عندما نتحدّث عن الحب، تخطر في أذهاننا عادةً صورة جميلة لشريكين يسيران يداً بيد، يتشاركان أفراحهما وأحزانهما ويتبادلان العهود والوعود. إنها الصورة التي نشهدها في الكتب والأفلام والتي تعكس تلك اللحظات الرومانسية والمثالية في حياتنا.
ومع ذلك، هناك قصة أخرى تختلف عن هذه الصورة النمطية، وتُكتب بأحرف منفردة: قصة "الحب من طرف واحد".
في هذا النوع من الحب، يكمن الجمال في الشجاعة والقوة اللتين يبديهما أحد الأطراف في التعبير عن مشاعره الصادقة والعميقة تجاه الشخص الآخر، من دون أن يتلقّى بالضرورة الرد نفسه. إنها تجربة تجسّد العطاء اللا محدود والأمل في الحب، بحيث يصبح القلب معرّضاً للشعور بالفرح والألم في الوقت عينه.
في هذا المقال، سنقف على عتبة قلوب هؤلاء الأشخاص الذين تجرؤوا على خوض مغامرة الحب من طرف واحد، وسنستكشف تلك العواطف العميقة واللحظات الصعبة التي يمرون بها، وسنرى هل من الممكن أن يتحوّل هذا الحب إلى شعور متبادل مع الوقت؟
هل الحب من طرف واحد حقيقي؟
"أنا لا أؤمن بأن هناك حبّاً من طرف واحد، وإنّما هناك اعجاب أو حاجة من طرف واحد"، هذا ما تقوله مدرّبة العلاقات زينة الزين لموقع رصيف22.
وتضيف: "إن أردنا تحديد العلامات التي تشير إلى أن شخصاً ما يعيش تجربة إعجاب وليست تجربة حب من طرف واحد، فهي عادةً ما تكون: التعلّق، الشعور بأن الشخص الثاني هو هواء النفس، بالإضافة إلى إقدام الشخص المعني على عدم التصرّف على طبيعته من أجل جذب الطرف الآخر"، مشيرةً إلى أن كلّ هذه المسائل ترافقها مشاعر سلبية مثل القلق، الخوف، الحزن والغضب: "ببساطة لأنّه ليس حبّاً"، على حدّ قول الزين.
توضح زينة أن الشعور من طرف واحد يولّد مشاعر متشابكةً ومتضاربةً، لذلك من الضروري أن يسأل الشخص نفسه: عمَّ أبحث؟ ما الذي أعجبني في الطرف الآخر؟ وما الذي أنا بحاجة إليه من الآخر؟
وعليه، عندما يجد الشخص المعني الإجابة عن هذه الأسئلة، ويتأكّد من شعوره ويدرك أن الطرف الآخر لن يوفّر له هذه المشاعر والإحتياجات ستتوضّح الأمور أمامه أكثر، كذلك من المهمّ أن يتعلّم الفرد كيفية تأمين احتياجاته بنفسه من دون انتظار شخص آخر ليوفّر له ما يحتاجه.
"أنا لا أؤمن بأن هناك حبّاً من طرف واحد، وإنّما هناك اعجاب أو حاجة من طرف واحد"
قبل 7 سنوات، كان لؤي (اسم مستعار)، يعبّر عن حبّه لمايا (اسم مستعار)، وإعجابه بها بشكل مستمرّ، وفق ما تقول لرصيف22: "لن أنكر أنّني كنتُ معجبةً بأسلوبه السلس وطريقته في التعبير، لكنّني كنتُ أشعر بأنّه يريدني كفشة خلق له لا أكثر، وذلك بسبب المشكلات العائلية التي يواجهها ومروره بمرحلة نفسية صعبة".
لم يسأم لؤي من رفض مايا له، وكان دائماً يكرّر لها هذه العبارة: "أنتِ راحتي النفسية". وبالرغم من كونها عبارةً جميلةً ومؤثرةً، كانت مايا تحب سماعها، لكنها لم تستطع أن تبادله الشعور نفسه: "ربما لأنّني كنتُ أعلم بأنّني مجرّد حاجة له، فأنا كنتُ أمنحه ما يحتاج إليه لا أكثر: العاطفة".
من جهة أخرى، تؤكد مدرّبة العلاقات زينة الزين التالي: "لا بدّ أن يعمل الشخص الذي يختبر الشعور من طرف واحد على شفاء الطفل الموجود في داخله، بحيث أنه في الغالب يبحث عن أمه ووالده أو أي أحد في الطرف الثاني"، مشددةً على أن هذا الأمر سيؤثّر على تقدير ذاته وحبّه لنفسه.
أمّا في ما يتعلّق بالتحديات التي يمكن أن يواجهها الشخص الذي يحب أو الذي يكون معجباً من طرف واحد، فهي تتمثل في تضخّم شعور الرفض لديه وتضخّم نسبة الخوف من الرفض، وفق ما تشرح الزين: "يشعر وكأنّ الجميع يرفضه"، كاشفةً أنه من المهم أن يعيش الشخص المعني شعور الرفض، ومواجهته، ومعرفة السبب وما الذي سيعلّمه إيّاه هذا الشعور.
وعندما يبدأ الشخص بفهم مشاعره أكثر، يبدأ حينها باختيار ما الذي يريده وليس ما الذي هو في حاجة إليه... وعلى ما يبدو أن لؤي علم ما الذي يريده.
بعد أن رفضته مايا مرات عدّة، وبعد أن علم بأنها على علاقة مع شخص آخر، أخبرها بأنّه سيقوم بحظرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما حصل فعلاً.
لا تنكر مايا أنها تضايقت لأنها كانت تحترمه وتقدرّه كصديق، واستدركت بالقول: "ولكن ما أفرحني، هو عندما علمتُ من صديق مشترك بيننا أن لؤي قد تحسّنت نفسيته أكثر وقد توظّف في دار للنشر. فرحتُ لأنّه لم يعد ذلك الشخص الضعيف التي تسيطر عليه المشكلات، وفرحتُ لأنّه وجد نفسه بين الكتب، خاصةً أنه من عشّاق القراءة، وفرحتُ أكثر عندما علمتُ أن صحته الجسدية باتت أقوى. كلّ هذا التحسّن كان بعد سنة أو أكثر بقليل من اتّخاذه قرار الإبتعاد عنّي كلياً".
هل يمكن أن يتحوّل الإعجاب من طرف واحد إلى حب متبادل؟
تجيب زينة الزين بأنّه ما من قاعدة معيّنة، فمن الممكن أن يتحوّل الإعجاب من طرف واحد إلى حب متبادل وربما لا. ولكن قد يتحقّق هذا الأمر، عندما لا يتعلّق الشخص بالطرف الثاني ويتخلّص من خوفه، بالإضافة إلى تغيير إطار العلاقة لتصبح علاقة صداقة. عندها ومع مرور الوقت، قد يصبح الشعور متبادلاً، خصوصاً أن الطرف الثاني سيرى حقيقة الشخص الآخر مع رسم ذكريات جميلة معه.
هذا ما حصل مع ربيع الذي وقع في حب زميلته في العمل، لكنّها لم تكن تبادله الشعور نفسه وقد أخبرته بأنها تعدّه صديقاً لا أكثر، وفق ما تكشف لرصيف22: "شي بوجع لمّا حدا بتحبي يقلك أنا ما بحس بشي تجاهك وأنت مش أكثر من صديق".
غير أن رفضها له لم يجعله متعلّقاً بها كالمجنون، بل احترم رأيها خصوصاً أنّ لديه أختين ولا يقبل أن يتم إرغامهما على الحبّ والدخول في علاقة غصباً عنهما، لذلك قرّر ربيع أن يحترم الزمالة في العمل من دون أن يقوم بأي تصرّف يزعجها: "بهالفترة صرت حسّها هي بدا تتقرّب خصوصاً إنو كنّا بحكم الشغل كتير نتواصل، قدرت إكسب ثقتها فيي وإنو أنا بدي نكون أكثر من زملاء أو اصدقاء... ما تسأليني كيف صارت القصص عنجد بس صار في كيمياء بيناتنا بعد سنة ونص، وقرّرنا نعطي فرصة لحالنا وهيك صار تجوزنا وصار عنّا ولد عمرو 10 سنين".
أمّا في حال لم يحصل هذا الحب أو الإعجاب بشكل متبادل، فمن الضروري حينها اللجوء إلى السيطرة على المشاعر باستخدام تقنيات معرفية وسلوكية معيّنة، وذلك وفق ما تشير إليه الأبحاث المنشورة في Plos One.
من الممكن أن يتحوّل الإعجاب من طرف واحد إلى حب متبادل وربما لا. ولكن قد يتحقّق هذا الأمر، عندما لا يتعلّق الشخص بالطرف الثاني ويتخلّص من خوفه، بالإضافة إلى تغيير إطار العلاقة لتصبح علاقة صداقة. عندها ومع مرور الوقت، قد يصبح الشعور متبادلاً، خصوصاً أن الطرف الثاني سيرى حقيقة الشخص الآخر مع رسم ذكريات جميلة معه
توضح الدراسة أن هذه الممارسة تقوم على مبدأ استخدام الإستراتيجيات السلوكية أو المعرفية لتغيير شدة مشاعر الحب الرومانسي، وهي تأتي على الشكل التالي:
• الالتهاء بأمور لا علاقة لها بالموضوع الذي يركّز عليه الفرد لإبعاد التركيز عن وضعه الحالي وحالته العاطفية: مشاهدة التلفاز، الاستماع إلى الموسيقى، والتركيز على العمل أو ممارسة الرياضة، وكلها تُعدّ من تقنيات تشتيت الانتباه.
• الدعم الاجتماعي من خلال التحدّث إلى الأصدقاء المقرّبين أو العائلة، ممّا يساعد الشخص المعني على الشعور بالتحسّن واكتساب نظرة جديدة إلى مشاعره الرومانسية المعقدّة.
• تجنّب الإشارات والمحفزات مثل الصور والمحادثات والأماكن التي تذكّر الشخص باهتمامه بالحب غير المتبادل. ويساعد هذا في ضمان عدم ظهور مشاعره الأساسية من جديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع