شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مشاهدات من غزة... أكذوبة الممرات الآمنة و

مشاهدات من غزة... أكذوبة الممرات الآمنة و"لعبة الحبّار"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

السبت 11 نوفمبر 202311:30 ص

أمام تناثر الأشلاء والجثث التي تنهشها الطيور، على امتداد شارع صلاح الدين جنوب قطاع غزة، وخوفاً من فوّهات الدبابات المصوبة نحوهم، سقطت سيدة في أثناء سيرها، بشكل مفاجئ، نتيجة إصابتها بسكتة قلبية. تلقّف من يسير بجانبها طفلها وفرّ الناجون سريعاً بعيداً عن نقاط تمركز الجنود الإسرائيليين، وتركوا جثةً جديدةً على الأرض. يقول شهود عيان.

تروي حنان عامر (29 عاماً)، التي تمكنت من الوصول إلى بيت أقاربها، في خان يونس، بعدما اضطرت إلى قطع مسافة تزيد عن 7 كيلومترات، من مخيم الشاطئ للّاجئين غرب غزة، وأطرافها ترتجف من "صدمة بقائها على قيد الحياة"، وسط أهوال ما مرت به في أثناء مرورها بالمناطق المخصصة للنازحين جنوباً.

تقول لرصيف22: "لأول مرة أرى دبابةً في حياتي بشكل قريب وحقيقي، وجنوداً إسرائيليين يطلقون الرصاص وفق مزاجهم. عشت تفاصيل لعبة 'الحبار' تماماً. كانت في بالي طوال الطريق، وتعاملت مع الوضع كما فعل اللاعبون في 'الحبّار'. كلنا نركض نحو النجاة دون الالتفات إلى الوراء، ومن يفلت منا نتركه ونواصل الركض. وجدت نفسي أحلق فوق الرصيف بقدم واحدة، بسبب التواء الأخرى لحظة محاولتي الإسراع، وخوفي من انتهاء مدة اللعبة وبداية الرصاص العشوائي".

"على الأرض جثث كثيرة. رأيت جثة طفلةً بفستان أصفر جميل، توشك أن تتحلل، ورأيت بأم عيني عائلات، تم استهداف سياراتهم بشكل كامل قبل تمكنهم من الوصول إلى منطقة وادي غزة، ولم يتمكن الإسعاف من الوصول إليهم حينها"؛ بحسب حديث حنان، تجري المفاضلة هناك لصالح الأحياء فقط، "أشعر بعقدة الناجي، وعقدة الذنب، وضميري يأكلني كلما تذكرتهم، لكن كيف كنا سننجو من الموت؟"؛ تتساءل.

مأساة الخروج

تفاصيل مروعة، تحفظ تفاصيلها الشابة العشرينية، إلى جانب شهادات أخرى كثيرة لمن عايش تجربة النزوح عبر "الممرات الآمنة" في عدوان إسرائيل المتواصل على غزة، يبرهنون فيها تلك الأكذوبة التي تُسمّى "ممراً آمناً"، وتلك الحيلة الإسرائيلية لاقتناص المدنيين، أو اعتقالهم وإخفائهم قسرياً، كما يقولون.

تفاصيل مروعة ترد في شهادات كثيرة لمن عايش تجربة النزوح عبر "الممرات الآمنة" في عدوان إسرائيل المتواصل على غزة، يبرهنون فيها تلك الأكذوبة التي تُسمّى "ممراً آمناً"، وتلك الحيلة الإسرائيلية لاقتناص المدنيين، أو اعتقالهم وإخفائهم قسرياً، كما يقولون. بعضها في تقريرنا

في مأساة أخرى، تصف شيماء خروج جميع أفراد عائلتها من مدينة غزة نحو المناطق الوسطى هرباً من القصف الشديد. تقول إن إجراءات المرور مشددة جداً، أولها يتطلب ترك السيارة في شارع 10 غرب غزة، قبل نقطة تمركز الآليات العسكرية الإسرائيلية عند شارع الرشيد غرب غزة؛ "تركنا سياراتنا وما بعرف مصيرها إذا الجيش رح يحرقها أو لا لأنه عدد السيارات كبير كتير".

