شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
روسيا تستخرج الفوسفات السوري وإيران تستخدمه… والنظام يراقب حسن سير العملية

روسيا تستخرج الفوسفات السوري وإيران تستخدمه… والنظام يراقب حسن سير العملية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

عرقلت حواجز عسكرية تابعة للفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية، مسير شاحنات الفوسفات المتعاقدة مع روسيا، من منجم الصوانة والشرقية في ريف حمص، بدعوى وجود تهديدات أمنية على الطريق الواصل بين مدينة حمص ومنطقة المناجم، من قبل عناصر تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بالتزامن مع سماحها بعبور الشاحنات المتعاقدة مع شركة "يارا"، المسؤولة عن استخراج الفوسفات لصالح إيران، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

كما أكد المرصد، اعتقال مسؤول عملية استخراج الفوسفات لصالح روسيا، محمد علوش، الملقب بأبي رامز، من قبل فرع "الخطيب"، التابع لنظام الأسد، وقيام شركة "يارا" المسؤولة عن استخراج الفوسفات لصالح إيران، بتحميل الفوسفات من منجم "خنيفيس" في ريف حمص الشرقي، لنقله برّاً إلى مرفأ لبنان.

ويشير الأكاديمي الاقتصادي والخبير غير المقيم في معهد "نيولاينز" في واشنطن، كرم شعار، إلى أن شركة "يارا" تعاقدت مع سائقي شاحنات من حمص لنقل الفوسفات السوري برّاً من البادية إلى إيران مروراً بالعراق. ونظراً إلى المخاطر الأمنية الكبيرة المرتبطة بعبور البادية السورية، فإن تكلفة الشحنة الواحدة تبلغ 2،000 دولار. والشريك في تأمين الأرتال في العراق، ميليشيا النجباء التابعة للحشد الشعبي.

يؤكّد ذلك، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، من خلال الحديث عن نقل الفوسفات السوري بواسطة الحرس الثوري عبر الحدود العراقية إلى إيران، من مناجم "خنيفيس" عبر معبر القائم العراقي، المقابل لمعبر البوكمال السوري، إلى إيران، بواسطة الميليشيات الموالية لها في العراق، إلى جانب نقل "حزب الله" أطناناً من الفوسفات السوري إلى لبنان.

خميرة الكعكة الصفراء

وافقت الحكومة الإيرانية على طلب منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، شراء 800 ألف طن من الفوسفات السوري سنوياً، لاستخراج اليورانيوم وصنع الكعكة الصفراء(يورانيوم طبيعي في صورة مسحوق غير قابل للذوبان في الماء)، حسب وثيقة سرّية مسربة لموقع إيران إنترناشيونال. وبرّر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، طلبه بقوله: "نظراً إلى الدرجة العالية من اليورانيوم التي تتمتع بها تربة الفوسفات من المصادر المذكورة أعلاه (الفوسفات السوري)، فإن استخراج اليورانيوم وتحضير الكعكة الصفراء منه يُعدّان مناسبين أكثر من الناحية الفنية، مقارنةً مع استخراج اليورانيوم من المصادر منخفضة الدرجة والمشعة في البلاد".

"بما أن إيران فقيرة للغاية من حيث موارد اليورانيوم، فلا مفرّ من إيلاء المزيد من الاهتمام بالموارد غير التقليدية، واستيراد اليورانيوم إلى البلاد"، وحيث أن "العقوبات حالت دون استيراد اليورانيوم مباشرةً، فإن اعتماد حلول للاستيراد من مصادر غير تقليدية، مثل استخدام تربة الفوسفات، قد يكون خياراً مناسباً ومتاحاً في هذا الخصوص"

وأضاف: "بما أن إيران فقيرة للغاية من حيث موارد اليورانيوم، فلا مفرّ من إيلاء المزيد من الاهتمام بالموارد غير التقليدية، واستيراد اليورانيوم إلى البلاد"، وحيث أن "العقوبات حالت دون استيراد اليورانيوم مباشرةً، فإن اعتماد حلول للاستيراد من مصادر غير تقليدية، مثل استخدام تربة الفوسفات، قد يكون خياراً مناسباً ومتاحاً في هذا الخصوص".

يعود الاهتمام الإيراني بالفوسفات السوري إلى أسباب عدة، حسب المدير التنفيذي لمنصة اقتصادي، يونس الكريم، أولها احتواء الفوسفات السوري على مواد مشعة، واليورانيوم يتم استخلاصه بعد عملية غسيل الفوسفات، واصفاً إياه بالجيّد والمجدي اقتصادياً وعسكرياً.

ويشير لرصيف22، إلى أن "أماكن تواجد الفوسفات في سوريا تُعدّ قلب الخريطة الاقتصادية السورية، وتالياً من يستحوذ عليه سيكون له دور في أي خطة اقتصادية مستقبلية في سوريا، سواء أكانت ببناء الطرق والبنية التحتية، أو في قطاع الطاقة وخطوط الإمداد، بالإضافة إلى وجود مواد أخرى مع الفوسفات، وهي مواد ذات مكانة عالية معه، كالسيليكا والملح، عدا عن تداخل الفوسفات في القطاع الزراعي، مما يمكّن من السيطرة على القطاع الأخير من خلال السيطرة على الفوسفات".

ونظراً إلى ارتفاع نسبة خماسي أكسيد الفوسفور (p2o5)، بنحو 34%، وانخفاض الثابتة الحجمية إلى ما دون 2.9، يصير نشطاً إشعاعياً. وعليه، يُعدّ فوسفات "خنيفيس"، ذا أهمية علمية عالية، حسب موقع عين المدينة، وغزيراً بالعناصر النادرة التي تبلغ (300 فلز مشعّ تقريباً)، وعلى رأسها "اليورانيوم والسميكت والفرانكوليت". ففي الطن الواحد، ما بين 70 إلى 140 غراماً من اليورانيوم، وبنسبة أقل منه في فوسفات "الشرقية"، الذي تتراوح نسبة خماسي أكسيد الفوسفور فيه بين 20 و30%.

وخلال السنوات الأخيرة، أشرفت إيران على عملية الاستخراج والانتفاع من الفوسفات في منجمَين سوريين، "الصوافة" باحتياطي حجمه 1.5 مليارات طن من صخور الفوسفات، و"خنيفس" باحتياطي يبلغ 300 مليار طن. و"نظراً إلى النسبة العالية من اليورانيوم فيه، يُعد خنيفيس، من الخيارات المناسبة للاستخدام في دورة الوقود النووية وإنتاج الكعكة الصفراء. وعلى هذا الأساس طلبت منظمة الطاقة الذرية "اتخاذ إجراءات فورية لنقل الصخور المعدنية من منجم خنيفس". هذا إلى جانب عدّ مناجم الفوسفات السورية مورداً لسداد الديون الإيرانية على سوريا، والتي بلغت 30 مليار دولار، حسب الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت فلاحت بيشه.

خلال السنوات الأخيرة، أشرفت إيران على عملية الاستخراج والانتفاع من الفوسفات في منجمَين سوريين، "الصوافة" باحتياطي حجمه 1.5 مليارات طن من صخور الفوسفات، و"خنيفس" باحتياطي يبلغ 300 مليار طن

ووفقاً لتقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية، تلقت طهران وعوداً من حكومة دمشق بتسديد قروضها عبر إنشاء شركة مشتركة بين الطرفين تشرف على استخراج الفوسفات وتصديره عبرها.

ورقة التوت الغربية

في أول اتفاقية وُقّعت بين الجانبين عام 1974، تركزت الصادرات السورية إلى إيران على الفوسفات، وتقابلها الأخيرة بتصدير سيارات النقل. وفي عام 1982، وقّعا اتفاقيةً مشابهةً، تقضي بتصدير إيران 9 ملايين طن من النفط سنوياً إلى سوريا، وتستورد في المقابل منها 400 ألف طن من الفوسفات.

وفي مطلع 2017، وقّع الجانبان مذكرات تفاهم تضمنت الحق في ألغام في حقل الشرقية بالقرب من مدينة تدمر في ريف حمص، للحصول على الفوسفات، حسب المركز المصري للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، إلا أن حكومة دمشق منحت عقداً حصرياً لشركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، لاستخراج الفوسفات من المنجم نفسه وبيعه، مما تسبّب في الحّد من استفادة إيران من الفوسفات السوري، وتالياً سبّب استياءً لدى حكومة طهران.

ويشير الأكاديمي الاقتصادي كرم الشعار، في حديثه إلى رصيف22، إلى "عدم اكتراث الحكومات الغربية لتفعيل العقوبات المفروضة من قبلها، فالعقوبات تغطي العديد من النشاطات الاقتصادية في سوريا، إلا أن الدول الغربية غير مهتمة بمتابعة هذه النشاطات، فأولويتهم في سوريا الدفع في اتجاه حل سياسي، وللحصول على تنازلات من نظام الأسد في هذا الصدد. لكن مع إغلاق باب الحل السياسي بقيت العقوبات، في جزء كبير منها، كورقة توت للدول الغربية، تغطي بها عدم اكتراثها بالملف السوري عموماً".

ويشير إلى أن "السوريين هم من يتابعون هذه النشاطات وينشرون عنها في مواقع إعلامية مرموقة، كحال التقرير الذي تم نشره في "الغارديان" البريطانية، حول علي نجيب إبراهيم وأحمد خليل، أو حول مجزرة التضامن، التي ارتكبها أمجد يوسف، ما يضغط على الحكومات الغربية لفرض عقوبات خاصة بالأشخاص والأفراد. وهو ما نأمل الوصول إليه من خلال إثارة موضوع شركة "يارا"، المسؤولة عن استخراج الفوسفات السوري وتصديره لصالح إيران، والمملوكة للسوري، مجيد جرجس بن عزيز، واللبنانيين، جليبير فينيانوس، وربيع جبق".

العلاقة الروسية الإيرانية في الفوسفات

وفقاً لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تحصل الشركة الروسية بموجب الاتفاق على 70% من الإنتاج، فيما تبلغ حصة النظام 30% مقابل تسديد قيمة أجور الأرض والتراخيص وأجور ونفقات إشراف المؤسسة والضرائب والرسوم الأخرى، بالإضافة إلى تحكم موسكو في سوق الفوسفات السوري. فبحسب نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، فـ"إن بلاده دون غيرها ستساعد سوريا في إعادة بناء منشآت الطاقة بها، وفي سوريا يوجد أكبر حقل فوسفات يمكن الاستثمار فيه، فمنتجاته مطلوبة في العديد من البلدان"، مضيفاً: "نحن نعمل على الحقل والنقل، وتسليم الفوسفات المعالَج إلى دول أخرى تنتظر هذه المنتجات".

في حين تنافس روسيا وإيران في عدد من القطاعات الاقتصادية السورية، فإنهما "لا تتنافسان في قطاع الفوسفات السوري"، بحسب الأكاديمي الاقتصادي كرم الشعار الذي يقول: "الطرفان يعملان بالتراضي مع نظام الأسد في هذا المجال. وتقوم الدولتان، عبر أذرعهما الميليشياوية في سوريا، باستخراج الفوسفات السوري وبيعه

وحسب الكريم، تتعاون روسيا مع إيران، في حصول الأخيرة على حصة من الفوسفات السوري، تصدّرها عبر ميناء طرطوس فقط. ما يعني إقرار الطرفين بوجود الآخر في هذا القطاع. ونتيجةً للأوضاع الأمنية الهشة في سوريا، وما تسببه من تعرض قوافل النقل البرّي للفوسفات السوري عبر البادية السورية لهجمات المجاميع المسلحة المختلفة، تم تركيز معظم القواعد العسكرية والميليشيات التابعة لإيران على البادية، بهدف حماية هذه القوافل مع حماية المصالح الإيرانية في قلب سوريا، فوفق رأيه، ستبقى كل المناطق السورية عبارةً عن مناطق إقليمية متفرقة لا صلة بينها إلا بالمرور من قلب سوريا من ريف حمص، الذي يُعدّ شريان الطرق.

فشل إيران في الاستحواذ على الفوسفات السوري، حوّلها باتجاه جعل نفسها الجهة الرئيسة المستوردة للفوسفات السوري، بوصفه مصدراً ثانوياً مهماً للحصول على اليورانيوم اللازم لبرنامجها النووي، حسب مركز الحوار السوري. فبرغم تحكُّم روسيا بثلاثية الإنتاج من المناجم، والتصنيع لقسم من الفوسفات في شركة الأسمدة، والتصدير، تشير مؤشرات إلى وجود ملامح تفاهم روسي إيراني لأن تكون إيران وجهةً لتصدير الفوسفات، ما يدلّ على إصرار إيراني للحصول على حصة كبيرة من الفوسفات السوري وعدم رضوخها للسيطرة الروسية شبه المطلقة على القطاع. وتُوحي الأرقام التي تتحدث عنها إيران (ألف مليون طن أو 200 مليون طن)، بوجود مخطط إيراني للسيطرة على إنتاج الفوسفات السوري لمدة تزيد عن 50 عاماً، نظراً إلى المعدل الوسطي للإنتاج الحالي، البالغ مليوني طن سنوياً.

مع إشارته إلى تنافس روسيا وإيران في عدد من القطاعات الاقتصادية السورية، ينفي الشعار، تنافسهما في قطاع الفوسفات السوري. ويقول: "الطرفان يعملان بالتراضي مع نظام الأسد في هذا المجال. وتقوم الدولتان، عبر أذرعهما الميليشياوية في سوريا، باستخراج الفوسفات السوري وبيعه. وسابقاً، كانت إيران تستخرج الفوسفات السوري وتصدّره عبر ميناء اللاذقية أو تهرّبه إلى لبنان. ومؤخراً يتم العمل على تهريبه برّاً إلى إيران عبر العراق".

ويشير أيضاً إلى تقاسم واضح بين الطرفين، الروسي والإيراني، في هذا المجال، وإلى أن الإعلان عن تعاقد حكومة دمشق مع شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، سببه عدم وقوع روسيا تحت العقوبات حينها، في الوقت الذي تمت التعمية فيه عن الحصة الإيرانية، والتي كانت الأخيرة تستحوذ عليها من مناجم "الصوانة".

تتنوع الدوافع الإيرانية-الروسية في قطاع الفوسفات السوري، حسب المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، ما بين رغبة في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وجيو-إستراتيجية، ومساعي تعويض تكاليف تدخلهما إلى جانب نظام الأسد، مع محاولة الاستفادة من الميزة النسبية التي يتمتع بها الفوسفات السوري، والذي يُقدّر احتياطي سوريا منه بأكثر من 2.1 مليار طن، وتأتي سوريا في المركز الأول عالمياً من حيث الاحتياطي المأمول، والخامس على مستوى الإنتاج والتصدير، حيث يتوزع القسم الأكبر منه في منجمَي "الشرقية وخنيفيس" جنوب غرب مدينة تدمر، التي تحولت إلى مستوطنة إيرانية بزعامة روسية.

ويقدَّر إجمالي احتياطي الفوسفات في "الشرقية" (المسيطر عليها روسياً)، بـ1.7 مليارات طن، في حين يبلغ احتياطي "خنيفيس" (المسيطر عليها إيرانياً)، 400 مليون طن. ويبلغ سعر الطن الواحد، 173 دولاراً، وتتراوح أسعار المركبات الفوسفاتية بين 100 و200 دولار لكل كيلوغرام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard