شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
انتقد تبييض الأموال واستخدم الآيات القرآنية بطرافة… صاحب الفكاهة في التراث العربي، أشعب

انتقد تبييض الأموال واستخدم الآيات القرآنية بطرافة… صاحب الفكاهة في التراث العربي، أشعب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الجمعة 24 نوفمبر 202303:02 م

انتقد تبييض الأموال واستخدم الآيات القرآنية بطرافة… صاحب الفكاهة في التراث العربي، أشعب

استمع-ـي إلى المقال هنا


2+2= أربعة أرغفة. هذه العملية الحسابية تعود إلى أشعب، الذي ضُرب به المثل في الطمع، فقيل: "أطمع من أشعب". وقد أرجع الجاحظ في كتابه "البخلاء"، هذه الفئة من الناس إلى رجل من بني عبد الله غطفان، كان في الكوفة، اسمه طفيل. كان طفيل يرتحل في طلب المآدب والولائم والأعراس مهما بَعُد المكان، فما أن يسمع بأنّ أحدهم أقام عرساً حتى يشدّ الرحال إليه، فلُقّب بطفيل العرائس.

وطفيل العرائس، كما جاء عند ابن قتيبة في "كتاب الطعام"، لم يترك أصحابه من دون هداية، إذ نصحهم: "إذا دخلت عرساً، فلا تتلفّت تلفّتَ المريب، وتخيّر المجالس... وإن كان العرس شديد الزحام، فمرّ ولا تنظر في عيون أهل المرأة، ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنّك من هؤلاء... وإن كان البوّاب غليظاً وقحاً، فابدأ به، ومُرْه وانهه من غير تعنّف عليه، وعليك بكلام النصيحة والإدلال".

ويقول آخر ناصحاً أصحابه الطفيليين:

لا تحتشم دار القريب/ ومنزل الفظ البعيد

واهجم على هذا وذاك/ هجوم شيطان مريد

وادخل كأنّك خابز/ بيدك جردقة الثريد

واهتك ثرائدهم لا/ تكفف عن اللحم النضيد

ودع الحياء فإنّما/ وجه المطفل من حديد.

قد أرجع الجاحظ في كتابه "البخلاء"، هذه الفئة من الناس إلى رجل من بني عبد الله غطفان، كان في الكوفة، اسمه طفيل. كان طفيل يرتحل في طلب المآدب والولائم والأعراس مهما بَعُد المكان، فلُقّب بطفيل العرائس

ظهرت هذه الفئة وكثرت بعد الفتوحات الإسلامية وشاع الحديث عنها، وقد لا نجد ما يُذكر في جاهلية العرب عن أناس طفيليين. ها هو حاتم الطائي الجاهلي يطلب من زوجته أن تجد له من يُؤكله، فقد كانت العرب تذمّ من يأكل وحده:

إذا ما عملت الزاد فالتمسي له/أكيلاً فإنّني لست آكله وحدي

بعيداً قصيّاً أو قريباً فإنّني/أخاف مذمّات الأحاديث بعدي.

وقد رُوي أنّ حاتماً لم يجد ما يُطعم به زوّاره، فابتدره ابنه طالباً أن يذبحه ليكرم ضيوفه. أمّا الصعلوك الشنفرى، فيقول إن من آداب الطعام أن يتأخّر عن مدّ اليد إليه، على عكس ما نصح الطفيلي أصحابه:

إذا مدّت الأيادي إلى الزاد لم أكن/بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل.

وقيل للحارث بن كلدة، طبيب العرب في الجاهلية: ما أفضل الدواء؟ قال: الأزم، بمعنى الزم، أي القليل من الطعام. والأعشى قال، إنّ البطنة تسفه الأحلام. والبطنة كبر الكرش.

وقد أصبحت هذه الفئة مداراً للتّندّر والتفكّه والظرف، فإبراهيم بن المهدي شقيق الخليفة الرشيد، يتطفّل على مأدبة أقامها أحد التجار لأصحابه، وكلّ ذلك، لأنّه شمّ من الطريق رائحة الطعام الذي يُطبخ ورأى معصم فتاة من الشباك، فوقع في حبّها من لحظته، وقرّر أن يعرف من هي.

ولا يختلف عنه المغنّي الشهير الذي أطرب الخلفاء العباسيين، كما جاء في كتاب "الأغاني"، فها هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي يلج بيتاً متطفلاً وباحثاً عن جارية حسنة الطرف والشمائل، فدخل مع الداخلين إلى الوليمة، فأكل وشرب وأطرب الحاضرين، وبعد انكشاف هويته، دعاه صاحب الدار إلى أن يقيم عنده، وأن تكون له الجارية والحمار الذي كانت عليه وحليها هديةً له، وبينما هو مقيم عند ذلك الرجل، كان الخليفة المأمون يطلبه فلا يجده.

مهما يكن، فقد نشأت هذه الطائفة من الناس نتيجة تبدّل الأحوال الاقتصادية وتغيّر الأطعمة التي كان العرب معتادين عليها. فلقد مدّتهم الفتوحات بشتى أنواع الأطعمة، حتى أنّهم ظنّوا بأنّ خبز الرقاق/ المرقوق، المصنوع من لباب القمح نوع من الأقمشة، ولفتنتهم به، رُوي حديثٌ عن النبي بتحريمه. وبعد هذه المقدمة نعود إلى صاحبنا أشعب، الذي قال عنه المستشرق فرانز روزنثال، كما ورد في كتاب "فكاهيات الجوع والجوعيات"، لخالد القشطيني: إنّ نوادر أشعب تظلّ أصيلةً وكلاسيكيةً، على الرغم من كلّ ما ورد في الأدب اليوناني من فكاهيات مماثلة.

 ما جاء في لسان العرب عن معنى كلمة أشعب، وفيه إضافات، بأنّ أشعب يعني فراقاً لا رجعة فيه، وكأن أشعب أراد مفارقة عادات مجتمعه من الكرم والضيافة، لكي يكشف العور فيها. 

ذكرت كتب التراث، أنّ أشعب بن جبير، كان أبوه مولى لآل الزبير. وقد تولّت عائشة بنت عثمان بن عفان كفالته وتربيته. وقد أخبر صاحب كتاب "الأغاني" على لسان أشعب: "نشأت أنا وأبو الزناد -صاحب له- في حجر عائشة بنت عثمان، فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغت هذه المرتبة". هذه المقارنة من قبل أشعب تضمر أمراً، وكأنّه ينقض ما عُرف عنه في ذلك الزمان من أصالة المنبت والمحتد، حيث كانت الناس تأخذ مراتبها من عوائلها لا من جهدها واجتهادها، ومن هذا المنطلق، كان أشعب يتهكّم على هذه العادات.

وفي الفتنة التي نالت المسلمين أيام عثمان بن عفّان، حكى أشعب أنّه كان في بيت الخليفة عثمان بن عفان عندما حاصروه طالبين منه التخلّي عن الخلافة، بعدما كثر الفساد في عهده، بسبب تولية قراباته واستبعاد بقية الصحابة والمسلمين من المناصب. قام مماليك عثمان بالدفاع عنه وتجريد سيوفهم ذوداً عن سيدهم، فقال عثمان درءاً للفتنة: "من أغمد سيفه، فهو حرّ". فقال أشعب: "فلما وقعت، والله، في أذني، كنت أول من أغمد سيفه، فأعتقت".

بهذه الطريقة أخبر أشعب عن سبب نيله الحرية، بعدما كان عبداً مملوكاً، لكن لنتدبّر حكاية أشعب، فهو يخبر عن نفسه، بأنّه كان في شيبته يلحق الحمر الوحشية عدواً، فهو لم يكن ضعيفاً أبداً، حتى يتخاذل بالدفاع لكنّ حريته أثمن. والشيء الآخر أبان عن الطريقة التي كان من الممكن أن تُجهض فيها الفتنة، بأن تُغمد السيوف ولا تُشهر حقناً لدماء المسلمين. فهل كان أشعب حقاً رجلاً طمّاعاً طفيلياً؟ هذا ما سنرى عكسه في ما يلي من حديث.

أشعب الرجل إذا مات

يقال: "أشعب الرجلُ إذا مات"؛ هذا ما جاء في لسان العرب عن معنى كلمة أشعب، وفيه إضافات، بأنّ أشعب يعني فراقاً لا رجعة فيه، وكأن أشعب أراد مفارقة عادات مجتمعه من الكرم والضيافة، لكي يكشف العور فيها. وُصِف أشعب بأنّه كان أزرق العينين وأحول مع بشرة قاتمة، أقرع الرأس، وزرقة عينيه تربطه بأوصاف نساء زرقاوات العيون كانت لهن غرابة في جاهلية العرب؛ من زرقاء اليمامة التي قُتلت وسُملت عيناها، إلى الزّبّاء التي شربت السّمّ، كي لا يقتلها عمرو ابن أخت جذيمة الأبرش، قائلةً كلمتها التي ضُربت مثلاً: "بيدي لا بيد عمرو". والبسوس وناقتها التي قتلها كليب وتسبّبت في حرب البسوس، فقيل فيها: "أشأم من البسوس". فالأوصاف التي وُصف بها أشعب كانت امتداداً لشخصيات مميّزة، فأشعب تحوّل إلى المهرّج، الذي من الضرورة تواجده في كلّ بلاط وحكم شمولي، حتى يخفّف من وطأته وغلوائه.

قال أشعب عن نفسه: "يطلبون مني نوادر تُضحك الملوك، ثم يعطونني عطاءً يبكي العبيد". من يقول هذا ليس أحمق أو صاحب غفلة، بل هو متحامق في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، فأشعب على دراية كاملة بالمقاصد البعيدة لكلامه وأفعاله ونقده ولم يسلم من لسانه السليط، لا والده ولا والدته بسبب تخلّيهما عنه، فمرّة سُئل عن قلّة الشعر في ذقنه، مع أنّ أباه كثيف اللحية، فقال: "ورثت ذلك عن أمي!".

وما يتغيّاه من ذلك أن أباه لم يقُم بواجب رعايته كما يجب، فكأنّه بلا أب، فمن أين يرث صفات الذكورة؟ وحدث مرّةً أن رأى رؤيةً في حلمه، فأخبر أمّه عنها. قال: "حلمت بأنّكِ كنتِ مغطاةً بالعسل، وكنت مغطى بالغائط. فقالت له أمّه: ويلك! هذه كلّها ذنوبك غطّاك الله بها، فقال لها: مهلك! لقد رأيت أيضاً في الحلم، أنّني كنتُ ألحسك، وأنت كنتِ تلحسينني!". هذا النقد المؤلم الذي وجّهه إلى والديه ونفسه أو إلى مؤسسة الأسرة، استكمله عندما سئل: لماذا لا تتزوج؟ فقال: "ابغوني امرأةً أتجشأ في وجهها فتشبع، وتأكل فخذ جرادة فتَتْخم".

وحدث أن جلس أشعب وابنه إلى مائدة طعام، فرآه يُكثر من شرب الماء، فقال له: "تملأ بطنك بالماء وأمامك كلّ هذا الأكل اللذيذ، يا غبي! فأجابه ابنه: كلا يا أبتي، إنّما أشرب الماء، لأزيح ما أكلت من طعام وأفسح المكان لطعام آخر. فقال له أشعب: يا لعين، تعرف هذا ولا تقوله لي!". ومرّةً رأى ابنه ينظر إلى امرأة فقال له: "يا بنيّ نظرك هذا يحبل".

وفي حادثة أخرى، سُئل إن كان هناك من هو أطمع منه في الطعام، فقال: "نعم شَاة لي صعدت في السَّطْح فَنَظَرت إِلَى قَوس قزَح فظنته حَبل قت (الحبل المصنوع من الأعشاب) فَسَقَطت فاندقت عُنُقها".

ولنتابع بتأمل أوصافه، فقد قال عنه الأصفهاني صاحب "الأغاني": "رأيت أشعب يغني، وكأنّ صوته صوت بلبل"، وهو قارئ للقرآن وحافظ له. قيل: "كان أشعب يختلف إلى قينة بالمدينة يكلف بها وينقطع إذا نظرها، فطلبت منه أن يسلفها دراهم، فانقطع عنها وتجنّب دارها، فعملت له دواءً ولقيته به؛ فقال لها: ما هذا؟ قالت: دواء عملته لك تشربه لهذا الفزع الذي بك! قال: اشربيه أنت للطمع، فإن انقطع طمعك انقطع فزعي. وأنشأ يقول:

أنا والله أهواك/ ولكن ليس لي نفقة

فإمّا كنت تهويني/ فقد حلّت لي الصّدقة. وبعد تأمل هذه الحوادث والإجابات المسكتة والصفات التي يتمتع بها أشعب، ألا نستطيع أن نقول، إن أشعب: حكيم المجانين!

ناقد التاريخ أشعب

يُذكر عن الكاتب الفرنسي أناتول فرانس، تهكمه واستهتاره بالتاريخ. وعندما سُئل عن ذلك، قال إنّه شاهد حادثة رؤية العين، وعندما قرأ عنها في الجرائد صباح اليوم التالي، جاء سرد الحادثة مناقضاً لما رأته عيناه وسمعته أذناه. يُحكى عن أشعب أنّه تعرّض له بعض الصبية بالأذى، فأخبرهم بأنّ في المكان الفلاني عرساً، مغرياً إيّاهم بالذهاب إليه. وبعد أن تركه الصبية لشأنه، حدّث نفسه، بأنّه لربما هناك عرس، حيث دلّ الصبية، فلحق بهم.

إنّ جوهر الفكاهة التي وردت عن أشعب، تتعلق بقضية العنعنة أو المخبر الصادق التي كانت أساس صحة الخبر أو الحادثة في التاريخ العربي القديم، حيث يروي فلان عن فلان، فإذا كان المرء يصدِّق غيره لأسباب معينة، فالأولى أن يصدِّق نفسه. والمقصد من الحادثة التي رُويت عن أشعب، أنّه بعدما كثُر رواة الحديث عن الرسول الكريم إثر فتنة مقتل عثمان؛ صار كل طرف يقدّم حديثاً يدعم موقفه السياسي، والتأكد من صحّة تلك الأحاديث، لن يكون إلّا وفق ما حدث له مع الصبية؛ أي كذب الكذبة وصدّقها! وهذه حادثة أخرى تذهب في المنحى الذي رأيناه: "قيل لأشعب طلبت العلم وجالست الناس ثم تركت وأفضيت إلى المسألة، فلو جلست لنا وجلسنا إليك، فسمعنا منك، فقال لهم: نعم، فوعدهم، فجلس لهم، فقالوا له: حدّثنا، فقال: سمعت عكرمة يقول، سمعت ابن عباس يقول، سمعت رسول الله يقول: خلتان لا تجتمعان في مؤمن، ثم سكت، فقالوا له: ما الخلتان؟ فقال: نسي عكرمة واحدةً ونسيت أنا الأخرى!".

أشعب من "أصحاب البذل البيضاء"!

يُطلَق لقب "أصحاب البذل البيضاء"، على من يقومون بتبييض أموالهم التي حصّلوها بطرق غير شرعية في زمننا هذا. لقد تدفقت أموال الفتوحات على المسلمين وظهرت الفروقات الطبقية، فالغني ازداد غنى والفقير ازداد فقراً ولم تعد قاعدة "حلّل الله التجارة وحرّم الربا"، معمولاً بها.

أخبر أشعب عن حادثة جرت معه، فقال: "جاءتني جارية بدينار وقالت: هذه وديعة، فجعلته بين ثني الفراش، فجاءت بعد أيام، وقالت: ناولني الدينار، فقلت: ارفعي الفراش وخذي ولده، وتركت إلى جنبه درهماً، فتركت الدينار وأخذت الدرهم، وعادت بعد أيام فوجدت معه درهماً آخر. فأخذته وعادت الثالثة كذلك، فلما رأيتها في الرابعة بكيت. فقالت: ما يبكيك؟ فقلت: مات دينارك في نفاسه. قالت: سبحان الله، أيموت الدينار في النفاس؟ قلت: يا فاسقة، تصدّقين بالولادة ولا تصدّقين بالنفاس؟". إنّه الربا الذي شاع بين الأغنياء، والذي يقوم على قاعدة أنّ الأموال تلد أموالاً، لا بالتجارة بل بإقراضها للمحتاجين بالفائدة.

وُصِف أشعب بأنّه كان أزرق العينين وأحول مع بشرة قاتمة، أقرع الرأس، وزرقة عينيه تربطه بأوصاف نساء زرقاوات العيون كانت لهن غرابة في جاهلية العرب؛ من زرقاء اليمامة التي قُتلت وسُملت عيناها، إلى الزّبّاء التي شربت السّمّ

وفي حادثة أخرى تشير إلى تبيض الأموال، يروى عن أشعب: "قال الواقدي: لقيت أشعب، فقال لي: يا ابن واقد وجدت ديناراً، فكيف أصنع به؟ قلت: عَرِّفه، قال: سبحان الله، ما أنت في علمك، إلّا في غرور، قلت: فما الرأي يا أبا العلاء؟ -كان أشعب يُعرف بأبي العلاء- قال: أشتري به قميصاً وأعرفه بقباء، قلت: إذاً لا يعرفه أحد، قال: فذاك أريد!"، وسأل رجل أشعب أن يسلفه ويؤخّره، فقال: "هاتان حاجتان، فإذا قضيت لك إحداهما فقد أنصفت. قال الرجل: رضيت. قال: فأنا أؤخرك ما شئت ولا أسلفك!".

إنّ تأمّلاً في تلك الحوادث، يكشف لنا نقد أشعب لطبقة أصحاب المال الناشئة بعد الفتوحات والتي تكاثرت في ما بعد في كلّ بلاد المسلمين.

أشعب والمقدس

دوماً كانت الكتب المقدسة تحذّر ممّن يستغلون كلمات الله لمصالحهم الخاصة، ويفسّرونها وفق ما يريدون. وها هو أشعب يستخدم الآيات القرآنية ليثبت لنا كيف أصبح الدين وسيلةً للمتأكّلين: "ذات مرة دخل مجلس الخليفة. وكان الخليفة يأكل حلوى، فأعطاه واحدةً منها، فأكلها أشعب، وأراد أن يلمح للخليفة أنّه يريد الثانية، فقال: ثاني اثنين إذ هما في الغار، ففهم الخليفة، وأعطاه الثانية. فقال أشعب: فعزّزنا بثالث، فأعطاه الثالثة فأكلها. ثم قال: فخذ أربعةً من الطير، فأعطاه الرابعة فأكلها. ثم قال: يقولون خمسة، فأعطاه الخامسة فأكلها. ثم قال: سادسهم كلبهم، فأعطاه السادسة. فقال: سخرها عليهم سبع ليال، فأعطاه السابعة.

فقال: وثمانية أيام، فأعطاه الثامنة. فقال: وكان في المدينة تسعة رهط، فأعطاه التاسعة. فقال: فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، فأعطاه العاشرة. فقال: إنّي رأيت أحد عشر كوكباً، فأعطاه الحادية عشرة. فقال: إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، فأعطاه الثانية عشرة، ثم أعطاه الطبق كلّه. فقال أشعب: والله يا أمير المؤمنين لو لم تعطِني الطبق لوصلت معك إلى قوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون".

وفي حادثة أخرى نترك تفسيرها للقرّاء: "ضرب الحجّاج أعرابياً سبعمائة سوط، وهو يقول عند كلّ سوط: شكراً لك يا رب! فلقيه أشعب فقال: أتدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: ما أدري! قال: لكثرة شكرك؛ اللَّه تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، فقال الأعرابي: يا ربّ لأشكر فلا تزدني/ أسأت في شكرك فاعفُ عني/ باعد ثواب الشاكرين مني". خفّف أشعب الصلاة مرّةً، فقال له بعض أهل المسجد: "خفّفت صلاتك جداً، قال: لأنّه لم يخالطها رياء".

مات أشعب في سنة 154 هجرية، كما يروي الأصفهاني. وتناقلت كتب التراث فكاهاته، فلم يسفل، كما قال بالمقارنة بينه وبين أبي الزناد، بل ارتفع ذكره وشعّ كنجم في سماء التراث العربي. وقد جمع توفيق الحكيم أخباره من كتب التراث في كتاب سمّاه: "أشعب ملك الطفيليين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image