هذا التقرير أُنتج بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.
في أطراف المدن الأردنية وعلى حواف الشوارع، خيم بالية بعضها من الخيش وجزء منها من البلاستيك، تتخذها شريحة واسعة من الغجر "النور" مسكناً لها.
هناك حيث لا تعليم ولا كهرباء ولا أي مقوم من مقومات الحياة، وسط محاولات البعض للتأقلم مع واقع فرض نفسه، والبعض الآخر استطاع الانفكاك من ذلك الإرث والاندماج في المجتمع ليصبح في مواجهة صور نمطية مفروضة عليه من جهة، وحرمان حقوقي حكومي من جهة أخرى.
تختلف الروايات حول أصول الغجر في الأردن، منها ما يقول إنهم قدموا من الهند للعمل ولم يعودوا، أما الرواية التي يتبنونها أنفسهم فهي أنهم من الأرض الشرقية العربية، وأنهم عرب أقحاح ينتسبون إلى قوم بني مرة "قوم جساس"، الذين تهجروا بعد حرب البسوس بعد الاقتتال مع قوم بني تغلب " قوم الزير سالم".
يواجه الغجر في الأردن صوراً نمطية مفروضة عليهم من جهة، وحرماناً حقوقياً حكومياً من جهة أخرى.
ورغم عدم وجود ما يثبت ربط الغجر بقبيلة بني مرة، وأن نتائج حرب البسوس ما قبل الإسلام لم تعتمد تاريخياً وعلمياً، إلا أنهم يتمسكون بهذه الرواية.
أردنيون منسيون
شهدت المناهج الدراسية في الأردن تعديلات عدة شددت في كل مرة على تكريس مفاهيم الثقافة الوطنية، إلا أنها أبقت على ذكر تقسيمات المجتمع التقليدية ما بين المدن والريف والبادية، دون ذكر الغجر كمكوّن من مكونات المجتمع الأردني، ولم تضفه لاحقاً عند الإشارة إلى أقليات موجودة في الأردن من بينها الشيشان والشركس والأرمن.
برهان حسين وهو أحد أبناء الغجر، يقول لرصيف22: "طول عمري عايش بالأردن ومعي رقم وطني أردني، بس ما عمري حسيت حالي أردني. حياتنا تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لا كهربا ولا مي ولا صحة، وكل يومين بنترحل لأن الأرض مش أرضنا، الرحيل مش طبعنا احنا مجبورين عليه".
ويضيف:"عايشين على الله، إحنا عائلة من 10 أفراد عايشين في خيمة واحدة، كل الخيم يلي هون نفس الوضع. بنشتغل في جمع الخردة، يوم بتمشي الأمور ويوم ما بتمشي"، متسائلاً: "معقول نظل عايشين هيك عالهامش؟".
ويحرص الغجر عموماً على العيش معاً بعيداً عن التجمعات السكانية، وهرباً من المضايقات التي يتعرضون لها من المجتمع نتيجة صور نمطية وأفكار سلبية. يقول برهان: "المجتمع ما بدو يانا، هم لا يتقبلوننا بالرغم أننا لا نؤذيهم. منهم من يرمي علينا الحجارة ومنهم من يحرق شوادرنا، حتى إذا أراد أحدهم تقليل من شأن أخر يقول له ‘أنت نوريّ’".
طول عمري عايش بالأردن ومعي رقم وطني أردني، بس ما عمري حسيت حالي أردني. حياتنا تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لا كهربا ولا مي ولا صحة، وكل يومين بنترحل لأن الأرض مش أرضنا، الرحيل مش طبعنا احنا مجبورين عليه
ويرى أن أجدادهم لم يبذلوا أي مجهود لصنع اسم وحضور لهم في المجتمع، بالرغم من مجيئهم إلى الأردن قبل الكثير من الأقليات التي تحظى اليوم بحضور وقبول مجتمعي، "إلا أننا منسيون حكومياً مرفوضون مجتمعياً"، يقول.
التعلم حق ثانوي
التعليم للغجر في الأردن شبه معدوم بسبب الإهمال الذي يتعرضون له، فلم تفتتح أي مدارس حكومية في المخيمات التي يعيشون ضمنها. وجميع من التقاهم رصيف22، أكدوا عدم قدرة الأطفال في المخيمات على الكتابة والقراءة نتيجة عدم ذهابهم للمدرسة، وكانوا قد تلقوا جلسات محو أمية لكنها غير كافية وغير مستمرة.
تقول شريهان زيد وهي أم لسبعة أطفال لرصيف22: "أولادي لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، لم يذهبوا للمدارس لعدم وجود مدارس قريبة مننا، ولا نملك المال للتعليم. أنا ووالدهم أيضاً لا نستطيع القراءة ولا الكتابة، رغم أننا نؤمن بأهمية التعليم ونتمنى أن يتعلموا، ولكن الظروف التي نعيشها هي العائق".
وتضيف: "نتيجة لذلك فإن غالبية الفتيات يتزوجن بأعمار صغيرة، بينما يبدأ الأطفال والشبان بالعمل في جمع الخردوات وبيعها لإعالة أسرهم. أصغر أسرة هنا عدد أفرادها 8 أشخاص، إذ إننا نحب إنجاب الأطفال".
وضمن نفس السياق يزيد برهان: "نحن لا نملك أراضٍ وهذه سبب ترحالنا الدائم. نريد أن تمنحنا الحكومة أراضٍ ولتبقى ملكيتها لها، لنستقر ونتمكن من إرسال أطفالنا للمدارس".
مطالبات بتمثيل برلماني
بعد عشرات السنوات بدأ الغجر بالخروج من المجتمع المنغلق الذين كانوا يعيشون فيه، والمطالبة بحقوقهم ومساواتهم مع بقية الأقليات، وأصبح لديهم طموح بوجود رابطة تمثلهم، وظهرت مطالبات عديدة بضرورة وجود مقعد نيابي و"كوتا" للغجر لتمثيلهم، ليتمكنوا من الحصول على حقوقهم.
وبالفعل حاول الرئيس الروحي للغجر في الأردن فتحي عبده موسى خوض غمار الانتخابات النيابية مرتين، وذلك في العامين 2003 و2010، إلا أنه لم ينجح في المرتين، لأن أعداد الغجر في الدائرة التي ترشح بها لم تسمح بحصوله على أصوات كافية للفوز في الانتخابات، فالغجر منتشرون في كافة محافظات المملكة.
ظهرت مطالبات عديدة بضرورة وجود مقعد نيابي و"كوتا" للغجر لتمثيلهم، ليتمكنوا من الحصول على حقوقهم.
يقول فتحي عبده موسى لرصيف22: "من حقنا أن يكون لنا تمثيل برلماني. طالبنا بتخصيص كوتا للغجر في مجلس النواب أسوة ببقية الأقليات، إلا أن مطالبنا رفضت بحجة أننا لسنا أقلية. بالفعل نحن لسنا أقلية، فنحن عشائر ويتجاوز عددها الـ 80 ألف. تعاملنا الحكومة كعشائر ولكنها لا تمنحنا مزايا العشائر الأردنية".
ويضيف: "عدم انتباه الحكومة لنا وإهمالنا نتيجة أمزجة أصحاب القرار أثر علينا بشكل سلبي. هناك منا من تعلم وتثقف ولكنه اليوم يخجل أن يعرّف بنفسه على أنه ‘نوري’. الحكومات المتتالية لم تقدم لنا شيئاً، أما اليوم علينا أن نبذل جهداً لإبراز الوجه الحقيقي لأبناء ‘بنو مرة’ وإثبات وجودنا، ولغرض ذلك نعمل على تشكيل رابطة للقبيلة لتضم 63 عشيرة من كافة أنحاء المملكة، وسنبقى نحاول حتى نصل إلى قبة البرلمان".
في نفس السياق، يرى النائب السابق قيس زيادين لرصيف22 أن الكوتا تقسم المقسم، وبأن الحل هو الاندماج في الأحزاب السياسية التي تساعد الغجر على الانخراط في الشأن السياسي وإثبات أنفسهم، ويضيف: "يجب التوجه لدولة المواطنة، بأن يحصل كل أردني على حقوقه المنصوص عليها دستورياً، لذلك لا بد من تفعيل وتكريس مفهوم المواطنة في المناهج الدراسية، لأن هذا المفهوم هو ما سينقذ الناس ممن يشعرون بالظلم في مجتمعاتهم".
نظرة دونية
يواجه الغجر نظرة مجتمعية دونية وسلبية، ولعهم الفئة الوحيدة التي ما زالت تعاني من هذه الإشكالية في الأردن. وتكمن الأسباب الأساسية في خوفهم من الاندماج في المجتمع الأردني، واهتمامهم بالحفاظ على وتقاليدهم، إذ إنهم لا يتزوجون من الفئات الأخرى، ولديهم عادات مختلفة عن عادات المجتمع الأردني عموماً، مثل الاعتماد على عمل المرأة بشكل كلي.
أولادي لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، لم يذهبوا للمدارس لعدم وجود مدارس قريبة مننا، ولا نملك المال للتعليم. أنا ووالدهم أيضاً لا نستطيع القراءة ولا الكتابة، رغم أننا نؤمن بأهمية التعليم ونتمنى أن يتعلموا، ولكن الظروف التي نعيشها هي العائق
وتقسم الانتهاكات التي تتعرض لها هذه الفئة إلى عدة أقسام، منها انتهاكات ذاتية تكمن في انعزالهم وخجلهم من الظهور، وأخرى من المجتمع نفسه الذي يقلل من شأنهم، ومنها ما هو حكومي من خلال غياب سياسات حكومية حازمة لدمج هذه الفئة في المجتمع الأردني.
في هذه الصدد يقول فتحي عبده موسى: "أجدادنا أخفقوا في صنع كرامتنا ووجودنا، لهذا السبب وإلى اليوم المجتمع الأردني ينظر لنا بدونية".
في المقابل لا يمكن إنكار أن هناك فئة في الأردن أحبت الغجر، من بينهم شاعر الأردن مصطفى وهبي التل، الذي خصص جزءاً من قصائده للحديث عن مناقبهم، والتي يتقدمها خلو مجتمعهم من الفوارق، إذ لا غني ولا فقير لديهم، وجميعهم سواسية.
وقد كتب في إحدى قصائده:
بين الخرابيش لا عبد ولا أمة ولا أرقاء في أزياء أحرار
ولا جناة ولا أَرض يضرجها دم زكي ولا أخاذ بالثار
ولا قضاة ولا أحكام أسلمها برداً على العدل آتون من النار
ولا نضار ولا دخل ضريبته تجنى ولا بيدر يمنى بمعشار
بين الخرابيش لا حرص ولا طمع ولا احتراب على فلس ودينار
الكل زط مساواة محققة تنفي الفوارق بين الجار والجار
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون