العلاقة، فهم يصابون بالنفور ويرونه أمراً مقرفاً، والانحراف الجنسي وارد مثل السادية أو اشتهاء الأطفال فيصبح المتحرش به يتحرش بالأطفال ليفرغ هذه الشحنات السالبة، ويعدّها انتصاراً لنفسه، كما تظهر عليه السلوكيات العدوانية دون مبرر مثل التحرش والتنمر وقد تكون لديه ميول انتحارية وينحو نحو إيذاء نفسه".
القانون يعاقب ولكن...!
وفقاً للمحامية لقاء محمد، فإن التحرش الجنسي كاصطلاح، لم يرِد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، إلا أنه عالجه ببضع مواد، فضلاً عن الاعتداء الجنسي. ففي الفقرة الأولى من المادة 393، يوقع عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت على من يواقع أنثى بغير رضاها أو لاط بذكر دون رضاه.
ويكون ظرفاً مشدداً إذا كان المجني عليه لم يتم الثامنة عشرة من عمره، أو إذا كان الجاني من أقارب المجني عليه إلى الدرجة الثالثة، أو كان من متولّي تربيته أو رعايته أو ملاحظته، أو إذا كان الفاعل من الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة، أو من رجال الدين أو الأطباء، أو إذا ساهم في ارتكاب الفعل شخصان فأكثر، أو إذا أصيب المجني عليه بمرض تناسلي نتيجة ارتكاب الفعل، أو إذا حملت المجني عليها، أو أزيلت بكارتها نتيجة الفعل.
أما المادة 394، فتعاقب بالسجن سبع سنوات أو بالحبس، من واقع فتاة برضاها ولاط بذكر برضاه إذا كانا قد أتمّا الخامسة عشرة ولم يتمّا الثامنة عشرة، على أن تكون العقوبة عشر سنوات في حال كان عمر المجني عليه أقل من خمس عشرة سنة.
ونصت المادة 400 على أن "من ارتكب مع شخص، ذكراً أو أنثى، أفعالاً مخلّةً بالحياء بغير رضاه أو رضاها، يعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
يعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد على ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تزيد على ثلاثين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين، من طلب أموراً مخالفةً للآداب من آخر، ذكراً كان أو أنثى.
وفقاً للمحامية لقاء محمد، فإن التحرش الجنسي كاصطلاح، لم يرِد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، إلا أنه عالجه ببضع مواد.
المحامية لقاء، تعتقد بأن الغالبية الساحقة من المتحرشين جنسياً بالأطفال يفلتون من العقاب لأسباب عديدة، "منها أن فعل التحرش يجري في الخفاء من دون شهود، وخوف الضحية من الإفصاح عما جرى له، وتكتم العائلة لمنع الفضيحة، وإجراءات القانون التي تستلزم إثباتات".
وتدعو إلى ضرورة قيام المؤسسات التربوية، إلى جانب أرباب الأسر، بتوعية الأطفال وتثقيفهم من الناحية الجنسية، أسوةً بالدول المتقدمة، "لأن من شأن ذلك، إنقاذ الكثير من الأطفال من التحرش الجنسي، فالأكثرية منهم لا يعرفون ماذا يعني التحرش الجنسي، وينبغي توضيح ذلك لهم، وهو أمر لا يتعارض مطلقاً مع الدين أو العادات".
مصدر في وزارة الداخلية طلب عدم الإشارة إلى اسمه، لأنه ليس مخوّلاً بالتصريح، يقرّ بأن الشكاوى المتعلقة بالتحرش الجنسي الواقع على الأطفال قليلة جداً، لكنه لا ينفي وجودها، ويقول: "الكثير من الحالات تحدث دون تبليغ، وهي في تزايد بسبب ظاهرة المخدرات المستشرية، والأطفال يتعرضون للاعتداء والتحرش الجنسي من قبل مدمنين، قد يكونون من أقربائه".
ويذكر المصدر، أنه وبموجب الأمر الديواني رقم (80) لسنة 2009، تم تشكيل مديرية حماية الأسرة والطفل، لتصبح إحدى مؤسسات وزارة الداخلية، وتضم ستة عشر قسماً، اثنان منها في جانبي بغداد الكرخ والرصافة، والأخرى في المحافظات، وهي مختصة بقضايا العنف الأسري (الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الفكري أو الاقتصادي)، الذي يرتكب أو يهدد بارتكابه من أي فرد من أفراد الأسرة ضد الآخر.
