شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ماذا وراء طموح تركيا إلى لعب دور أمني مستقبلي في غزة؟

ماذا وراء طموح تركيا إلى لعب دور أمني مستقبلي في غزة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الثلاثاء 28 نوفمبر 202305:18 م

أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استعداد بلاده لتولي المسؤولية المشتركة في الهيكل الأمني في غزة، بعد انتهاء الحرب، بقوله أمام القمة الافتراضية لقادة مجموعة العشرين، يوم الأربعاء الفائت: "نحن في تركيا على استعداد لتحمّل المسؤولية في البنية الأمنية الجديدة، بما في ذلك الضمانة، إلى جانب الدول الأخرى".

فـ"في ظل وجود تدخّل مستمر في المنطقة العربية من جانب مجموعة من القوى لتحقيق مصالحها، ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وإيران، كان من الطبيعي أن تسعى تركيا أيضاً إلى حماية مصالحها، وذلك بأن تعقد تحالفات تقوم على المصالح المشتركة بينها وبين الدول العربية"؛ حسب رئيس مركز "طوروس" للدراسات الشرق أوسطية في الكويت، الدكتور محمد الثنيان، ومن خلال مساعي قادة حزب العدالة والتنمية، إلى إحياء فكرة الاستقلال عن الغرب، تركياً وإقليمياً، مع إحياء فكرة التحالف الإسلامي، لاستعادة دور تركيا في العالم العربي والإسلامي.

فيما تُشير أستاذة العلوم السياسية والمستشارة السابقة للخارجية اللبنانية، الدكتورة علا بطرس، إلى رؤية رئيس وزراء تركيا الأسبق وأحد أبرز مفكري حزب العدالة والتنمية، البروفيسور أحمد داود أوغلو، المتمحورة حول استخدام أنقرة للموروث الثقافي والجغرافي لنشر نفوذها في الدول المشكّلة للسلطنة العثمانية سابقاً. وهو ما عبّر عنه الأكاديمي والمفكر الأردني، أكرم حجازي، إذ يقول: "إنّ سؤال التاريخ لا يمكن أن ينفصل عن الواقع وسؤال المصير؛ إذ إنّ إسطنبول، عاصمة العالم، ما تزال حاضرةً في الذهن التركي...". ووفقاً لبطرس: "تركيا تدعم جماعات مثل الإخوان على حساب الدولة (...) وهذا يمسّ بأمن وسيادة الدول ويؤدي إلى تفككها كما حدث في سورية...".

وسابقاً، أعلن الرئيس التركي، أن إنشاء حزام أمني "خارج الحدود"، ضروري لاستقرار بلاده داخلياً، قائلاً: "إذا لم تستطع تركيا إنشاء حزام أمني قوي في الخارج، فلن يتركونا ننعم بالاستقرار داخل الوطن".

وللوقوف على التصريح باستعداد أنقرة للمشاركة في الهيكل الأمني لغزة، لا بد من المرور على سيناريوهات اليوم التالي للحرب فيها، في حال تحقيق تل أبيب هدف القضاء على حماس، غير الواقعي، حسب مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. ورؤى اليوم التالي تتلخص بالآتي: الأمريكية، وتقوم على تشكيل جهاز لإنفاذ القانون، تتولاه الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل (مصر، الأردن، الإمارات العربية، البحرين، والمغرب)، كونها ستحظى بثقة إسرائيل. الأوروبية، وتقوم على "تدويل الإدارة الأمنية للقطاع"، بإنشاء "قوة سلام دولية بتفويض أممي"، مع تأكيدها على حل الدولتين وتقليص الوجود الأمني الإسرائيلي. رؤيتان تناقضهما الرؤية الإسرائيلية الداعية إلى إعادة احتلال القطاع، وإقامة نموذج شبيه بحكم المنطقة "ب" في الضفة الغربية، مع استبدال السلطة الفلسطينية بإدارة مدنية عربية أو إدارة مدنية محلية من بلديات قطاع غزة وعشائره، بجوار السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

تمثّل تكلفة إنشاء الخط الواصل بين تركيا وإسرائيل، الخيار الأرخص والأكثر جدوى من كل خطط مد أنابيب الغاز لأوروبا، ومن المتوقع بيع نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى أوروبا سنوياً من خلاله، فما علاقة الغاز ونقله بأمن غزة؟

لاقت الرؤى أعلاه معارضةً فلسطينيةً وعربيةً. فالسلطة الفلسطينية، ترفض السيطرة على قطاع غزة دون تسوية سياسية شاملة لكلٍ من الضفة والقطاع والقدس الشرقية، ودون هذا الإطار سيُنظر إليها على أنها جاءت "على ظهر دبابة إسرائيلية"، مما يفاقم ضعفها وتراجع شرعيتها في الشارع الفلسطيني. وبدورها، تخشى الدول العربية أن يُنظر إليها على أنها "قوة احتلال". وقد عبّر عن ذلك رئيس وزراء الأردن، بشر الخصاونة، بقوله: "الأردن لن يُرسل أي قوات عسكرية لغزة، ولن يقبل استبدال الجندي الإسرائيلي بجندي أردني".

غاز شرق المتوسط... مربط الفرس

تتويجاً لوساطة من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، الساعي إلى الحد من احتكار روسيا تصدير الغاز إلى أوروبا، أعادت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، في آذار/ مارس 2013، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات على خلفية مقتل مواطنين أتراك على متن سفينة "مافي مرمرة"، خلال توجهها لإيصال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة 2010. وفي عام 2017، وقّعت تركيا وإسرائيل اتفاقاً مبدئياً، لبناء خط أنابيب غاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر تركيا.

وبحسب دراسة للمعهد الألماني للعلوم الاجتماعية (SSOR)، "تمثّل تكلفة إنشاء الخط الواصل بين تركيا وإسرائيل، الخيار الأرخص والأكثر جدوى من كل خطط مد أنابيب الغاز لأوروبا، ومن المتوقع بيع نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى أوروبا سنوياً من خلاله"، إذ إن المسافة بين الدولتين 500 كيلومتر. وعليه، فإن تكلفة إنشاء الخط أقل من نصف التكلفة التي ستحتاجها أوروبا لإنشاء خط "إيست ميد" بين قبرص وإسرائيل.

موضوع الغاز قد يكون له وزنه لدى أنقرة، دون أن يفرض نفسه عبر التواجد العسكري على الأرض، حسب الباحث في الشأن التركي، الدكتور الفلسطيني سعيد الحاج. يقول: "ترى أنقرة أن فكرة الاستقرار والهدوء وعدم تجدد الصراع أو المواجهات العسكرية بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، تخدم فكرة إمكانية استخراج الغاز والتعاون في مجال الطاقة وتوابعهما. بينما تهدد المواجهات العسكرية والحروب هذا الملف بالكامل". وينفي الحاج خلال حديثه إلى رصيف22، أي رابط مباشر بين فكرة التعاون في مجال الطاقة أو الغاز في شرق المتوسط، وبين ضرورة الوجود أو التواجد العسكري على الأرض بشكل مباشر.

تمثّل تكلفة إنشاء الخط الواصل بين تركيا وإسرائيل، الخيار الأرخص والأكثر جدوى من كل خطط مد أنابيب الغاز لأوروبا، ومن المتوقع بيع نحو 10 مليارات

سيُعاد رسم الخريطة السياسية للشرق المتوسط، في حال تم الاتفاق بين تركيا وإسرائيل وقبرص واليونان، حسب الدراسة الألمانية. فعلى الرغم من عدم امتلاك تركيا حقول غاز طبيعي، إلا أنها لاعب سياسي قوي في المنطقة. لكن "إذا فشلت تركيا في اجتذاب إسرائيل أو قبرص إلى التعاون، وأصبحت خارج نطاق شرق المتوسط، فالنتيجة المحتملة، زيادة التوتر في المنطقة".

ووفقاً لمجلة شؤون عربية، الصادرة عن الأمانة العامة للجامعة الدول العربية، فإن "التوترات المفتوحة والمرشحة للمزيد بين دول شرق المتوسط حول امتلاك واستغلال موارد الطاقة، مثال حي على اختلاط السياسة بالاقتصاد بالأمن. فمع اكتشاف الغاز في شرق المتوسط، أدركت دوله، أن المنطقة البحرية تختزن تريليونات الأمتار المكعبة من احتياطي الغاز، وهي إلى جوار ثروات المنطقة الكبيرة والمهمة، تستحق الاستثمار فيها، بل خوض الحروب لأجلها".

يعتقد الخبير في الشأن التركي والباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن موضوع الغاز أحد الأهداف التي تسعى تركيا إلى تحقيقها، في ما يتعلق بتوسيع دورها في القضية الفلسطينية. وبرأيه، مسألة الصراع الجيو-سياسي في شرق البحر المتوسط والتعاون في تجارة الطاقة بين تركيا وإسرائيل، أحد العوامل الأساسية التي تشكل السياسة التركية تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية عموماً.

انقسمت دول شرق المتوسط، التي اتخذ اصطفافها طابعاً سياسياً خالصاً، إلى جبهتين، ضمّت الأولى، مصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية واليونان وقبرص اليونانية، وضمّت الثانية، تركيا وقبرص التركية، حسب مجلة شؤون عربية. تطور الأمر لاحقاً إلى مبادرات عملية، من خلال تأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط" مطلع عام 2019، والذي وجدت تركيا في استبعادها عنه محاولةً لإضعافها وتطويقها وعزلها تمهيداً لإسقاط السلطة السياسية الحالية فيها. إذ يرى مسؤولو حزب العدالة والتنمية أن القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى ضرب صعود تركيا وتحولها إلى قوة اقتصادية مهمة وقيامها "بأدوار فاعلة في قضايا المنطقة".

وسيط للقوة والسلام معاً

يقول علوش في حديثه إلى رصيف22: "يعكس عرض أنقرة استعدادها للمشاركة في الهيكل الأمني الجديد لغزة بعد الحرب، طموحاتها في دور أكبر في القضية الفلسطينية مستقبلاً. وينسجم هذا مع نظرة تركيا إلى دورها الشرق أوسطي الجديد، كوسيط للقوة والسلام معاً"، مشيراً إلى "رؤية تركيا لحضورها المتزايد في القضية الفلسطينية كعامل مساعد لتعزيز دورها في الجغرافيا السياسية والإقليمية، لا سيما أن القضية الفلسطينية تشكل الديناميكيات في السياسات الإقليمية. غير أن طموحات أنقرة تواجهها تعقيدات عدة، في مقدمتها وجود قوة فاعلة تقليدياً وتاريخياً في القضية الفلسطينية لا يمكن منافستها بأي حال من الأحوال".

بحثت تركيا خلال مرحلة "العثمانية الجديدة"، حسب توصيف مركز شاف للدراسات، في كل أزمة، عن تحقيق مكاسب لها، ودليل على ذلك مواقفها ذات البعد الجماهيري تجاه ما يجري في غزة، وهو ما تبحث عنه خلال مرحلة "قرن تركيا"، من خلال رد فعلها الهادئ والدبلوماسي تجاه الحرب الحالية على غزة، بهدف تعزيز مكانتها كوسيط بين الطرفين، لا سيما بالنظر إلى المكاسب الإستراتيجية التي استطاعت تركيا تحقيقها بالوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية.

التصريحات التركية بخصوص الدول الضامنة، لا تزال مجرد فكرة أولية، تفتقد الكثير من التفاصيل أو التصور المتكامل حتى اللحظة لدى أنقرة، فعلى ماذا تراهن وكيف يمكنها تحقيق ذلك؟

التصريحات التركية بخصوص الدول الضامنة، لا تزال مجرد فكرة أولية، تفتقد الكثير من التفاصيل أو التصور المتكامل حتى اللحظة لدى أنقرة، حسب الحاج. وستسعى إلى إنضاجها، كما ورد عن وزير الخارجية، حقان فيدان، من خلال النقاش مع الأطراف المختلفة، ويشير إلى أن "أنقرة تبحث عن دور ما في قضية مركزية ومحورية في المنطقة، كالقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى تبحث عن دور أبعد نوعاً ما من العمل الإغاثي والإنساني، دون أن يكون فيه معنى المواجهة العسكرية أو المواجهة المباشرة، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو الدول الداعمة لها، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وثالثاً، ترى أنقرة طرحها نموذجاً قائماً وناجحاً، سواء بين أذربيجان وأرمينيا، أو في قبرص، برغم أن تطبيقاته في سوريا لم تكن مشجعةً تماماً. لذا، ترى أن هذه الفكرة يمكن تداولها ويمكن أن تؤدي إلى حالة من الاستقرار في الموضوع الفلسطيني"، منبّهاً إلى أن الطرح التركي لم يكن ناتجاً عن دراسة عميقة للحالة الفلسطينية، التي لا تشبه جنوب القوقاز أو قبرص أو سوريا أو غيرها من النماذج.

يدفع أنقرة للوساطة عاملان، حسب مركز شاف، أولهما، توجه أمريكي نحو محاصرة الصين وروسيا، ما يمنح تركيا مساحةً لأداء دور أكبر، بالمشاركة مع دول عربية أخرى، في قيادة المنطقة. وهو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي، بعد لقائه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أن الموقف التركي متطابق مع الموقف المصري بصفتهما يمثلان ثقلاً إستراتيجياً في إفريقيا والعالم العربي والبحر المتوسط، وأن تركيا ومصر تتقاسمان الأدوار في دعم القضية الفلسطينية. وثانيهما، علاقات تركيا مع كل من إسرائيل وحركة حماس. لكن مع فشلها في طرح مشروع وساطة، رأت أنقرة لاحقاً أن دور الوسيط سيكون مكملاً ولن يكون دوراً أساسياً.

وفقاً لعلوش، "تراهن تركيا من أجل لعب هذا الدور، على علاقاتها مع إسرائيل، مع علاقتها الجيدة مع حماس. غير أن الدول العربية تنظر إلى دور تركيا المتزايد في القضية الفلسطينية على أنه منافس لدورها فيها. كما أن من الصعوبة على تركيا لعب دور أكبر في القضية الفلسطينية مستقبلاً، إذا لم تُخرج علاقاتها مع إسرائيل من دائرة التوترات والاضطرابات التي تعيشها منذ قرابة عقد ونصف. وإذا ما أرادت أنقرة لعب دور في مستقبل قطاع غزة، سيتعين عليها بدرجة أساسية الحفاظ على نوع من التوازن في سياستها تجاه الصراع، وتجنّب تطور رد فعلها على الحرب الإسرائيلية على غزة إلى انهيار دبلوماسي جديد مع الجانب الإسرائيلي. ويصف علوش الطرح التركي بالمبكر، لكن ربما يعكس أحد أهداف أردوغان، في جذب اهتمام الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بدور قوي يمكن أن تلعبه أنقرة في تسوية الصراع الراهن في غزة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard