شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة

الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الأحد 3 ديسمبر 202311:57 ص

"الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة". جملة من الجمل العشوائية التي تنتشر في حياتنا دون أن نسأل أنفسنا عن معنى أو سبب تواجدها. بعض السائقين يتعاملون معها كتحذير عندما ينظرون إلى مرآة سياراتهم ليتركوا المسافة المناسبة مع السيارات الأخرى تجنباً لوقوع الحوادث، رسالة صغيرة تتواجد معنا في كل  تفاصيل يومنا وحياتنا، من الممكن أن تكون هي الرسالة التي نفتقدها تجاه كل تلك التجارب التي نقنع أنفسنا بوجودها.

مسافة أمان هي كل ما كنا نحتاجه لنستطيع أن نكسب كل الأشخاص الذين نريد بقاءهم في حياتنا، وحتى كل تلك الفوائد التي من الممكن أن نجنيها من تجارب عديدة مررنا بها، تلك المسافة التي لا يجب أن تقفز فوقها أو أن تبقى خلقها. مسافة لو أننا تمسكنا بها ولم نركض وراء مشاعرنا إلى الأقصى، لكانت حياتنا قد فقدت خيبة أخرى من خيباتنا التي قدمّنا لها طريق الدخول إلى حياتنا، كوننا اعتدنا الخيبات دون أن نقدّم أي حماية لأنفسنا منها.

"الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة"، أرغب دوماً في أن أكتشف ما تخفيه كل جملة وجدت ضمن ذاكرتنا بشكل عشوائي ورافقتنا دائماً، ولكن تلك الجملة لم أعتقد أن فهمها بالنسبة لي سيكون مفتاح استقرار كبير أحاول بناءه مع نفسي

إسطنبول، تلك المسافة التي سرقت قلبي

اعتدت طوال حياتي على أن أطرح نفسي في أي محيط بالشكل الذي تعلمته، والمبني على كل التكوينات التي وجدت في حياتي، منذ بداية نشوء تلك الشخصية في طفولتي، حيث كانت مليئة بالأكاذيب على أهلي والحجج لأحقق ما أريده، وهو الطريق إلي. استطعت من خلاله أن أحقق تجارب لو علموا بحقيقتها لما كانوا ليعطوني الموافقة عليها، حالي حال الكثيرين ممن كانت بيئاتهم شبيهة في طفولتهم.

كانت تلك التجارب كفيلة بأن تجعلني أملك كل الصراحة فيما بعد، بأن أتكلم مع أهلي بأي موضوع يشغلني، كانت أغلب المواضيع متعلقة بحال البلاد وبخططي المستقبلية. حاولت أن أبتعد كل البعد عن مسائلي الشخصية، خيبات أملي واكتئابات علاقاتي العاطفية، وحتى تجاربي التي لا يرضى بها المجتمع الذي أنتمي إليه. منذ فترة ليست بالقصيرة، وهي الفترة التي تلت عودتي من القاهرة، أصبحت أكثر انفتاحاً على الحديث مع أهلي بمخاوفي وبصحتي النفسية، في رغبتي بأن أكون أباً وحتى بدون زواج، إلى علاقاتي الجنسية والجنين الذي قرّرت أحد الفتيات أن تجهضه رغم رغبتي الشديدة آنذاك بأن يأتي.

علاجي النفسي يمر على أهلي بوقع كبير، وهم الذين تعودوا أن يكون المجنون هو فقط من يمشي بهذا الطريق. لا أخفي عنهم اليوم أي مشاعر، أحدثهم عن الحب الذي يسكنني ومحاولاتي في الوصول لإكماله وهو في إسطنبول. تلك المسافة التي أصبحت أمي تعلم قيمتها وعند كل اتصال معي تبدأ به بالسؤال التالي: "صار شي جديد بفيزة إسطنبول؟".

أعتقد أن تلك العلاقة التي استطعت تكوينها مع عائلتي، دون حاجتي إلى أن أخفي أي شيء، تلك الصراحة والوضوح وعدم المجاملة في أي شيء، وحتى عدم الضغط على أي خيار أريده في أي مجال، تنتمي تماماً إلى تلك العبارة العشوائية: "الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة"، لأن الحقيقة مع الأهل كانت نتيجتها أقرب مما تبدو عليه محاولات الهروب منها دائماً، وكانت نتيجتها مستوى عالياً من النضج في كل تجاربي مع الآخر.

تراكم كل تلك الخبرات هو جزء من تعاملي مع أي شخص يدخل حياتي، مهما كان الأثر الذي يتركه لدي، فأني أبقى قادراً دوماً على ترك الأثر الذي ستظهر أهميته في مراحل عمري القادمة. لا أعلم ما الممتع في أن نخفي ما نملك عن غيرنا، لا أدري ما شكل الأنانية في أنه بإمكاننا أن نقدم نسخاً حقيقية عن أنفسنا، ولا نقوم بذلك خوفاً من فقدان ما نشعر به لأنفسنا، ويصبح حكراً على غيرنا فقط؟ أحببت أن أبدو واضحاً في سنواتي الأخيرة دون أن أكون أملك القدرة على إخفاء الأشياء. كانت تجربة قدمت نفسها بشكل صادق تماماً، لدرجة أن العلاقة التي أراها لنفسي حالياً مستمراً بها، بما يمكن أن يكون شكل راحة للشخص الآخر، بعيداً عن أي شعور بما يمكنني أن أحصل عليه، لأن الأشياء الحقيقية التي تأتي في الحياة يجب الحفاظ عليها لندرتها دوماً.

المسافة مع نفسك تنكسر أمام مرآة

نأخذ المسافات عن أنفسنا ولا نعلم بها إلّا عندما نواجه أنفسنا. أُقيم في دمشق الفترة الماضية معرض فني" تجهير ضمن الفراغ" يحمل عنوان "السيرك"، هو تجربة فريدة لهذا النوع من الفنون داخل سوريا. أفكار ومحاول لصناعة لحظة سعادة سعى إلى إيجادها ضمن كل هذه الظروف، مجموعة من الفنانين الشباب، تحت إشراف الدكتورة بثينة علي، وهي أحد الأشخاص الذين يحاولون، إلى يومنا هذا، خلق المسافة والمساحة مع الذات ليكون الفن عنواناً كبيراً، ربما لتعود فيه هذه البلاد إلى مكانها الطبيعي، كونها تستحق هذا الإيمان وهذا الجهد، كما تقول لي الدكتورة دوماً.

تتنوع الأعمال ضمن السيرك. أفكار يوجد فيها نضج كبير تجاه ما نملك من مشاعر. تقوم بجولتك الفردية ضمن المعرض، استوقفني كثير من الأعمال بما تملكه من رسائل تريد إيصالها، ولكن كما هي عادتي، دائماً ما يفاجئني أحد المشاركين بعمل يقوم به بالعبث بما أملك من استقرار نفسي أحاول صناعته ويعرّي كل الحقيقة الموجودة خلف هذا الاستقرار المصنوع.

علاجي النفسي يمر على أهلي بوقع كبير، وهم الذين تعودوا أن يكون المجنون هو فقط من يمشي بهذا الطريق. لا أخفي عنهم اليوم أي مشاعر، أحدثهم عن الحب الذي يسكنني ومحاولاتي في الوصول لإكماله وهو في إسطنبول

"أنت الآن وَهُنا" عمل لأحد الفنانات المشاركات، تملك من العمر 21 سنة. غرفة دائرية من الداخل، تجد نفسك محاطاً بالمرايا لتكون معزولاً تماماً مع نفسك. تقف على منصة صغيرة تدور بك  في منتصف الغرفة، لتكون في مواجهة نسخ كثيرة منك تدور حولك وتدور ضمنها.

"الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة"... حاولت مراقبة أكبر عدد من الأشخاص وردّات فعلهم ضمن تلك الغرفة، كان أكثر ما يميز ردّات الفعل هو عدم قدرة أغلبية سكّان هذا البلاد على مواجهة أنفسهم وكسر تلك المسافة المصنوعة مع أنفسهم. دموع، خوف، هروب، وحتى الصمت، كانت كل ما رأيته خلال تواجدي، لأعود إلى النضج وأسأل: كيف استطاعت زينب التي تملك 21 سنة فقط من كسر تلك المسافات مع نفسها، لتقوم بإنتاج هذا العمل وتدعونا لكسر كل تلك المسافات مع أنفسنا؟

يقول لها أحد الزوّار بأن تلك الغرفة يجب أن توضع في كل مكان ضمن البلاد لنبقى على الأقل حقيقين مع أنفسنا، دارت الكثير من الأحاديث مع زينب، كانت حياتها عبارة عن تقلبات نفسية كبيرة، حيث مرّت بالعديد من الأزمات، حالها حال الجيل الذي تنتمي إليه، مشاكل في تقبّل الذات وعدد كبير من حالات التنقل، ولكن بحثها عن الاستقرار جعل منها جاهزة لتدمّر أي مسافة مع نفسها تساعدها في الوصول إلى الاستقرار والعيش ضمنه.

"الأجسام أقرب مما تبدو عليه في المرآة"... أرغب دوماً في أن أكتشف ما تخفيه كل جملة وجدت ضمن ذاكرتنا بشكل عشوائي ورافقتنا دائماً، ولكن تلك الجملة لم أعتقد أن فهمها بالنسبة لي سيكون مفتاح استقرار كبير أحاول بناءه مع نفسي، نحتاج دوماً لرسالة غير مباشرة تجعلنا ندخل طريقاً نتعرّف من خلاله على أنفسنا، لربما لم تساعدنا الحرب في بناء الشخصية التي نحب، وكما وصفها أحد أصدقائي بأنها النار التي هشمت شخصياتنا وأحرقتها، ولكن الطريق إلى معرفة أنفسنا والمصالحة معها يبدو أنه عنوان رحلتنا القادمة نحو الاستقرار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image