أما إذا كان الاعتداء يشكل جنايةً أو جنحةً أو مخالفةً، فتتم معالجتها ووفقاً لقانون قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969. ويؤكد: "لا بد من إيصال المعلومات بشأن الحوادث التي يكون الأطفال طرفاً فيها إلى المديرية، لكي يتسنى لها حمايتهم ومعاقبة الجناة".
آثار مدمرة
التحرش الجنسي بالأطفال لا يقتصر على الإناث فحسب، بل يكون الذكور ضحايا له كذلك، وبعضهم يعيش عمره كله تحت تأثير الأضرار الفادحة التي ألحقها به التحرش في صغره، وسلام (36 سنةً)، من عشوائيات شارع المطار في محافظة النجف، مثال على ذلك. قابلته معدّة التقرير قبل أيام قليلة من وفاته نتيجة تشمع الكبد وعجز في الكليتين.
"أنا غارق وحياتي محطمة"؛ هكذا يصف وضعه الذي كان يعيشه، ثم يقول: "السبب ليس الكحول التي أدمنت عليها، بل خالي ومشعوذ اعتديا عليّ جنسياً في صغري".
يتابع: "كنت في السابعة أو الثامنة من العمر، وكنا نعيش في بيت جدّي والد أمي، في منزله في أزقة المدينة القديمة في النجف، وكان لخالي برج حمام في سطحه، وكان يأخذني معه إلى هناك. ما أذكره أنه طلب مني في البداية لعق قضيبه، ثم أصبح يغتصبني. فعل ذلك مراراً".
يصفع جبهته بتأثر، ثم يقول بإصرار: "أنا لست سكراناً، أنا أسكر فقط لكي أنسى ما فعله بي ذلك السافل الذي يعيش حياته الآن وكأنه ليس مجرماً، بينما أنا أدفع ثمن جريمته".
ذات يوم، انتبهت والدته إلى وجود قطرات دم على بنطاله، واتهمت عمته بأنها وضعت له سحراً لتتخلص منه، فجعلته ينزف، كونها لا تنجب إلا إناثاً، فأخذته برفقة والده إلى مشعوذ في المدينة يُعرف بـ"أبي الأسرار".
"أذكر أنني شعرت بالفرح، لأن أبا الأسرار سيخبر والدي بما كنت أخاف البوح به لكيلا يقتلني، ثم أخذوني إلى هناك مرات عدة، فأخبرهم بأنني مسحور، وأنه يعمل على إخراج السحر مني، ووالدتي كانت تقول لأبي باستمرار إن شقيقاته يكرهونها، والدليل السحر الذي كشفه أبو الأسرار".
ذات يوم، انتبهت والدته إلى وجود قطرات دم على بنطاله، واتهمت عمته بأنها وضعت له سحراً لتتخلص منه، فجعلته ينزف، كونها لا تنجب إلا إناثاً، فأخذته برفقة والده إلى مشعوذ في المدينة يُعرف بـ"أبي الأسرار"... قصص عن التحرش بالأطفال في العراق
يغمض عينيه ويقول بنبرة ألم: "أبو الأسرار، طلب من أبي أن أعمل لديه في إحضار الماء لزبائنه، وأفتح الباب لهم، وغيرهما من الأعمال التي تناسب عمري، مقابل أجر يدفعه لي وأيضاً حمايتي من السحر، ووافق أبي، فأصبح أبو الأسرار أيضاً يغتصبني، لكن الفرق أنه كان يضع لي الزيت فيخف الألم".
سنتان أو ثلاث سنوات، هي الفترة التي تعرّض فيها سلام للاغتصاب شبه اليومي، وذات يوم، تشاجر مع أحد العاملين الآخرين لدى أبي الأسرار، وكان شاباً سليط اللسان، فقال لسلام بغضب أنه ليس سوى لوطيّ ينام مع الشيخ أبي الأسرار مثل النساء.
"كانت تلك طعنةً في روحي، ومنذ ذلك الحين، أحاول نسيان ما حدث لي لكنني لا أقدر، بدأت أولاً بالسجائر ثم الخمر، ووالدتي استمرت في الاعتقاد بأنني مسحور، وصممتْ وأنا في سن الـ17 سنةً، أن أتزوج ابنة صديقة لها، ولم أكن أقربها إلا بعد تناولي الكحول".
الاضطرابات النفسية استمرت ملازمةً له، ووضعه الاقتصادي المتردي فاقم منها، إذ لم يفلح في أي عمل زاوله، واستقر أخيراً في جمع الأشياء المستعملة وبيعها. يقرّ بأنه يعنّف زوجته وأبناءه الخمسة لأتفه الأسباب، "مع أنني في داخلي أحبهم كثيراً"، يقول بشيء من الحزن.
ثم يضيف: "إدماني على الكحول كانت له نتائجه. الأطباء يقولون إن وضع كبدي سيئ جداً، وكليتاي لا تعملان بشكل جيد، وأنا لا أستطيع التوقف عن الشرب، صورتا خالي وأبي الأسرار وما فعلاه بي لا تغادرانني، أنا أتمنى الموت".
تقارير صحية لحالة سلام
أمنية سلام تحققت في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، إذ توفي في منزله ليلاً، وفي الصباح اكتشفت زوجته ذلك، لم تعرف منه أبداً ما كان يخبّئه عنها، مع أنها كانت تسمعه وهو يهذي في نومه باسم أبي الأسرار، ويشتم في الليل خاله، وهو سكران.
يقول د. عبد الأمير، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الموصل، إن أكبر معرقل لعلاج ضحية التحرش الجنسي، هي الوصمة الاجتماعية، ويقول عن ذلك: "هذه الحالة موجودة في كل مجتمع، وهي من السلوكيات المعتادة، فالمجتمع يحبّذ التستر على فعل التحرش كونه يمسّ الجانب القيمي والأخلاقي والديني وعادةً ما يتجنب أفراده الاعتراف بوجود التحرش، وانتشاره كونه يشوّه الإطار الديني والأخلاقي للمجتمع".
ويصف سكوت الأهل عن الكلام حين يتعرض أحد أفراد العائلة للتحرش بالسكوت السلبي، ومردّه خوفهم من اكتساب طفلهم أو العائلة نفسها سمعةً سيئةً. وفي ما يخص سلام، يرى أن ما حدث له أيضاً نتيجة سلسلة من المشكلات الاجتماعية المتداخلة، وكان بالإمكان حلّها بكل بساطة لو أن الأهل تواصلوا مع ابنهم كما يجب.
"المجتمع يحبّذ التستر على فعل التحرش كونه يمسّ الجانب القيمي والأخلاقي والديني وعادةً ما يتجنب أفراده الاعتراف بوجود التحرش، وانتشاره كونه يشوّه الإطار الديني والأخلاقي للمجتمع".
الوصمة المجتمعية
نور عادل، ناشطة مدنية ومدافعة عن حقوق الطفل من بغداد، تقول إن التحرش بالأطفال جنسياً واستغلالهم "لم يعودا مجرد حالات تحدث هنا وهناك، بل أصبحا أمراً معتاداً في العراق".
وهي ترى أن قصص الضحايا متشابهة، وهنالك قواسم مشتركة بينها، منها التفكك الأسري وعدم متابعة الأهالي للأطفال ومشكلاتهم أو منحهم آذاناً صاغيةً، وبذلك تحمّل نور، الأهالي، المسؤولية الأكبر لشيوع ما وصفتها بظاهرة التحرش الجنسي "لأنهم لا يحاورون الأطفال، وإذا علموا بما حدث لهم يتكتمون على ذلك".
وبشأن التكتم، توضح نور: "العائلة في العادة تخشى من الوصمة المجتمعية، وهذا يؤدي إلى اتساع نطاق حالات التحرش وإفلات الجناة من العقاب".
وتلفت نور إلى عادات وأساليب شعبية متوارثة ومنتشرة في نطاق المجتمع العراقي، منها "الإيحاءات الجنسية خلال المزاح مع الأطفال، ولمس الأماكن الحساسة في أجسادهم، واستخدام ألفاظ خادشة للحياء خلال الحديث معهم".
وتدعو أولياء الأمور عن التوقف عن مثل هذه التصرفات، وإلى "تثقيف أطفالهم جنسياً، وتعريفهم بأعضائهم الحساسة وتوجيه النصح لهم بعدم السماح لأي شخص سواء من داخل الأسرة أو خارجها، بلمسهم".
تشارك نور، عبر حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، دورساً خاصةً موجهةً إلى الأبوين، لتعريفهما بالأدوار التي ينبغي عليهما القيام بها لحماية أطفالهم من التحرش، وما يتوجب فعله إذا كان فعل التحرش قد وقع بالفعل".
وتتحدث عن ذلك قائلةً: "بعض أفراد المجتمع ينتقدونني لنشري مثل هكذا محتوى، ويتهمونني بأنني أخالف العادات والتقاليد السائدة، وهنالك من يصفني بالجريئة لقيامي بذلك، فإذا كانوا يحاولون منعي أنا عن الحديث بنحو عام عن التحرش، فكيف سيتحدثون عن واقعة تحدث بالفعل لطفل لهم؟ بالتأكيد لن يفعلوا".
مستشارة تربوية من محافظة النبار، تعمل في مجال التنمية البشرية، تقول إنها أرسلت مقترحات إلى وزارة التربية، "لإجراء دراسات عن التحرش الجنسي الذي يستهدف الأطفال، وتنفيذ برامج تنموية تثقيفية تشمل تعريف الطفل بأعضائه الجنسية ومنع التحرش به جنسياً".
إلا أن الوزارة رفضت مقترحاتها، دون إيراد أسباب، وقد حاولت مجدداً لكنها حصلت على النتيجة نفسها، وتلفت إلى أنها، وخلال عملها الوظيفي الطويل، على إطلاق بحالات كثير لتحرّش جنسي استهدف اطفالاً في العديد من المحافظات، وقالت إن الأمر يتطلب عملاً دؤوباً من قبل الجهات المختصة.
سارة (اسم مستعار، 33 سنةً)، من قضاء الكوفة في محافظة النجف، انتقلت للعيش مع أسرة والدها بعد انفصال والديها، فعاشت منذ أن كانت في السادسة من عمرها حرماناً من رعاية أمها، وتضخم ذلك في المناسبات والأعياد، إذ كان الأطفال بصحبة أمهاتهم فيما كانت هي على الدوام بمفردها، لأن والدها كان في العمل، وزوجته لم تنجح أبداً في أن تكون أماً لها؛ تقول بشيء من الحزن.
الإهمال وعدم المراقبة عرّضاها للكثير من حالات التحرش، لا سيما أن عائلتها كانت تشغل حجرةً في منزل يضج بالعائلات الأخرى، وفي أيام الصيف اللاهبة، وانقطاع الكهرباء، كان الجميع يدخلون حجراتهم خصوصاً عند توافر الكهرباء، فتظل هي منسيةً في باحة المنزل.
عمها، شقيق والدها كان عزباً في عقده الرابع، يشغل غرفة الضيوف، وفي ظهيرة صيف، نادى عليها لتدخل إليها لأن لديه مبردة هواء، فامتثلت الصغيرة بفرح لأن أحداً من أقاربها مدّها بالحنان.
ثم أخذ يناديها كلما عثر عليها وحيدةً في الباحة، ويطلب منها أن تداعب عضوه، ويلمس هو جسدها باشتهاء. سيطر عليها الخوف تماماً، ولم تخبر مطلقاً والدها أو زوجته بما حدث لها، واستمر عمها يتحرش بها لأشهر طويلة حتى ترك ذات يوم المنزل فجأةً ولم تعد تراه.
تقول بنبرة ثقة، إنها لم تستسلم لما سبّبه لها عمها من أضرار نفسية، بل اكتسبت من ذلك قوةً، إذ عملت في مرحلة الإعدادية في مجال بيع مستحضرات التجميل لزميلاتها الطالبات، فضلاً عن الثياب، وفي المرحلة الجامعية عملت سكرتيرةً في عيادة طبية نسائية، وهي الآن تعمل في مركز للتجميل، وهي متزوجة ولديها ثلاثة أطفال.
تقول: "لا أنكر أنني أحمل في داخلي بعضاً من الخوف، وذكريات مؤلمةً تجعلني أشعر بالقرف، وتراودني الشكوك تجاه أشقائي وحتى زوجي وأخشى منهم على أطفالي في قرارة نفسي، فأنا وإن ارتسمت الابتسامة على وجهي، إلا أني لا أثق بأحد، وهذا أمر ليس بيدي".
أُنجز هذا التحقيق بإشراف شبكة "نيريج" للتحقيقات الاستقصائية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع