شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
اعتقالات في الأردن خلال تظاهرات دعم غزة... وأسئلة حول

اعتقالات في الأردن خلال تظاهرات دعم غزة... وأسئلة حول "استقلالية القضاء" وسطوة الأمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

انتشرت عدة مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، يظهر فيها بعض رجال الأمن الأردني وهم يلقون القبض على مجموعة من المتظاهرين في العاصمة عمّان، هذه المقاطع وموجات التوقيف التي طالت بعض من شاركوا في مسيرات التضامن مع غزة فتحت النقاش واسعاً حول حقيقة الحريّات في الأردن.

تهديد لأمن الوطن؟

في الوقت الذي تداول فيه نشطاءٌ المقطع على أنهُ اعتقال للطلاب على خلفيّة دعم "المقاومة" في غزة، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين، إن التوقيفات التي جرت بحق بعض الأشخاص، لا علاقة لها بالحالة التضامنية الشعبية.

وأضاف بحسب وكالة الأنباء الأردنيّة (بترا) أنها "على خلفية تجاوزات على القانون، واعتداءات على بعض أفراد الأمن العام والممتلكات العامة"، وأن عدد الموقوفين 25 شخصاً فقط، مشدداً على موقف الحكومة "الداعم لحريّة التعبير المصانة بحسب القانون".

جاءت التصريحات الحكوميّة على خلفيّة بيانات أصدرتها أحزابٌ إسلاميّةٌ وقوميّةٌ ويساريّة، كان أبرزها بيان حزب جبهة العمل الإسلامي - الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهو الأكبر على الساحة الأردنية، جاء فيه "إنَّ ما يجري من اعتقالات تعسفية بحق الناشطين الشباب، يمثل اعتداءً صارخاً على الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور".

وأكد البيان أنَّ الاعتقالات تأتي على خلفية حراك الفعاليات الشعبية، التي تنطلق في معظم محافظات المملكة انتصاراً للشعب الفلسطيني، معتبراً أنَّها "تتناقض مع الموقف الرسميّ الأردنيّ الذي يؤكد على حق المواطنين في التظاهر والتعبير عن مشاعرهم الوطنية، وغضبهم تجاه ما يحدث في قطاع غزة". 

في الوقت الذي تداول فيه بعض النشطاء  أخبار "اعتقالات" لطلاب على خلفيّة دعم المقاومة في غزة كما قالوا، صرّح الناطق باسم الحكومة الأردنية بأن "التوقيفات" لا علاقة لها بالحالة الشعبية، بل بسبب تجاوزات على القانون والاعتداء على أفراد الأمن العام والممتلكات العامة 

كان مبيضين قد لفت إلى أن "أسباب التوقيف شملت أشخاصاً لديهم مخططات لها انعكاسات على الأمن الوطني والاعتداء على أفراد من الأمن العام، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وليس لهم علاقة بالحالة التضامنية الشعبية والمسيرات التي تنظمها مختلف القوى السياسية"، وأمَّا من تم توقيفهم يوم السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 فبسبب التخطيط والدعوات للمرابطة داخل مسجد أبو عبيدة عامر بن الجراح في منطقة الأغوار.

في حين نشر حزب التحرير منشورًا عبر فيسبوك، قال فيه إنَّ الأجهزة الأمنية اعتقلت عدداً من أعضائه بعد صلاة الجمعة وتم اقتيادهم إلى جهات غير معروفة "إثر توزيع شباب الحزب نشرة على المصلين في عدد من مساجد الأردن بعنوان: أيها الجند في جيوش المسلمين (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)".

مع الإشارة إلى أن حزب التحرير "محظور" في الأردن ويعتبر الانتماء له مخالفاً للقانون. 

كم عدد الموقوفين؟

من جانبه عقد الملتقى الوطنيّ لدعم المقاومة وحماية الوطن مؤتمراً صحافياً، أكد خلاله ضرورة الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على خلفية الحراك الشعبي "العفوي"، قائلاً إن مقابلة الحراك بـ"الشيطنة والتوتير والملاحقة الأمنية لن تؤدي إلا إلى تأزيم المشهد وتعميق الشرخ بين السلطة والشعب".

وطالب الملتقى بالتحقيق في التجاوزات التي قال إن "عشرات الإصابات نتجت عنها، بينها ست إصابات بليغة، فيما تعرض عدد من الموقوفين لاعتداءات وضرب وحرمان من رؤية الأهل والمحامين"، ودعى المركز الوطني لحقوق الإنسان ونقابة المحامين والهيئات الوطنية المعنية بالحريات للتحرك الفوري لوقف ما وصفه بـ"التغول على الحقوق الدستورية الأساسية للمواطنين".

فيما كشف المحامي بسام فريحات في لجنة الحريات في نقابة المحامين تعاملهم مع 1000 شخص تم "اعتقاله" منذ بداية الأحداث، مشيراً إلى أنَّ "الاعتقالات بدأت منذ مجزرة المستشفى المعمداني". ولفت إلى تحويل 600 شخص إلى القضاء وصدور أحكام براءة بحق 200 منهم "من ضمنهم 27 شخصاً دون السن القانوني".

أما بقيّة الأشخاص فلم يحالوا إلى القضاء، بينما أُحيل 13 إلى محكمة أمن الدولة، و17 إلى محكمة شرق عمّان، والموقوفين حالياً 50 شخص والعدد يتغيّر بحسبه.

من جهةٍ أُخرى، نشر المركز الوطنيّ لحقوق الإنسان بيانًا أكد فيه ضرورة تمكين الأفراد من ممارسة حقهم في التجمع السلمي والالتزام بالوسائل المشروعة والسلمية وعدم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة ومسؤولية الأطراف كافة في حفظ الاستقرار والأمن.

الجرائم الإلكترونيّة والمظاهرات

في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نشر عبد الرحمن شديفات تغريدة عبر موقع إكس، وفي 13 من نفس الشهر، نشرَ شقيقه إبراهيم شديفات عن توقيف عبد الرحمن لمدةَ أُسبوع إثر هذه التغريدة، بعد أن رُفعت عليه قضيّة جرائم إلكترونيّة، واتهمه المدعي العام بـ"بالتحريض على أمن البلد". 

كشف عضو لجنة الحريات في نقابة المحامين رصد أكثر من 1000 حالة اعتقال بين المتظاهرين منذ مجزرة المستشفى المعمداني.

يقول المدير التنفيذي لمعهد القانون والمجتمع المحامي معاذ المومني لرصيف22 إنَّ "هناك إجراءات شكليّة وموضوعيّة عند التوقيف أو إلقاء القبض، ويجب أن لا يتم إلقاء القبض إلا وفق الضوابط التي حددها الدستور الأردني وقانون أصول المحاكمات".

ويضيف أنه "بصرف النظر عن أي ممارسات أو إجراءات فلا بد من التأكيد على احترام المبادئ الدستوريّة والمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان والمعايير الوطنيّة"، مؤكداً أنَّ "المسطرة التي يقاس عليها قانونيّة إلقاء القبض من عدمه هي المسطرة الدستوريّة والقانون والمعيار الوطني والمعيار الدولي"، مخصصاً حديثه عن المواد التي تحدثت عن إلقاء القبض وفقًا لقانون أصول المحاكمات الجزائيّة.

ويلفت المومني إلى أنَّ المادة 15 من الدستور الأردنيّ أكدت حقّ الأردنيين بالتعبير عن آرائهم بكافة الوسائل ضمن حدود القانون، ولا يوجد في الأردن ما يجرّم دعم المقاومة أو التعبير عن دعمها، وهناك العديد من النصوص القانونيّة في بعض القوانين تحتاج إلى إعادة النظر والخروج من ضبابيتها بما يعزز قيم العدالة وسيادة القانون في الأردن.

يقول المدعي العام السابق عامر القضاة لرصيف22: "التوقيف يتعلّق بالجنايات وبعض أنواع الجنح مثل؛ السرقة والإيذاء، ويقوم المدعي بالتوقيف وفقاً للبيانات المُقدمّة للمشتكى عليه، مع العلم بأن صلاحية التوقيف لدى القاضي مطلقة، أي ليس لزاماً عليه توقيف الأشخاص".

الفوضى في القانون أم البلد؟

من جهته يؤكد القاضي السابق في محكمة الجنايات الكبرى لؤي عبيدات لرصيف22 بأن "هناك توظيفاً للنصوص القانونيّة بما يخدم السلطة التنفيذيّة، حيث يتم الاستناد على أنَّ المظاهرات عبارةٌ عن تجمهرات غير مشروعة، وحينها يجد أولئك الّذين ينتقدون الحكومة أنفسهم ملاحقين".

ويصف التوقيف على خلفيّة المظاهرات بـ"المعيب"، خاصةً في ظل خطاب الدولة الذي يتضامن مع غزة، منوهًا إلى أنَّ "القضاء يقوم بالتوقيف ويلحق الضرر بسبب عدم استقلاليّته وإنما هو تابعٌ للسلطة التنفيذيّة في أحكامه".

ويقول عبيدات إنَّ القضاة يبررون هذا الإجراء بحفظهم لأمن البلد، مضيفًا: "وظيفة القاضي ليست حفظ الأمن، بل تحقيق العدالة"، مشيراً إلى أنَّ "كل ما يجري من اعتقالات يقع خارج إطار القانون، إلا أنَّ مؤسسة العدالة وإنفاذ القانون تعزز عدم إنفاذه".

ويشدد على أنَّ "القانون السيىء يُصبح جيداً إذا ما طبقه قاض عادل، والأزمة الكبرى في البلاد تكمن في السلطة القضائيّة، ففي الوقت الذي يخلي الأمن العام مسؤوليّته من التوقيف بتحويل الأشخاص إلى القضاء، لا يمكن للأخير أن يكون مستقلاً طالما هو غير محصّن، وطالما يمكن فصل القضاة من عملهم في أية لحظة". 

في 11 تشرين الثاني/نوفمبر نشر عبد الرحمن شديفات تغريدة عبر موقع إكس، وفي 13 من نفس الشهر، نشرَ شقيقهُ خبر توقيف عبد الرحمن لمدةَ أُسبوع إثر هذه التغريدة، بعد أن رُفعت عليه قضيّة جرائم إلكترونيّة، واتهمه المدعي العام بـ"بالتحريض على أمن البلد" 

من جهته، يقول رئيس لجنة الحريّات العامة وحقوق الإنسان النيابيّة النائب عبدالله أبو زيد لرصيف22 إنَّ الموقوفين حالياً هم 38 شخصاً على خلفيات العبث بأمن الوطن ومؤسساته والاعتداء على رجال الأمن العام أو على الأموال العامة.

ويضيف أن "رجال الأمن العام هم من أبناء الأردن وموجودون لاحترام المتظاهرين، وإلقاء القبض على بعض الأشخاص كثيراً ما يكون بهدف استماع الشرطة لأقوالهم فقط". ويضيف: "مفيش إنسان موقوف لدى الحكومة الأردنية إلا لأسباب موجبة للتوقيف، أتحدى أي شخص ييجي ويقول إبني موقوف لأنه بأيّد فلسطين"، منوهاً إلى وجود ما أسماهم بـالـ"مدسوسين" لتخريب أمن البلاد.

الفصل بين السلطات

وتنص الفقرة (1) من المادة (8) من الدستور الأردني على أنه "لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون"، فيما تنص الفقرة (2) من نفس المادة على أنَّ "كل من يقبض عليه أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز تعذيبه، بأي شكل من الأشكال، أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، كما لا يجوز حجزه فـي غير الأماكن التي تجيزها القوانين، وكل قول يصدر عن أي شخص تحت وطأة أي تعذيب أو إيذاء أو تهديد لا يعتد به".

وتنص المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والذي وقّع عليه الأردن إلى أنَّ "الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون".

فيما عادت الحكومة وأكدت عبر رئيس الوزراء بشر الخصاونة، عدم وجود خطٍ فاصل ما بين الموقف الشَّعبي والموقف الرَّسمي الذي يقوده الملك عبدالله الثَّاني إزاء الجرائم التي يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ونفى خلال جلسة مجلس النوَّاب الأخيرة، وجود معتقلين بسبب المسيرات؛ قائِلًا إنَّ "حريَّة التَّعبير والتَّضامن مع أهلنا في غزَّة والضِّفة الغربيَّة سقفها السماء أمام العدوان الإسرائيلي الغاشم وجرائمه البشعة".

وخرجت العديد من المسيرات والفعاليًات في مختلف مناطق المملكة تضامنًا مع غزة، وحدثت مواجهات في تظاهرات خرجت في 27 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام وثّقت مقاطع فيديو قيام الشرطة الأردنية بتفريق مظاهرات حاشدة لمئات الأردنيين والاعتداء على عدد من المشاركين واعتقال بعضهم، وذلك بعد أن احتجوا أمام مقر السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية عمّان.

قاض سابق: "القضاء يقوم بالتوقيف لأنه تابعٌ للسلطة التنفيذيّة، والقضاة يبررون هذه الإجراءات بحفظهم لأمن البلد، لكن مش وظيفة القاضي يحفظ الأمن، وظيفته تحقيق العدالة". 

من جانبه قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن "القادم ما زال أسوأ، لأننا نتعامل مع حكومة إسرائيلية تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ولم تترك قانوناً دولياً إلا وخرقته".

وأشار إلى أن "حركة المقاومة الإسلامية حماس لم توجد الصراع، بل الصراع هو الذي أوجدها، وأنها انطلقت في بيئة من القهر والحرمان، وانتهاك الحقوق واستباحة الكرامة واستمرار الاحتلال".

وحذر الوزير من أن الحديث عن تهجير الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن هو إعلان حرب، وأكد موقف الأردن الرافض بأن غزة لوحدها ومفصولة عن الضفة الغربية.

وكان عضو لجنة الحريّات في نقابة المحامين الأردنية جمال جيت، قد نشر عبر موقع اكس أنَّ الاعتقالات بالمئات؛ وأن الإحالات إلى القضاء زادت عن المئة وكذلك التوقيفات الإدارية. قائلًا إنَّ "هذا مستمر بشكل يومي، متابعة هذا الملف في لجنة الحريات لنقابة المحامين وأنا عضو فيها وبانتظار أن يصدر تقرير شامل لأعداد المعتقلين وللاعتداءات التي تمت على مبدأ حرية التعبير".

وفي ضوء موقف الدولة الرسميّ من الحرب على غزة، ترتفع الأصوات التي تطالبها بوقف "الاعتقالات" وإعطاء الشارع الحق في إعلاء صوته، وحفظ حريّة التعبير التي لطالما تغنّت بها البلاد، وكفلها الدستور الأردنيّ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

وُلِد الإنسان حرّاً

ينزع الإنسان نحو حريّته دائماً، لكنّ سعيه الحثيث نحو تحقيق نزعته، قد يُعَرقل في بلادٍ تتجمّل بالديمقراطية كزينةٍ مُصطنعة، وحتّى في "المساحات العامّة" على الإنترنت.

آفة الحكومات والأنظمة العربية لا تفتأ تتفشى في عوالمنا الرقمية، وبات حتى الانترنت مجالاً لاستبدادها. وعليه، يقدّم رصيف22 مساحةً آمنةً لـ"ناسه" بالالتقاء، من دون حواجز وهميّة.

Website by WhiteBeard