شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"عم فتّش عالحب"... عندما نرغم أنفسنا على الانخراط في علاقة عاطفية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 5 ديسمبر 202311:54 ص

من الصعب التحكّم في العواطف، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالحبّ. كثر منّا قد يجدون أنفسهم منخرطين في علاقات عاطفية من دون أن يكونوا مقتنعين بالكامل بالشخص الآخر. يمكن أن تكون الضغوط الاجتماعية أو الشعور بالوحدة دافعاً لذلك. فالسؤال الأساسي يتمحور حول ما إذا كان إرغام النفس على الدخول في علاقة قد يُنشئ أساساً صلباً للحب الحقيقي، أو هو مجرّد وسيلة لتخفيف الوحدة؟

في الفيلم الهندي Bachna Ae Haseeno، للممثل رانبير كابور، كان البطل ينخرط في علاقات عشوائية مع فتيات يقابلهنّ لتلبية احتياجاته العاطفية فقط، ولكنّه في نهاية المطاف وقع في حبّ فتاة غيّرته وغيّرت مجرى حياته.

أمّا في الفيلم المصري "البحث عن فضيحة" لعادل إمام، فكان هدف البطل البحث عن فتاة جميلة، وذلك وفق رغبة والده، بحجة "تحسين نسل" العائلة.

وفي حياتنا اليومية، قد نرغم أنفسنا على الدخول في علاقة لسبب ما، وهذه التجربة في وسعها أن تغيّر نظرتنا إلى الأمور.

ما الذي يرغمنا على البحث عن الحب؟

يتعامل كثر منّا مع مشكلات الحياة وتحدياتها من خلال البحث عن أشخاص آخرين لحلّها لنا ومعنا. من الأسباب التي قد تؤدّي إلى الرغبة في الدخول في علاقة، الشعور بالوحدة، وعدم الأمان أو الضعف. لذلك التواجد مع شريك/ ة قد يخفّف من هذه المشاعر السلبية، وذلك بحسب موقع سايكولوجي توداي.

"هناك فرق بين البحث عن الحب، وإجبار أنفسنا على الدخول في علاقة. كبشر نفتّش عن الحب لكونه بمثابة غريزة، فنحن بحاجة إلى التواصل، وهذا ما يجعلنا في كلّ مرحلة من مراحل حياتنا نبحث عنه، ولكن عندما يتطوّر الأمر ويبدأ الشخص بإجبار نفسه على الدخول في علاقة، فهنا تبدأ التساؤلات"؛ هذا ما تقوله مدرّبة العلاقات وتطوير الذات، سالي نعمة، لموقع رصيف22، ردّاً على سؤال: "ما الذي يجبرنا على البحث عن الحب؟".

كثر منّا قد يجدون أنفسهم منخرطين في علاقات عاطفية من دون أن يكونوا مقتنعين بالكامل بالشخص الآخر. يمكن أن تكون الضغوط الاجتماعية أو الشعور بالوحدة دافعاً لذلك. فالسؤال الأساسي يتمحور حول ما إذا كان إرغام النفس على الدخول في علاقة قد يُنشئ أساساً صلباً للحب الحقيقي، أو هو مجرّد وسيلة لتخفيف الوحدة؟

وتوضح سالي نعمة الأسباب، وتفنّدها على الشكل التالي:

• الاحتياجات العاطفية: من الممكن أن يصل الشخص إلى وقت تسيطر فيه عليه هذه الاحتياجات ولا يستطيع تلبيتها وحده، الأمر الذي قد يؤدّي إلى إجباره نفسه على الدخول في علاقة.

• الوحدة: هذا الشعور قد يجعله لا يفكّر في نوعية العلاقة بقدر ما يفكّر في أنّه يريد أي شخص يكون معه وإلى جانبه.

• الضغط الاجتماعي: سواء كان من الأهل أو من الأصدقاء، خصوصاً عندما يصل المرء إلى عمر معيّن، وتبدأ هذه الضغوط تنهال عليه. من هنا عندما يرى بأن الجميع قد بدأ بالاستقرار في العلاقة، يشعر حينها وكأنه وحيد وعليه أن يدخل في علاقة، وأحياناً يبقى البعض في علاقة سامة حتى لا يسمع كلاماً جارحاً من المجتمع.

• السوشال ميديا: تؤثّر على الشخص، خصوصاً عندما يرى صور بعض العشاق بغض النظر عن حقيقة مشاعرهما. ولكن مشاهدة دقيقة فيديو من الحب والتفاهم كفيلة بأن تجعل الشخص في دوامة ضغط، فيبدأ بطرح العديد من التساؤلات حول سبب عدم دخوله في علاقة بعد، أو قد يشعر بالذنب.

هذه ليست سوى عيّنة بسيطة من الأسباب، فطبعاً هناك أسباب عميقة ومعقّدة بعض الشيء، مرتبطة بالوضع النفسي للشخص جرّاء صدمات الطفولة التي عاشها والعلاقات السابقة مع الأهل. هذا الأمر يجعل البعض يدخل علاقات عاطفيةً لإثبات فكرة معيّنة لنفسه أو لمحاولته تغيير نتائج علاقة سابقة.

آثار إجبار النفس في العلاقات

وفقاً لسالي نعمة، فإن تداعيات إرغام النفس على الدخول في علاقات تختلف من شخص إلى آخر، وذلك بحسب وضعه العاطفي أو إلى أي مرحلة من الشفاء قد وصل.

في ما يتعلّق بالتأثيرات السلبية، من الممكن أن تكون العلاقة مع الشخص الخطأ مدمّرةً، وقد تؤثّر على عمله وحياته، لتصبح هذه العلاقة عقبةً أمامه وأمام حريّته، خاصةً أن المشكلات تزداد والتوتر يكون سيد الموقف.

أمّا عندما يكون الشخص جاهزاً للدخول في علاقة مع شريك جيّد ومناسب، فيبدأ حينها بتدريب نفسه على التواصل الصحي والحميمية، ويصبح مرتاحاً أكثر لفكرة أنّ هناك شريكاً/ ةً إلى جانبه يتشارك معه/ معها حياته ويدعمها/ تدعمه، ويحلّ المشكلات والخلافات بطريقة صحية.

بمعنى آخر، يكون هذا الشخص جاهزاً للدخول في علاقة، ولديه النية بأن يطوّر من نفسه ويعمل على العلاقة دائماً، ولكنّه خائف من هذه الخطوة، ومن هنا تأتي هذه العلاقة بمثابة دافع إيجابي له.

البحث عن الأمان في العلاقات العاطفية

توضح سالي نعمة، أن العلاقات هي أكثر قسم في حياتنا يتأثّر ويؤثّر على كلّ شيء؛ بمعنى آخر، إذا نجح الشخص في عمله فيريد شريكاً يفتخر به، أمّا إذا فشل فيريد ذلك الشخص الذي يقف إلى جانبه ويتحدّث معه عن همومه، كما أن كلّ الأشياء التي قد يعيشها الطرف الآخر في طفولته ستؤثر على علاقاته، ومن المؤكد أنّه عندما يكون لديه فراغ عاطفي، فأول شيء سيخطر بباله، أنه يريد شريكاً في الحب.

من هنا، تتأمن الكثير من احتياجاتنا العاطفية من خلال العلاقات، والتي تكون إمّا صحيةً أو تبدأ بالتأثير السلبي على الشخص المعني وعلى علاقاته.

يكشف روني (اسم مستعار)، في حديثه إلى رصيف22، أنه وبسبب إهمال والديه له وخصوصاً والدته، كان يبحث عن الانخراط في علاقة مع أي فتاة يصادفها: "مرقت فترة بحياتي كان هدفي بس اتعرّف على بنت، كان بدي حسّ بالاهتمام والحب يلي ما لقيته عند أمّي، مع إنو كنت بعرف إنو ما حدا رح يعوّض حب الأم".

تعرّف روني إلى قريبة أحد أصدقائه، ولم يكن معجباً بها في البداية، لكنّه قرّر أن يخوض المغامرة، فبدأ يواعدها ويتقرّب منها، وبعد مرور 6 أشهر، وجد نفسه مرتاحاً معها خصوصاً أنّها كانت تهتمّ به وتخاف عليه: "كنت عم حبّ اهتمامها بس مش عم حبها إلها".

"مرقت فترة بحياتي كان هدفي بس اتعرّف على بنت، كان بدي حسّ بالاهتمام والحب يلي ما لقيته عند أمّي، مع إنو كنت بعرف إنو ما حدا رح يعوّض حب الأم"

وبعد مرور سنة على علاقته مع ناتالي (اسم مستعار)، شعر بأن الرابط الذي يجمعهما أقوى بكثير من مجرّد رغبة في علاقة، خاصةً أنها كانت متفهّمةً وتجيد التعامل معه.

وعليه، أراد روني أن يحارب من أجل هذه العلاقة حتى تنجح لأنّه شعر بأنها تستحقّ التجربة. وهذا ما فعله حقاً، فقد حرص على أن يطوّر من نفسه ويتعالج من صدمات طفولته من خلال زيارة معالج نفسي، ويشدد على أن هذه الفتاة جعلته يكتشف مذاق الحب: "خلتني أعرف حبّ عن جد، خلتني اكتشف حالي بوقت أنا ما كان بدي. عندها سحر غريب".

قصة راغدة (اسم مستعار)، تختلف عن قصة روني، فهي أُرغمت نفسها على الدخول في علاقة مع شاب يكبرها بـ13 سنةً، بسبب ضغط أهلها: "كلّ يوم بسمع نفس الأسطوانة، أيمتى بدّك تتجوزي صار عمرك 30 وبعد ما لقيتي عريس؟".

وفي حين تؤكد هذه الشابة التي تعمل في مجال المحاسبة، أنها بطبيعة الحال لا تؤمن بأن حياة المرأة لا تكتمل سوى مع رجل، إلّا أن الاستماع إلى جملة أهلها يومياً، جعلها تشعر بالإحباط.

لذلك قرّرت أن تدخل في علاقة مع شخص لا تحبه، وهذا ما حصل فعلاً. لكن للأسف، لم تتمكّن من المضي قدماً في هذه العلاقة، ليس بسبب فارق العمر بينهما، وإنّما لكونها شعرت بأنّها مجبرة على أن تتأقلم مع تصرّفاته، كما أنّها لم تكن معه على طبيعتها، وفق ما تكشف لرصيف22.

وردّاً على السؤال التالي: ما الذي تعلّمته من هذه التجربة؟ تجيب: "ما برجع بعيد نفس الغلطة وبفوت على علاقة بلا اعجاب".

حب حقيقي أم مجرّد رغبة في العلاقة؟

من أكثر الأسئلة التي قد يطرحها أي شخص عندما ينخرط في علاقة عاطفية: "هل هو حبّ حقيقي أم مجرّد رغبة؟"، ولكن بالنسبة لسالي نعمة فالسؤال الأهمّ يجب أن يكون: "عندما تفكّر في الطرف الآخر، هل تفكّر في العلاقة نفسها أو في الشخص؟"، بمعنى آخر، عندما يتخيّل المرء حياته مع شريكه، هل تكون صورة هذا الشخص مبهمةً أو واضحةً؟ من هذا المنطلق، من الممكن أن يتأكّد الشخص من أنّه وقع في الحب حقاً أو أنّها مجرّد رغبة في العلاقة.

جميعنا نستحق الحب، والأهم أن تكون العلاقة مبنيةً على الاستعداد العاطفي والنفسي. بمعنى آخر، لا تجبروا/ ن أنفسكم/ نّ على الانخراط في علاقة عاطفية، ما لم تكونوا/ نّ مستعدّين/ ات لها

من جهة أخرى، يمكن للشخص أن يكتشف شعوره تجاه الطرف الآخر من خلال طرح بعض الأسئلة على نفسه: هل أشعر بالارتياح مع الشريك/ ة؟ هل نتعامل بكلّ حب ومودّة؟ هل نتناقش بطريقة صحية أم نختلف بشدّة؟ هذا إلى جانب الشعور بالأمان والاشتياق إلى الشريك/ ة، والتصرّف على طبيعته/ ا. كلّ هذه الأمور تكون بمثابة دليل على أن الشخص وقع فعلاً في الحبّ أو لا.

في نهاية المطاف، جميعنا نستحق الحب، والأهم أن تكون العلاقة مبنيةً على الاستعداد العاطفي والنفسي. بمعنى آخر، لا تجبروا/ ن أنفسكم/ نّ على الانخراط في علاقة عاطفية، ما لم تكونوا/ نّ مستعدّين/ ات لها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard