1. الرومي والخادمة الجميلة
مولانا جلال الدين محمد البلخي البكري، شاعر إيراني من القرن الثالث عشر (6 ربيع الأول 604/ 5 جمادى الآخرة 672)، اشتهر عالمياً بقصائده الرومانسية وسلوكه الصوفي، واسمه الكامل هو "محمد بن محمد بن حسين الحسيني الخطيبي البلخي البكري"، وكانت تُطلق عليه في حياته ألقاب "جلال الدين" و"خداوندكار" و"مولانا خدواندكار".
وبعد مرور مئتي عام تقريباً على وفاته، أُطلقت عليه ألقاب "مولوي" و"مولانا" و"مولوي الرومي" و"مولانا الرومي"، وعلى الرغم من أن لغته الأم كانت الفارسية، إلا أنه استخدم العربية والتركية واليونانية بالتناوب في قصائده، ولذلك يمكن عدّه من أوائل الشعراء الذين اتّبعوا نهج تعدد اللغات في أعماله، وهذا النهج أصبح في القرن العشرين من المكونات الرئيسية للأدب الحديث، إذ استخدمه كتّاب كثر، كـ"جيمس جويس" الكاتب الأيرلندي العظيم في القرن العشرين.
حينما بلغ الرومي من العمر 37 عاماً، أصبح متصوفاً وعالماً في عصره، وقد استفاد اتباعه والناس من وجوده، حتى التقى بـ"شمس الدين محمد بن ملك داد التبريزي"، في يوم الثلاثاء 26 جمادي الآخرة عام 642 هـ، وكان الرومي مفتوناً به، إذ انجذب إلى فكر شمس الدين التبريزي وسلوكه، إلى درجة أن موقفه تجاه الدين والأخلاق والتصوف، تغيّر إلى حد كبير، وكل ما تبقى من آثار الرومي في عصرنا، ثمرة تلك الفترة من حياته، التي تعرّف فيها إلى شمس الدين.
بعد فترة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، أخبر جورج بوش، وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك نبيل شعث، بأن المسيح (ابن الله!)، جاءه في المنام وطلب منه مهاجمة أفغانستان والعراق من أجل إنقاذ الناس، وفي عام 2003 ادّعى بوش أنه كان يسترشد بمهمة إلهية
كتاب "المثنوي" المعروف بـ"المثنوي المعنوي"، هو ديوان شعر مولانا الرومي، ويتكون من نحو 26 ألف بيت و6 دفاتر، استخدم الرومي القصص في هذا الكتاب بشكل أساسي، كأداة للتعبير عن التعاليم الدينية، ويبدو أن ترتيب الحكايات المختلفة في هذا الكتاب ليس بترتيب محدد، حيث تتنوع الشخصيات الرئيسية في القصص، من الأنبياء والملوك والتجار إلى الرعاة والعبيد، والعديد من الحكايات في المثنوي تأتي من مصادر قديمة مختلفة، مثل أعمال "عطار النيشابوري"، وهو شاعر إيراني من القرن الرابع الهجري.
وفي الدفتر الأول للمثنوي، يروي الرومي قصة ملك يخرج للصيد، وعندما يعود من رحلته يرى جاريةً، فيقع في حبها ويشتريها، وعندما يصلان إلى القصر تصاب الخادمة بالمرض. حينها يستدعي الملك جميع أطباء بلاده لعلاج الجارية، حتى يعلن عن جائزة كبيرة لكل من يعالجها، لكن دواء الأطباء لم يجدِ نفعاً، بل ازدادت حالتها سوءاً.
كان هناك أحد الملوك في ماضي الزمان، لديه كنوز الدنيا، وذات يوم خرج مع حاشيته من أجل الصيد، ورأى جاريةً في طريقه، فصار غلاماً لها.
وعندما أسر الحب طائر روحه ليتخبط في صدره، دفع المال واشترى تلك الجارية، وعندما اشتراها وقُرّت عيناه بها، شاء القضاء أن تسقط تلك الجارية مريضةً.
هنا يلجأ الملك إلى الله، ويأتي له رجل حكيم في حلمه، ويقول له إن رجلاً حكيماً سيأتي في اليوم التالي إلى قصره لعلاج مرض الفتاة. يصل الحكيم ويعلم أن الفتاة واقعة في حب صائغ في سمرقند، وداؤها هو داء الحب، ويصف الحكيم وصفةً لعلاجها، وهو أن يأتي الصائغ إلى القصر ليلتقي بها، وهكذا يُحضر الملك الصائغ الشاب ويعطيه الجارية ليمارسا الجنس، فتُشفى الفتاة، ولكن بعد ذلك، يقوم الملك والحكيم، بإطعام الصائغ شيئاً حتى يفقد وعيه ثم يموت.
استنتاج الرومي من هذه القصة مثير للدهشة. فمن وجهة نظره، فعلة الملك من شراء فتاة جارية إلى اختطاف صائغ وقتله، هو بأمر الله، ليثبت أن الحب الذي يأتي من النظرة الأولى ليس إلا حباً بالجمال، وأنه يكون مخادعاً، كما أن قتل الصائغ سيئ الحظ كان عن حق! ويبدو أن الرومي نفسه، نسي أن الملك وقع في حب جمال الخادمة في بداية القصة، لأنه انجذب بمظهرها، وليس بمعاشرتها أو باكتشاف جمالها الروحي!
وبعبارة بسيطة، يمكن القول إنه من وجهة نظر الرومي، "عندما يكون ذكر الله موجوداً، فكل شيء مباح"؛ لأن الملك قد فعل ذلك بإذن الإله:
لم يكن قتل ذلك الرجل على يد الحكيم، طمعاً أو خوفاً
ولم يقتله استرضاءً للملك، وإنما كان أمراً ووحياً من الإله.
2. جورج بوش ودوستويفسكي: ماذا لو لم يكن هناك إله؟
بعد هجوم 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابي، على برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك، قامت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، بغزو أفغانستان رداً على هذا الهجوم للإطاحة بحكومة طالبان في أفغانستان، وبعد ذلك بعامين، غزت العراق بذريعة سعي النظام العراقي إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل.
ويمكن القول إنه منذ حرب فيتنام، كان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أكبر وأطول عملية عسكرية للولايات المتحدة. عُدّ هذا الغزو، خارج إطار المنظمات الدولية، وأول ظهور لأمريكا كقوة احتلال في الشرق الأوسط، كما أنها كانت المرة الأولى التي تحتل فيها الحكومة الأمريكية دولةً عربيةً مسلمةً.
بعد فترة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، أخبر جورج بوش، وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك نبيل شعث، بأن المسيح (ابن الله!)، جاءه في المنام وطلب منه مهاجمة أفغانستان والعراق من أجل إنقاذ الناس، وفي عام 2003 ادّعى بوش أنه كان يسترشد بمهمة إلهية.
وإذا عدنا إلى قصة الرومي، فمن الواضح أن جورج بوش يعيش تجربة الملك نفسها، في قصة الرومي تماماً، إذ يأتي حكيم من عند الله إلى الملك في حلمه ويأمره باختطاف الصائغ وقتله.
وتأخذ قصة الرومي وجورج بوش، في رواية فيودور دوستويفسكي (1821-1881)، وهو كاتب روسي من القرن التاسع عشر، جانباً أكثر إثارةً للاهتمام، ويمكن أن تخلق ارتباطاً مثيراً مع تعليق "ديمتري كارامازوف" أحد أبطال رواية دوستويفسكي "الإخوة كارامازوف". إذ تحكي الرواية قصة أب مضطرب يُدعى "فيودور كارامازوف" وأبنائه الأربعة "ديمتري وإيفان وأليكسي وسمردياكوف"، الذين يُتّهم أحدهم (ديمتري) بقتل والده.
ديمتري هو ابن فيودور كارامازوف من زوجته الأولى، ولم ينشأ أي من أبناء كارامازوف في الأسرة، إذ بعد وفاة الزوجات، يتركهم والدهم غير المسؤول، ويقوم الأقارب بتربيتهم، ليكرس الوالد كل طاقته ووقته لملذاته الخاصة، وفي بداية الرواية يطلب ديمتري من والده الميراث الذي تركته له والدته. ولكن يواجه سخرية كارامازوف الأب، حيث يتظاهر بعدم علمه بوجود أي أموال أو ممتلكات تخص دميتري.
وفي الرواية، يجد ديمتري ووالده نفسيهما أعداءً أشداءً، وهنا يسأل ديمتري (دوستويفسكي) عن تبعات عالم من دون إله وحياة أبدية، ويتساءل إذا كان العالم من دون إله، فهل يعني هذا أن "كل شيء مباح"؟
ويستمر تفسير السؤال الهادف لدوستويفسكي، الذي كان مسيحياً متديناً، حتى يومنا هذا، وغالباً ما يكون هذا التفسير متحفظاً بطبيعته، فيفترض كارامازوف أنه من دون الإيمان بالله أو الدين، يصبح كل شيء مباحاً، بما في ذلك القتل والجرائم والشر، لكن من المفارقات أن التاريخ كشف عكس ذلك.
ومن الواضح اليوم أن المجتمعات العلمانية تُظهر المزيد من الصفات الأخلاقية والتسامح والحضارة، في حين حدثت وتحدث جرائم بشعة على مر التاريخ باسم الدين، من الحروب الصليبية والدعم الديني للمسيحيين من الاستعمار، إلى الحروب الطائفية اليوم في الشرق الأوسط، والكبت الديني واسع النطاق في الحكومات المتطرفة.
اقتباس دوستويفسكي الشهير من ديمتري كارامازوف: "إذا لم يكن هناك إله، فكل شيء مباح!"، عندما ننظر إليه من خلال قصة الرومي، يأخذ معنى مختلفاً، إذ يقول الرومي بهذه الحكاية غير المرغوب فيها: "إذا كان هناك الله، فكل شيء مباح!"، كما يظهر من تصرفات الملك في القصة، وكما أظهر لنا جورج بوش في بداية القرن الحادي والعشرين، وكان وجود الله ذريعةً، للهجوم العسكري الأمريكي على العراق وأفغانستان.
3. ويليام بوروز وحسن الصباح... كل شيء مباح!
ويليام سيوارد بوروز (1914-1997)، كاتب أمريكي، يُعرف برائد الحركة الثقافية المضادة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُعدّ من الكتّاب الأكثر إثارةً وجدلاً في الأدب الحديث، كما أن مؤلفاته ما بعد الحداثوية كان لها الأثر الكبير على الثقافة والأدب سواء في بلاده أو خارجها، وكان منجذباً بشكل كبير إلى "حسن الصبّاح"، الذي يذكره كثيراً في أعماله، إلى درجة أنه عدّ نفسه صبّاح الأدب الأمريكي.
ما يعنيه بوروز بـ"كل شيء" ليس القتل أو الشر أو القسوة فحسب، بل أي تفسير للعالم والحقيقة. في الواقع يجيب بوروز على ديمتري كارامازوف باقتباس هذه الجملة من حسن الصبّاح: "إذا لم يكن هناك إله، فإن أي تفسير للحقيقة مباح"
حسن الصبّاح (1050-1124) يُعدّ اليوم اسماً مرتبطاً بالأساطير، وحتى ألعاب الفيديو، مثل لعبة "ASSASSINS" التي اتُّخذ عنوانها من "الحشاشين"، وهو لقب أتباع حسن الصبّاح، وهو مسلم إيراني، ومؤسس المذهب الشيعي النّزاري في عهد السلاجقة في إيران، كما أنه استولى في تلك البرهة على قلعة في جبل "ألَموت" شمال إيران، وبما أنه لم تكن لديه القدرة العسكرية الكافية للقتال ضد الجيش السلجوقي الكبير، قام باغتيال شخصيات كبيرة في الحكم آنذاك، وسرعان ما انتشر اسمه في جميع أنحاء العالم.
من أشهر أعمال بوروز، رواية "نوفا إكسبرس"، وتأتي فيها إشارات كثيرة إلى هذه الشخصية التاريخية، وربما تكون أشهرها جملة من أقواله وهي: "لا شيء صحيحاً، كل شيء مباح"، وهي الكلمات التي كانت آخر ما نطقه حسن الصبّاح، حسب كتاب بوروز.
على الرغم من أن هذه الجملة مقتبسة بشكل خطأ من حسن الصباح، إلا أنها أصبحت واحدةً من الجمل الرئيسية في أعمال بوروز، وعظمة هذه الجملة تكمن في أنها تظهر عدم وجود أي حقيقة في العالم، وإذا أردنا سرد هذه الجملة على لسان ديمتري كارامازوف، يمكننا القول: "إذ لم يكن هناك إله، فكل شيء مباح".
لكن ما يعنيه بوروز بـ"كل شيء" ليس القتل أو الشر أو القسوة فحسب، بل أي تفسير للعالم والحقيقة. في الواقع يجيب بوروز على ديمتري كارامازوف باقتباس هذه الجملة من حسن الصبّاح: "إذا لم يكن هناك إله، فإن أي تفسير للحقيقة مباح".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت