بعد ساعات من الانتظار على معبر جسر الملك حسين، للدخول إلى الأردن، تفاجأ أحمد الخالد (45 عاماً)، بقرار إغلاق المعبر بين فلسطين والأردن، ليبقى عالقاً بعد رحلة لزيارة أقاربه في الضفة. قرار أحادي الجانب منعه من الدخول.
وأغلق الاحتلال الإسرائيلي، يوم الثلاثاء العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، معبر جسر الملك حسين الذي يُعدّ من أكثر المعابر استخداماً بين الأردن وفلسطين، كونه المنفذ الوحيد لفلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن والعالم، بالرغم من أنه ليس المعبر الوحيد بين الأردن وفلسطين، حيث يوجد اثنان غيره، هما معبر "وادي عربة" جنوباً، ومعبر "دامية" شمالاً، إلا أنهما غير مخصصَين لفلسطينيي الضفة.
ويبعد المعبر نحو 60 كيلومتراً عن العاصمة الأردنية عمان، ويقع على الحدود الشرقية لفلسطين، وهو مخصص لسفر الأشخاص ونقل البضائع من الضفة الغربية وإليها، وقد عبره أغلب اللاجئين والنازحين في أثناء النكبة 1948، وفي النكسة عام 1967.
معاناة لا تتوقف
تقضي ميساء برفقة ابنها ساعات من الإهانة في كل مرة تزور فيها أهلها في الضفة، حيث تُطرَح عليها أسئلة لا نهاية لها، وتخضع لتحقيق لا لزوم له سوى تأخيرها وتعذيبها بحسب ما تقول، ولا توجد تلبية لأبسط الخدمات من دورات المياه أو حتى شرب المياه، بالرغم من وجود أطفال وكبار في السن.
وبالرغم من الكيلومترات القليلة التي تفصل الأردن عن فلسطين، إلا أنها رحلة عذاب للمسافرين عبرها، وقد يتجاوز الانتظار ساعات طويلةً أو أياماً، نتيجة الإجراءات المشددة والازدحام الشديد وسوء المعاملة وقلة الموظفين مقارنةً بأعداد المسافرين، وعرقلة الاحتلال لحركة المرور وعدم تمديد ساعات العمل للاستجابة لأعداد المسافرين، وعدم الالتزام بالمواعيد المحددة لحركة الشحن والمسافرين من قبل الاحتلال، عدا عن التضييق والاحتجاز ومنع بعضهم من السفر.
الصحافي داود كتاب، المختص بالشأن الفلسطيني، يوضح لرصيف22، أن "الإغلاق إجراء غير قانوني ومخالف للقانون الدولي، ويعطل حياة الأردنيين ممن ذهبوا في إجازة معينة، ولا يستطيعون العودة الآن، ومصالح رجال الأعمال والشركات التي تصدّر وتستورد يومياً لفلسطين ستتلقى خسارةً يوميةً، كما أن إغلاق معبر واحد يفسر أن الإجراء ليس عسكرياً، بل هو تمييز بحت ضد الشعب الفلسطيني، لأن إسرائيل لم تغلق المعابر الأخرى، وتسمح بالتنقل بين الإسرائيليين والأردن، وترفض التنقل بين الفلسطينيين والأردن، وهو ما يمثل عقاباً جماعياً".
لماذا قررت إسرائيل إغلاق معبر جسر الملك حسين تحديداً، دون معبري "وادي عربة" و"دامية"؟
احتكار الحديث
توجه رصيف22 إلى مسؤولين في الحكومة الأردنية، للحديث أكثر عن إغلاق المعابر ووقت الإغلاق والأردنيين العالقين على الحدود، لكن بأمرٍ من مديرية الأمن العام بعدم صدور أي بيانات سوى منها رسمياً، رفضوا الحديث.
وتصدر اليوم جميع البيانات الرسمية حول المعبر وحركته من قبل مديرية الأمن العام على صفحتها الرسمية، حيث أعلنت بالسماح فقط لـ1،250 مسافراً بالمغادرة، مشيرةً إلى أن حركة المرور على معبر كل من الشيخ حسين والمعبر الجنوبي مستمرة. ولم تبيّن الأسباب التفصيلية، واكتفت بالقول إنه لأسباب أمنية فقط، موجهةً إلى الجميع ضرورة الالتزام والتقيد بما يصدر من بيانات على موقعها ومتابعة وسائل الإعلام لمعرفة أي جديد يطرق على عمل الجسور والمعابر، وعدم إصدار أي معلومات من أي جهة حكومية حول المعبر إلا من خلالها.
لهذا تريد إسرائيل المعبر مغلقاً
يوضح الدكتور في العلوم السياسية حارث الحلالمة، في حديث إلى رصيف22، أن حركة إغلاق المعابر من طرف واحد هو إجراء غير إداري، وكان عليهم إخبار الطرف الآخر. إغلاق المعبر جاء عند منفذ الفلسطينيين إلى العالم أجمع، وما تريده إسرائيل من إغلاق المعابر هو من باب الإخبار السياسي الذي تريد من خلاله إعلان منطقة فلسطين منطقةً عسكريةً مغلقةً وإيصال رسالة للعالم بأن لديها اليد العليا والسيطرة، واستعادة مكانتها أمامه من خلال هذه الإجراءات، بالإضافة إلى التضييق على الفلسطينيين وتعطيل حياتهم. كما أنها تُشعر الفلسطينيين بأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية سينتج عنه ذلك التضييق وإيقاع أي خسائر ممكنة بهم من قبل الاحتلال، وأنها في وضع تحاول فيه القيام بأي شيء للتضييق على الفلسطينيين.
أثر اقتصادي ونفسي للغلق
ما تريده إسرائيل ليس تعليق حركة المعابر فقط، بل استخدام التجار كورقة للضغط على الفلسطينيين بشتى السبل. أحد التجار ممن اضطر إلى البقاء في الضفة نتيجة الإغلاق، يقول إن إغلاق المعبر بهذا الشكل وعدم معرفة متى سيتم فتحه، سيؤثران على الحركة التجارية والاقتصادية عبر المعبر، وعلى عملهم كتجار، وإن الاحتلال تعمد إغلاق هذا المعبر بشكل خاص دون غيره من المعابر الأخرى لمعرفته بمدى تأثيره على التجار والعاملين من خلاله، إلا أن ما يحاول الاحتلال القيام به، لن ينجح أمام صمودنا.
وفي هذا الصدد، يعزو الحلالمة، الأثر الاقتصادي على التجار الفلسطينيين، إلى تعطيل حركة المرور، والأثر النفسي التي توظفه إسرائيل للتلاعب بأعصاب من لديهم أقارب في الضفة، وتقطيع أوصال الشعب الفلسطيني، في محاولة منها لطمس مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده.
هل إغلاق معبر جسر الملك حسين تم برضا المملكة، أم أنه قرار أحادي الجانب من قبل إسرائيل؟
قواعد عسكرية لنقل إمدادات إلى إسرائيل
وفي السياق نفسه، انتشرت مؤخراً على صفحات التواصل الاجتماعية أخبار عن انطلاق طائرة عسكرية أمريكية من قاعدة عسكرية أردنية.
لكن الجيش الأردني نفى تلك القصة، واصفاً إياها بالمزاعم الكاذبة، مشيراً إلى أن الطائرة عبرت الأجواء الأردنية بعد منحها تصريح عبور وفق الإجراءات القانونية، وأنها تحمل ركاباً وليس معدات، محذراً من حملات التشويه التي تستهدف الأردن ومواقفه.
على صعيد موازٍ، وجّه الملك عبد الله الثاني بإرسال مساعدات عاجلة إلى غزة.
لا أحد يعلم إلى متى سيظل الأردنيون والفلسطينيون عالقين على الجسر؟ ولا متى يتوقف نزيف الاقتصاد الناجم عن الإغلاق؟ الشيء الوحيد الذي نعرفه جميعاً هو أن الإغلاق تم بيد الاحتلال الذي يتلاعب بمصائر الفلسطينيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 17 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...