عُرف كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش" بأنه ساخر يتهكم على حاكم تصدر منه أفعالاً لا تنسب إلى أصحاء، فما بالك إذا كانوا مسؤولين عن إدارة شؤون دولة مثل مصر؟ خرج الكتاب أقرب إلى طوائف الشعب عامة، خاصة أنه كتب باللغة العامية، لكن دون أن يعرف الكثيرون سيرة مؤلفه الأسعد بن مماتي، أو يقفون على الأسباب التي دفعته إلى السخرية من قائد كان يُعدّ الذراع اليمنى لصلاح الدين الأيوبي في فترة حكمه على مصر (567–589 هـ/1171–1192 م).
من هو الأسعد بن مماتي؟
ترجمته أوردها القاضي بن خلكان في كتابه الشهير "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"، بقوله: "هو أبو المكارم الأسعد بن المهذب بن مينا بن زكريا بن مماتي (544–607 هـ)، الكاتب الشاعر، كان ناظر الدواوين بالديار المصرية، وقد لقيته بالقاهرة متولي ديوان جيش الملك الناصر (ناصر الدين بن قلاوون)، وكان هو وجماعته نصارى فأسلموا في ابتداء الملك الصلاحي (صلاح الدين الأيوبي)".
وفقاً للكاتب حامد محمد حامد إن "مماتي" اكتسب هذا اللقب بطريقة عجيبة، وذلك لأنه في شدة المجاعة التي ضربت مصر، أواخر عهد الفاطميين، كان يوزع الأطعمة على الأطفال الصغار في الشوارع لوجه الله، ولعطفه وحنوّه على الأطفال سموه "مماتي"، وهو اسم للتدليل مشتق من "أم" أو "ماما"
ويتحدث عنه الأديب ركن الدين الوهراني، الذي عاش في القرن السادس الهجري أيضاً، في كتاب "منامات الوهراني"، قائلاً إنه "مؤرخ وجغرافي، من أشهر كتبه 'قوانين الدواوين'، ينتمي لأسرة قبطية أصلها من أسيوط (صعيد مصر)، ثم انتقلت إلى القاهرة. عمل جده أبو المليح مينا مستوفي دواوين الدولة الفاطمية، وتولى أبوه المهذب رئاسة ديوان الجيش، فاعتنق الإسلام، وكان يعقد مجالس الفقه والأدب في بيته، ولما توفي خلفه ابنه الأسعد، فأضاف إليه السلطان صلاح الدين الأيوبي ديوان المال".
ويرى الدكتور عبد اللطيف حمزة، في مؤلفه "الفاشوش في حكم قراقوش لابن ممَاتي"، أن أشهر ما امتازت به أسرة بن مماتي القبطية، إلى جانب خصال الكرم والجود والأمانة والمروءة، صفة العلم والأدب والاستحقاق للمناصب العالية التي بقيت في أفرادها مدة طويلة.
وإلى جانب ذلك كان لأسعد بن مماتي مصنفات عديدة، ونظم سيرة صلاح الدين الأيوبي، وكتاب كليلة ودمنة، وفقاً لابن خلكان، الذي يؤكد: "وله ديوان شعر رأيته بخطّ ولده، ونقلت منه مقاطع.
فمن ذلك قوله:
تعاتبني وتنهي عن أمور/سبيل الناس أن ينهوك عنها/أتقدر أن تكون كمثل عيني/وحقّك ما عليّ أضرُّ منها
وله في شخص ثقيل رآه بدمشق:
حكى نهرين وما في الأرض من يحكيهما أبداً/حكى في خلقه ثوراً أراد وفي أخلاقه بردى
وقوله في كتمان السر:
وأكتم السرّ حتى عن إعادتهِ/إلى المسرّ به من غير نسيان/وذاك أن لساني ليس يعلمه/سمعي بسرِّ الذي قد كان ناجاني".
ووفقاً للكاتب حامد محمد حامد في مؤلفه "خريدة القاهرة: شيءٌ من سيرة الأماكن والأشخاص"، فإن جد الأسعد لم يكن اسمه "مماتي"، وإنما اكتسب هذا اللقب بطريقة عجيبة، وذلك لأنه في شدة المجاعة التي ضربت مصر، أواخر عهد الفاطميين، كان يوزع الأطعمة على الأطفال الصغار في الشوارع لوجه الله، ولعطفه وحنوه على الأطفال سموه "مماتي"، وهو اسم للتدليل مشتق من "أم" أو "ماما".
من كبار الأدباء في مصر
وبعيداً عن الشؤون السياسية، كان ابن مماتي من كبار الأدباء في مصر، يتضح ذلك من حديث المقريزي عنه في مؤلفه الشهير "كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، إذ يؤكد أنه "اختص بالقاضي الفاضل (وزير صلاح الدين)، وحظي عنده، وكان يسميه بلبل المجلس، لما يرى من حسن خطابه، وصنف عدة مصنفات، منها: تلقين اليقين، وحجة الحق على الخلق، وقوانين الدواوين، وهو أربعة أجزاء".
وفي دراسته المعنونة بـ"الفاشوش في حكم قراقوش؛ الدوافع والأغراض"، لفت الدكتور رياض عبد الحسين راضي، المدرس المساعد بكلية التربية في جامعة واسط العراقية، إلى أن الأسعد بن مماتي "كان كاتباً معروفاً وأديباً مشهوراً، شهد له بذلك كبار رجال الأدب في عصره، أمثال القاضي الفاضل والعماد الأصفهاني، وابن سناء الملك وغيرهم، وعرف بغزارة إنتاجه العلمي، إذ تعدت مؤلفاته الثلاثين مؤلفاً... وعُرف عنه سرعة البديهة والطرفة".
ويبدو أن بن مماتي كان بالفعل كاتباً بارعاً، يدل عليه ما رواه الدكتور عبد اللطيف حمزة، الذي يروي أن "كتبه الأدبية والعلمية كثيرة، تربو على 25 في الأدب والفقه والسير والتراجم والعلوم الإسلامية المختلفة.. ولعل من أهم كتبه العامه (قوانين الدواوين)، الذي يعتبر وثيقة من أهم وثائق العصر الأيوبي".
ويؤكد حمزة أنه لم يكن كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش" وحده الذي كتبه الأسعد بن مماتي في التشهير بوزير أو أمير ممن كان يحقد عليهم ويريد أن يشفي نفسه بالانتقام منهم، موضحاً: "كتب كتاباً آخر في النيل من صديق له اسمه (علم الدين بن الحجاج)، كان يعمل معه بديوان الجيش، وكان بينهما ما يكون عادة بين المتماثلين في العمل، وقد أشار المؤرخون إلى هذا الكتاب لكنه لم يصل إلينا، ولا يُعرف عنه شيئاَ".
الأسعد بن مماتي يهاجم "قراقوش"
في افتتاحية أشهر كتبه "الفاشوش"، أراد بن مماتي أن يظهر الأسباب التي دفعته إلى كتابة تلك الحكايات عن وزير كبير بحجم بهاء الدين بن قراقوش، قائلاً: "إننى لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش، محزمة فاشوش (الفاشوش في اللغة تعني الأحمق والغبي، ضعيف الرأي والعزم)، قد أتلف الأمة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدي بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، الشكية عنده لمن سبق، ولا يهتدي لمن صدق، ولا يقدر أحد من عظم منزلته على أن يرد كلمته، ويشتاط اشتياط الشيطان، ويحكم حكماً ما أنزل الله به من سلطان، صنفت هذا الكتاب لصلاح الدين، عسى أن يريح منه المسلمين".
هذه المقدمة علق عليها الدكتور رياض عبد الحسين، قائلاً: "هو قول يفهم منه أن الشعور بالوطنية والمسؤولية تجاه الدولة والرعية كان وراء تصدي ابن مماتي لذلك الأمير؛ لأنه يرى أن شخصية قراقوش القلقة كانت تقود الدولة إلى خراب، لاسيما وأنها تمر بظرف سياسي وعسكري حرج، إذ كانت تخوض الصراع ضد الصليبيين".
وقبل التطرق إلى بعض الحكايات التي كتبها ابن مماتي عن بهاء الدين قراقوش، لا بد من التعرف على الرجل، ودوره في عهد صلاح الدين الأيوبي، للوقوف على حقيقته، وهل يستحق ما كتب عنه أم كان ذلك مجرد "تشنيع" عليه.
نجح مؤلف "الفاشوش" في جذب القراء إليه من خلال الأسلوب واللغة العامية، كما جعل شخصية قراقوش خيالية لكل حاكم مهووس فيه غفلةً، وأصبح الأخير رمزاً لكل شخص مضحك.
يعرفه ابن تغري بردي في مؤلفه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، بقوله: إنه "الأسدي الخادم الخصي المنسوب إليه حارة بهاء الدين بالقاهرة، داخل باب الفتوح، وهو الذي بنى قلعة الجبل بالقاهرة، وكان من أكابر الخدام، من خدام القصر، وقيل إنه أصله من خدام العاضد، وقيل إنه من خدام أسد الدين شيركوه (عم صلاح الدين) وهو الأصح، واتصل بخدمة صلاح الدين، وكان الأخير يثق به ويعول عليه في مهماته، ولما افتتح عكا من الفرنج سلمها إليه، ثم لما استولوا عليها أُخذ أسيراً، ففداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار، وقيل: بستين دينار".
وإضافة إلى ذلك يشير الدكتور رياض عبد الحسين، إلى أن أصل قراقوش من آسيا الصغرى، رومي النسب، سمي بـ"الأسدي" نسبة إلى أسد الدين شيركوه، وعن لقبه "قراقوش" فيعني باللغة التركية النسر الأسود.
ويؤكد عبد اللطيف حمزة أنه "كان حارساً للدولة الجديدة (الأيوبية) التي أقامها صلاح الدين، وصانها من المؤامرات، وحماها من المكائد والدسائس، وبذل في صيانتها وحمايتها كل ما يستطيع، وكان مرة ينوب عن السلطان في حكم مصر، وأخرى يعمل في بناء القلاع والحصون، وثالثة يأتمر بأمره في بناء السور...، ولم يدخر صلاح الدين وسعاً في تقديره وتقديمه والثناء على خلقه وشجاعته".
المعطيات السابقة تؤكد أن "قراقوش" كان ذا قيمة كبيرة لدى صلاح الدين الأيوبي، وإذا كانت كل تلك الصفات التي ذكرها ابن مماتي فيه، لكان من الصعب أن يثق فيه السلطان، الذي جاء ليبني دولة جديدة.
حكايات الفاشوش في حكم قراقوش
وكان من بين حكايات ابن مماتي عن قراشوش:
- جاء إلى قراقوش ثلاثة رجال: أحدهم أجرود وليس له لحية ولا شارب، والآخران كبيرا اللحيتين، وقد تعدى الأجرود على كل منهما ونتف ذقنه من جذورها، فذهب الرجلان إلى قراقوش وقالا له: "يا مولانا بهاء الدين، خذلنا حقنا من هذا الأجرود، فقد نتف ذقوننا وخرق ثيابنا"، فنظر قراقوش إلى الأجرود وقال لصاحبيه: "ويلكم نتفتم ذقن هذا الصبي وجئتم تشكونه إلي، ودوهما (اذهبا بهما) إلى الحبس، ولا تخرجوهما حتى تطلع ذقن هذا الصبي".
- قيل إن قراقوش سابق رجلاً بفرس له، فسبقه الرجل بفرسه، فحلف أنه لا يعلف فرسه ثلاثة أيام، فقال له السابق: "يا مولاي أخشى أن يموت الفرس"، فقال له قراقوش: "احلف لي أنك إذا علفته يا هذا لا تعلمه أنني دريت بذلك"، فحلف له الرجل وأعطى العلف للفرس".
- قيل إن غلاماً لقراقوش كان يشتغل عنده (ركابدار) أي صاحب الركاب، وإن هذا الغلام قتل نفساً، فقال: "اشنقوه"، فقيل له: "إنه حدادك، وينعل لك الفرس، فإن شنقته خسرته ولم تجد غيره"، فنظر قراقوش ناحية بابه، فوجد رجلاً قفاصاً (أي صانع أقفاص)، فقال: "ليس لنا بهذا القفّاص حاجة"، فلما أتوه به، قال: "اشنقوا القفاص، وسيبوا الركابدار الحداد، لكي ينعل لنا الفرس".
البناء على قاعدة "التشنيع"
يتبين من تلك الحكايات البسيطة أن أحكام قراقوش كانت بغير منطق، ولم تكن تصدر عن شخص مسؤول، وأن شخصيته كانت قلقلة، وكان ساذج التفكير، مغفل الطباع، متناقض الأقوال، ومضحكاً في أفعاله، ما يدفعنا لسؤال مفاده: هل كانت هذه الوقائع حقيقية؟
بدوره أجاب القاضي ابن خلكان ، على هذا السؤال في مؤلفه "وفيات الأعيان"، قائلاً: "الناس ينسبون إليه أحكاماً عجيبة في ولايته نيابة مصر عن صلاح الدين، حتى إن لأسعد بن مماتي له فيه كتاب لطيف سماه 'الفاشوش في أحكام قراقوش'، وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان يعتمد في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه".
ويبدي حمزة اعتراضه أيضاً على ذلك، فيقول: "إن القارئ ليعجب كل العجب كيف ظهر هذا الكتاب (الفاشوش) في حياة صلاح الدين، وفي فترة شهدت عظمة الأمير بهاء الدين قراقوش... كما يعجب من عدم مطابقة النوادر التي اشتمل عليها الكتاب، وبُعدها كل البعد عن أخلاق الأمير بهاء الدين، وعن الحقيقة في أعماله وتصرفاته العديدة".
ويشدد المؤلف على أن النوادر التي اشتمل عليها الكتاب الصغير لا تمس جانباً حقيقياً واحداً من جوانب الأمير، ولا تصدق في وصف ناحية صحيحة واحدة من نواحي نقصه وضعفه، مؤكداً أن ابن مماتي بنى كتابه على قاعدة "التشنيع".
ويتفق مؤلف "خريدة القاهرة" مع هذا الطرح، مؤكداً أن "الفاشوش ليس كتاب تاريخ، بل كوميديا سوداء، الهدف الظاهر منه هو التهكم على (قراقوش) والسخرية منه ومن أحكامه، أما الحقيقة فإن الأسعد ينتقد فيه كل حاكم مستبد (قراقوش) أو غيره"، مقرّاً حقيقة واضحة هي أن "كل كتب التاريخ الرسمي تكيل المديح لبهاء الدين قراقوش، وكان من الطبيعي أن يدخل التاريخ على أنه محارب عظيم وسياسي بارع، لولا كتاب الأسعد بن مماتي".
الصليبيون يمتدحون "قراقوش"
ويستبعد الدكتور رياض عبد الحسين في دراسته ذلك أيضاً، مشيراً إلى أن قراقوش "كان ضلعاً في المثلث الإداري الذي ارتكزت عليه الدولة عند قيامها، والذي مثل ضلعيه الآخرين القاضي الفاضل، والفقيه عيسى الهكاري".
ولا شيء أدل على قيمة الرجل، من مدح أعدائه له، ذلك ما أورده عبد الحسين في دراسته، مؤكداً أن الصليبيين وصفوا شخصيته بأنها محاربة، روحها غريبة، كثيراً ما أدهشتهم وأثارت إعجابهم لما تحمله من مهارة وقدرة وجلد وعزيمة، حتى أنهم نظروا إليه على أنه جندي وقديس في آن واحد.
وبحسب ما نقل صاحب الدراسة، ذهب المستشرق الفرنسي كازانوفا إلى أن "الفاشوش" صورة غضب وحقد موجهة من ابن مماتي ضد الدولة، وأنه "أثرٌ لحادث خطير وهو سقوط الفاطميين، ويعتبر المظهر الأخير لبغض مصر وأهلها لكلّ فاتحٍ لبلادهم، وهو بغض أيقظه في نفوسهم انهيار الخلافة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية التي أعادت الأمر إلى بني العباس".
لكن ربما لا يكون هذا الرأي صحيحاً، خاصة أن كتب المؤرخين لم تنقل لنا عداءً ظاهراً بين ابن مماتي وقراقوش، كما أن الأول كان مخلصاً للدولة الأيوبية، ولقائدها صلاح الدين، ولم يظهر منه ما يخالف ذلك.
ومن ناحية أخرى، يرى كازانوفا أن ابن مماتي كان يسعى إلى "هز الثقة بقراقوش، قائد صلاح الدين الأيوبي، ومن أقرب المقربين إليه، لأنه كان يعهد إليه بأمانة الإشراف على شؤون مصر نيابة عنه عندما كان يضطر إلى السفر إلى سوريا للقاء الصليبيين".
وانتهاء من الجدال الدائر، خلص الدكتور رياض عبد الحسين إلى أن كتاب "الفاشوش" لم يكن إلا وصفاً لظواهر سلبية في النظام الإداري للدولة الأيوبية، مثل الرشوة، وظلم الرعية، وقلة الكفاءة لدى موظفي الإدارة، وعدم قدرتهم على معالجة الأزمات التي تتعرض لها البلاد، والظلم الذي يمارسـه موظفو الضرائب ضد الفلاحين، والإجراءات غير القانونية التي كان يمارسها بعض الموظفين في مسألة عقود البيع والشراء والتأجير".
جوانب سلبية في حياة قراقوش
وبرغم الدفاع عن قراقوش، إلا أن الدكتور عبد اللطيف حمزة أظهر جوانبَ سلبيةً في حياته؛ إذ يوضح: "نعرف أنه مما أخذ التاريخ على قراقوش ميله إلى الصرامة والجد، وإلى الشدة والعنف، فكان قلبه لا يستشعر الرحمة في القيام بأمر من الأمور التي يرغب فيها السلطان صلاح الدين، ولا يعرف طريقاً إلى الرأفة بالناس في سبيل ذلك، ثم هو فوق هذا كله، شديد الخصام، فلا يقر مبدأ المناقشة في الأمور، ولا يحتمل الإصغاء إلى جدل يصدر من كبير أو صغير".
يعتقد المستشرق الفرنسي كازانوفا أن "الفاشوش" صورة غضب وحقد موجهة من ابن مماتي ضد الدولة، وإنه "أثر لحادث خطير وهو سقوط الفاطميين
ومن هنا قد يصح رأي نسيم مجلي في هذا الشأن؛ إذ يقول في تحقيقه لـكتاب "لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة لابن مماتي"، متحدثاً عن "الفاشوش": "غرضه من هذا الكتاب تحرير الشعب المصري وتخليصه من تسلط قراقوش وقهره له؛ لأنه سخر الشعب المصرى لبناء أمجاد صلاح الدين وتأكيد سلطانه, دون مراعاة لحقوق الفقراء ومشاعرهم".
ويستدل مجلي على رأيه بالقول: "إذا تفكرنا أن كتاب 'قوانين الدواوين' قُدّم لصلاح الدين أو أحد أبنائه من أجل تحري الواقعية والعدل في تقدير الجزية والضرائب على أفراد الشعب بجميع فئاته، فإننا نكتشف البعد الآخر أو الدافع الرئيسي لابن مماتي، وهو مصلحة مصر والشعب المصري عموماً".
على أية حال، نجح مؤلف "الفاشوش" في جذب القراء إليه من خلال الأسلوب واللغة العامية، كما جعل شخصية قراقوش خيالية لكل حاكم مهووس فيه بلهاً وغفلةً، وأصبح الأخير رمزاً لكل شخص مضحك.
الأسعد بن مماتي يهرب إلى سوريا
بقي هنا أن نتطرق إلى حياة الأسعد بن مماتي بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي، وفي ذلك يشير الدكتور رياض عبد الحسين في دراسته المعنونة بـ"الفاشوش في حكم قراقوش الدوافع والأغراض"، إلى أنه شغل رئاسة ديوان المال طوال حكم السلطان العزيز (589–615هـ/1193-1198 م)، ولسنةٍ من حكم السلطان العادل (595–615 هـ/1196–1218 م).
لكن الوهراني يقول إنه عندما تولى العادل أخو صلاح الدين، الحكمَ، هرب الأسعد إلى حلب، خوفاً من وزيره ابن شكر الأيوبي (548–622 هـ/1153-2251 م)، وكانت بينهما خلافات أثناء حكم صلاح الدين فخاف الأسعد أن ينتقم منه ابن شكر، وأقام لدى ملكها غازي بن صلاح الدين حتى توفي.
هذا الطرح قال به ابن كثير أيضاً في مؤلفه "البداية والنهاية"، موضحاً: "لما تولى الوزير ابن شكر هرب الأسعد إلى حلب فمات بها، وله ثنتان وستون سنة".
ويروي الدكتور عبد اللطيف حمزة، أن وفاته كانت عام 606 للهجرة، لكن هناك بعد الروايات ترجح أن تكون وفاته في السنة التالية 607.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...