تتابع: "تفاجأنا بأنه ممنوع تشيل أي شنطة ولا حتى قزازة مي ولا شيكل كمان وصلنا لنقطة ما فيها رجعة، لأنه لو حكينا خلص حنرجع ممكن ننقتل، لبسنا الذهب وحكينا بعوض الله فش مجال، رمينا الشنطة وجمعنا المصاري بشنطة صغيرة لأحلام مرت أخي وقدّمنا، لعل وعسى بس الفلوس تمرق معنا، فجأة تقدّم الجيش وثبت الجميع بالقوة، ووقف حركة الممر، وأمر جنود زوجة أخي أن تخلع ملابسها وتضع الشنطة".

وتضيف الشاهدة: "تقدّم منهم أخي دفاعاً عن عرضه رافضاً أن تخلع زوجته ملابسها وتفتح الشنطة. اطمأن الجيش إلى عدم وجود شيء خطير، ولأن أخي عارض الأوامر عدّوه متمرداً على القرار، وأنه وزوجته إرهابيان وأمروا باعتقالهما ظلماً ودون وجه حق".

تلك القصص المروعة، لم تُسرد في الإعلام بشكل مفصل، ولم تذكرها القنوات الإخبارية التي تكتفي بنشر التقدم العسكري والردع من الطرفين، وتلخص كل مشاهد الموت بلغة الأرقام فقط، بينما يصمّ المجتمع الدولي آذانه عن أكذوبة الممرات الآمنة، وتحولها إلى طرق أخرى للموت.

مقاطع كثيرة وثقت رحلات النزوح. حشود تسير مشياً على الأقدام، في محاولة للوصول إلى المناطق الجنوبية للقطاع، من سكان الشاطئ، وآخرين من أحياء عدة في مدينة غزة، وسكان قدموا من مناطق الشمال بعد أن تجمعوا في ذلك الشارع الرئيس، وهم يحملون بين أيديهم أطفالهم ورايات بيضاء، ويمرّون كمن سبقهم بجوار جثث شهداء قضوا في رحلة النزوح.

وفي روايات من النازحين هناك، أنهم في بعض مقاطع الطريق، كانوا يمرون بصعوبة بين الجثث لكثرتها، في مشهد تألّم منه الجميع، وأثار فزعاً لدى الأطفال والنساء. عملية المرور من ذلك الطريق الخطير، والذي وصفه أحدهم بـ"طريق الموت"، تكون من العاشرة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، وأي شخص يصل قبل هذا الوقت أو بعده، تُطلق عليه النار.

طريق مختلف للموت

تستغرق رحلة الخروج من غزة والشمال، في حال أمكن تحمّل الأسرة مواصلة الطريق إلى منطقة الانطلاق، ثلاث ساعات تقريباً للوصول إلى مشارف المنطقة الوسطى، ما بعد وادي غزة. وفي حال لم تكن هناك وسيلة نقل، فإنها تحتاج إلى أكثر من ست ساعات، تقطع الأسرة في نصف الوقت الأول المسافة من مكان تواجدها إلى بدايات شارع صلاح الدين في حي الزيتون، وفق تقديرات.

يذكر مواطنون أن جنود الاحتلال كانوا يطلبون من بعض النازحين التوجه إلى الدبابة، وهناك يبدأون بعملية فحصهم/ تفتيشهم، وزيادةً على ذلك، يقول نازحون إن الجنود الإسرائيليين أبقوا شباناً رهن الاحتجاز في جوار الدبابات على مدار يوم كامل، كـ"دروع بشرية"

يذكر مواطنون أن جنود الاحتلال كانوا يطلبون من بعض النازحين التوجه إلى الدبابة، وهناك يبدأون بعملية فحصهم/ تفتيشهم، وزيادةً على ذلك، يقول نازحون إن الجنود الإسرائيليين أبقوا شباناً رهن الاحتجاز في جوار الدبابات على مدار يوم كامل، كـ"دروع بشرية".

منشورات عدة تداولها ناشطون على فيسبوك تحمل مناشدات، يسألون فيها عن أي معلومة تدلّ على من فُقدت آثارهم خلال محاولات العبور من طريقَي صلاح الدين في الجنوب والرشيد غرباً، ومنها السؤال عن مصير زوجين ارتبطا حديثاً، وفُقدت آثارهما خلال النزوح.

وجاء في المنشور: "عروسان متزوجان حديثاً كانا الجمعة ظهراً يغادران، مثل الآخرين، من القصف في الشمال ناحية الجنوب عن طريق البحر، وللآن لا يعلم أقاربهما أي معلومة عنهما"، ويضيف: "أرجوكم، لو أي معلومة بتكون مفيدة"، والزوجان هما معتز لبد وإيمان السيد، وقد تم فقدان الاتصال بهما بعد ساعة من مغادرتهما حي النصر، في مدينة غزة، باتجاه مدينة دير البلح وسط القطاع.

وفي مناشدة أخرى، يبحث مواطن عن والده المسنّ، الذي لم يتمكّن من مواصلة الطريق، والعبور من شارع صلاح الدين جنوباً نحو مخيم النصيرات. كان الرجل المسنّ والمريض قد شعر بالتعب، ولم يستطع إكمال طريقه من غزة إلى وسط القطاع، واستمر في الاتصال مع عائلته حتى وقت مبكر من صباح الأربعاء، قبل أن يعود إليه ابنه ويجده مضرّجاً بدمه في إحدى البنايات القريبة من تمركز الآليات العسكرية للجيش الإسرائيلي.

وزارة الصحة في غزة، قالت إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل الكذب بشأن وجود "ممرات آمنة" للنازحين والكوادر الطبية، مضيفةً أن الممرات الآمنة التي يتحدث عنها الاحتلال ما هي إلا ممرات للموت.

الأرقام الرسمية الصادرة عن السلطات المحلية في غزة، تشير إلى استشهاد 1،021 شخصاً من سكان الشمال النازحين إلى مدن جنوب القطاع، والتي تبلغ نسبة الشهداء فيها عامةً 42% من إجمالي أعداد الشهداء. وأعلنت الحكومة الفلسطينية عن بلاغات تفيد بوجود جثث لمئات النازحين الفلسطينيين على طرقات كانت أعلنتها إسرائيل آمنةً.

الأرقام تعبّر عن نفسها

استشهد منذ اندلاع الحرب المتصاعدة في أسبوعها الخامس على التوالي، أكثر من 10 آلاف فلسطيني في غزة، وسُجّل 2،350 مفقوداً -بينهم 1300 طفل- لا يزالون تحت أنقاض المنازل والمباني المدمّرة، فضلاً عن أكثر من 25 ألف جريح.

مع تحديد كل مهلة تعلن عنها إسرائيل لسكان غزة للمغادرة باتجاه جنوب القطاع، تتوجه الأنظار إلى الممرات الآمنة التي يتوجب عليهم سلوكها وممرات أخرى تُحظر عليهم مع تحذيرات بتعرضهم لإطلاق نار في حال سلوكها.

ولا يوجد إحصاء دقيق لأعداد الفلسطينيين من سكان شمال القطاع الذين نزحوا عن منازلهم نحو مدن الجنوب، لكن أرقاماً محليةً ودوليةً تشير إلى أن العدوان تسبب في نزوح نحو مليون و600 ألف فلسطيني، من بين 2.2 مليون نسمة هم عدد سكان القطاع الساحلي الصغير.

مع تحديد كل مهلة تعلن عنها إسرائيل لسكان غزة للمغادرة باتجاه جنوب القطاع، تتوجه الأنظار إلى الممرات الآمنة التي يتوجب عليهم سلوكها وممرات أخرى تُحظر عليهم مع تحذيرات بتعرضهم لإطلاق نار في حال سلوكها.

وحدد الجيش الإسرائيلي مجموعةً من الممرات الآمنة لنزوح الفلسطينيين القاطنين في مناطق القصف منها، وذلك ليتوجه النساء والأطفال إليها في سيارات مكشوفة تماماً في وضح النهار ليأمنوا من القصف، إلا أن هذه الممرات غالباً ما تتعرض للاستهداف المباشر وقذائف الدبابات، كما حصل عندما قصف الجيش الإسرائيلي سيارةً للنازحين، أسفرت عن استشهاد 70 فلسطينياً.

مع اندلاع كل حرب، وتصاعد المواجهات المسلحة بين مختلف أطرافها، يتجدد الحديث عن الممرات الآمنة أو الإنسانية باعتبارها إجراءً ضرورياً لإخلاء المدنيين والجرحى، وإنقاذ العالقين في مناطق الاشتباكات، وتوصيل الإمدادات الأساسية إلى المناطق التي تعاني شحّاً في المواد الغذائية والطبية والتموينية جراء العمليات العسكرية.

لكن في سياق الحرب الدائرة الآن في قطاع غزة، اتخذ الحديث عن الممرات الآمنة بعداً آخر، وتشير معطيات إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعمد استهداف طرق وأماكن يعلنها آمنةً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard