شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بين

بين "أمطار الصيف" 2006 و"طوفان الأقصى" 2023... تغيّرات جذرية وخطط سرّية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الثلاثاء 7 نوفمبر 202302:53 م

في 28 حزيران /يونيو عام 2006، شنّ الجيش الإسرائيلي عمليةً على قطاع غزة، أطلق عليها اسم "أمطار الصيف"، رداً على خطف كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وهو ما يتشابه مع السبب الرئيس الذي بدأت على إثره عملية "السيوف الحديدية" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكن شتّان ما بين الأوضاع السياسية والعسكرية آنذاك والآن.

ما الفرق بين "أمطار الصيف" و"السيوف الحديدية"؟

عملية "السيوف الحديدية" بدأت رداً على عملية "طوفان الأقصى" التي أقدمت عليها كتائب القسام في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأسرت خلالها ما بين 200 إلى 250 إسرائيلياً، بحسب أبي عبيدة، المتحدث الرسمي باسم الكتائب، ما تسبب في استمرار قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، وقتل الآلاف من المدنيين والأطفال.

لكن في 2006، كان الهدف الواضح من عملية "أمطار الصيف"، التي قصفت خلالها إسرائيل قطاع غزة أيضاً، الضغط على حركة حماس، للإفراج عن الجندي المختطف جلعاد شاليط، وحينها شارك فيها بحسب كتاب "من عملية 'الوهم المتبدد' إلى صفقة 'وفاء الأحرار'"، الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات، 5 آلاف من عناصر القوات الإسرائيلية، ومئات الدبابات والمدرعات.

وفي تلك الأثناء، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارات استهدفت منشآت البنية التحتية في قطاع غزة، ومن بينها محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، ما أدى إلى تدميرها بالكامل، وكذلك تدمير الطرق التي تربط بين شمال القطاع ووسطه وجنوبه، وهو ما نراه حالياً في القصف المتتالي يومياً على القطاع.

ويختلف الأمر جذرياً في الوقت الحالي، فقد حشدت إسرائيل التي تُعدّ الرقم 18 عالمياً بين الدول الأقوى عسكرياً في العالم، وفق مؤشر "غلوبال فاير باور"، للحرب في غزة، كما أنها أصبحت أقوى عسكرياً عما مضى، في ظل الدعم العسكري الأمريكي لها، الذي بلغ ملايين الدولارات، بجانب التعداد الحالي للجيش الإسرائيلي؛ إذ يبلغ عدده 173 ألف جندي في الخدمة الفعلية، بجانب 465 ألفاً في قوة الاحتياط.

وخلال عملية "أمطار الصيف"، كشف إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أنه ليست لديهم نية لإعادة احتلال القطاع أو البقاء فيه، والهدف الرئيس من العملية، إعادة شاليط إلى بيته، مشدداً على أن إسرائيل غير معنية بالمس بالفلسطينيين الأبرياء، محمّلاً قادة حماس في غزة وسوريا مسؤولية اضطرار الجيش الإسرائيلي إلى ضرب غزة، وبنيتها التحتية المدنية.

وشنّت إسرائيل وقتها حملة اعتقالات طالت 64 وزيراً ونائباً ورئيس بلدية، ومسؤولين آخرين من حماس في الضفة الغربية المحتلة، وعدّت أن هذا الإجراء اتُّخذ لأنه أثبت أن حماس ضالعة في الإرهاب، لا سيما في عملية "الوهم المتبدد"، وهو الاسم الذي أطلقته الحركة على خطف جلعاد شاليط.

عام 2006، شنّت إسرائيل عملية "أمطار الصيف" رداً على اختطاف كتائب القسام الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. هذه المرة تقود "السيوف الحديدية" انتقاماً من عملية "طوفان الأقصى". اختلافات جذرية في أهداف العمليتين وآثارهما والنتائج المترتبة عليهما. نظرة عليها

القضاء على حماس نهائياً

الحرب على قطاع غزة، التي بدأت عام 2006، استمرت لسنوات، خاصةً أن إسرائيل لم تتمكن من تحديد مكان الجندي المختطف جلعاد شاليط، ولم تسلّمه حركة حماس إلا عام 2011، أي بعد 5 سنوات، بعدما نجحت في الاتفاق مع تل أبيب، حول ذلك، مقابل تسليم المئات من الأسرى لدى إسرائيل.

وانبثقت من "أمطار الصيف"، عمليات أخرى منها "غيوم الخريف"، و"الرصاص المصبوب"، ورفعت إسرائيل سقف تصعيدها المعنوي والمادي ضد قطاع غزة؛ إذ أعلنته كياناً معادياً، وأتبعت ذلك بفرض سلسلة من القيود الإضافية عليه.

ووفقاً لكتاب "من عملية 'الوهم المتبدد' إلى صفقة 'وفاء الأحرار'"، اشترطت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني، في مقابلة مع فضائية الجزيرة، في 29 كانون الأول/ ديسمبر عام 2008، لوقف العمليات العسكرية ضد غزة، أن تكفّ حماس عن مهاجمة البلدات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع، وأن تتوقف عن تهريب الأسلحة، وأن تفرج عن "شاليط".

هذا التصريح يُظهر في مدلوله، أن إسرائيل لم يكن في حساباتها القضاء على حماس، وإنما الضغط عليها لتسليم الجندي المختطف، بالإضافة إلى وقف العمليات التي تشنها ضد البلدات الإسرائيلية، لكن بالنظر إلى ما يجري حالياً، فإن الهدف المعلن لتل أبيب من عملية "السيوف الحديدية"، هو القضاء على الحركة نهائياً، لذلك لا تبدي كما في أي وقت سابق، نيةً لوقف إطلاق النار في القطاع، ولو بشكل مؤقت.

ومن تصرفات إسرائيل حالياً، يبدو أنها تريد التخلص من الأرق الذي تعانيه بسبب قطاع غزة من وقت إلى آخر، خاصةً أن حماس تسيطر عليه منذ عام 2007، وهو البؤرة التي "ما زالت تهدد استقرار إسرائيل"، كما يقول المسؤولون الإسرائيليون، لذا هم يحاولون استغلال هذه الفرصة لإنهاء هذا الأمر إلى الأبد. هكذا يعتقدون.

من تصرفات إسرائيل حالياً، تشي بأنها تريد التخلص من الأرق الذي تعانيه بسبب قطاع غزة من وقت إلى آخر، خاصةً أن حماس تسيطر عليه منذ عام 2007، وهو البؤرة التي "ما زالت تهدد استقرار إسرائيل"، كما يقول المسؤولون الإسرائيليون، لذا هم يحاولون استغلال هذه الفرصة لإنهاء هذا الأمر إلى الأبد. هكذا يعتقدون

ومما يدل على غرض إسرائيل الحالي، أن قصفها في عملية "أمطار الصيف" على قطاع غزة، نتجت عنه مئات من الضحايا، لكن حالياً القصف يتعدى الـ30 يوماً متواصلاً، ما أدى إلى سقوط الآلاف من الضحايا، غالبيتهم من الأطفال، وما يعني أنها تسعى إلى إبادة القطاع بالكامل، والوصول إلى الأنفاق التي بنتها حركة حماس، وتنطلق منها عملياتها ضد تل أبيب.

ونجد أن حماس نجحت في الاتفاق عام 2011، على تسليم جلعاد شاليط، مقابل الإفراج عن المئات من الأسرى لدى إسرائيل، لكنها حين عرضت في الوقت الحالي، على لسان أبي عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، أن تفرج عن الرهائن، مقابل إخلاء جميع السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين، لم يلقَ الأمر قبولاً في تل أبيب، ما يؤكد بشكل لا يدع مجالاً للشك، أن الغرض من عملية "السيوف الحديدية"، ليس تحرير الرهائن، وإنما التخلص نهائياً من "فصائل المقاومة".

تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية

في الوقت ذاته، تلاقى هدف إسرائيل مع رغبة بعض الدول العربية، التي ترى ضرورةً في القضاء على الفصائل المسلحة في قطاع غزة، وأهمها كتائب القسام، نظراً إلى أنها من وجهة نظر البعض، سبب افتعال الأزمات، وأنها وراء كل ما يعانيه أهالي غزة في الوقت الحالي.

ويرى بعض المحللين، أن النظام العربي تفسخ منذ 30 عاماً، وبناءً عليه، لا يمكن الحديث عن موقف عربي موحد تجاه ما يحدث في فلسطين، كما أن استباحة إسرائيل لدماء المدنيين في غزة، مرتبط بقناعتها إلى حد بعيد، بعدم وجود رد فعل عربي مناسب للفعل الإسرائيلي.

وخلال جميع العمليات السابقة، ومنها "أمطار الصيف"، وجدت تصرفات إسرائيل تنديداً واستنكاراً من الدول العربية، لكن على مدار السنوات الماضية تمتعت تل أبيب بعلاقات طيبة مع بعض هذه الدول، تحت مسمى "التطبيع"، وعلى رأسها الإمارات، والمغرب، والبحرين، وكانت السعودية في الطريق، بالإضافة إلى اتفاقيات الغاز والبترول، والمصالح المشتركة مع البعض الآخر، ما أثّر بدوره على التعامل مع القضية الفلسطينية، ويصبّ بالطبع في صالح العدو المحتل، الذي يرى في ذلك الصمت تشجيعاً على التمدد في عملياته ضد أهالي قطاع غزة.

لكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن البحرين، برغم تطبيعها العلاقات مع إسرائيل، فإن مجلس النواب البحريني أعلن في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وقف المملكة علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، ومغادرة سفيرها المنامة، وعودة السفير البحريني من الدولة العبرية، تنديداً بما يحدث في قطاع غزة، من استهداف للمدنيين الأبرياء.

في هذا السياق، يرى ناصيف حتى، وزير خارجية لبنان الأسبق، في مقال له في جريدة "الشروق" المصرية، بعنوان "بين 'طوفان الأقصى' وعملية 'السيوف الحديدية'"، أن الملف الفلسطيني سقط من جدول الأولويات الإقليمية، في ظل وجود قضايا ضاغطة ومشتعلة في الإقليم، ومع حالات الضعف والتفكك والانقسامات التي نخرت الجسم السياسي والمؤسسي الفلسطيني.

ويطرح رئيس خارجية لبنان الأسبق، رؤيةً أخرى، تتمثل في أن "حكومة اليمين الصهيوني الديني، بقيادة بنيامين نتنياهو، جاءت بشكل علني لتطرح تحقيق الحلم الصهيوني، بإقامة إسرائيل الكبرى من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، عبر سياسة صدامية قائمة على تهويد الديموغرافيا والجغرافيا، في ظل صمت عربي ودولي، لا يتخطى في أفضل حالاته الإدانة والتحذير والمناشدة، ما ساهم بدوره في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

يرى بعض المحللين، أن النظام العربي تفسخ منذ 30 عاماً، وبناءً عليه، لا يمكن الحديث عن موقف عربي موحد تجاه ما يحدث في فلسطين، كما أن استباحة إسرائيل لدماء المدنيين في غزة، مرتبط بقناعتها إلى حد بعيد، بعدم وجود رد فعل عربي مناسب للفعل الإسرائيلي

وفي طريق إسرائيل إلى التخلص التام من خطر قطاع غزة، تحاول تهجير الأهالي إلى سيناء، وهو ما رفضته السلطات المصرية بشكل قاطع، مؤكدةً أن هذا يعني تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهو ما لا يقبله الفلسطينيون ولا الدولة المصرية مطلقاً، بالإضافة إلى ذلك، يشير هذا الأمر إلى خطة تل أبيب منذ زمن طويل، في هذا الشأن، بحسب ما كشفت عنه وثائق بريطانية.

إغلاق شامل لمعبر رفح

غالباً، كان معبر رفح عنصراً فاعلاً في اللعبة الإسرائيلية؛ إذ إنها في 2006، أغلقته بشكل شامل، وكانت تفتحه لساعات محدودة في فترات زمنية متباعدة، لا تفي بحاجة الحالات الضرورية لسكان القطاع، وهو ما يتكرر في الوقت الحالي، لكن بشكل أكثر قسوةً، خاصةً مع منع إدخال الوقود الذي شحّ في قطاع غزة، ما يضرّ أكثر بالقطاع الصحي، الذي يحتاج إليه بشدة لاستمرار عمله في علاج الجرحى والمصابين.

نية إسرائيل الحالية أصبحت واضحةً، فبالنظر إلى ما جرى عام 2006، كانت هناك مفاوضات بين الطرفين، بوساطة مصرية حول اتفاق تهدئة، لكنها لم تحقق أهدافها، خاصةً أن إسرائيل أعلنت في أوائل عام 2009، أنها لن توافق على هذا الاتفاق، أو تفتح معابر قطاع غزة قبل إطلاق سراح جلعاد شاليط.

إذاً، كان الغرض الأسمى تحرير جلعاد شاليط، لكن اليوم مع مطالبة إسرائيل بالإفراج عن الأسرى والمحتجزين في قطاع غزة لدى حركة حماس، لم تعلن بشكل رسمي أن هذه الخطة سيتبعها وقف إطلاق النار أو هدنة تهدئة، أو على الأقل فتح معبر رفح أمام دخول المساعدات الإنسانية لأهل القطاع الذين يعانون من الجوع والدمار.

"السيوف الحديدية"... الأعنف في تاريخ إسرائيل

لا تقارَن عملية "السيوف الحديدية"، بأي عملية أخرى سبقتها على مدار تاريخ إسرائيل، خاصةً أنها الأكثر دمويةً والأعنف، ويمارس خلالها الجيش الإسرائيلي قصفاً لا يتوقف، وحشدت تل أبيب كل قواتها في الوقت الحالي، ومن ذلك قرارها استدعاء 360 ألف جندي من قوة الاحتياط، بجانب أن النية مبيّتة هذه المرة للقضاء على فصائل المقاومة نهائياً، وليس إضعافها أو إنهاكها عسكرياً وتكبيدها خسائر، كما حدث في العمليات السابقة.

ربما لو فشلت إسرائيل في هدفها الأسمى، فإنها على أقصى تقدير ترغب في قتل أو أسر أكبر عدد ممكن من أعضاء حماس، وتفجير الأنفاق ومخازن الصواريخ، لكي تضمن على الأقل عدم تكرار هجوم يماثل "طوفان الأقصى" مرةً أخرى.

ومع ذلك كله، وجدت إسرائيل موقفاً لم يتغير في الوضع السياسي، هو الدعم الأمريكي اللا متناهي لها، ففي 13 تموز/ يوليو عام 2006، بحسب كتاب "من عملية الوهم المتبدد إلى صفقة وفاء الأحرار"، أحبطت الولايات المتحدة الأمريكية، حين استخدمت حق النقض "الفيتو"، مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، تقدمت به قطر بالنيابة عن المجموعة العربية في الأمم المتحدة، يدعو إسرائيل إلى وقف عدوانها على قطاع غزة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن الجندي الإسرائيلي الأسير، في موازاة حث إسرائيل على إطلاق سراح جميع مسؤولي حركة حماس الذين اعتقلتهم عقب أسر الجندي.

واليوم، نرى أن الموقف لم يتغير بل ازداد ضراوةً، خاصةً أن أمريكا تحت قيادة جو بايدن، أعلنت بشكل رسمي دعمها وتحالفها مع إسرائيل في حربها على غزة، وإمدادها بالآليات والمعدات اللازمة لذلك، وسط مزاعم بتواجد جنرالات أمريكيين على أرض المعركة. كما أكد وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أن بلاده تدعم الهدنات الإنسانية في النزاع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس، لكنه عبّر عن رفضه الدعوات إلى وقف إطلاق النار، من جانب الدول العربية.

ربما لو فشلت إسرائيل في هدفها الأسمى، فإنها على أقصى تقدير ترغب في قتل أو أسر أكبر عدد ممكن من أعضاء حماس، وتفجير الأنفاق ومخازن الصواريخ، لكي تضمن على الأقل عدم تكرار هجوم يماثل "طوفان الأقصى" مرةً أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image