شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
يوميات من غزّة (9)...

يوميات من غزّة (9)... "أربعة تحت الردم... يمّا ما احلاهم يمّا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

نيدو وبامبرز

"استلمت نيدو وبامبرز"، يقولها أب بفرحة عارمة وهو عائد إلى زوجته يحمل علبة نيدو وكيس بامبرز للأطفال.

وإن سألت، أهذا يستحق الفرح؟ فالإجابة هي نعم، النيدو يعني حياة طفل لمدة أيام قادمة، والبامبرز يعني صحة الطفل، الذي اضطرت الأمهات أن يستخدمن ما توفر من شرائط القماش بديلاً عنه، مما أنتج أمراض جلدية غريبة، ولا مستشفيات حاضرة للتعامل مع ذلك في ظل "حرب لعينة" لا تنتج سوى المزيد من الإصابات الخطرة والشهداء، فتضطر الأمهات للتعامل مع ذلك بما توفر من بودرة وأشياء أخرى قد تفيد حسب ظنهن.

سلة غذائية لأسبوع 

علبتان من الفول وعلبة لانشن وزجاجتان من الماء وعلبتان من العسل الأسود وعلبتان صغيرتان من الجبنة، هذه حصة عائلة في متوسط عدد سبعة أفراد على الأقل، يحملها أب نازح فقد بيته، سعيداً بها، "أخيرا سوف أشرب شربة ماء حلو" يقول ذلك كأنما حاز الجنة، "خير وبركة" واصفًا ما شملت عليه الكرتونة من معلبات جاءت ضمن المساعدات التي دخلت من معبر رفح إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خان يونس. 

"استلمت نيدو وبامبرز"، يقولها أب بفرحة عارمة وهو عائد إلى زوجته ويحمل حياة لأسبوع كامل لطفله.

تستطيع أن تقرأ الجهة المُرسِلة على واجهة الكرتونة "بنك الطعام المصري"، "يمكن تقسيمها على أسبوع قادم"، يقول الرجل، ويضيف " تبقى المشكلة في الخبز".

ربطة خبز... كاملة

"ما يجيبها إلا نسوانها"... تصرخ فرحة امرأة عائدة من طابور المخبز، حاملة معها ربطة خبز كاملة، إنه انتصار عظيم لو تدرون، فقد أمّنت بربطة الخبز هذه طعام العائلة لليوم بطوله وربما يتبقى منها لفطور اليوم التالي، حتى لو لم يكن إلا "خبزاً حافياً"، فالاقتصاد في الطعام ضرورة لا بد منها، "والله طالعة من الفجر، لأنو ناموا الصغار بدون عشا" تبرر المرأة فرحتها.

نعم، هذه الانتصارات والإنجازات الصغيرة تعني في مضمونها حياة، وهذا شعب منحاز للحياة بكل ما أوتي من قوة، في ظلال الموت.

حد بترك قلبه؟ 

"طلعنا من جحيم الصواريخ والنار والخراب، وجئنا لجحيم الحياة، دخول الحمام بطابور، الخبز بطابور، الطعام شحيح، النوم بالدور لضيق المساحة المتاحة لنا وقلة الفراش، حتى شربة الماء تحتاج إلى معجزة" تقول امرأة خمسينية، نازحة من غزة المدينة إلى مأوى في مدينة خان يونس. وتضيف "أتمنى الشهادة من الله". 

علبتان من الفول وعلبة لانشن وزجاجتان من الماء وعلبتان من العسل الأسود وعلبتان صغيرتان من الجبنة، هذه حصة عائلة في متوسط عدد سبعة أفراد... "خير وبركة" يقول 

وحين تطبطب عليها بكلمتين طيبتين، تكتشف أن جحيماً خرج من قلبها وفتح أبوابه، لتسمع "أولاد ابني تحت الردم، ما بنعرف إذا عايشين ولا ميتين، ولا بنعرف إن كانوا لاقوهم ودفنوهم، أو بقوا تحت الركام"، تسكت قليلا وتتحدث دمعتين لمعتا في عينيها وأبتا النزول "أربعة.. يما، ما أحلاهم يما، لسة صغار، قلبي بتقطع يما، ما كان بدي أسيبهم وأروح، أخدوني غصب عني، في حدا بيسيب قلبه وبيروح".

هناك 1250 طفلاً مفقودين تحت الركام، حسب وزارة الصحة، هناك 1250 قصة ألم ووجع وشعور بانطفاء العالم مع انطفاء أطفال أبرياء بطريقة وحشية، تورث الوحشة في صدور الناجيين من أهاليهم.

"يما والله ما نجا إلا اللي راحوا لربهم، ربهم أحن عليهم من هالدنيا الظالمة، احنا اللي عايشين بنموت كل يوم ألف مرة، ألف مرة بنموت يما".

بدنا طحين

"ضربوا البلد بخلاط، طحنوا الأخضر واليابس" يقول شاب عشريني عاد خائباً من رحلة البحث عن مخبز لا زال يعمل، ليحضر ربطة خبز لأهله، كل مخابز المنطقة هنا توقفت عن العمل، لا يوجد غاز، "يوزعوا الطحين على الناس، الناس بتدبر حالها، الناس بتعجن وبتخبز، بتدبّر حالها" يضيف غاضباً، يرد أحدهم أن هناك مخبز لا زال يعمل وسط المدينة، ولكن الناس هناك أمم في ازدحام في صورة مصغرة ليوم القيامة. 

تقول الجدة: "أربعة.. يما، ما أحلاهم يما، لسة صغار، قلبي بتقطع يما، ما كان بدي أسيبهم وأروح، أخدوني غصب عني، في حدا بيسيب قلبه وبيروح؟".

"يلا، بنروح، وين بالزبط، يعني نطعمي الصغار بسكوت، صارلهم يومين مش ماكلين خبز"

تحرّكوا باتجاه مخبز يُقال إنه لا زال يعمل حتى الآن، مدركين أن في انتظارهم الانتظار الطويل، ولا مفر من ذلك.

يوميات غزة هي الحياة المتقطعة التي تبقت بعد كل هذا الموت والتهجير والحزن، أو ما تبقى من الحياة التي تحاول الاستمرار في ظروف مهيئة للموت أكثر منها للعيش. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard