يُعدّ الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي (1326-1390)، الأب الروحي والشعري للأدب الفارسي، لأن شعره الثري يحتوي على كل خفايا الثقافة الإيرانية، وهذا هو سرّ خلوده في تاريخ هذا البلد وفي الأدب الفارسي، ومن المعروف عنه أنه كان عاملاً في مخبز خلال سن المراهقة والشباب، كما كان في تلك الأثناء ينسخ المخطوطات.
وقد ذكر في قصائده طريقة دوامه في المدرسة صباحاً، وكذلك في الفترة الزمنية التي بلغت نحو أربعين سنةً في دراسة العلوم، وحفظ القرآن على مختلف القراءات، لكن هذا الشاعر تميز بمكانة خاصة بين الإيرانيين، حيث لا يوجد بيت إلا وفيه نسخة من ديوان شعره، وهذه الشهرة لا تقتصر على داخل حدود إيران فحسب، بل توسعت وكبرت حتى انتشرت بين المثقفين الغربيين المهتمين بأدب الشرق.
1 - حافظ في أمريكا
رالف والدو إمرسون (1803-1882)، هو أول كاتب أمريكي أبدى اهتماماً جدياً بالأدب الفارسي، برغم أنه لم يكن يعرف اللغة الفارسية، إلا أنه اتخذ الخطوة الأهم في تعريف المجتمع الأدبي الأمريكي بالشعراء الإيرانيين والشعر الفارسي. اهتم إمرسون بأعمال الشاعرين الإيرانيين، سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي، ومن خلال الترجمات الألمانية لأعمال هذين الشاعرين، تعرف إمرسون على أدبهما وشعرهما.
رالف والدو إمرسون أول كاتب أمريكي أبدى اهتماماً جدياً بالأدب الفارسي، برغم أنه لم يكن يعرف اللغة الفارسية، إلا أنه اتخذ الخطوة الأهم في تعريف المجتمع الأدبي الأمريكي بالشعراء الإيرانيين والشعر الفارسي
وبعد أسفار عديدة ودراسات مستفيضة في أعمال المفكرين والمستشرقين، وانبهار الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته بحافظ، تَعرّف إمرسون على أدب وحياة حافظ الشيرازي، حيث وصل اهتمامه بهذا الشاعر إلى حد أنه قام بترجمة "ساقي نامة" لحافظ.
وُلد إمرسون في أيار/مايو 1803، في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان والده كاهناً، وقد توفي وإمرسون لم يتجاوز العاشرة من عمره. بعد وفاة والده، تولت عمّته المتنورة فكرياً مسؤولية تعليمه. تخرج إمرسون من جامعة هارفرد، عام 1825، وبدأ مسيرته الكهنوتية عام 1826.
تزوج عام 1829، وتوفيت زوجته بعد عامين، فغادر بعد ذلك إلى أوروبا، وخلال عامي 1832 و1833 التقى بالفلاسفة والكتّاب والشعراء الأوروبيين البارزين مثل توماس كارليل وويليام ووردزوورث وصامويل تايلر كولريدج. خلال هذه الرحلة، أجرى إمرسون بحثاً عن المثالية الألمانية والحكمة الهندية، وهو ما كان له تأثير دائم على تفكيره وأعماله. كما اتفق مع توماس كارليل، في مجال التغيير والتحول في التاريخ، على أن التغيير في التاريخ والمجتمع يصنعه الأفراد العظماء، لا جموع الناس.
يُعدّ إمرسون الأب الروحي للأدب والفكر الأمريكيين الحديثين، كما هو شاعر ومفكر كبير تأثرت به أعظم شخصيات الأدب الأمريكي في القرن التاسع عشر، وكان زعيم المدرسة الأدبية المتعالية، التي يصفها البعض بأنها نوع من المثالية الأمريكية. وبينما كان إمرسون ينصح العلماء الأمريكيين بحماية أنفسهم من تأثير الأفكار الأوروبية، فقد أولى اهتماماً خاصاً بالشرق وإيران.
وفي تاريخ دراسات اللغة والأدب الفارسي في الغرب، يأتي إمرسون كأحد أبرز الشخصيات الأدبية، وقد دفعه اهتمامه بشعر وفكر الشعراء الإيرانيين إلى كتابة قصائد ذات ميول شرقية، وذلك إلى جانب ترجمة قصائد الشعراء الإيرانيين، كما أنه كتب مقالاً شهيراً تحت عنوان "عن الشعر الفارسي"، يوضح خلاله موقفه من الشعراء الإيرانيين إلى حد كبير.
يُظهر استخدام الاقتباسات المباشرة من قصائد حافظ الشيرازي في مقالات إمرسون، أن إعجابه بحافظ ليس فقط كشاعر فارسي قوي، ولكن أيضاً كمفكر عالمي، إذ كانت لدى كل من حافظ وإمرسون خبرة دينية عميقة، فإمرسون كان كاهناً مثل حافظ الذي كان مفسراً وحافظاً للقرآن الكريم.
2 - حافظ في أوروبا
المفكر الإيراني المعاصر داريوش آشوري، يقول: "يبدو أن سعدي وحافظ هما الاسمان الوحيدان اللذان يظهران من إيران بعد الإسلامية في كتابات نيتشه".
فريدريش فيلهيلم نيتشه (1844-1900)، هو الكاتب والفيلسوف الألماني، الذي يعدّه كثيرون أعظم فلاسفة العصر الحديث. كان والد نيتشه كاهناً وكان أسلافه من أمه كهنة أيضاً. تماماً مثل سعدي، الشاعر الإيراني، الذي يقول: "علماء دين كانوا أسلافي/وأنا حبك الشعر علّمني".
وكإمرسون، توفي والد نيتشه في أثناء طفولته، فعاش بعد ذلك مع أخته وأمه وعمته وجدته. وكان لهذه البيئة الأنثوية والدينية، تأثير كبير على فكر نيتشه، كما تأثر حافظ وإمرسون بالجو الديني المحيط بهما. بدأ فريدريك نيتشه كتابة الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره.
وبعدما أكمل تعليمه الإعدادي، درس اللاهوت في البداية، لكنه سرعان ما ترك دراسته هذه بسبب فقدان الإيمان بالمسيحية، وفي عام 1865 درس اللغة اليونانية في جامعة لايبزيغ، وخلال هذا الوقت وبالصدفة قرأ كتاب "العالم كإرادة وتمثيل" للفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور، وتأثر بهذا الكتاب بشدّة.
فريدريش الذي عانى طوال حياته من مرض شديد وصداع مستمر، أصيب بانهيار عصبي عام 1889، وهو في عمر الخامسة والأربعين، أعقبه فقدان كامل لقواه العقلية. وقضى نيتشه السنوات المتبقية من حياته تحت رعاية والدته حتى وفاتها عام 1897. ثم عاش مع أخته وتحت رعايتها حتى توفي عام 1900، بعد سكتات دماغية عدة والتهاب رئوي.
كتاب "هكذا تكلّم زرادشت"، يُعدّ أشهر وأهم أعمال فريدريش نيتشه، وهو مكتوب على شكل قصة فلسفية وشعرية، على لسان النبي الإيراني زرادشت. وفي هذا الكتاب ينزل زرادشت من الجبال ليتحدث إلى الناس، ومن خلال كلماته يلخص نيتشه الأفكار الرئيسية لفلسفته. وتُعدّ مفاهيم مثل: ما فوق البشر وموت الله والعودة الأبدية، من أهم موضوعات هذا الكتاب.
كان زرادشت زعيماً دينياً وفيلسوفاً وشاعراً إيرانياً. وكانت تعاليمه الأساسية عن الوجود، الذي عدّه ساحة معركة بين الخير والشر، وأن الإنسان حر في اختيار مكانه في هذا الصراع. الوقت الدقيق لحياة زرادشت غير معروف، حيث يعتقد البعض أنه عاش قبل الملك زركسيس بـ5000 سنة، أي قبل أكثر من 7000 سنة، لكن الباحثين المعاصرين يعتقدون أنه عاش قبل المسيح بنحو 1000 سنة.
لقد تجاوز اهتمام نيتشه الثقافةَ الإيرانية الزرادشتية، إذ له إشارات إلى شعر حافظ وسعدي في أعماله. وكما يقول داريوش آشوري، فإن نيتشه تأثر بأعمال سعدي وحافظ، ويذكر سعدي بهذه الطريقة: "سأل سعدي حكيماً، ممن تعلمت كل هذا؟ فأجابه: من الكفيف الذي لا يخطو خطوةً إلا إذا ما دقّ الأرض بعصاه".
ولم يعلّق نيتشه على هذه الملاحظة بل نقلها فحسب، لكن بحسب وجهة نظر آشوري، فإن تفسير نيتشه لقصة سعدي، أنها حكمة محافظة، حكمة عمياء هي نقيض حكمة نيتشه، أي الحكمة الجريئة التي تكون عن إلقاء النفس في قلب الحياة ومخاطرها، والتلذذ بالاندفاع والاستعجال، لكن بالنسبة لنيتشه فإن حافظ كان هو الرجل الحكيم الشجاع والمتسرع.
تعلّق غوته بحافظ، ومدحه لحكمته الشرقية، ولعب دوراً مهماً في اهتمام نيتشه بحافظ، إذ يظهر اسم حافظ عشرات المرات في مجموعة أعمال نيتشه، وفي كتابات نيتشه يظهر اسم حافظ بجوار اسم غوته في أغلب الأحيان، كما يُشيد بهما بوصفهما نواة الحكمة العميقة.
وبالنسبة لنيتشه، فإن حافظ هو شاعر شرقي، يمتدح الحياة الأرضية بشغف كبير وبنظرة مأساوية، فالاستمتاع بالخمر والنساء والحب هي مواضيع متكررة في شعر حافظ.
3 - حافظ في فرنسا
جان آرثر غي (1875-1945)، كاتب ومترجم وسياسي فرنسي، كان موظفاً في وزارة الخارجية الفرنسية، ومثّل بلاده في القاهرة وطهران وإزمير وأديس أبابا خلال رحلاته حول العالم.
كان ملمّاً باللغات العربية والفارسية والتركية، ومفتوناً بالأدب الشرقي، وكان يولي اهتماماً خاصاً بحافظ وقصائده. ولهذا السبب، كرّس جان آرثر، جزءاً كبيراً من طاقته ووقته، لفهم وترجمة الأدب الشعري الفارسي، مما أدى إلى ترجمة قصائد الخيام وحافظ إلى الفرنسية.
كان جان آرثر غي، موظف الخارجية الفرنسية، ملمّاً باللغات العربية والفارسية والتركية، ومفتوناً بالأدب الشرقي، وكان يولي اهتماماً خاصاً بحافظ وقصائده. ولهذا السبب، كرّس جزءاً كبيراً من طاقته ووقته، لفهم وترجمة الأدب الشعري الفارسي
يقول المفكر الإيراني الفرنسي رضا ركوئي حقيقي، وهو محرر ترجمة جان آرثر غي، ومن المهتمين بالحضارة الإيرانية، إنه نظراً إلى لغة حافظ الشعرية الديناميكية وقدرته، تجاوز بسرعة حدود إيران، حتى ذهب إلى بلاط الهند، حيث تأثر بالشعر والأسلوب الهنديين، كما أنه زار البلاط العثماني والدول العربية مثل مصر.
وكانت ترجمة ديوان حافظ مع المقدمة التفصيلية، ثمرة هذا الانبهار وجهود جان آرثر غي، وقد صدرت عام 1927. بعد مرور ما يقرب من مئة عام على نشر ترجمته، قرر مدير قسم مجموعة الأبحاث الإيرانية في دار نشر هارماتان في باريس، عطاء آيتي، إعادة نشر هذا العمل. وبعد أشهر عدة من التقييم والنقد لهذه الترجمة وطلب آراء بعض الخبراء، تم الانتهاء من نشر ترجمة جان آرثر غي، بتحرير جديد ومقدمة نقدية بقلم رضا ركوئي حقيقي.
وبرغم أن جان آرثر، قد ترجم ديوان حافظ بأكمله إلى الفرنسية، إلا أن الناشر لم يتمكن من الحصول على الجزء الثاني من هذا العمل، لذا يحتوي هذا الكتاب على 175 قصيدة غزل فقط لحافظ. لكن ركوئي يأمل أن يتم نشر الجزء المفقود في يوم من الأيام.
رضا ركوئي حقيقي، كاتب وباحث إيراني-فرنسي، يعيش في باريس ويكتب في الغالب باللغة الفرنسية، وقد كتب العديد من الأعمال باللغة الفرنسية حول الفكر الإيراني والفلسفة الإيرانية، وكونه طالباً في الفلسفة، كتب أطروحته للدكتوراه حول فلسفة نيتشه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...