شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لازم مسرح" كفعل مقاومة أيضاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الجمعة 17 نوفمبر 202312:55 م

نقطة البداية

في الإسكندرية، وفي العام 2005 أسس عادل عبد الوهاب فرقة حوار للمسرح المستقل ليتمّ من خلالها إنتاج العروض المسرحية كونه متخصصاً في الإخراج المسرحي، وبعد ثورة 25 من كانون الثاني/يناير بعام واحد أي عام 2012 تحولت الفرقة إلى شركة وكيان قانوني، وجاءت فكرة مهرجان "لازم مسرح Theater is a must" في فترة الحراك السياسي هذه كضرورة مرحلية؛ فليس من وظائف المسرح الترفيه والازدهار في مراحل الاستقرار السياسي فقط، بل تتعداها لتتحول إلى فعل مقاومة في مراحل الاضطرابات والتحولات السياسية الكبرى.

وهكذا انطلقت النسخة الأولى من المهرجان لتستعرض مجموعة من الفعاليات من بينها عروض مسرحية معاصرة تتفاعل مع الحراك السياسي والاجتماعي، وقد كانت نسخة صغيرة وممولة بشكل شخصي فعلياً.

لقطة من مسرحيات "لازم مسرح"

لم يحالف الحظ المهرجان في العام التالي 2013، فتوقف بعد انطلاقه بسبب الأحداث من وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر عن طريق مرشحهم للرئاسة محمد مرسي ومن ثم الانقلاب العسكري عليه والمظاهرات التي أشعلت البلاد. لكن في عام 2014 عاد المهرجان إلى الساحة الثقافية الإسكندرانية بنسخة كبيرة وبدأ يتخذ شكلاً أكثر وضوحاً ونضجاً وتضمّن عروضاً وورشات عمل محلية ودولية.

جاءت فكرة مهرجان "لازم مسرح" في فترة الحراك السياسي بعد ثورة 25 من كانون الثاني/يناير 2011 كضرورة مرحلية؛ فليس من وظائف المسرح الترفيه والازدهار في مراحل الاستقرار السياسي فقط، بل تتعداها لتتحول إلى فعل مقاومة في مراحل الاضطرابات والتحولات السياسية الكبرى

ظهرت نسخة العام 2015 بتيمة واضحة "الجمهور The Public"، ومن هنا بدأت فكرة النسق الذي سيسير عليه المهرجان من حيث وجود تيمة رئيسية لمضمون وبرنامج كل نسخة. أما نسخة العام 2016 فقد واجه المهرجان فيها صعوبات الحصول على التمويل فخرج بعرض واحد فقط تحت اسم "غراند فينال Grand Final".

لكل نسخة عنوان

تقول ندى عبد الوهاب المديرة التنفيذية لشركة حوار عند سؤالها عن عناوين النسخ: "بدأنا العمل بشكل جدّي على المضمون في كل من نسخ 2018، 2019، 2021 و2023. تأتي الفكرة من الأحداث التي تحيط بالعالم حولنا، فيبدأ الحوار بيني وبين عادل، المدير الفني لشركة حوار، إلى أن نصل إلى تصور واضح. من حسن الحظ أننا نستطيع السفر ومشاهدة العروض، إضافة إلى أننا نملك شبكة كبيرة في المنطقة العربية وأوروبا، وبالتالي نقترح عروض للمهرجان.

أتت فكرة التيمة بشكل أساسي بعد أن اتخذ المهرجان شكلاً واضحاً وكوّن قاعدة من الدعم تسمح بالتفكير ببنيته، ففي نسخة 2018 وكانت بعنوان "سرديات نسائية Feminine Narratives" كل العروض تقريباً نسائية، أما في نسخة "تجاوز" 2019 وهي النسخة السادسة من المهرجان كانت الفكرة الأساسية هي الحدود، حدود البلاد، والحدود السياسية، والحدود المعنوية بين الناس".

ملصق نسخة 2023 بعنوان "ما بعد الجسد/ Post Body"

ومع انتشار وباء الكورونا وتوقف الحياة الاجتماعية وكافة الفعاليات الثقافية التي أدت إلى تضرر القطاع الثقافي والعاملين فيه بشكل كبير، وظهور التساؤلات الوجودية لدى الممارسين الثقافيين عن مدى قدرة المسرح بشكله الذي نعرفه على الاستمرار، أم بوجوب تحوله إلى أشكال أدائية أخرى معظمها رقمي وافتراضي، انطلق "لازم مسرح" عام 2021 برغم كل التحديات بنسخة هجينة "التاريخ والمعاصر/الآن History and the Contemporary"، كانت خليطاً بين عروض افتراضية تم نقلها عبر الشاشات بين الإسكندرية وأوروبا وعدد من ورشات العمل أونلاين وبشكل فيزيائي أيضاً برغم الحجر الصحي.

تقول ندى عن نسخة 2023 التي أتت بعنوان "ما بعد الجسد/ Post Body": "هناك ما حدث مع أجسادنا في فترة الكورونا؛ خرجنا من فكرة الجسد التقليدية وتحولنا إلى أشخاص افتراضيين لفترة طويلة حتى أن تعاملنا مع الجسد أصبح مختلفاً. إضافة للتروما، أصبحت الأجساد غريبة لا نستطيع التعامل معها في المساحة العامة. كذلك تغيرت المدن، تغير جسد المدينة وأصبح هناك خصائص متشابهة لآلية العمل بين المدن".

بيان سياسي

يطرح المهرجان بشكل دائم بياناً سياسياً ما وتظل فكرة الكولونيالية حاضرة على نسخه المتعددة كونه مهرجاناً دولياً وعربياً بذات الوقت، فبرغم التحرر الظاهري من الاستعمار بشكله التقليدي في بدايات القرن الماضي إلا أن تأثيره ما يزال ملموساً حتى الآن على علاقة الدول العربية مع أوروبا والغرب، فتقسيم المستعمرات بحدود قاسية ما بينها أدى إلى شلّ قدرتها على الحركة؛ انقطعت شبكة المواصلات التي كانت تربطها ببعضها البعض وازدهرت في فترة ما قبل التقسيم ورسم الحدود، وفُرضت تأشيرات الدخول بين الدول العربية نفسها وبالطبع مع أوروبا.

أما بالنسبة للعاملين في القطاع الثقافي والفني في الدول العربية فلا زالوا مرتبطين بأوروبا عن طريق المراكز الثقافية الأجنبية، ورغم وجود فكرة الـdecolonizing أو إنهاء الاستعمار من ضمن التخطيط الإستراتيجي في أجندات المؤسسات الأوروبية الكبيرة لمجرد نفض ذنوب الماضي، إلا أن التطبيق على أرض الواقع يعكس الـrecolonizing أو إعادة الاستعمار بشكل مختلف.

تمويل القطاع الثقافي المستقل

بالطبع يعاني المهرجان من صعوبة الحصول على تمويل لانتمائه إلى القطاع الثقافي المستقل الخارج عن مظلة المؤسسات الثقافية الرسمية القادرة على رعاية وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة لنشاطاتها الفنية على صعيد فضاءات العرض والحصول على الموافقات اللازمة بما فيها الموافقات الأمنية، إلا أن "لازم مسرح" يحاول إثبات وترسيخ وجوده بالتوازي مع القطاع الثقافي الرسمي. تقول ندى: "كل عام نقوم بالتحضير للعام الذي يليه بملء الاستمارات والتواصل مع المؤسسات لطلب الدعم. الصعوبة تكمن في أن كل مؤسسة داعمة تطالب بتقرير مالي وسردي خاص بها، إضافة إلى شكل الاستمارات المختلف بين مؤسسة وأخرى، وهذا الجهد فعلياً غير مدفوع؛ فالكتلة المالية مخصصة لمرحلة الإنتاج وليس لمرحلة ما قبل الإنتاج، وبالتالي نقوم أنا وعادل بإنجاز هذه الأعمال كلها. أما من سيشارك في إنجاز المشروع فيتوافدون في مرحلة لاحقة، بعد تأكيد وجود تمويل، لأننا عندها فقط سنتمكن من دفع أجورهم".

خارطة المدينة الضيقة

كانت الإسكندرية في مرحلة ما رمزاً للمدينة الكوزموبوليتانية ذات تاريخ عريق وثقل إستراتيجي على الساحل الشمالي لإفريقيا، ولكنها مع الوقت ومع التوازنات السياسية الطارئة اصطفّت على هامش الحياة السياسية والثقافية. فهل يستطيع مهرجان مسرحي مستقل أن يحدث التأثير المطلوب بعيداً عن مركزية العاصمة وضمن الأوساط الثقافية الضيقة في المدينة؟

لقطة من مسرحيات "لازم مسرح"

ربما لـ"لازم مسرح" جمهوره، ولكنه جمهور يتغير مع كل نسخة ومع طبيعة العرض، وهو بالطبع ليس جمهور نخبة فمعظم الفعاليات مجانية إلا إذا فرض فضاء العرض تذكرة دخول، ورغم النقاشات الدائرة بين العاملين في المسرح بوجوب أن يكون الفن مدفوع الأجر وليس مجاني وضرورة وجود تذكرة دخول إلا أنه أمر صعب التحقق في الإسكندرية على خلاف القاهرة، إضافة إلى أن المهرجان لا يحدث كل عام ولا يستطيع أن يؤثر بالشكل الكافي على الناس ليدفعهم إلى حضور فعاليات مسرحية.

فريق "لازم مسرح" صغير جداً ولكنه احترافي جداً، يتبنى ما يعمل بكل حبّ، لنتوقف بعدها عن التساؤل عن مدى قدرتنا على التغيير عبر الفن، لأننا وجدنا الجواب

لكن ذلك كله لا يقف عائقاً أمام الرغبة في إحداث تغيير ما والخروج بالمسرح من حالة الثبات والركود وعدم المواجهة، فطبيعة "لازم مسرح" التجريبية التي تبنّت ضرورة وجود منصة تعبّر عما يحصل في العالم تصرّ على استقدام الجديد وإتاحته للجمهور المحلي بالمجان ليطّلع على المسرح المابعد درامي والسياسي ومتعدد التخصصات والتجارب الدراماتورجية الجديدة وأنواع أدائية أخرى إضافة للرقص المعاصر والموسيقى وكل ذلك ضمن فضاءات عرض بديلة ومحدودة جداً.

النسخة الثامنة 2023 "ما بعد الجسد"

مع كل ما يجري في غزة منذ أكثر من شهر والجدال الذي أثير في الأوساط الثقافية حول ضرورة توقف جميع الفعاليات الثقافية احتراماً للشهداء، أعتقد أن علينا كفنانين مستقلين أن نعلن موقفنا واضحاً، أنقف ساكنين بحال حداد، لا نتحرك عاجزين نتيجة كل ما يحدث حولنا ولَنا، أم نستمر بصنع الفن لأنه طريقتنا بالمقاومة والاستمرار بالوجود، فهو ما نجيد صنعه وعبره نحيا ونشعر بكياناتنا على أمل أن نصنع تغييراً ما، برغم أننا وفي أحيان كثيرة نشعر أيضاً بأننا لا نفعل شيئاً سوى محاربة طواحين هواء.

"لازم مسرح" أعلن موقفه، فقد كانت المقاومة بالفن وفلسطين حاضرين مع حنان حاج علي في "جوكينغ"، الذي تخطى الرقابة اللبنانية مع عروضه الأولى، و"كوزموس" لعشتار المعلم، والتي سبق أن أُوقف أحدُ عروضها السابقة في نابلس بحجة رقابية واهية على الأخلاق، إضافة إلى عرض راقص بعنوان "شجرة الزيتون" وهو نتاج ورشة عمل، بدأ بالجمل التالية لمحمود درويش: "شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك/هي سيدة السفوح المحتشمة.../بظلّها تغطي ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة.../تقف كأنها جالسة، وتجلس كأنها واقفة".

وعلى الرغم من الظروف الأمنية المتوترة في المنطقة كلها، والخشية من حرب قادمة، وإلغاء بعض رحلات الطيران، تمكنت فرق مسرحية من اليابان وسويسرا من الوصول، وكذلك بعض مدربي الورش من مختلف أنحاء العالم، فقط ليصنعوا فناً ومسرحاً.

وبالمناسبة، فإن فريق "لازم مسرح" صغير جداً ولكنه احترافي جداً، يتبنى ما يعمل بكل حبّ، لنتوقف بعدها عن التساؤل عن مدى قدرتنا على التغيير عبر الفن، لأننا وجدنا الجواب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard