بينما بات أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام الفلسطينية، بطلاً شعبياً في شوارع ليبيا، ويحتفي مواطنوها بصوره الملصقة على سياراتهم في الحل والترحال، يسعى مجلس النواب الليبي إلى محاصرة الاتصالات السرّية لحكومة الوحدة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، عبر تشريع قانون جديد يجرّم التطبيع مع دولة الاحتلال العبرية، تزامناً مع محاولة نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية المقالة من الحكومة، تحسين سمعتها السياسية بانتقاد قمة الرياض العربية الإسلامية الأخيرة، على خلفية ما يجري من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني.
وانتشرت صور لسيارات يقودها ليبيون تحمل صورة أبي عبيدة، تعبيراً عن مزاج شعبي معاضد للمقاومة الفلسطينية
وبينما انتشرت صور لسيارات يقودها ليبيون تحمل صورة أبي عبيدة، تعبيراً عن مزاج شعبي معاضد للمقاومة الفلسطينية، شهدت مدن ليبية عدة، مظاهرات شعبيةً مناوئةً للاحتلال الإسرائيلي.
ورصدت وسائل إعلام محلية، تجوّل سيارات في شوارع العاصمة طرابلس تحمل صورة الملثم أبي عبيدة، قبل أيام من تصويت مجلس النواب بالإجماع، في جلسته الأخيرة في مقرّه في مدينة بنغازي في شرق البلاد، على إضافة بعض الأحكام إلى قانون يرجع إلى عام 1957، ويقضي بتجريم التعامل مع الكيان الصهيوني، أو السفر منه وإليه أو إقامة العلاقات مع الجهات الطبيعية أو الاعتبارية التابعة له.
السجن لمن حمل جنسيتهم
ينصّ القانون على السجن لمدة 5 سنوات مع غرامة تبلغ 10 آلاف دينار ليبي، كعقوبة على تعامل الشخصيات الطبيعية مع حاملي جنسية الكيان الصهيوني، بينما تصل عقوبة الشخصيات الاعتبارية التي تخالف أحكام هذا القانون إلى السجن 7 سنوات، والعزل من المركز القيادي والوظيفي والحرمان من الحقوق المدنية.
كما تعهّد المجلس بالتدخل لدى مؤسسات الدولة كافة، ومطالبتها رسمياً بتقديم كامل الدعم والمساعدات والتسهيلات للشعب الفلسطيني، لمواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبينما امتنع محمد حمودة، الناطق باسم حكومة الدبيبة، عن التعليق، يقول أعضاء في مجلس النواب لرصيف22، إن هذه الخطوة تستهدف أيضاً قطع الطريق على أي اتصالات في المستقبل بين أي طرف سياسي ليبي ودولة الاحتلال الإسرائيلية.
كما التزم عبد الله بليحق، الناطق باسم المجلس، الصمت ورفض التعليق على مدى علم المجلس بأي اتصالات سرّية جديدة للدبيبة مع تل أبيب، قد تكون دفعت المجلس لاتخاذ قراره بتغليظ عقوبة التطبيع وتجريمه بقانون رسمي.
حفتر و الاتصالات سرّية مع إسرائيل
ويقول مسؤول مقرب من المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، الذي نفى في السابق أي اتصالات سرّية مع إسرائيل، لرصيف22، إن الدبيبة يعاني حالياً من وضع صعب وحرج بين ما وصفه بالمطرقة والسندان، أي بين خروج الشارع عليه أو غضب إسرائيل والأمريكان منه، وهو طبعاً لا يهمه غضب الشارع".
واضطرت نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية، التي أقالها الدبيبة من منصبها، وحوّلها إلى تحقيق لم يتم، إلى إغلاق التعليقات على تغريدة لها عبر منصة إكس، حاولت من خلالها تحسين سمعتها السياسية التي تعرضت للضرر نتيجة غضب الشارع الليبي، بعد انكشاف مساعي المنقوش والدبيبة إلى إجراء محادثات سرّية مع إسرائيل في روما قبل أسابيع عدة.
وانتقدت المنقوش القمة العربية-الإسلامية الاستثنائية التي عُقدت مؤخراً في الرياض، وعدّت أن مقرراتها تواجه إشكالية عجز أطراف المجتمع الدولي عن تنفيذ حل سياسي دائم يوقف العدوان فوراً، وينهي الوضع المأساوي في فلسطين، ويمنح شعبها حقوقه وفق مقررات المرجعيات الدولية، مشيرةً إلى استمرار ارتقاء الآلاف من الشهداء من المدنيين في غزة.
تصاعدت التساؤلات بشأن ما حصل في ملف المنقوش
وعكست الردود الليبية على هذه التغريدة، سخريةً واسعةً من المنقوش، إذ جاء في بعضها: "يعني قال مكنتيش ماشية بطبعي مع إسرائيل، حضرتك يعوينكم بصحة وجوهكم"، بينما تساءل البعض مخاطباً الدبيبة حول مبررات استمرار المنقوش في الكتابة، برغم خروج الشعب مُطالباً بمحاكمة من وصفها بالصهيونية وعزلها.
ملف المنقوش يفتح من جديد
كما تصاعدت التساؤلات بشأن ما حصل في ملف المنقوش، التي طالبوا بإخضاعها للمحاكمة، ونصحت آباء الليبيّة، المنقوش بحفظ ما تبقى من كرامتها لأن "مش من الطبيعي من شهرين بس كنتِ عند اليهود إلى فضحوك، وتو جاية بكل بجاحة تدعي أن الفلسطينيين واعينك؟".
وكتبت مواطنة أخرى: "شوف من يحكي، هي نفسها الصهيونية اللي كانت تبي ليبيا تطبع مع اليهود، لعنة الله عليك أنتِ وكل قادة العرب".
وامتنعت المنقوش التي ما زالت تقدّم نفسها على منصة إكس (تويتر سابقاً)، كوزيرة للخارجية، عن توجيه أي انتقادات للاحتلال الإسرائيلي، كما امتنعت عن توضيح الملابسات التي أحاطت بطردها من منصبها، وتبرّأ الدبيبة منها في محاولة لإنقاذ نفسه من الغضب الشعبي.
وأوقف الدبيبة المنقوش عن العمل احتياطياً، في شهر آب/ أغسطس الماضي، بعد إعلان إيلي كوهين وزير الخارجية الإسرائيلي، اجتماعه بها في العاصمة الإيطالية روما، بشكل سرّي لبحث تطبيع العلاقات بين الطرفين.
وادّعت حكومة الدبيبة في بيان رسمي آنذاك، أنها قررت وقف المنقوش "عن العمل احتياطياً"، على أن "تحال إلى لجنة للتحقيق برئاسة وزيرة العدل".
لكن حتى الآن لم تخضع المنقوش لأي تحقيق، بعدما هربت إلى خارج البلاد بترتيبات من الدبيبة، الذي احتفظ في المقابل بحقيبة الخارجية لنفسه، بعد حقيبة الدفاع في الحكومة نفسها التي يترأسها منذ عام 2020.
وبرغم ادّعاء الدبيبة أن اجتماع المنقوش المثير للجدل في روما مع كوهين، تم بمحض الصدفة ومن دون علمه، قالت تل أبيب إن الاجتماع الذي اتُّفق عليه مسبقاً "على أعلى المستويات" في ليبيا، استمر أكثر من ساعة، في إشارة إلى علم الدبيبة بالاجتماع.
ووفقاً لوزارة الخارجية الإسرائيلية، فقد توسط وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني في عقد الاجتماع بين كوهين والمنقوش، لبحث التعاون المحتمل والمساعدات الإسرائيلية في القضايا الإنسانية والزراعة وإدارة المياه، بالإضافة إلى ما وصفه بأهمية الحفاظ على التراث اليهودي في ليبيا.
ما الذي حدث في روما؟
وادّعت المنقوش بأن ما حدث في روما، هو "لقاء عارض غير رسمي وغير معدّ مسبقاً، ولم يتضمن أي مباحثات أو اتفاقات أو مشاورات".
وطبقاً لما أكدته مصادر ليبية، لرصيف22، فقد سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى استغلال الصراع الليبي والانقسامات الداخلية المريرة حول شرعية حكومة الدبيبة في طرابلس، لإقناع الأخيرة التي تشكلت مطلع عام 2021، من خلال عملية سلام تدعمها الأمم المتحدة، بالانضمام إلى قافلة الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل في إطار ما يُعرف باتفاقات أبراهام.
ونقلت وكالة رويترز عن محللين أن الدبيبة وغيره من القادة الليبيين، حاولوا بناء علاقات مع إسرائيل على أمل أن تدعمهم الولايات المتحدة في الخلافات السياسية الداخلية في ليبيا.
وتواجه حكومة الدبيبة تحديات منذ مطلع عام 2022، من مجلس النواب المتمركز في شرق البلاد، بعد محاولة فاشلة لإجراء انتخابات، علماً بأن البرلمان رفض تحركات سابقة متعلقة بالسياسة الخارجية اتخذتها هذه الحكومة، بما في ذلك الاتفاقيات التي توصلت إليها مع تركيا، والتي تواجه بدورها تحديات قانونيةً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم