شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل سنحجز لنا مكاناً على الخارطة الجديدة؟

هل سنحجز لنا مكاناً على الخارطة الجديدة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 8 نوفمبر 202312:07 م

من الواضح لأي متابع، أن السلطة الوطنية الفلسطينية تحتضر في الضفة الغربية، أو على أقل تقدير، تفقد سيطرتها وسيادتها على الكثير من المناطق. ولم يكن هذا وليد اليوم أو مع بداية الحرب الأخيرة، بل نتيجة لعدة سنوات من التقاعس والانزواء حول الذات وحول المكتسبات، ومن جانب آخر، نتيجة للضغط المتواصل من الاحتلال عبر الاقتحامات والاغتيالات، وخاصّة في مناطق الشمال، كمدينة جنين ومدينة نابلس. هذا الوضع وتبعاته اليومية أفقد الناس ثقتهم بسلطتهم، وبالتالي أضعفها وزاد من تخلخل شعبيتها.

في قطاع غزة يسعى الاحتلال، ويصرّح بذلك ليل نهار، بأنه يريد إنهاء سلطة حماس أيضاً، وذلك من خلال عدوان سافر لا يستثني بشراً ولا حجراً. لا أحد في الكون، من محللين أو خبراء، يستطيع التكهّن بقدرة إسرائيل من عدمها على ذلك، أي بنجاح أو فشل هذا المسعى، لكن في حال حصل هذا الأمر، فنحن، كفلسطينيين، أمام حالة لم يحدث لها مثيل في التاريخ.

لقد كنا، منذ أيام معدودة فقط، تحت ظل سلطتين وحكومتين تديران حياتنا، وفجأة سنجد أنفسنا بلا جهة تتولى إدارة شؤوننا الداخلية، وبلا قيادة تستطيع أن تقوم بدور تمثيلنا السياسي في الإقليم والعالم. لقد كان لنا حكومتان؛ واحدة تفاوض في الضفة وواحدة تقاتل في غزة. لا التي تفاوض تريد أن تستثمر قتال الأخرى في مفاوضاتها، أو على الأقل تنسّق معها، ولا التي تقاتل مستعدة للالتفات إلى أي إنجاز سياسي تحرزه الثانية في مفاوضاتها، أو تساعدها على أي إنجاز.

الأولى تتهم الثانية بالتهور ووضع مقدرات ومنجزات الشعب، والشعب نفسه أمام فوهة الدبابة الإسرائيلية، والثانية تتهم الأولى بالتخاذل والخيانة، ووضع فلسطين والأمة خلفها في حضن الأعداء. سبعة عشر عاماً والحال هذه بلا تغيير، رغم مئات جلسات المصالحة الفاشلة، ورغم مئات المناشدات، سواء من الحريصين، أو من الحركة الأسيرة، أو من المثقفين والشخصيات الاعتبارية.

لنا حكومتان؛ واحدة تفاوض في الضفة وواحدة تقاتل في غزة. لا التي تفاوض تريد أن تستثمر قتال الأخرى في مفاوضاتها، أو على الأقل تنسّق معها، ولا التي تقاتل مستعدة للالتفات إلى أي إنجاز سياسي تحرزه الثانية في مفاوضاتها، أو تساعدها على أي إنجاز

خلف هاتين الحكومتين والتصورين يتمترس أتباع ومريدون طالهم هذا الشرخ، وتبنوا مع الوقت رؤية وخطاب هذا الطرف أو ذاك. هؤلاء الأتباع سواء كانوا مقتنعين أو مستفيدين أو ينتظرون الاستفادة، فإن خطابهم أكثر حدّة وعنفاً تجاه الطرف الآخر والرؤية الأخرى من زعمائهم، وهذا الخطاب تطوّر عبر الزمن، وبتغذية يومية من عدونا، من خطاب غير متوافق إلى رافض إلى إقصائي، ويتجه في مسار خطير ليكون إلغائياً للخطاب المضاد ولأصحابه.

إن لم نتحد ونصمد سنصير عما قريب بلا قيادة، وسنفقد الحكومتين معاً، وهذا سيفتح الباب لتدخلات الخارج واحتمالاتها الكثيرة. لكن، وبغض النظر عن هذه التدخلات، ما الذي في جعبتنا لكي ننهض من جديد، ولكي نستطيع مواجهة مشاريع عدونا لإلغائنا وتصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني، أو على الأقل ليكون لنا مكان مقبول في خارطة الشرق الأوسط الجديد التي تتشكل؟ الإنكار والشجاعة الفردية والفصائلية وقوة الحق لا تكفي وحدها دون مشروع سياسي وروافع جدية لهذا المشروع، وبدون تحالفات مدروسة وخطاب مقنع لن نتمكن من إنجاز شيء يرضينا ويرضي الأجيال القادمة.

ولأننا مكون أصيل وأساسي في هذه المنطقة، فعلينا أولاً أن نفهم ما الذي يتم تخطيطه لها، ولكي نفهم ذلك علينا أن نفسر عودة القوات الأمريكية إلى المنطقة بهذه الحشود العسكرية وهذا الكمّ من التصريحات السياسية المتسارعة.

يمكنني التخمين، وهذا كتبته في مقال هنا مع بداية الحرب، وهو أصبح متداولاً على كل حال، أن المشروع الإسرائيلي هو تهجير سكان غزة إلى سيناء، إن استطاعت ذلك، سواء بغض الطرف من العالم وتساوق دول الإقليم، أو بوصول شعبنا في غزة إلى مرحلة من الإنهاك. لكن ما هو المقرر لسكان الضفة من وجهة نظر إسرائيلية؟ هذا سيأتي فيما بعد، وهو من ضمن الحزمة المتكاملة لإعادة تشكيل المنطقة.

يبدو لي أن تشكيل المنطقة يستوجب إقامة مسافة عازلة في جنوب سوريا، أو هذا ما تفكر به الولايات المتحدة حالياً، تمتد هذه المسافة من حدود البوكمال بين سوريا والعراق غرباً، إلى جبل الشيخ شرقاً، وبعمق يتراوح بين عشرين وثلاثين كيلومتراً في العمق السوري. المستفيدون من هذه المنطقة هم أولاً، الإسرائيليون وذلك بضبط الحدود، وتخفيف الأخطار الآتية كل حين وآخر من الشمال. المستفيد الثاني سيكون النظام السوري، حيث سيتخلص من عبء القلاقل الضاغطة في جنوب البلاد. المستفيد الثالث هو الأردن، بحيث سيتخلص هو الآخر من عمليات التسلل اليومية لمهربي المخدرات والأسلحة على الحدود الأردنية السورية (طلبت الأردن مؤخراً من الولايات المتحدة تزويدها بمنظومة باتريوت لاعتراض المسيرات القادمة من الأراضي السورية). وبما أن هذه المنطقة ستضم درعا والسويداء، فساعتها سيستطيع الأردن تشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم التي أتوا منها في الجنوب السوري.

هذا الافتراض، وهو يبقى افتراضاً على كل حال، لن يمكن تحقيقه إسرائيلياً فقط، ولا حتى بتوافق الأطراف المعنية، وهو بحاجة لقوات أمريكية بهذا الكمّ في المنطقة.

الافتراض هو حرب قادمة في سوريا وليس في لبنان. هذه الحرب ستكون أمريكية بالتأكيد، وهي ضد الوجود الإيراني في سوريا، وانتقاماً من بوتين، بعد نقاطه التي سجلها في أوكرانيا ضد الولايات المتحدة والغرب

بناء على ذلك، فإنني أضع افتراضاً مؤسساً للأرضية التي سيتم بناءً عليها تنفيذ هذا التصوّر، وهذا الافتراض هو حرب قادمة في سوريا وليس في لبنان. هذه الحرب ستكون أمريكية بالتأكيد، وهي ضد الوجود الإيراني في سوريا، وانتقاماً (إن جاز استخدام هذه الكلمة) من بوتين، بعد نقاطه التي سجلها في أوكرانيا ضد الولايات المتحدة والغرب.

بإمكان أي متابع للفيديوهات المسربة أمريكياً، والتي تصوّر العتاد المنقول إلى المنطقة، أن يلاحظ كمية أجهزة الاتصالات التي يتم تحميلها على قاطرات ضخمة متجهة إلى مكان لا نعرفه، ولا يتم الإفصاح عنه. لكن لماذا كل هذه الأجهزة إن لم تكن وجهتها صحراء، أو منطقة خالية من تكنولوجيا الاتصالات، ما ينطبق على سوريا وشرق العراق؟ هذا افتراض آخر على كل حال.

إن صحّت هذه الافتراضات وهذا السيناريو المتشائم، وتم تطبيقه عاجلاً أم آجلاً، فهل سيتم تهيئة الضفة الغربية لحرب أهلية بين دولة للمستوطنين فيها، وبين مواطنيها الفلسطينيين؟ أم ستستطيع إسرائيل أن تفتعل حرباً أهلية بين مكونات الشعب الفلسطيني نفسه، بعد كل هذا الشحن لأتباع طرفي السلطة، وبمساعدة كل هذا الدم والدمار في غزة؟ والأهم من ذلك، هل هذه هي الطريقة التي تريد بها إسرائيل إنهاء حل الدولتين، والضغط على سكان الضفة للهجرة طوعاً بسبب أوضاع لا تحتمل؟

ما الذي علينا التفكير به وتطبيقه فوراً لقطع الطريق على كل هذه المشاريع التي تستهدف قضيتنا ووجودنا ذاته. كيف نهزم إسرائيل، أو نمنعها من هزيمتنا، بتقليل التكلفة البشرية والسياسية وسط كل هذا التردي في العالم والمحيط، وبين كل هذه المشاريع الكبرى التي تحاك للمنطقة؟ وهل يمكننا اجتراح أدوات جديدة للمواجهة؟

هذه مهمة كبيرة، بل وكبيرة جداً، ومن سيقوم بها لا بد أن تكون وجهته فلسطينية صرفة واعتباراته فلسطينية صرفة، بعيداً عن هذا الشرخ الذي شتت قوانا وأفقدنا البوصلة... فلسطين.

يتبع في مقال قادم...


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard