شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هذا النص ليس عن عصام، بل عن الحب والكراهية

هذا النص ليس عن عصام، بل عن الحب والكراهية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الاثنين 13 نوفمبر 202301:08 م

هذا النص ليس عن عصام، وليس موجّهاً ولو غيابيّاً له.

هذا النص عن الحب؛ الحب الذي نبّهني إليه عصام يوم خسارتنا له، ولكنه ليس عنه.

ما كان بيني وبين عصام قلوب وضحكات ووجوه صفراء كثيرة، وابتسامات ونكات وتعليقات عابرة في المقهى الذي نرتاده، والأحياء التي نتصادف فيها، وبالتالي، فإن هذا النص ليس موجهاً ولو غيابيّاً له، فأنا لا أحتفظ حتى برقم موبايله.

هذا النص عن الحب؛ الحب الذي رأيته وشعرت به، بل سقط عليّ يوم دَفن عصام، منذ شهر. الحب الذي جمع أصدقاء عصام، ومعارف عصام، ورفاق عصام، وزملاء عصام؛ الحب الذي جمعني أنا بأصدقاء عصام، ومعارفه ورفاقه وزملائه؛ الحب الذي جمعهم ببعضهم، وجمع كلاً منهم بعصام وبسببه؛ الحب الذي سقط عليّ بسبب عصام وبسببهم.

رأيت الخسارة، نظرت إليها وتفحصتها وشاهدت كيف تكون عن مسافة صفر. رأيتها في دموع العيون وفي نظراتها الهائمة هرباً من حقيقة الخسارة. سمعت الخسارة أيضاً. للخسارة صوت يشبه الأنين، حتى الكلمات تكون أنين. أنين جماعيّ لخسارتنا الجماعية سمعناه كلنا يوم الدفن، قبل أن ينفرد كل منّا بأنينه.

للخسارة صوت يشبه الأنين، حتى الكلمات تكون أنين. أنين جماعيّ لخسارتنا الجماعية سمعناه كلنا يوم الدفن، قبل أن ينفرد كل منّا بأنينه. شعرت بالخسارة؛ خسارتنا كلنا. خسارة الذين كان الحب هو ربحهم، وكل نقصان في هذا الحب خسارة

شعرت بالخسارة؛ خسارتنا كلنا. خسارة الذين كان الحب هو ربحهم، وكل نقصان في هذا الحب خسارة.

كل أصابع يدٍ امتدت لتمسّد وجه صديق، كل يدّ شدّت على كتف رفيق وكل عناق، كان بمثابة محاولة لفتح ثغرة في جسد الآخر ليمرّ من خلالها تيار حزننا وخسارتنا وذهولنا، أجسامنا تحولت لوعاء لأنيننا ودموعنا وحبنا؛ ليس فقط حبنا لعصام، بل لبعضنا البعض كامتداد لحبنا لعصام... كعهد صامت أن وعاء الحب لن يفرغ.

سقط عليّ هذا الحب، فذكّرني. تذكرني فذكّرني؛ تذكّرني فسار بي نحو صديق قديم، صديق مفجوع برحيل عصام، صديق توقفت عن صداقته لأسباب لم تعد مهمة منذ لحظة توجهي نحوه لمعانقته والبكاء طويلاً على أشياء كثيرة ذكرني بها رحيل عصام.

أريد أن أكون صديقة الجميع. صديقة أصدقائي وأصدقائهم، صديقة المبتسمين لي دون كلام يسبق الابتسام، صديقة الجالسين قربي في المقهى، صديقة الراقصين على الأغاني التي أرقص عليها، صديقة الذين لدي معهم الأعداء نفسهم، صديقة الذين يضعون قلوباً ووجهاً صفراء ضاحكة على نكاتي وصوري وحماقاتي، صديقة الذين يأكلون بشهية ويضحكون بشهية ويسخرون من أنفسهم قبل وبعد أن يسخروا من الجميع، صديقة الذين توقفت عن صداقتهم، صديقة الذين أحببتهم وأحبوني وأولئك الذين غادروا.

أريد أن أحضن الجميع، جميعهم. أريد لو يحضنني الجميع، جميعهم، فليس لدينا أوسع من هذا الحضن، ليس لدينا إلا هذا الحضن.

هذا النص ليس عن عصام، وليس موجهاً ولو غيابيّاً له.

هذا النص عن الحب؛ حب فلسطين. فلسطين القضية، التي حين سقط عليّ الحب أعاد إليّ وعيي بشأنها وأعادها إليّ كجوهر لإنسانيتي وبوصلة لخياراتي، وأعاد إليّ الحق باستخدام هذه المصطلحات التي كرهتها لأسباب لا علاقة لمعانيها بها. اخترقني الحب فأكّد لي أن فلسطين هي فكرتي النبيلة.

هذا النص عن الحب؛ حب فلسطين. فلسطين القضية، التي حين سقط عليّ الحب أعاد إليّ وعيي بشأنها وأعادها إليّ كجوهر لإنسانيتي وبوصلة لخياراتي، وأعاد إليّ الحق باستخدام هذه المصطلحات التي كرهتها لأسباب لا علاقة لمعانيها بها. اخترقني الحب فأكّد لي أن فلسطين هي فكرتي النبيلة

هذا النص ليس عن عصام، وليس موجهاً ولو غيابياً له.

هذا النص عن كرهي لإسرائيل، ولفكرة إسرائيل. الكره الذي تجدّد بأضعاف مضاعفة يوم قتلت إسرائيل عصام. كره تجدّد واستعاد مع تجدّده كل أسباب الكره التي غضضت النظر عن تفكيكها لفترة طويلة.

يوم قتلت إسرائيل عصام استعاد هذا الكره أصالته، فامتدت جذوره من أعماق قلبي – قلبي نفسه الذي سقط عليه الحب – إلى غزة وإلى الضفة الغربية ثم إلى كل فلسطين ليستمد هذا الكره شرعيته من المصدر.

هذا الكره أسقط عن مصطلحاتي ومشاعري كل ما هو ملتبس. لا لُبس في ما أشعر به، لا لبس بالقيم التي أعيش وفقها، لا لبس في حبي، ولا لبس في كرهي.

لا لبس في الأبيض والأسود، ولا مكان بينهما فيما يتعلق بفكرتي النبيلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image