شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كيف نتعامل مع أطفالنا في زمن الحرب؟

كيف نتعامل مع أطفالنا في زمن الحرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الخميس 23 نوفمبر 202301:02 م

من المؤكد أن الأطفال هم الحلقة الأضعف ضمن أي صراع يدور على هذه المعمورة، سواء أكانوا في قلب الصراع مباشرةً، أو يتلقفون أخباره من محيطهم، علّهم يفكّون شيفرة عجزنا، نحن البالغين، عن حلّها. يسألون: "لماذا تحدث الحروب؟ هل نحن بأمان؟ كيف يمكن أن نساعد الأطفال في مناطق الحروب؟"، وغيرها الكثير من الأسئلة التي قد يمطرك بها طفلك ما أن يراقب نشرات الأخبار، فماذا عساك تجيب؟ وكيف يمكن أن تقرّب مجريات الأحداث إلى أقرب منطق يمكن أن يتقبله عقله الصغير؟ سنحاول في هذا المقال أن نقدّم جواباً علمياً يساعد في التعاطي مع هذا الواقع، لا سيما في خضم ما نشاهده من فضائع تحدث في غزة نتيجةً للعدوان الإسرائيلي المستمر عليها، ولآلاف الضحايا الأطفال الذين سقطوا إلى اليوم.

يقول دايفيد يڤد شونفيلد، وهو عضو اللجنة التنفيذية لمجلس الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال المعني بالأطفال والكوارث: "من المهم ألا تتظاهر بأن مخاوف ابنك غير موجودة، أو لا ينبغي أن تكون موجودةً، عليك أن تقدّم تفسيراً صادقاً، وألا تتجاهل ذلك القلق". ويتابع في مقال نشرته منظمة الصحة العالمية للأطفال، بأن "الطفل قادر على فهم الأحداث والصور المزعجة أكثر إذا ما ألمَّ بالموقف، وكلّما كبر الطفل احتاج إلى مزيد من المناقشة".

ويؤكد شونفيلد، على أن "الأطفال يتفاوتون بمشاعر الضيق إثر مشاهدة مجريات حرب ما، ويعتمد هذا على تجاربهم الشخصية، وأيضاً وفقاً لمدى ارتباطهم بالحدث، فمن فقد شخصاً مقرّباً، أو نما ضمن بيئة مفعمة بالترابط العائلي وبأصدقاء مقرّبين سيجد نفسه معنياً بشكل شخصي في مجريات الحرب من خلال المقارنة. كذلك الأطفال الذين يحيون ضمن مجتمعات يكثر فيها العنف والفقر والتمييز العنصري، سيشعرون بالضيق والغضب من أخبار العنف والتحيّز بالتأكيد أكثر من أقرانهم".

حين يسألنا أطفالنا: لماذا تحدث الحروب؟ هل نحن بأمان؟ كيف يمكن أن نساعد الأطفال في مناطق الحروب؟... ماذا ينبغي أن نُجيب؟

هل تسمح لطفلك بمشاهدة الأخبار؟

تقول الدكتورة والأستاذة المساعدة في كلية الصيدلة واستشارية الأسرة باكينام الحفناوي، لرصيف22، إنه "من الصعب على الطفل استيعاب بُعد الخطر، فأي عنف يشاهده يتوقع تكراره مع أهله وفي بيته، ويختزله في داخله لأنه عاجز عن التعبير عنه، ليظهر على هيئة بكاء وغضب وكوابيس، وتالياً تُمنع عن الأطفال مشاهدة العنف".

كيف نجيب؟

"بدايةً، علينا اختيار التوقيت المناسب للحديث، وليكن بعيداً عن وقت النوم، ثم الاستفسار عن المعلومات التي بحوزة الطفل قبل الإجابة التي لا بدّ أن تتناسب مع عمر الطفل"؛ تقول الحفناوي، وتضيف أنه "يكفي أن نشرح باقتضاب للأطفال الأصغر سناً عن الضيف الغدّار لتبسيط مفهوم الصراع واحتلال الأرض. في سن التسع سنوات فما فوق، يمكن التوسّع أكثر؛ تاريخ الصراع وتطوراته، الاتفاقيات والثورات وخلاف ذلك".

وتضيف: "أما الأطفال الأكبر فيمكن مناقشتهم بالتفاصيل، مع ترك مساحة لهم ليبنوا قناعاتهم الخاصة، وذلك بعد إرشادهم إلى المصدر الصادق للمعلومة، ولا بأس أن يشاركونا رؤية المحتوى ما أن يتجاوزوا عامهم الثاني عشر، وليضع الأبوان في الحسبان اضطرابات المشاعر التي ربما يمرّ بها الطفل. كما يجب علينا كأهل ألا نوقف المحادثات، وأن نستمع إلى الطفل كلّما أراد الحديث حتى يكتفي ويشعر بالارتياح".

كيف أخفّف التوتر؟

تنصح الدكتورة باكينام، المؤسسة لصفحة moms 119 المعنية بتأهيل الطفل صحياً وتربوياً ونفسياً، وبمعزل عن الأحداث، الأهل بتدريب أطفالهم على مهارات الذكاء العاطفي، "فإدراك المشاعر وتسميتها يبدآن مع إتمام الثلاث سنوات الأولى، ومع الوقت يتقن الطفل التعامل السليم مع كل شعور بمساعدة الأهل".

كذلك، "على الأم أن تلاحظ بعض التغيرات في سلوك الطفل حتى لو لم يفصح عنها كالعزلة والتبول اللا إرادي. حينها قد يكون إشغال الطفل بروتين يومي ثابت ناجعاً في تخفيف التوتر".

كما تنصح بوضع تلك المشاعر في قالب إيجابي كمشاركة الطفل في تقديم التبرعات للمتضررين، وهذا يجعله يجد متنفسّاً لما يكابد من توتر. أما الأطفال الصغار فسيكون الرسم والتلوين فكرتين مجديتين للتعبير عن تعاطفهم مع المتضررين كتلوين علم فلسطين ومعالمها إن اتخذنا من الحرب على غزة مثالاً حياً.

"الأطفال المجاورين جغرافياً لاضطرابات الحروب، سيتأثرون بشكل مختلف عن أقرانهم البعيدين. كذلك المرتبطون اجتماعياً ودينياً. قد تكون القضية شخصيةً لدى البعض منهم. وهنا، لا بدّ أن يتدخل الأهل لاحتواء مشاعر القلق من اقتراب الخطر، ولا بدّ من الابتعاد قدر الإمكان عن مشاهدة أخبار العنف والصور المؤثرة"

يختلف التصرف باختلاف البيئة

يؤكد شونفيلد، على أن "الأطفال المجاورين جغرافياً لاضطرابات الحروب، سيتأثرون بشكل مختلف عن أقرانهم البعيدين. كذلك المرتبطون اجتماعياً ودينياً. قد تكون القضية شخصيةً لدى البعض منهم. وهنا، لا بدّ أن يتدخل الأهل لاحتواء مشاعر القلق من اقتراب الخطر، ولا بدّ من الابتعاد قدر الإمكان عن مشاهدة أخبار العنف والصور المؤثرة، لتكن فرصة للعائلة أن تأخذ إجازة من مشاهدة التلفاز ووسائل التواصل لفترة حتى ينشغل الطفل بشأن آخر".

هل سيطالنا الخطر؟

بحسب شونفيلد، "من الطبيعي أن يسأل الأبناء عما إذا كانوا معرضين للخطر. علينا أن ندرك أن هذه ليست أنانيةً تجب محاربتها؛ لكن حالما يشعر الطفل بالطمأنينة، سيتوجه نحو التفكير في الآخر المتضرر، فحالما يشعر المراهق أو الطفل بأن احتياجاته تمت تلبيتها، سيتوجه بشكل عفوي نحو تلبية احتياجات الآخرين، وهنا تكمن مهمة الأهل. علينا مصارحتهم بأن بلدنا الذي نحيا فيه يبذل قصار جهده للحدّ من العنف الذي يجري في ساحة الحرب، وبأنه في أمان ولن يطاله أي خطر".

عَلِم طفلي بالعنف ولم يسأل... هل أبادر؟

ينصح شونفيلد، أن يطرح الوالدان الموضوع أمام أولادهما، وقد لا يرغب الطفل في الاستماع إلى هكذا حديث، لكن ما أن تحدث أزمة عالمية كالحرب، من الأفضل أن يجبر الأهل الطفل حتى لو كان عمره صغيراً، على أن يستمع، وبهذا يكونان قد فتحا الباب بإيصال رسالة إلى طفلهما بأنهما متاحان في أي وقت يكون فيه الطفل راغباً في المناقشة، ومع تطور مجريات الحرب، ستتطور الأسئلة والمناقشة. لن يتم الوصول إلى الحل من خلال محادثة واحدة فقط.

مشاهد الحروب تمثّل مواقف صادمةً لكل الفئات العمرية، ويختلف هذا التأثير حسب التجارب السابقة للشخص وصلابته/ هشاشته النفسية كذلك قدرته على التكيّف.

متى عليك التوجه إلى المتخصص؟

وجّه رصيف22، إلى الدكتور مازن شمّاط، وهو متخصص نفسي وعضو في الهيئة التعليمية في جامعة دمشق، سؤالاً عن العلامات المقلقة التي تُعدّ مؤشراً على التوجه بالطفل إلى العيادة النفسية حالما تظهر. يقول في هذا الصدد: "حالما تظهر على الطفل تصرفات غير اعتيادية، لم تكن مألوفةً سابقاً، كنوبات البكاء والغضب المتكررة (وهنا نقصد البكاء الفجائي)، أو أي سلوك تخريبي، عندها يجب التوجه إلى أخصائي نفسي/ سلوكي للمحافظة على صحة الطفل النفسية".

ويشدّد شمّاط، على أن مشاهد الحروب تمثّل مواقف صادمةً لكل الفئات العمرية، ويختلف هذا التأثير حسب التجارب السابقة للشخص وصلابته/ هشاشته النفسية كذلك قدرته على التكيّف، لذا نتوجه إلى الأهل وبصورة وقائية للابتعاد بالطفل عن تلك المشاهد، فتكرارها يتحول إلى جزء من سلوك الطفل ليصبح عدوانياً، وتالياً يؤثر على صحته النفسية.

وللتذكير، فإن القلق كما الخوف، مكتسبان، لذا تتوجب على الأهل السيطرة على مشاعرهم أمام الأبناء، وبحسب نصائح اليونسف الموجهة إلى الأهل ومقدّمي الرعاية حول هذا الموضوع، من المهم إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية وتخصيص وقت للأخبار بدلاً من المتابعة المستمرة، والاسترخاء والتعافي من مشاهد العنف القاسية، إذ لا يمكن الاهتمام بالآخرين إن لم نكن بخير.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image