أعلنت قوات الدعم السريع (شبه العسكرية) في السودان، بسط كامل سيطرتها على مدينة نيالا، أكبر حواضر إقليم دارفور، والمدينة الثانية في الترتيب بعد العاصمة الخرطوم من حيث الأهمية الاقتصادية، وتعداد السكان.
ويخوض الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي، معركة كسر عظم، أدت إلى كارثة إنسانية، وأفضت إلى مقتل ما يزيد عن 9 آلاف شخص، وتشريد ملايين السودانيين من منازلهم، بجانب دمار غير مسبوق على مستوى البنى التحتية.
ويلقي التطور الميداني الكبير واللافت للنظر، بظلاله على الأوضاع العسكرية الميدانية، وعلى الأوضاع السياسية، خاصةً أنه تزامن مع استئناف مفاوضات الجيش والدعم السريع في مدينة جدّة السعودية.
ماذا يعني إعلان قوات الدعم السريع، بسط كامل سيطرتها على مدينة نيالا؟
أهمية نيالا
تكتسب مدينة نيالا أهميةً خاصةً، فهي أكبر مدن إقليم دارفور في غرب البلاد، كما حلت ثانيةً في آخر تعداد سكاني جرى في البلاد في العام 2019، كما تحل في المرتبة الثانية من حيث الأهمية الاقتصادية بعد العاصمة الخرطوم.
وتحتضن المدينة أحد أهم أسواق المحاصيل في البلاد، بجانب سوق تجارية مزدهرة، زاد من قيمتها تحول المدينة إلى مركز لبيع وتقنين السيارات المهربة من دول الجوار المضطربة، بجانب قربها من مناطق إنتاج الذهب التقليدي والثروة الحيوانية التي تُعدّ أكبر صادرات الإقليم.
جغرافياً، تربط المدينة بين مدن إقليم دارفور الأخرى، ما يعطيها ميزةً عسكريةً مهمةً.
وعلى الصعيد العسكري أيضاً، تحتضن المدينة مقرّ الفرقة 16 التابعة للجيش، وهي قوات عسكرية أسهمت بشكل فاعل في الحرب التي خاضها نظام المعزول البشير في الإقليم، وانتهت بملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وتضم الفرقة بجانب العدد الكبير من المشاة، رتلاً من المجنزرات والمدافع، تمكنت بفضله من الصمود في وجه هجمات الدعم السريع المتكررة طوال ستة أشهر، قبل أن تنحني جرّاء الحصار وضعف الإمدادات، منذ مطلع الأسبوع الحالي.
تأثيرات الميدان
يرى المحلل العسكري، العقيد سلمان الضي، أن خسارة الجيش لمدينة نيالا، يعني ضمنياً فقدان الجيش سيطرته على كامل إقليم دارفور.
ويقول لرصيف22، إن الدعم السريع بات في مقدوره الانفتاح بسهولة على بقية مدن دارفور كـ"الفاشر والجنينة"، وإخضاعها لسلطانه، بعد احتلاله مدينةً إستراتيجيةً تمكّنه عملياً من قطع طرق الإمداد بين حواضر الإقليم المختلفة.
ويحذّر الضي، من أن تقود خسارة الجيش لمدينة نيالا، إلى خسارات أخرى، مثل زحف الدعم السريع إلى إقليم كردفان المجاور، والأفدح -حسب وصفه- إمكانية تحويل المدينة إلى مقر لإمداد قوات الدعم السريع لإسقاط العاصمة الخرطوم، ما يعني هزيمة الجيش الوطني، وإخضاع السودان لحكم أسرة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ويلفت إلى أن خسائر الجيش في نيالا، تمتد كذلك إلى توفير مطار كان ما ينقص الدعم السريع طوال فترة الحرب، ويضمن وصول الإمدادات إلى المقاتلين، بجانب وضع اليد على عتاد الفرقة 16، ما يعني رئةً جديدةً للميليشيا -حسب تعبيره- لمواصلة قتالها ضد الجيش.
لن تنحصر خسائر الجيش في الميدان، وستمتد إلى خسارات معنوية في أوساط جنوده المحاصرين في بقية المقار العسكرية في دارفور، لا سيما في ظل غياب الإمدادات، وانشغال القيادة العليا للجيش بمعركة الخرطوم.
وفي هذا الصدد، علم رصيف22، من مصادر متطابقة في الإقليم، بانضمام عدد من عسكريي الجيش والشرطة إلى قوات الدعم السريع، عقب سقوط حامية مدينة نيالا، مرجّحين أن يكون السبب هو الحصول على ضمانات بعدم ملاحقتهم وتصفيتهم بتهمة الانتماء إلى الجيش.
هل يزحف الدعم السريع إلى إقليم كردفان قريباً؟
الخسائر على الطاولة
يرى المتخصص في الشأن الدارفوري، رحيم محمد الدود، أن خسارة الجيش لنيالا بالتزامن مع عودة منبر جدّة، يعطي قوات الدعم السريع أفضليةً كبيرةً.
ويقول لرصيف22، إن قرائن الحال تؤكد ترجيح كفة الميزان العسكري لصالح الدعم السريع، التي تسيطر على معظم أحياء الخرطوم، وتحاصر قوات الجيش، وكل ذلك مع نجاحها في الحد من فاعلية سلاح الطيران المملوك للجيش، من خلال تزويد مقاتليها مؤخراً بمدافع مضادة متطورة.
ويفصح الدود عن قناعته بأن الدعم السريع سيعلي من سقوفه التفاوضية في هذه الجولة، وربما يضع شروطاً تعجيزيةً، تتضمن تمثيلاً في أيّ سلطة مزمعة، وحكم إقليم دارفور، والإشراف على هيكلة الجيش، وإبعاد البرهان من رأس المؤسسة العسكرية، مع المطالبة بضمانات تحول دون محاسبة قادته على الانتهاكات الخطيرة ضد المدنيين.
ويضيف أن الجيش في حال قرر رفض شروط قوات الدعم السريع في هذه الجولة، فذلك سيؤدي إلى تصعيد عسكري خطير، لن يكون في أي حال في صالح الجيش المتراجع عسكرياً.
خسائر إضافية
فداحة خسارة الجيش لمدينة نيالا، تمتد إلى مضمارَي السياسة والاقتصاد.
يقول الباحث الاقتصادي، الجنيد عز الدين، لرصيف22، إن الدعم السريع بات مؤهلاً بشدة لتنفيذ تهديده السابق بإعلان حكومة موازية للسلطة المركزية في الخرطوم، وعاصمتها نيالا.
وينبّه إلى أن الدعم السريع سيعتمد على وضع يده على ثروات المدينة الاقتصادية الأولى خارج العاصمة، وسيستغل البنى التحتية المتوفرة هناك لتسيير دولاب العمل في المناطق الواقعة تحت نفوذه.
ويشير الجنيد إلى خطورة السيناريو الليبي، كونه يؤسس لانفصال إقليم دارفور أسوةً بجنوب السودان.
ويؤكد أن سقوط نيالا في يد الدعم السريع، بعد إحكام السيطرة على معظم أحياء الخرطوم، سيقود في نهاية المطاف إلى تغييرات جذرية في البلاد، ما يحتّم علينا تهيئة أنفسنا لسيناريوهات جديدة، تتضمن كلها حضور الدعم السريع في معادلات الحكم والسياسة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com