شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
القصف على غزة والضربة لقناة السويس... مخططات

القصف على غزة والضربة لقناة السويس... مخططات "قناة بن غوريون" تخرج من الأدراج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Is Israel bombing Gaza to clear the route for the Ben Gurion Canal?

تحت الحجج الأمنية والسياسية تكمن دائماً الأسباب الاقتصادية والمصالح الكبرى التي تجعل من أية حرب "استثماراً" مجدياً على المدى الطويل، وليست مجرد "خسائر" مالية تذهب للتسليح من دون مردود. 

الحرب على غزة على وجه الخصوص قد تشكل نموذجاً لدراسة الفكرة السابقة، فبالإضافة إلى ثروة القطاع الترليونية من الغاز، هناك مشروع طموح جداً لا يمكن لإسرائيل أن تحققه إذا لم تفرض سيطرتها الكاملة على غزة. 

مخطط قديم إلى حين ملائمة الظروف

في العام 1993 رفعت الحكومة الأمريكية السرية عن مذكرة تضم مراسلات مع الحكومة الإسرائيلية تعود إلى العام 1963، وتناقش المراسلات إمكانية حفر قناة بحرية إسرائيلية تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض وتشكل حلقة وصل بين قارة آسيا وقارة أوروبا، وقد سمي المشروع حينذاك "قناة بن غوريون" على اسم الأب المؤسس لإسرائيل.

أخيراً عاد الحديث عن هذه القناة البحرية إلى الواجهة، مع ظهور ادعاءات أو نظريات بأنها من الأسباب الحقيقية لتفريغ القطاع من السكان، وقد نشر بحث على موقع "civil daily" في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 جاء فيه أن "طموحات إسرائيل في السيطرة الكاملة على قطاع غزة والقضاء على حماس قد تكون مرتبطة بفرصة اقتصادية طموحة وهي إنشاء مشروع قناة بن غوريون".

كما أشار عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري في 19 تشرين الثاني/ أكتوبر 2023 خلال جلسة طارئة إلى أن الهدف من تفريغ غزة من السكان هو إنشاء قناة بن غوريون التي تنطلق من إيلات إلى غزة وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط وهدفها الإضرار بقناة السويس، كمشروع مقابل لطريق الحرير. 

في العام 1993 رفعت الحكومة الأمريكية السرية عن مذكرة تضم مراسلات مع الحكومة الإسرائيلية تعود للعام 1963، وتناقش إمكانية حفر قناة بحرية إسرائيلية تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض، وسمي المشروع حينذاك "قناة بن غوريون" 

وهو كلام لا يختلف كثيراً عمّا ورد في المذكرة السرية التي تعود إلى 60 عاماً، فقد أشارت بوضوح إلى أن "الأثر التحويلي المباشر للمشروع سيكون تجاوز قناة السويس" وليس رفع إيرادات الاقتصاد الإسرائيلي.

لماذا غزة؟

المخططات الخاصة بالقناة كما وردت في المراسلات التي رفعت عنها السرية كانت قد أعدّت من قبل  مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا وهو من مراكز الأبحاث الممولة فدرالياً، ووزارة الطاقة الأمريكية، وقد ضمت المخططات الأولية مقترحاً بدفن 520 قنبلة نووية بصفات وقوة محددة وتفجيرها للمساعدة في عملية الحفر في تلال وادي النقب، بهدف تسريع العملية التي قد تستغرق سنوات طويلة إذا اعتمد الحفر على الطرق التقليدية والآليات الثقيلة. 

يزيد طول مسار القناة المقترح عن قناة السويس بأكثر من 100 كيلومتر بحسب المخططات القديمة أو بحسب الفكرة الأولى للمشروع، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى طبيعة التضاريس. 

لكن الظروف تغيرت منذ الستينيات إلى اليوم، ولم يعد استخدام 520 قنبلة نووية سهلاً نظراً للاتفاقيات الدولية وضررها الدائم على البيئة، لذا كان لا بد من حل سحري للالتفاف على المشكلة السابقة، وهذا الحل اسمه "وادي غزة". 

القوانين الدولية تغيرت منذ الستينيات إلى اليوم، ولم يعد استخدام 520 قنبلة نووية سهلاً نظراً لضررها الدائم على البيئة، لذا كان لا بد من حل سحري، وهذا الحل اسمه "وادي غزة".

بطول 80 كيلومتراً، ومساحة حوض 3400 كيلومتر مربع، وبتضاريس طبيعية ملائمة يعتبر هذا الوادي الذي تصب فيه الكثير من ينابيع المياه العذبة في جنوب فلسطين حلاً مثالياً وجاهزاً لحفر القناة، وقد يختصر في حال اختارت إسرائيل أن تمر القناة من خلاله، طول المسار، والتكلفة، ووقت التنفيذ، على اعتبار أن الوادي المذكور مرشح بقوة لتأهيله ليكون قناة بحرية بحكم موقعه وطبيعته الجغرافية.

خطر وجودي على مصر

إذا حدث هذا المشروع، فسيعيد تشكيل الكثير من موازين القوى في حركة التجارة العالمية من خلال سلب الدور المركزي العالمي لمصر لهيمنتها على أقصر طريق تجاري بحري في العالم، عبر تقديم منافس عالمي لاحتكار قناة السويس التي شكلت منذ افتتاحها في العام 1869 ثورة في حركة التجارة العالمية.

لكن كي تكون المنافسة مجدية، على القناة الجديدة أن تتفوق في مواصفاتها على قناة السويس، وهو ما وثقته المخططات الأولى منذ الستينيات، بأن تكون قناة بن غوريون أعمق بعشرة أمتار، وأعرض بـ200 متر بحيث تسمح للسفن بالتحرك بالاتجاهين للتفوق على السلبية الكبرى لقناة السويس التي لا تسمح إلا بحركة السفن باتجاه واحد من البحر الأحمر إلى الأبيض.

لكنها أيضاً ستشكل ضربة للاقتصاد المصري المرهَق أصلاً، من خلال المنافسة على عائدات قناة السويس، ففي تصريح نشر في حزيران/يونيو 2023 لرئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع قال إن إيرادات قناة السويس بلغت 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022-2023، وهي الأعلى في تاريخ القناة، أي حوالى 14% من موازنة الدولة لنفس العام. 

الصعوبات المالية والسياسية

يصف بعض الخبراء الإسرائيليين هذا المشروع بأنه سيكون أضخم خطوة منذ تأسيس إسرائيل على مستوى البنية التحتية والتمركز العالمي، إذ تبلغ تكلفته التقديرية اليوم 100 مليار دولار.

لكن العقبة المالية ليست الوحيدة التي تحول دون تنفيذ هذا المشروع، فهناك العقبة الأمنية المتمثلة في "المقاومة الفلسطينية" بكل أشكالها وفصائلها سواء مرت القناة من وادي غزة أم من غلافها، وتأثيرها على قرار شركات النقل باتخاذ "مسار غير آمن" من المنظور التجاري، هذا بالإضافة إلى العقبة القانونية التي ستواجه البواخر في حال مرور القناة في أرض محتلة داخل القطاع.

إذا حدث هذا المشروع، فسيعيد تشكيل الكثير من موازين القوى في حركة التجارة العالمية من خلال سلب الدور المركزي العالمي لمصر المهيمنة على أقصر طريق تجاري بحري في العالم من خلال امتلاكها لقناة السويس

يشير الدكتور علي دريج في مقال نشره في موقع وادي برس في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 إلى أن المشروع المدعوم أمريكياً، مدفوع بالحاجة الأمريكية إلى كبح صعود القوة الاقتصادية للصين، وإفشال مشروعها المستمر "طريق الحرير" الهادف إلى بناء خط قطار يبدأ من مقاطعات الصين في الغرب باتجاه غرب آسيا وتأمين الطرق المائية حول العالم.

لذا، بحسب المقال المعنون بـ"قناة بن غوريون المائية، بين تدمير غزة وهدف الوصول إلى المتوسط"، ستحاول الولايات المتحدة عرقلة طريق التجارة الصيني من خلال إنشاء طريق بديل للتنافس معه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المرحلة الجديدة من الصراع ستشهد حرباً اقتصادية تتمحور حول السيطرة على الموانئ البحرية وطرق التجارة العالمية. 

يقول الرئيس الأسبق لمفوضية سلطة إقليم العقبة في الأردن المهندس محمد صقر لرصيف22 بأن المشروع ممكن من الناحية الفنية، إلاّ أن تحققه ليس أمراً واقعاً، فالأمر مرهون بنتيجة الحرب الحالية على القطاع. 

فشركات النقل والسفن التجارية لن تختار قناة بحرية غير آمنة حتى لو كانت تسهيلاتها أفضل، أو أسعارها أقل أو مواصفتها الفنية أعلى، يقول صقر: "سواء مرت القناة -إذا تحققت- من وادي غزة أم من غلافها سيظل لدى إسرائيل مشكلة كبرى اسمها قناة السويس، كذلك يجب أن يؤخذ خيار الشركات وجنسياتها في الاعتبار، فالدول مثل إيران وفنزويلا والبلاد المقاطعة لن تستخدم القناة الجديدة لمجرد وجودها". 

تيران وصنافير 

يظل التساؤل إن كان التنازل المصري عن ممر تيران وصنافير  لصالح سيادة المملكة العربية السعودية في 8 أبريل/نيسان 2016 قد صبّ بالفعل لصالح مشروع قناة بن غوريون؟ وهل كان تمهيداً للأمر أم أن الربط بين الحدثين مجرد استسهال لنظرية المؤامرة؟ 

بموجب اتفاقية كامب ديفيد من حق كل السفن -بما فيها التي تحمل الجنسية الإسرائيلية- العبور من ممر تيران في أوقات السلم، بينما يحق لمصر التحكم في المضيق في أوقات الحرب أو حالات الطوارئ.

لكن بعد اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية لم يعد هذا الممر خاضعاً للسيادة المصرية. وخسرت مصر بتنازلها عن الجزيرتين الحق في التحكم بممر تيران. وبالتالي فقد يكون مشروع استئناف العمل في قناة بن غوريون الذي أعلنت عنه إسرائيل في بداية العام مرهوناً بتحول ممر تيران إلى ممر عبور دولي "غير مشروط" بالسيادة المصرية. 

 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً عن "ثورة في عالم النقل في إسرائيل" ستشمل مشروع السكك الحديد الخفيفة في تل أبيب  بالتزامن مع إعلانه استئناف العمل في قناة بن غوريون.  

خلال العام الحالي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عما أسماه "ثورة في عالم النقل في إسرائيل" ستشمل مشروع السكك الحديد الخفيفة في تل أبيب بقيمة 27 مليار دولار لربط مدينة كريات شمونة الشمالية بمنتجع إيلات على البحر الأحمر في أقصى الجنوب. بالتزامن مع إعلان استئناف العمل في قناة بن غوريون. 

لكن النظر إلى قناة بن غوريون كمشروع إسرائيلي فقط ينتقص من أهميتها، ففي النهاية مشروع بهذا الحجم سيغير ملامح حركة التجارة العالمية، وستكون حصصه موزعة بين عدة دول أو شركات عابرة للقارات قادرة على تمويل بنية تحتية بهذا الحجم وهذا الطموح، ناهيك أن تمويله سيتم من بنوك عالمية لها مصالح مرتبطة بخلق منافسة عالمية في الطرق التي تعتمد عليها سلاسل التوريد. 

إذا كان لا بد من كبح لهذا المشروع، فبالإضافة إلى الدور الفلسطيني، فالدور المصري هو الأهم، أو لعله التوقيت المثالي لتنفيذ مشروع توسعة قناة السويس بحيث تسمح بمرور السفن باتجاهين، واستباق أية مخططات بتكلفة أقل بكثير من تكلفة القناة الإسرائيلية، وبالطبع بشروط ملاحة أسهل. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard