لحظات تاريخية فارقة شكلت ذروة الاهتمام الأوربي بالإسلام، هي في الغالب أوقات الحروب والمعارك والأزمات الكبرى، ومن خلال عدسة نظرية صدام الحضارات التي صيغت في نهايات القرن الماضي، يمكننا أن نرى طبيعة العلاقة الشائكة بين الغرب والمجتمعات التي تعارفت الأدبيات السياسية والتاريخية على تسميتها بالعالم الإسلامي، ومن بين تلك اللحظات تتجلى الفترة التي تشكل خلالها المذهب البروتستانتي على يد الثائر الكنسي مارتن لوثر ( 1483 – 1546) بدايات القرن السادس عشر.
جاء تأسيس البروتستانتية اللوثرية في وقت كانت الدولة العثمانية - الإسلامية- تغزو العالم وتتوغل في قلب أوروبا المسيحية مبتدئة من الجنوب والشرق، وكان المسلم في هذه الآونة مرادفاً لكلمة "تركي"، وهو أمر شائع حتى الآن في بعض المجتمعات الأوروبية.
كان من الطبيعي أن يهتم علماء اللاهوت الاوروبيين في فهم عقل ذلك الغازي الجديد الذي لم يكادوا يتخلصون ممن هم على شاكلته في الجنوب الغربي لقارتهم (في الأندلس) قبل قرون قليلة.
كانت النظرة الشائعة وقتها حول دين الغازي الجديد منقسمة؛ البعض اعتبر الدين الجديد وكتابه امتداداً للكتاب المقدس والأديان السماوية وتكملة للناموس الإلهي، وآخرون اعتبروه "هرطقات" ووسيلة ربانية لعقاب الدول المسيحية لما ارتكبته من ضلالات، وعلامة من علامات آخر الزمان.
كانت النظرة الشائعة وقتها حول دين الغازي الجديد منقسمة؛ البعض اعتبر الإسلام وكتابه امتداداً للكتاب المقدس والأديان السماوية وتكملة للناموس الإلهي، وآخرون اعتبروه "هرطقات" ووسيلة ربانية لعقاب الدول المسيحية لما ارتكبته من ضلالات، وعلامة من علامات آخر الزمان
إرث العصور الوسطى
منذ العصور الوسطى، كانت نظرة العالم الأوروبي المسيحي للإسلام وأتباعه نظرة بالغة السلبية، اقترن الإسلام في المخيلة الأوروبية في وقت الحكم المطلق للكنيسة بعلامة الوحش الذي سينتهى بمجيئه العالم، بل واقترن بالشيطان نفسه في الأدبيات المعروفة في ذلك الوقت - مثل حكايات كانتربري لتشوسر-، أما نبي ذلك الدين، محمد (ص) فما هو إلا محتال ونبي كاذب.
لم يبتعد هذا كثيراً عن موقف الثائر المجدد للمسيحية مارتن لوثر كما نقرأ في كتاب "لوثر ومحمد" للباحث بيير أوليفييه ليشو، الصادرة ترجمته حديثاً في القاهرة عن دار روافد، يتتبع أستاذ التاريخ الحديث والباحث المتخصص في الدراسات البروتستانتية، ما أحدثه لوثر من أثر في المسيحية إذ كان من أهم معاول خروج أوروبا من تحت السيطرة التامة والمطلقة لروما التي كانت ترفع أفراداً على العروش أو تقصيهم، واحترف كرادلتها وقساوستها تجارة صكوك الغفران، فجاء لوثر ليثير غضبها في رفضه لتلك البنية كلها.
ولما كان موقف لوثر من الإسلام يتسم بالأصولية انطلاقاً من إرث العصور الوسطى في المسيحية، الذي يرى في الإسلام علامة على قرب نهاية العالم، وكان توغّل الجيوش العثمانية في أوروبا ليس سوى آية من آيات نهاية العالم، رأى مؤسس البروتستانتية أن المسلمين هم وجه من أوجه وحش نهاية الزمان "المسيح الدجال"، أما الوجه الآخر للوحش، فهو البابا في روما.
ما يعني أن المسلمين والبابا وجهين لعملة واحدة، الأول يمثل الحضور الفيزيقي أو المادي للمسيح الدجال، ممثلاً في التهديد التركي لأوروبا، والثاني يمثل الحضور الروحي أو الفكري له.
من هنا بدأ مارتن لوثر يبحث عن نسخ مترجمة للقرآن، وينبي عليها افتراضاته وتصوراته حول هذا الدين وماهيته.
ينطلق المؤلف في كتاب "لوثر ومحمد… بروتستانتية أوروبا الغربية في مواجهة الإسلام من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر"من الأحداث الدامية التي وقعت في فرنسا عام 2015، حيث اقتحمت مجموعة تتبنى افكار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" حفلاً في مسرح باتاكلان الفرنسي، وأطلقت النار عشوائياً على الجمهور
الهجمات الدامية
في كتاب "لوثر ومحمد… بروتستانتية أوروبا الغربية في مواجهة الإسلام من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر" الذي ترجمه من الفرنسية إلى العربية محمد عبد الفتاح السباعي، ينطلق المؤلف من الأحداث الدامية التي وقعت في فرنسا عام 2015، حيث اقتحمت مجموعة تتبنى افكار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" حفلاً في مسرح باتاكلان الفرنسي، وأطلقت النار عشوائياً على الجمهور، وفي التوقيت نفسه وقعت خمسة تفجيرات في أماكن أخرى، من بينها محيط استاد باريس، حيث كانت تقام مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا يحضرها الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند.
تسببت هذه الهجمات في إيقاع عشرات القتلى والجرحى، وكان خطاب وسائل الإعلام في باريس وأوروبا في وصف تلك الأحداث يركز على نبرة واحدة مفادها: "هذا هو الإسلام ولا شيء غيره".
الأمر الذي أثار دهشة الباحث التاريخي، ليشو، مؤلف الكتاب، الذي اعتبره ذلك الخطاب سطحياً وضحلاً في تناول الأحداث، انطلاقا من معرفته أن لكل دين أوجه مختلفة ومذاهب واتجاهات متنوعة وليس وجهاً واحداً فقط.
محمد عبد الفتاح السباعي: الصدفة هي التي قادتني إلى هذا الكتاب حيث بدأ الأمر بمشاهدة لقاء على قناة TV5 موند الفرنسية، التي كانت تستضيف المؤلف بيير أوليفييه ليشو، في يناير 2021، وكان أول ما لفت انتباهي هو العنوان الجذاب للكتاب، ثم حديث ليشو نفسه عن محتواه
قراءة نزيهة للتاريخ
يضع ليشو في مقدمة كتابه جملة من كتاب "الاستشراق... الشرق صنيعة الغرب" الصادر عام 1978 المعروف اختصاراً بـ"الاستشراق" للراحل إدوارد سعيد، تقول الجملة المختارة: "فلنكسر الأغلال المكبلة لعقولنا بهدف استخدامها في تأمل تاريخي وعقلاني".
من هنا ينطلق ليشو في محاولة قراءة "نزيهة" للتاريخ، بعيداً عن التعصبات والتحيزات والتعميمات التي يصم بها البعض الأفكار أو الأديان.
ويشير إلى منهجية كتاب إدوارد سعيد ودوره في تعريف الغرب بالشرق بدءاً من حملة نابليون على مصر، وما انبنى على تلك الحملة من رؤى غربية حاولت فهم الشرق.
يقول الكاتب في مقدمه كتابه إنه وإن انطلق في "لوثر ومحمد" من هجمات دامية لتنظيم راديكالي إسلامي؛ إلا ان "تاريخ المسيحية به أحداث تؤكد أن المسيحيين تعرضوا للقتل والاضطهاد على يد بعضهم البعض أكثر مما حدث لهم على يد الآخر – المسلم"، مع الإشارة إلى مجزرة سان بارتلميو(بارتلمي) عام 1572 التي سقط فيها عشرات الآلاف من الضحايا البروتستانت على يد الكاثوليك في قلب باريس، بعد أقل من 30 عاماً من رحيل مارتن لوثر، مؤسس المذهب البروتستاتني أو الديانة البروتستانتية كما يصفها المؤلف أحيانا.
المترجم محمد عبد الفتاح السباعي قال لرصيف22 إن الصدفة هي التي قادته إلى هذا الكتاب: "الأمر بدأ بمشاهدة لقاء على قناة TV5 موند الفرنسية، التي كانت تستضيف المؤلف بيير أوليفييه ليشو، في يناير 2021، وكان أول ما لفت انتباهي هو العنوان الجذاب للكتاب، ثم حديث ليشو نفسه عن محتواه. وعلى الفور أمسكت بقلم وأجندة لا يفارقانني ودونت أبرز ما قاله ليشو بسرعة ثم انطلقت بحثاً عن الكتاب، وما أن وصلت إليه قلت لنفسي سأترجمه ولو مجاناً رغم ضخامته (يقع في 584 صفحة، بينما النسخة الأصلية 576 صفحة)".
التمرد على البابا
يفصح الكتاب بداية عن سبب تمرد مارتن لوثر وثورته ضد البابا في روما، فأستاذ اللاهوت بجامعة جنتنبرج كان قد قرر السفر إلى روما للتوبة والتطهر الكامل بعد أزمة روحية تعرض لها، وهناك وجد الفساد يستشري في الكنيسة الأم، وفي ذلك التوقيت كان البابا ليون العاشر ( 1513 – 1523 ) يبيع صكوك الغفران لتجديد كنيسة القديس بطرس، فعاد مارتن لوثر إلى المقاطعة التي يعيش فيها وأعلن رفضه لصكوك الغفران ولمظاهر الفساد التي تسود الفاتيكان، وساعده في ذلك رفض أمير ساكسونيا في ذلك الوقت لصكوك الغفران التي رآها ستساهم في ثراء روما على حساب ألمانيا.
هذا التمرد على الكنيسة جعله يبحث في مصادر كثيرة عن مصدر الخطر المتمثل في الزحف التركي إلى قلب أوروبا، بعد أن نجح الأتراك في السيطرة على الشام ومصر والشمال الإفريقي، خاصة بعد دخولهم القاهرة عام 1517.
كان هذا في العام نفسه الذي أعلن فيه مارتن لوثر أطروحاته ال95 الشهيرة، وكان من ضمنها الأطروحة رقم 52 التي تحدث فيها عن الإسلام ومحمد، معتبراً أن الأتراك والتتار وغيرهم هم "كرباج الرب وقضيبه".
وكان يعتبر محمداً ليس عدواً للمسيح، بل هو "مثل الوثني الذي يضطهد المسيحيين من الخارج، لكن البابا بالنسبة لنا هو المسيح الدجال الحقيقي، حيث لديه شيطان لامع وأنيق وجميل ورائع يجلس في القلب من المسيحية"، بحسب ما جاء في الكتاب.
يشير الكتاب في فصله الأول إلى المصادر التي استقى منها مارتن لوثر معرفته عن الإسلام ومحمد والترجمات والطبعات الأولى للقرآن، والأدبيات التي تحكي عن عادات وتقاليد المسلمين.
وحول تصنيف هذا الكتاب يقول السباعي، إنه "يمكن تصنيف الكتاب باعتباره بحثا فكرياً- دينياً مستنداً إلى التاريخ. فالتاريخ (استناداً إلى مصادر موثوقة) يظل برأيي هو الرافد الأول للمعارف الإنسانية عموماً".
عن الصعوبات التي واجهته خلال الترجمة يشير "السباعي" إلى أن الصعوبة الأكبر كانت في تحرير النص من لغته الأكاديمية الموجهة في الأساس لعتاة المثقفين الفرنسيين والأوروبيين عموماً، إلى عربية سلسة يتلقاها القارئ في الوطن العربي، دون أن يصيبه الملل
آراء يوحنا الدمشقي
كانت آراء يوحنا الدمشقي ( ت. 749 ميلادية) الذي عاش في عصر الدولة الأموية، لها أثر كبير في فهم الغرب وتعاملهم مع الإسلام، حيث كان يرى "الإسلام بدعة مسيحية"، وجرى وضع أدبيات في هذا الإطار تحكي عن راهب يدعى "سرجيوس" يعادي البابا، ذهب لمحمد وأقنعه بإعلان دين جديد، في محاكاة لقصة بحيري الراهب مع النبي محمد، وأن هذا الراهب علمه عقيدة مسيحية محرفة لأنها لا تعترف بـ"الثالوث".
وعن الصعوبات التي واجهته خلال الترجمة يشير "السباعي" إلى أن الصعوبة الأكبر كانت في تحرير النص من لغته الأكاديمية الموجهة في الأساس لعتاة المثقفين الفرنسيين والأوروبيين عموماً، إلى عربية سلسة يتلقاها القارئ في الوطن العربي، دون أن يصيبه الملل، وتابع: "هنا يأتي دور ما أضفته من هوامش اعتمدت فيها على عدد من المراجع باللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية، وأدرجتها في نهاية الكتاب تحت عنوان «قائمة المراجع الخاصة بهوامش وشروحات المترجم». إذ إن دقة النقل والشرح من المترجم على نفس الدرجة من أهمية عمل المؤلف ويكملان بعضهما البعض، ومن وجهة نظري لا يمكن للترجمة في العموم أن تكتمل بدون أن يراعي المترجم ثقافة وخلفية ونوعية القارئ الذي يتوجه إليه بترجماته".
استعادة دين قديم
"صحيح أن محمداً شن حرباً في شبه الجزيرة العربية، لكنها كانت تحت ستار استعادة دين قديم، وليس إدخال دين جديد. لقد علم أتباعه إلغاء عبادة الأصنام في كل مكان، مع إلزام الجميع بالاعتراف بهذه الحقائق: (أن هناك إلهاً واحداً، وأنه ليس له من شركاء، وأن هناك تدبيراً وعقاباً يتناسبان مع أعمال الخير والشر التي يرتكبها البشر). وكما نرى في هذا الاقتباس للطبيب واللاهوتي البريطاني هنري ستوب (1632- 1776): كان دين محمد ينحصر، بشكل مختصر، في استعادة الدين الطبيعي للإنسانية... دين نوح".
ومن الناحية اللاهوتية، بالطبع، يعتبر ستوب أن الإسلام أعاد إحياء الآريوسية، التي تصورها على أنها شكل من أشكال اليهودية المسيانية "المسيحية" المهمشة من قبل الكنائس الثالوثية المهيمنة. لذلك فإن الدين الإسلامي هو - في نظر ستوب- مسيحية تم تهويدها واعتنقها محمد من خلال الابتعاد قدر الإمكان عن المذاهب التي بدأها الكهنة. لكن هذه اليهودية أيضاً لم تكن سوى الديانة الطبيعية للبطاركة. ووفقاً للطبيب الإنجليزي، فإن هناك خط يربط من نوح وموسى إلى محمد عبر يسوع، ويستند إلى الحقيقة الوحيدة الصالحة: وحدة الله. أما السيد المسيح الذي يسميه ستوب بـ"عيسى"، احتراما للاسم الذي أطلقه عليه المسلمون، فإن الصورة التي يرسمها له أقرب إلى صورة القرآن منها إلى صورة الأناجيل، وهذا لسبب بسيط في رأيه: "لقد خلد محمد تعاليم يسوع الحقيقية التي كان النبي مستخلفاً عليها، لأنه كان يُعلّم نفس العقيدة".
ويوضح المترجم أن الخلاف اللاهوتي بين الكاثوليك والبروتستانت جاء لصالح الإسلام، إذ تمت قراءته استناداً إلى نصه التأسيسي وهو القرآن، "بشكل عقلاني رصين بعيداً عن أية تشنجات طائفية أو أحكام مسبقة".
ومن وجهة نظر ستوب، فإن دين الإسلام "هو الأقرب إلى العقل الصحيح لأن إرادة الله أن يؤمن البشر بما يمكنهم تصوره فقط". لذلك يرفض ستوب منطق هداية المسلمين إلى المسيحية الذي كان شائعاً في إنجلترا في عصره. فمن وجهة نظر ستوب، يجب على المسيحيين أن يتعلموا من الإسلام أكثر مما يجب على المسلمين أن يتعلموا من المبشرين المسيحيين، وهو تأكيد لم يتردد بعض المعلقين في تفسيره على أنه «تحول فعلي إلى الإسلام».
اعتمد السباعي في البحث في مصادر أخرى على ما يجيده من لغات (الفرنسية والإنجليزية) لمطابقة ما ترجمه المؤلف عن اللاتينية، وأشار إلى أن تتبع ترجمات القرآن وشروحاته، يقتضي على الأقل إتقان الإنجليزية والفرنسية والإلمام ولو قليلا باللاتينية
ترجمات القرآن
وكانت أولى ترجمات القرآن إلى اللاتينية على يد روبرت أوف كيتون، بطلب من بطرس المبجل ( 1092 – 1156 ) فيما يسمى بمجموعة طليطلة التي تمثل أهمية كبرى في رؤية الغرب للإسلام، ثم جاءت الترجمة الثانية للقرآن على يد مارك دو توليدو ( 1210 )، ثم القرآن الخافت لنيوكولاس الكوزاني ( 1488 ) والذي حظي باهتمام كبير بين المتخصصين وعلماء اللاهوت، وكان مجمع بازل في سويسرا الذي عقد بين أعوام ( 1432 – 1449 ) اهتم بدراسات كثيرة عن الإسلام والقرآن وقد عرّف الإسلام ومحمد بوضوح على أنهما "وحش نهاية العالم".
والترجمة الأولى طبعها مصلح معاصر لمارتن لوثر وهو تيودور بيبلياندر، وتتضمن مجموعة طليطلة، وهي نصوص جدلية حول الإسلام، مع مقدمة بطرس المبجل المعنونة "خلاصة كل بدعة للمسلمين".
ومن المصادر التي اعتمد عليها مارتن لوثر في فهمه للإسلام والتعامل معه " رسالة في آداب وعادات غدر الأتراك" لجورج المجري.
كل هذه المصادر وغيرها شكلت جانباً كبيراً من معرفة مارتن لوثر بالإسلام واهتمامه بالتعمق في معرفته بسبب الضغط التركي على حدود الأمة الجرمانية التي يعيش لوثر ضمنها، وكانت جيوش سليمان القانوني تحاصر فيينا عاصمة النمسا وقائدة أوروبا في ذلك الوقت حتى عام 1529 عندما اضطر القائد العثماني لفك الحصار لظروف مناخية قاسية لم يتحملها الجنود. الأمر الذي وصفه مارتن لوثر تدخلا إلهيا لنصرة المسيحية.
وظهرت ترجمات أخرى للقرآن في القرن السابع عشر منها ترجمة جورج سال (1697 – 1736 )، وفي منتصف القرن السادس عشر ظهر "قرآن البندقية" ( 1547 ) وهو أول ترجمة إيطالية للقرآن.
وبالنسبة لرهان اللغة، قال السباعي إنه اعتمد في البحث في مصادر أخرى على ما يجيده من لغات (الفرنسية والإنجليزية) لمطابقة ما ترجمه المؤلف عن اللاتينية، وأشار إلى أن تتبع ترجمات القرآن وشروحاته، يقتضي على الأقل إتقان الإنجليزية والفرنسية والإلمام ولو قليلا باللاتينية.
مقاومة الأتراك والعداء للبابا
يوضح الكتاب أن مارتن لوثر كان متعطشاً للمعرفة حول الدين الإسلامي وشخصية النبي محمد الذي عاش قبل لوثر بنحو 9 قرون، واعتبر مارتن لوثر أن لا أحد اهتم بمعرفة ماهية هذا الرجل وطبيعة إيمانه، واكتفوا بأن اعتبروه عدوا للدين المسيحي، وهو أقرب لليهود، ومن بعد ذلك اعتبروا القرآن واللغة العربية من الممكن أن تفسر جانباً من الكتاب المقدس.
واعتبر لوثر أن محمداً أقر بالأناجيل كما أقر المسيحيون بالعهد القديم كنصوص إلهية لاكتمال الناموس، إلا أنه تحدث عن تحريف الكتاب المقدس والأناجيل التي تعتبر فاسدة وفقا لعقيدة المسلمين.
ليكوّن مارتن لوثر في النهاية رؤية حول الإسلام وفقاً للتقاليد المسيحية القديمة مفادها أنه "مزيج من اليهودية والوثنية والمسيحية".
وإن كان لوثر انتقد المجتمع المسلم التركي الذي يمتلك فيه الرجل عدة نساء، إلا أنه اعتبر ذلك المجتمع يشكل إغراء حقيقياً للمسيحيين بسبب النظام الظاهري للفضيلة، كما اعتبر أن الأتراك يصلون بشكل أفضل من المسيحيين في خشوع صامت يفرض الاحترام.
في مواضع من الكتاب، يؤكد المؤلف أن رؤية مارتن لوثر للنبي محمد، ومن بعده رؤية البروتستانتية للدين الإسلامي، جعلت البروتستانت في مرمى الهجوم من الطوائف الأخرى، خصوصا الكاثوليك الذين نظروا إلى بعض الآراء البروتساتنينة بأنها تحمل تأثيرات إسلامية كثيرة، بل وإنهم مسلمون يكتمون إسلامهم
ويشير السباعي إلى أن الكتاب رصد التقارب بين الإسلام والبروتستانتية، الذي جاء أولاً من خلال اتهامات المجادلين الكاثوليك لنظرائهم البروتستانت بأنهم ينادون بنفس ما ينادي به القرآن ونبي الإسلام، وأشار المترجم إلى أن مصطلح الإسلاموفيليا ( التعاطف مع الإسلام) ظهر في أواخر القرن السادس عشر، وهي تهمة (تعادل تهمة الإرهاب حالياً) كانت معدة ومعلبة سلفاً بحيث يتم إلقاؤها على كل من يرى الأمور بعين الحياد.
وفي النهاية يعتبر المترجم هذا الكتاب دعوة للحوار، بعيداً عن أي شطحات فكرية ليس لها من هدف سوى جذب الكاميرات والتماهي مع خطاب شعبوي يفتقد للحكمة، ولكنه يلقى قبولاً لا يمكن الاستهانه به.
البروتستانت في مرمى الهجوم
وفي مواضع من الكتاب، يؤكد المؤلف أن رؤية مارتن لوثر للنبي محمد، ومن بعده رؤية البروتستانتية للدين الإسلامي، جعلت البروتستانت في مرمى الهجوم من الطوائف الأخرى، خصوصا الكاثوليك الذين نظروا إلى بعض الآراء البروتساتنينة بأنها تحمل تأثيرات إسلامية كثيرة، بل وجرى اتهام بعض المنادين بالإصلاح البروتستانتي من قبل خصومهم الكاثوليك بأنهم مهرطقون، بنوا مذهبهم استنادا إلى القرآن، بل وإنهم مسلمون يكتمون إسلامهم، خصوصاً أن الطبعة الأولى للقرآن المترجم كانت من صنيعة البروتستانت.
وأشار الكتاب في جانب منه إلى العقيدة السوسينيانية، نسبة إلى فاوست سوسينوس (1539 – 1604) المناهضة لعقيدة الثالوث، كما أشار إلى بعض القضايا المتعلقة بمعمودية الأشخاص المتحولين من الإسلام إلى المسيحية.
ووصف السباعي هذا الكتاب بأنه يندرج تحت بند تصحيح الأفكار، ومواجهة الإسلاموفوبيا في الغرب، وربما لدى بعض من يدعون الثقافة والاستنارة في الوطن العربي، بشكل عقلاني متزن يرى الأشياء كما هي وليس كما يحب البعض أن يراها. والتحدي هنا هو كيف يتعامل الساسة وصناع القرار ووسائل الإعلام مع أطروحات من نوعية ما قدمه بيير أوليفييه ليشو: هل تلقى الاهتمام ويُسلط عليها مزيداً من الضوء باعتبار أن الرجل أشعل شمعة بدلاً من أن يسير مع قطيع يلعن الظلام؟ أم يتم تجاهلها والاستمرار في التعاطي مع خطاب موجه لتأجيج مشاعر دينية- قومية لتحقيق مكاسب سياسية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...