شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
صديقي الغزاوي حسن، على الله تعود

صديقي الغزاوي حسن، على الله تعود

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الثلاثاء 5 ديسمبر 202312:36 م

أحاول استعادة حسابي على تويتر سابقاً، أو X كما أطلق عليه إيلون ماسك، للاطمئنان على أصدقائي الذين يعيشون بغزة. يسألني الموقع إن كنت كائناً بشرياً؟ نعم. أعتقد ذلك، لكن بالتأكيد أقل درجة من الكائن الذي يمثله إيلون ماسك، مثل الجميع في البقعة الجغرافية التي أعيش بها، فقد نعتنا وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوآف غالانت، بوصفنا حيوانات بشرية. هذه حرب اسرائيلية أمريكية على كل من يعيش في هذه المنطقة، سواء كان يؤيد المقاومة أم يلعنها.

"قلبي واكلني عليه" تعبير مصري يعرفه صديقي الافتراضي الغزاوي، لأنه نصف مصري، ونصف فلسطيني، نتابع بعضنا البعض منذ سنوات على موقع تويتر. صديق افتراضي، تجمعنا هموم مشتركة، يغرد عن ثورة يناير، وعن علاء عبد الفتاح الذي قابله صدفة في غزة منذ 11 عام، بعدما تركه في الميدان ليعود إلى غزة. لم يصدق عينيه حينها، الآن تغير كل شيء. هُزمت ثورة يناير، وعلاء في سجن بلا نهاية، وقطاع غزة قد دمّره جيش الاحتلال الإسرائيلي، أما حسن فلا أعرف مصيره.

آخر ما كتب بعد بداية الحرب: "ما زلت حياً، لكني مصدوم"، لم يغرد بعدها حتى الآن. لا أعرف اسم عائلته لأبحث عنه. لا أعرف إن كان من شمال أم من جنوب قطاع غزة. حقاً لا أعرف عنه غير أن اسمه حسن. أتفقد حسابه يومياً، يسأله المتابعون الذين يساورهم القلق مثلي أن يظل سالماً

كثير من الأصدقاء الذين أتابعهم منذ سنوات ولم نتقابل في الحقيقة، مثل الأصدقاء الذين لا تعرف عنهم شيئاً سوى أسماءهم الأولى. أعرف أنه من غزة، غزة تحديداً تربطها علاقات شديدة القدم بمصر، ليس بفعل الديانة، ولا القومية العربية، لكن بفعل الجغرافيا، وبفعل التاريخ، فمدينة رفح نصفها مصرية ونصفها فلسطينية، وهناك 40 ألف مصري يعيشون بها، لم تسع السلطات المصرية لإجلائهم من قطاع غزة، يعيشون عذابات المرور من معبر رفح لمصر.

آخر ما كتب بعد بداية الحرب: "ما زلت حياً، لكني مصدوم"، لم يغرد بعدها حتى الآن. لا أعرف اسم عائلته لأبحث عنه. لا أعرف إن كان من شمال أم من جنوب قطاع غزة. حقاً لا أعرف عنه غير أن اسمه حسن. أتفقد حسابه يومياً، يسأله المتابعون الذين يساورهم القلق مثلي أن يظل سالماً.

أفكر في أصدقاء كثر لا أعرف عنهم سوى أنهم من غزة، كنت أراهم على موقع تويتر، يسمون أنفسهم فلان وفلانة من غزة، كأنها اسم عائلتهم، لكني لا أستطيع الوصول إليهم. لا أعلم سوى أسماءهم الأولى، أتذكر صور حساباتهم، أطياف غائمة. أحاول البحث عنهم كي أطمئن عليهم، أين هم الآن؟ أبحث على الانترنت على طريقة للعثور على شخص لا تعلم اسم عائلته. أكاد أفقد صوابي.

يسمون أنفسهم: فلان وفلانة من غزة، كأنها اسم عائلتهم

بكيت للمرة الأولى منذ بداية الحرب، يوم اقتحام قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الشفاء للوصول إلى الأنفاق المزعومة. هذا المكان أعرفه، فقد مكثنا به لساعات منذ إحدى عشرة عاماً، ليلة واحدة تحت سماء فلسطين عندما استطاعت القوى المدنية تجهيز قافلة ودخول غزة، للتضامن وتوصيل مساعدات طبية أثناء الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2012.

يومها اقتسمنا مع أهل غزة بالمستشفى الطعام، جلبوا لنا عشاءهم، وفتحوا لنا مطعماً كان مغلقاً بسبب القصف، ليعد طعاماً للقافلة كي نتناول الطعام بعد رحلة اعتقدنا أنها شاقة.

 كنا نود التضامن معهم، لكن ما حدث هو أنهم من حاولوا شدّ أزرنا بعد أن أصابنا الرعب، من صوت قصف الاحتلال الإسرائيلي لمحيط المستشفى. يخبرني صديق أن القصف الذي حدث حينها يعتبر لا شيء مقارنةً بما يحدث الآن.

فيما تأجل الموعد المحدد لــ قافلة "ضمير العالم" والتي كانت من المفترض أن تنطق يوم 24 نوفمبر/تشرين إلى مدينة رفح. هذه المبادرة التي أطلقتها نقابة الصحفيين للمطالبة السلمية بفتح معبر رفح بشكل دائم، ولتوصيل المساعدات الغذائية والطبية، ومدّ غزة بصحفيين لتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي وبالمزيد من الأطباء، في ظل الانهيار الذي أصاب القطاع الصحي في غزة، ومازالت القافلة التي من المفترض أن تحمل نشطاء وفنانين وموسيقيين تسأل السلطات أن تسمح لها بالمرور إلى رفح.

في الحقيقة لا تهم مشاعري ولا تهم تصوراتي، ولا رؤيتي. لست أنا الموضوع هنا، لا يهم الآن سوى غزة وأهلها وصديقي حسن

في اليوم السابق تذكرت أسماء بعض الأطباء الذين قابلتهم في المستشفى، طبيب يدعى رائد، وطبيب يدعى حسين. يومها اقتسمنا مع أهلنا الطعام. لا أمتلك من هذه الرحلة إلا صورة واحدة، هي رسالة ترحيب تلقيتها على الهاتف تقول: "تذوق الزيتون مرحباً بك في فلسطين".

لا أحتفظ بأي صورة أخرى من هذه الرحلة، الصور التي لا نلتقطها تعلق في ذاكرتنا للأبد. في اليوم الذي يليه، قرأت خبر مقتل طبيب يدعى رائد، أفكّر: هل هو ذاته؟

أفكر في طريقة للكتابة لا أظهر بها. لماذا أوجّه وأحول الحديث عن المذبحة عني أو عن مشاعري، لماذا نتحدث عن أنفسنا حينما نتحدث عن المذبحة؟ أخشى أن أتمركز حول مشاعري. في الحقيقة لا تهم مشاعري ولا تهم تصوراتي، ولا رؤيتي. لست أنا الموضوع هنا، لا يهم الآن سوى غزة وأهلها وصديقي حسن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image