شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هكذا

هكذا "تراوغ" إسرائيل في الاتفاق على "هدنة إنسانية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في ظل اشتداد العدوان الإسرائيلي على غزة، جواً وبرّاً وبحراً، وارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أكثر من 11 ألف قتيل، و27 ألف مصاب، مع بضعة آلاف في عداد المفقودين، ونزوح أكثر من مليون و600 ألف مواطن من شمال القطاع إلى جنوبه، يبقى الحديث عن تنفيذ "هدنة إنسانية" لبضعة أيام، أشبه بـ"مراوغة" يستغلها الجيش الإسرائيلي لارتكاب مزيد من المجازر والتهجير القسري.

يرتبط الحديث عن وقف مؤقت لإطلاق النار من جانب إسرائيل وحماس، لأسباب إنسانية أهمها إيصال المساعدات العلاجية والغذائية، في الإعلام الإسرائيلي والغربي، بما يربو على 239 أسيراً/ ةً إسرائيلياً/ ةً تحتجزهم/ نّ حماس منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم.

تحركات على صُعُدٍ عدة

وكانت وكالة رويترز، قد أعلنت عن إقامة اجتماع ثلاثي في الدوحة، مساء الخميس 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بين مدير المخابرات الأمريكية (CIA)، وليام بيرنز، ورئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنيا، مع رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لـ"بحث شروط اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ووقف القتال بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة"، مشيرةً إلى أن "نتيجة المحادثات لم تكن واضحةً".

مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الـ35، يبقى الحديث عن تنفيذ "هدنة إنسانية" لبضعة أيام، أشبه بـ"مراوغة" يستغلها الجيش الإسرائيلي لارتكاب مزيد من المجازر والتهجير القسري برغم العديد من "العوامل الضاغطة"...

لفتت رويترز إلى أن الاجتماع يعقب لقاء وسطاء قطريين مع مسؤولين من المكتب السياسي لحماس، مساء الأربعاء، و"مناقشة المعالم المحتملة للصفقة"، ونقلت عمن وصفته بأنه "مصدر مطّلع" لم تسمّه، أن "ميزة الاجتماع الثلاثي هي جمع الأطراف الثلاثة معاً على طاولة واحدة لتسريع العملية".

حينها، نفى طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية، التوصّل إلى اتفاق هدنة مع إسرائيل، موضحاً أن "المحادثات مستمرة، ولم يتم التوصّل إلى اتفاق حتى هذه اللحظة، وإذا ما تم أي اتفاق سيتم إعلان ذلك بوضوح"، وفق ما نقلت عنه منصات وحسابات موالية لحماس.

والجمعة، استضافت القاهرة قمةً جمعت أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لبحث المستجدات في غزة. عقب اللقاء، صرّح أمير قطر بأن المحادثات مع الرئيس المصري تأتي في مرحلة حاسمة من تطور الأوضاع في غزة، مشدداً على أن "جميع الأطراف مطالبة بتكثيف الجهود لوقف هذه الحرب ورفع المعاناة عن أشقائنا الفلسطينيين".

تزامن اللقاء مع تواجد ثلاثة قادة من حماس، هم إسماعيل هنية، والقياديان البارزان في الحركة خليل الحية وخالد مشعل، في البلاد، ولقائهم رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، لبحث الأوضاع الراهنة في قطاع غزة. وبرغم عدم الإعلان صراحةً عن ذلك، ليس من المستبعد أن قادة حماس التقوا تميم بن حمد والسيسي لاحقاً.

"بادرة حسن نية" إسرائيلية؟

وفي ما قد يتوهم البعض أنه "بادرة حسن نية" من إسرائيل، نحو مسار المفاوضات والهدنة الإنسانية، أعلن المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، مساء الخميس، أن تل أبيب ستبدأ من تاريخه تنفيذ وقف لإطلاق النار لمدة أربع ساعات يومياً في منطقة شمال غزة حصراً.

وأبرز المسؤول الأمريكي، أن إسرائيل تعهّدت بأنها لن تقوم بأي عمليات عسكرية خلال وقت الهدنة الإنسانية، مضيفاً أنها وافقت على فتح ممرّين إنسانيين لنزوح المواطنين الغزيين من الشمال إلى الجنوب.

لكن الأمم المتحدة استهجنت هذا الإعلان، لافتةً إلى أن أي "هدنة" لا يتم التنسيق لها معها لا يُعتدّ بها. وأكد المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، للصحافيين تعقيباً على تصريح البيت الأبيض، أهمية التنسيق مع الأمم المتحدة بشأن أي وقفات إنسانية للقتال في غزة، خاصةً في ما يتعلق بالتوقيت والمكان. "من الواضح أنه لكي يتم ذلك بشكل آمن للأغراض الإنسانية، يجب الاتفاق عليه مع جميع أطراف الصراع كي يكون فعّالاً"، قال.

اللافت أن "هدنة الأربع ساعات" المزعومة، لم تكن أمراً جديداً لدى الإعلان عنها مساء الخميس، إذ إن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، تحدث الأربعاء عن أن إسرائيل "تواصل" منح "ممر إنساني للنزوح من الشمال إلى الجنوب"، من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثانية ظهراً، أي أنه لا جديد يُذكر.

هدنة وشيكة - بعيدة

وقبل يومين، قال الصحافي الميداني الفلسطيني أحمد الدراوشة، عبر حسابه في إنستغرام، إن هناك أنباءً قويةً عن تقدّم المفاوضات لعقد هدنة إنسانية مدّتها ثلاثة أيام، مقابل الإفراج عن 15 أسيراً من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس من مزدوجي الجنسية، موضحاً أن قطر ترعى هذه المفاوضات.

وكانت "رويترز" قد استبقت ذلك بالإعلان، الأربعاء الماضي، عن مفاوضات حول إطلاق سراح ما بين 10 و15 أسيراً إسرائيلياً، مقابل هدنة إنسانية لمدة يوم أو يومين في الحرب المدمرة في غزة.

وسرعان ما تراجع الحديث عن "هدنة إنسانية لأيام"، مقابل الحديث عن "هدنة تكتيكية" لأغراض محددة ولساعات محدودة لا تتخطى الأربع ساعات التي ذكرها البيت الأبيض. 

على سبيل المثال، أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أنه لن يهاجم جباليا بين العاشرة صباحاً والثانية بعد ظهر السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ضمن "هدنة تكتيكية" يُسمح فيها لسكانها فقط بالمغادرة عبر الممرين "الآمنين" المزعومين؛ شارع صلاح الدين والشاطئ.

استخلص متابعون من ذلك أن إسرائيل "تراوغ" في الموافقة على هدنة طويلة نسبياً ربما لاعتبارات داخلية. من هؤلاء الصحافية المخضرمة ليلى عودة، التي تكهّنت، عبر حسابها في "إكس"، بأن "نتنياهو يشتري الوقت، ويرفض هدنة الأربعة أيام ويستبعد حالياً وقفاً لإطلاق النار. شراء الوقت إما للظهور بخبر أو صورة تُحسّن موقفه المتزعزع لدى الإسرائيليين، وتمكّنه من التفاوض من موقف قوة! أو شراء الوقت للفشل في تحقيق أي إنجاز يُذكر، لذا فإن الحل في استمرار شراء الوقت للرهان على الوقت!".

ومن المستبعد أن تستمر إسرائيل في رفض الهدنة الإنسانية تماماً، في ظل تزايد الضغوط الخارجية لأجل تحقيق هذا الهدف، نظراً إلى الحصيلة الثقيلة من الضحايا المدنيين من جهة، وارتفاع منسوب التعاطف مع الشعب الفلسطيني من جهة أخرى، ما يشكّل بالضرورة ضغطاً على قادتها.

في هذا الصدد، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينس ستولتنبرغ، الخميس الماضي، إن حلفاء الناتو يدعمون هدنةً إنسانيةً من الحرب بين إسرائيل وحماس للسماح بوصول المساعدات إلى غزة، مشدداً: "يجب احترام القانون الدولي وحماية المدنيين في الصراع".

"هناك حدود لما يمكن للقوة المفرطة أن تفعله، كما أن مواصلة عمليات الإبادة سوف تعرّض للخطر أهدافاً إسرائيليةً أخرى منها الاندماج في المنطقة ومواصلة التطبيع مع الدول العربية ومحاولة بناء نظام إقليمي جديد"

إلى أي مدى الهدنة ممكنة؟

يرى المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، د. نهاد أبو غوش، أن إسرائيل "ترفض وقف إطلاق النار وتواصل حرب الإبادة والتدمير والتهجير، بضوء أخضر ووقت مفتوح وغير محدود لمواصلة عملياتها"، من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

لكنه يستدرك، في تصريح لرصيف22، بأنه "واقعياً، ثمة أسباب أخرى تتطور وتتفاعل فتضغط على إسرائيل إما لوقف إطلاق النار سواء بشكل دائم أو مؤقت، أو إعلان هدن إنسانية مؤقتة". ويعدد أبو غوش هذه العوامل الضاغطة في:

-انكشاف الفظائع الإسرائيلية وعمليات الإبادة التي تطال المدنيين، خاصةً النساء والأطفال، وافتضاح الأكاذيب التي تأسست عليها الدعاية الإسرائيلية وتلقفتها الأبواق الغربية مثل مزاعم قطع الرؤوس وذبح الأطفال خلال عملية "طوفان الأقصى".

-حرج إدارة بايدن وحلفائه الغربيين أمام شعوبهم وجمهورهم وحتى قواعدهم الانتخابية (الحزب الديمقراطي الأمريكي تحديداً)، بسبب دعمهم المطلق لإسرائيل.

-الضغط المتواصل من قبل الشارع العربي والعالمي وتأثير ذلك على مواقف الحكومات والدول. 

"حتّى من يطالب إسرائيل بهدنة، يترك لها حق التحكم بوقتها وطبيعتها. لذا تستخدمها إسرائيل كأداة من أدوات الحرب والتهجير وتحديداً لتهجير سكان شمال قطاع غزة قسراً إلى الجنوب".

-صعوبة إنجاز الأهداف الإسرائيلية المعلنة لهذه الحرب، سواء القضاء على حماس أو استعادة الأسرى. وهما هدفان غير واقعيين كما أنهما يناقض أحدهما الآخر.

لكن أبو غوش يلاحظ أنه "حتّى من يطالب إسرائيل بهدنة، يترك لها حق التحكم بوقتها وطبيعتها. لذا تستخدمها إسرائيل كأداة من أدوات الحرب والتهجير وتحديداً لتهجير سكان شمال قطاع غزة قسراً إلى الجنوب".

ولا يستبشر المحلل السياسي بالاتفاق على هدنة في ظل الحرب الراهنة، إذ يؤكد أن "إسرائيل في تاريخها لم تلتزم بأي هدنة أو اتفاق أو معاهدة، ودائماً تخترع أو تجد أسباباً من عندها لنقض أي اتفاق".

في حين أن إلحاح الجانب الفلسطيني، فصائل "المقاومة" والمدنيين على السواء، على عقد هدنة متفهَّم نظراً إلى الوضع المزري الذي خلّفته 35 يوماً من التدمير الإسرائيلي، ويعتقد أبو غوش أن إسرائيل هي الأخرى بحاجة إلى هذه الهدنة وإن ماطلت فيها أو أظهرت رفضاً لها.

يقول أبو غوش: "أما الحاجة الداخلية (في إسرائيل)، إلى هدنة أو توقف مؤقت لإطلاق النار والقصف، فهي أمر طبيعي نظراً إلى أن إسرائيل تملك قدرات تدميريةً هائلةً، وهي تواصل منذ أكثر من شهر تدمير قطاع غزة وإلحاق دمار غير مسبوق في تاريخ الحروب الحديثة به". يضرب على ذلك مثالاً بأن إسرائيل ألقت ما يزيد عن 30 ألف طن من المواد المتفجرة بما يعادل القدرة التدميرية لقنبلتين نوويتين، مردفاً أن "نصيب الفرد الفلسطيني في غزة من المتفجرات نحو 15 كغم، بينما نصيبه من مواد الإغاثة أقل من نصف كيلوغرام".

ويشرح: "هناك حدود لما يمكن للقوة المفرطة أن تفعله، كما أن مواصلة عمليات الإبادة سوف تعرّض للخطر أهدافاً إسرائيليةً أخرى منها الاندماج في المنطقة ومواصلة التطبيع مع الدول العربية ومحاولة بناء نظام إقليمي جديد".

أما عن تعدد أطراف الوساطة، فيشير المحلل السياسي إلى أن قطر ومصر تلعبان الدور الأكبر لصلاتهما بجميع الأطراف. ويفصّل: "هناك وسطاء في قضايا جزئية مؤقتة مثل تبادل أسرى مدنيين ونساء وقُصّر، وأعتقد أن من يملك التأثير في هذا المجال هي قطر التي تملك علاقات جيدةً مع جميع الأطراف، خاصةً مع حماس".

ويتابع: "لكن الصفقة الأهم هي الاتفاق الشامل على مبادلة جميع الأسرى الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وهنا يكون لمصر دور مركزي بحكم خبرتها وإلمامها بتفاصيل هذه الملفات، وأفترض أن أي صفقة من هذا النوع ستشمل رفعاً كلياً أو جزئياً للحصار عن قطاع غزة، لكن ذلك مرتبط بالتأكيد بنتائج الحرب والقتال". 

"هناك وسطاء في قضايا جزئية مؤقتة مثل تبادل أسرى مدنيين... لكن الصفقة الأهم هي الاتفاق الشامل على مبادلة جميع الأسرى الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وهنا يكون لمصر دور مركزي بحكم خبرتها وإلمامها بتفاصيل هذه الملفات"

ماذا بعد الهدنة؟

ولا يعتقد أبو غوش أن أي هدنة مؤقتة قد تضع حلاً للحرب الإسرائيلية المستعرة على غزة. يقول: "الهدنة هي توقف مؤقت في أثناء الحرب. السؤال المهم هو: ما هي سيناريوهات ما بعد الحرب؟ في هذا المجال نشطت بعض الدوائر الغربية في تداول خيارات عدة من بينها ما اقترحته إسرائيل من تنصيب إدارة مدنية فلسطينية، أو وضع غزة تحت إشراف دولي أو عودة السلطة برئاسة أبي مازن (الرئيس محمود عباس)، لممارسة مسؤولياتها".

ويضيف: "إلى ذلك، ثمة أطماع إسرائيلية تطلّ برأسها من بعض المستوطنين مثل اقتطاع جزء من غزة، أو تهجير كل غزة، أو مواصلة احتلالها… وهي سيناريوهات وخيارات تعتمد على نتائج المعارك وامتداداتها السياسية والدبلوماسية وهي تتفاعل، وتالياً لا تملك إسرائيل وحدها ولا أمريكا وحدها سلطة فرض ما تريد وما ترغب لأن هناك شعباً فلسطينياً موجوداً".

"من المهم هنا إبراز أنه لا يمكن لوطني فلسطيني أن يأتي ليحكم غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، وكأنه جزء من خطة الحرب الإسرائيلية"، يختم أبو غوش.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image