شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بين مسلسلات التهجير الفلسطيني ونشرات الأخبار... متى بكينا أكثر؟

بين مسلسلات التهجير الفلسطيني ونشرات الأخبار... متى بكينا أكثر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الأربعاء 15 نوفمبر 202311:57 ص

نسمع عن البلاد البعيدة عنا في هذا العالم، مجرد أسماء تطرق مسامعنا من دون أن تعني لنا شيئاً، وقد نربط بعضها بقطعة بيتزا أو بزجاجة عطر أو زهرة توليب، فمن رحم المكان تولد الأشياء التي تذكرنا به.

كذلك كانت فلسطين التي عرفناها في ليبيا بالعبارة التي تتصدر إحدى الصفحات الأولى في جوازات سفرنا: "عدا فلسطين المحتلة"، كبلاد لا يمكن السفر إليها، وكاستثناء لا يربطنا به مطار أو جواز سفر. كذلك عرفناها في الهتافات الثورية التي كانت تؤطر بعض الخطب الطويلة للعقيد معمر القذافي بالتزامن مع المؤتمرات التي كانت تعقد في المنتجعات الفخمة حول العالم. كبرنا على أن الصراع العربي الإسرائيلي صراع وجود وليس صراع حدود، وأن "فلسطين عربية ولا حلول استسلامية".

ورغم الوجود اليهودي القديم في ليبيا لم تكن نظرة الليبيين لفلسطين يوماً إلا إيماناً مطلقاً بحقهم في أرضهم ووجودهم الأزلي فيها.

فهل هذا العالم معني بما يحدث في فلسطين؟ وهل ما زال قانون الغاب يغازل الطباع البشرية وفطرة الإنسان التواقة للاصطفاف العرقي أو الديني أو حتى الإيديولوجي؟ وكيف تتحول أرواح الناس إلى قرابين يزهقونها بكل رضا على حفنة من تراب وطن؟

حين شاهدنا رأفت الهجان

قد تكون الأفلام السينمائية المصرية هي أول عهدنا بأبجديات الصراع العربي الإسرائيلي، وأول تهجئتنا لكلمات مثل إسرائيل وتل أبيب وإيلات، وكذلك كانت الدراما المصرية في "رأفت الهجان" و"الحفار" وغيرها، عندما كان التلفزيون الليبي الوحيد وقتها لا يبخل علينا بمثل هذه الأعمال كلما لاح في أفق العقيد نجم القومية العربية وداعب خياله حلم الوحدة العربية وكلما صرخ "طز" في وجه الإمبريالية والرجعية وكل المفردات التي كنا نقولها أطفالاً دون أن نعرف لها معنى، غير أنها وجوه كثيرة لعدو واحد يتربص دائماً بنا وبأرضنا وحتى بعقيدتنا. 

كانت فلسطين التي عرفناها في ليبيا العبارة التي تتصدر جوازات سفرنا: "عدا فلسطين المحتلة"، كبلاد لا يمكن السفر إليها، وكاستثناء لا يربطنا به مطار أو جواز سفر. كذلك عرفناها في الهتافات الثورية التي كانت تؤطر بعض الخطب الطويلة للعقيد معمر القذافي بالتزامن مع المؤتمرات التي كانت تعقد في المنتجعات الفخمة

تتذكر هناء (41 عاماً) ما كانت تشاهده في إحدى مراحل حياتها وتقول لرصيف22: "لن أنسى كيف كانت أصابعي ترتعش وأنا أشاهد الممثل نبيل الحلفاوي وهو يمسك بخيوط المتفجرات، وكيف كنت أغمض عيني بالتزامن مع توتره وتعرقه الشديد، حتى أنهى المهمة وأشار لرفاقه بأصابعه الخمس مع ابتسامة نصر".

حين تحاصرنا مع مسلسل الاجتياح

ومثل نبيل الحلفاوي في "الطريق إلى إيلات" ومحمود عبدالعزيز في "رأفت الهجان" ويوسف شعبان في "الحفار"، كان الفنان الأردني منذر رياحنة في "الاجتياح" في دور مصطفى، الذي جعلنا المخرج التونسي الراحل شوقي الماجري نعيش معه ومع رفاقه كل دقيقة وأيدينا على قلوبنا خوفاً على حياته وعلى قلبه الذي خفق لحبيبة محسوبة على الأعداء، و"حنان" صبا مبارك التي كانت تضمد جرحاً لم يكف عن النزف منذ قطف أول برتقالة بيد إسرائيلي في يافا ومنذ أن تحولت حقول الزيتون إلى ثروة وطنية للعدو. 

هناء: "كانت أصابعي ترتعش وأنا أشاهد نبيل الحلفاوي وهو يمسك بخيوط المتفجرات، حتى أنهى المهمة وأشار لرفاقه بأصابعه الخمس مع ابتسامة نصر".

وثق الاجتياح بكل الأسماء التي شاركت فيه الهجوم الشرس على الضفة الغربية، والدرع الواقي والحصار الأرعن لمخيم جنين، والجرائم التي ارتكبها الاحتلال هناك، وحصار كنيسة المهد سنة 2002، ولعله من أهم المسلسلات التي أخذتنا مع المقاومين في الأزقة والحقول ومع اللاجئين لله في رحابه المحتمين ببيته وجعلتنا نشاركهم نشوة الصمود عندما يدخل وطن محتل في المعادلة.

بقلق الأم الذي جسدته نادرة عمران "أم خالد" كما يجب، وترقب الأب الذي يسنده إيمان راسخ بالحق وهو يصلنا خالصاً من ملامح وكلمات الأب حسن عويتي، ودعوات الجدة الصابرة أنطوانيت نجيب، وخطوط الزمان والمكان على محيا نبيل المشيني وزهير النوباني، حتى الموسيقى التصويرية التي أبدعها وليد الهشيم لا تُسمع بأذنين بل تغلف الروح مثل كوفية صبي فلسطيني ورثها عن جده.

نستحضر اليوم مسلسل الاجتياح بذاكرة تئن وتنزف تحت وطأة اجتياح اليوم، نتخيل العشرات من "مصطفى" ورفاقه وهم يحاولون أن يرسموا المشهد من زاويتهم، ونشاهد العشرات من "حنان" وهن يمررن أصابع الشفاء على جراح الآمنين في مشفى القدس ودار الشفاء وحتى في ممرات مستشفى المعمداني وباحته التي أشرقت بالضحكات المترددة لأطفال خائفين قبل أن يسوى بالأرض ليردم أحلامهم وأجسادهم إلى الأبد.

المسلسل حصل على جائزة إيمي الدولية للمسلسلات الطويلة التي استلمها المنتج الأردني في الولايات المتحدة الأميركية سنة 2008، ويبدو أن العالم وقتها لم يكشف عن عريه الأخلاقي والإنساني بعد، لأن هذا لن يحدث اليوم والعنف الإسرائيلي في أوجه ويباركه صمت الأقوياء المؤثرين اقتصادياً وسياسياً في العالم كله.

صراع الخير والشر المحسوم سلفاً

كيف تترسخ المشاهد التلفزيونية والسينمائية في الذاكرة الغضة وكيف تصنع أرشيفاً يصمد في وجه السنين، خاصة إذا كان يدعمها إيمان بقضية عادلة لا نملك إزاءها إلا التعاطف كأقصى ما نستطيع فعله.

يقول محمد (35 عاماً) لرصيف22: "أحب مشاهدة الأكشن ومشاهد الحروب والصراعات التي لا تنتهي بين الخير والشر، لكني قد أتعاطف مع بطل أحبه حتى لو كان يمثل الجانب الشرير من العمل، إلا ما يتعلق بانتمائي الديني والقومي فأنا هنا لا أملك إلا أن أكون داعماً بكل ما أملك لمن أنتمي لهم، وأشعر أنهم على صواب".

كثيرون يشبهون محمد في وجهة نظره هذه، سواء كانوا على صواب أو على خطأ، لكن التفاعل الكبير مع هذا النوع من الأعمال الدرامية على الشاشات العربية خاصة في رمضان يدعمها.

حين تشتتنا مع التغريبة الفلسطينية

قبل "الاجتياح" الذي أنتج العام 2007، كانت "التغريبة الفلسطينية" رائعة الراحل حاتم علي التي بثت للمرة الأولى في رمضان 2004. في هذا المسلسل رأينا وجه فلسطين وعشنا مع أبنائها قسوة الشتات، عندما يكتب ابن طولكرم الكبير وليد سيف فصول هذه الرواية فيضمّنها أمواج الكلام التي تتلاطم في حناجر الفلسطينيين فإن النتيجة لن تكون أقل من ذلك، عمل يختصر فلسطين كلها في بيت صغير لأسرة بسيطة، انتداب وثورة ونكبة ولجوء، مقاتلون يتمترسون خلف مبادئهم بعيداً عن المناصب السياسية والخطابات الرنانة، لا أحد يعرف أسماءهم ولا تلتصق وجوههم بشاشات الفضائيات، يعتبرون فلسطين حقاً تولد من رحمه الشجاعة، وليست مجرد كوفية توضع على الكتفين في المناسبات، أو سبابة ووسطى ترفعان لالتقاط صورة مؤثرة.

مسلسل "الاجتياح" الذي وثق حصار مخيم جنين، وحصار كنيسة المهد، من أهم المسلسلات التي أخذتنا مع المقاومين في الأزقة والحقول، ومع اللاجئين لله المحتمين في بيته، وجعلتنا نشاركهم نشوة الصمود عندما يدخل وطن محتل في المعادلة 

الأسرة الفلسطينية التي كان ربها الفنان خالد تاجا عاشت كل هذه الأحداث في كنف وطن بديل تمثله الأم الحازمة جولييت عواد التي ربت أبناءها بقوة، فصنعت منهم المناضل المخلص لقضيته، والأستاذ المثابر، والطبيب، والأم، فكان حقها في وطنها دافعاً للعطاء والنضال الأبيض الذي لا يشوبه عنف ولا دم.

تقول عائشة (29 سنة) لرصيف22: "عندما شاهدت بعض اللقطات من مسلسل التغريبة الفلسطينية لم أكن أتصور أن ما حدث للفلسطينيين بهذا الحجم، نعم أعرف من كلام أسرتي كلها ومن نشرات الأخبار ومن الأغنيات الوطنية أن فلسطين لنا وأن إسرائيل احتلتها، لكنني لم أتخيل يوماً المشهد الذي يخرج فيه إنسان من بلاده مرغماً ليعيش فيها آخر، ويغتصب كل ما يخصه، هذا المسلسل أخبرني بالحقيقة". 

عائشة: "قبل أن أشاهد  التغريبة لم أكن أتصور أن ما حدث للفلسطينيين بهذا الحجم، لم أتخيل المشهد الذي يخرج فيه إنسان من بلاده مرغماً ليعيش فيها آخر".

في التغريبة الفلسطينية أسماء كبيرة من فلسطين الأردن وسوريا، أعادت إطلاق خيول ذاكرة الألم من عقالها لتركض باتجاه الحقيقة الوحيدة التي تتجلى أمام العيون مثل مفتاح باب خشبي عتيق لبيت في القدس، لا يبصره إلا من كان مؤمناً بحق من شيدوا هذا البيت في أن يملكوا كل حجر فيه، توثيق صادق ومرعب في آن واحد، بالقدر الذي جعل منصة شاهد التابعة لقنوات MBC تحذف المسلسل في أكتوبر من العام 2020، وتعيده بعد ساعات قليلة بسبب ضغط إعلامي كبير من ناشطين على مواقع التواصل أدى إلى هبوط تقييمها على فيسبوك وغوغل بلاي وآب ستور.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image