خاضت إسرائيل حروباً وعمليات مفتوحةً عدة، منذ عام 1973، وهي حرب تشرين الأول/ أكتوبر، ثم غزو لبنان عام 1982، فالانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 1987، والثانية عام 2000، وبعدها حرب تموز 2006.
بعد ذلك ركزت إسرائيل على صراعها مع الجانب الفلسطيني، فهاجمت غزة في الألفية الجديدة 4 مرات، أولها في كانون الأول/ ديسمبر 2008، ثم حرب 2014، وحرب 2021، والآن تواصل جرائمها من خلال عدوانها الذي بدأ بعد عملية "طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
الحروب التي خاضتها إسرائيل جميعها شهدت شدّاً وجذباً وقليلاً من الاتفاق بين قادتها العسكريين والسياسيين، ولم يكن القرار الموحّد هو الغالب، وطبيعة المجتمع نفسه هي طبيعة طائفية، تنطوي على العديد من الخلافات بسبب أن المكوّن الرئيسي للاحتلال لم يكن ذا نسيج واحد، لذا تجد الصراع الأيديولوجي هو السائد، ولا تنكر وزارة التعليم الإسرائيلية نفسها ذلك، بل هناك مواد تعليمية تحاول رأب هذا الصدع. فمثلاً، يتم تدريس مادة في المرحلة الثانوية اسمها "أن نكون مواطنين في إسرائيل"، وتتحدث في القسم الثالث من الفصل الثاني عن الصراعات، وتحمل عنوان "المجتمع الإسرائيلي: مجتمع متعدد التصدعات".
الحروب التي خاضتها إسرائيل جميعها شهدت شدّاً وجذباً وقليلاً من الاتفاق بين قادتها العسكريين والسياسيين، ولم يكن القرار الموحّد هو الغالب، وطبيعة المجتمع نفسه هي طبيعة طائفية، تنطوي على العديد من الخلافات بسبب أن المكوّن الرئيسي للاحتلال لم يكن ذا نسيج واحد، لذا تجد الصراع الأيديولوجي هو السائد
انعكست الصراعات الداخلية الإسرائيلية في الحرب الدائرة الآن في فلسطين، لذا نجد حالةً من التخبّط بين المستويين السياسي والعسكري في اتخاذ القرارات، وهذا ما دفعنا للبحث عن تاريخية الانشقاقات، والتخبط بين المستويين العسكري والسياسي في الحروب التي أوضحناها، وكيف تراها مراكز الفكر الإسرائيلية؟ وهل حالة التصدع الحالية وليدة الصدفة أم متجذرة في المجتمع ذاته؟
البداية... حرب تشرين 1973
كشفت تحقيقات لجنة "أغرانات" في هزيمة إسرائيل في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، التخبط بين المستويين السياسي والعسكري، واعترف الرئيس الإسرائيلي حينها، أفرايم كاتسير، بمدى التخبط والاختلاف اللذين أديا إلى الهزيمة، وقال عبارته الشهيرة: "كلنا مذنبون". ولم يخجل كاتسير من وصف غولدا مائير في مذكراته، بأنها لم تكن تعرف الفرق بين الكتيبة والسرية، واتهمها بالجهل العسكري، كما حكى الفيلم الإسرائيلي المعروض هذا العام "غولدا" عن التخبط بين المستويين السياسي والعسكري في اتخاذ القرارات، خاصةً قرار تعبئة الاحتياط لحرب تشرين الأول/ أكتوبر، وكذلك قرار غولدا بعدم الثقة بوزير دفاعها حينها، موشي ديان، بعد نتائج الحرب الكارثية في اليومين الأولين، وكذلك الخلاف الحاد بين الوزراء في أثناء اجتماعات الحرب، خاصةً الاستخبارات العسكرية التي فشلت في توقّع موعد الحرب.
ويؤكد الكاتب الإسرائيلي، أمنون لورد، هذا التخبط والفشل في مقالة له منشورة في "يسرائيل هيوم"، في أيلول/ سبتمبر الماضي، والخلاف حول توجيه ضربة استباقية إلى القوات الجوية السورية، وكلها أمور بيّنت التخبط، سواء بين القادة العسكريين أنفسهم حينها، أو بينهم وبين غولدا مائير من الناحية السياسية، وهو أحد أسباب الهزيمة في نظير الكثير من الإسرائيليين.
وكشفت تحقيقات لجنة "أغرانات"، الانشقاق بين المستويين السياسي والعسكري بعد الحرب، وبرّأت غولدا، لكنها اتهمت القادة العسكريين بالفشل. وبرغم تبرئة غولدا، إلا أن المؤرخ الإسرائيلي الشهير، يجئال كيبنسكي، حمّلها المسؤولية كاملةً عن الإخفاق، لأنها رفضت مقترحات الرئيس المصري، أنور السادات، عن التوصل إلى اتفاق السلام في البداية، وهو ما أدى في النهاية إلى الحرب.
حرب لبنان الأولى... قرار موحّد ونهاية مختلفة
بعد تسع سنوات من حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، سنحت الفرصة لإسرائيل بغزو لبنان، ويُعدّ قرار الحرب في المصادر الإسرائيلية متفقاً عليه بين المستويين السياسي والعسكري، لكن الحرب أسفرت عن تصدّع داخل المنظومة العسكرية نفسها، وخلافات شقّت الصف، وانتقادات حادة لرئيس الوزراء حينها، مناحم بيغن، ووزير الدفاع، أريئيل شارون.
ويصف الكاتب الإسرائيلي، أفي جارفينكل، في صحيفة "هآرتس"، قرار الحرب بأنه كان مصيرياً بالنسبة إلى بيغن، الذي وصف الحرب بأنها شفت الأمة من صدمة يوم الغفران، وأن قرار بيغن بإخلاء مستوطنات إسرائيلية من سيناء هز صورته أمام جمهور الناخبين، لذا كان قرار الحرب فرصةً سياسيةً لحزب الليكود لكسب التأييد، واقتبس الكاتب تصريحات رعيا هيرنيق، والدة قائد لواء غولاني الذي قُتل في الحرب، حيث اتهمت بيغن بقرار الحرب، وليس الجيش، لأنها ترى أن رئيس الأركان وقادة الجيش مضطرون إلى تنفيذ تعليمات المستوى السياسي الإسرائيلي، وأن بيغن فقط أراد أصوات الناخبين ولم يعبأ بحياة الجنود.
وبرغم الانشقاق العسكري في حرب لبنان الأولى، لكن يمكن القول إن القيادة نفسها كانت متفقةً إلى حد بعيد في قرار الحرب، وفي أثناء الأداء العملياتي للحرب، وهي من المعارك القليلة التي اتفق فيها العسكر والساسة على قرار، لكن التصدع حدث داخل المنظومة العسكرية نفسها، وهو ما انعكس على نظرة المجتمع إلى القيادة السياسية لاحقاً.
وفي ما يتعلق بالتصدعات العسكرية لحرب لبنان الأولى، وانعكاسها على المستوى السياسي، نشر الموقع الرسمي للتلفزيون الإسرائيلي تقريراً عن الحرب وسردية الخلاف والرفض لقرارات الجيش من بعض قادته. ويذكر التقرير رفض اللواء، إيلي جيفا، مواصلة القتال ومنعه جنوده من الاستمرار، وكذلك إقالة الجنرال عمرام متسناع، احتجاجاً على غزو لبنان.
وفي النهاية أسس بعض الجنود حركة "يش جفول"، التي تعني بالعربية "يوجد حدود"، والتي رفض أعضاؤها الخدمة داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما عزز مفهوم فقدان ثقة الجمهور بالقيادة السياسية والعسكرية حينها بحسب التقرير، وكان من نتائج الحرب في ما بعد تخلّي وزير الدفاع حينها، أرييل شارون، عن حقيبة الدفاع، وجعله وزيراً بلا حقيبة، وكذلك استقال في النهاية رئيس الوزراء، مناحم بيغن، بسبب الغضب الشعبي الإسرائيلي، حيث هزت الحرب صورة إسرائيل التي ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا في هذا التوقيت، وغيرها من الخلافات داخل المؤسسة العسكرية حينها.
برغم الانشقاق العسكري في حرب لبنان الأولى، لكن يمكن القول إن القيادة نفسها كانت متفقةً إلى حد بعيد في قرار الحرب، وفي أثناء الأداء العملياتي للحرب، وهي من المعارك القليلة التي اتفق فيها العسكر والساسة على قرار، لكن التصدع حدث داخل المنظومة العسكرية نفسها، وهو ما انعكس على نظرة المجتمع إلى القيادة السياسية لاحقاً
حرب لبنان الثانية
استمرت حرب تموز/ لبنان الثانية 34 يوماً، وكان من جملة أسبابها اختطاف جنديين من الجيش الإسرائيلي ومقتل ثلاثة آخرين. رأى الجمهور الإسرائيلي الحرب فاشلةً، ووجّه انتقادات حادةً إلى المستوى السياسي والقيادة العسكرية العليا للطريقة التي جرت بها الحرب، ما أدى إلى تشكيل لجنة فينوغراد، والاحتجاج العام، وكذلك استقالة رئيس الأركان، داني حالوتس، وجنرال قيادة المنطقة الشمالية أودي آدم، ورئيس الوزراء، إيهود أولمرت، وأسفرت تحقيقات فينوغراد عن أن المعركة لم تؤتِ نتائجها، بل ازدادت قوة حزب الله بعدها، وقال أمين عام الحزب حسن نصر الله، عن هذه الحرب، إنها أفقدت الإسرائيليين الثقة بالقيادة العسكرية والسياسية.
وبحسب التقرير النهائي عن الحرب للجنة فينوغراد، كان هناك تخبط بين المستويين العسكري والسياسي في الحرب التي بادرت إسرائيل بها، ولم ينجح الجيش في حماية المدنيين. ونشرت مجلة الدراسات الفلسطينية، في عددها 73، المجلد 19، بعض نتائج التحقيق في الحرب من الجانب الإسرائيلي، وكان أهمها بحسب نص لجنة فينوغراد ما يلي:
• وجدنا قصوراً خطيراً وعيوباً في طريقة اتخاذ القرارات وعمل الهيئة في المستويين السياسي والعسكري والتعامل بينهما.
• وجدنا إخفاقات وتقصيرات خطيرةً في ما يخص مدى الجاهزية وطريقة اتخاذ القرارات وتنفيذها في المستوى القيادي الأعلى في جيش الدفاع، خاصةً في القوات البرية.
• وجدنا إخفاقات وتقصيرات خطيرةً في انعدام التفكير والتخطيط الإستراتيجيين، على المستويين السياسي والعسكري على حد سواء.
• وجدنا إخفاقات وتقصيرات خطيرةً في ما يخص حماية السكان المدنيين ومواجهة حقيقة تعرّضهم للاعتداءات الصاروخية.
• إن نقاط الضعف مصدرها جزئياً الاستعداد والتخطيط الإستراتيجي والعملياتي غير الملائم في الفترة ما قبل حرب لبنان الثانية.
وعليه، كانت النتيجة النهائية بحسب المصادر الإسرائيلية، تخبطاً متكرراً بين المستويين العسكري والسياسي، وعدم الانسجام في اتخاذ القرارات سواء قبل الحرب أو في أثنائها.
علاقة معقدة بين المستويين السياسي والعسكري
على الرغم من أن القانون الإسرائيلي يؤكد أن الجيش يتلقى التعليمات من الحكومة، وهو تابع للحكومة برئاسة وزير الدفاع، لكن الكاتب الإسرائيلي، شمعون حيفتس، في مقالته التحليلية على الموقع المتخصص في الشؤون العسكرية "يسرائيل ديفينس"، يرى أن العلاقة والانسجام بين المستويين السياسي والعسكري تغيّرت في إسرائيل على مدار السنين.
"العلاقة والانسجام بين المستويين السياسي والعسكري تغيّرت في إسرائيل على مدار السنين. وأكد على ضرورة أن يتفهم الجيش طبيعة الاحتياجات السياسية للمجتمع".
وأكد على ضرورة أن يتفهم الجيش طبيعة الاحتياجات السياسية للمجتمع، واقتبس رأي أول وزير دفاع إسرائيلي، وهو دافيد بن غوريون، الذي قال: "العقل العسكري يرى بالضرورة كل شيء من وجهة نظر الجيش ولا يعرف دائماً كيفية تقييم الاحتياجات الأخرى للبلاد". ويرى حيفتس أنه من البديهي أن يكون المستوى العسكري تابعاً للمستوى السياسي ولا يجب أن يحيد عنه.
استحوذت العلاقة المعقدة بين المستويين السياسي والعسكري على اهتمام الباحثين والأكاديميين في إسرائيل، وناقش كتاب "العلاقة بين المستوى المدني السياسي والمستوى العسكري"، للمؤلف فينحاس حزقيالي، طبيعة الخلافات الأزلية بينهما. ويرى الكاتب أن الخلافات سببها "اختلاف وجهة النظر للاحتياجات وبسبب اختلاف المصالح التي يمثلها كل جانب. في بعض الأحيان، تنبع المشكلة من أن الشخص الذي يشغل منصباً سياسياً كان حتى وقت ليس ببعيد، برتبة عسكرية عليا".
ويرى يجيل ليفي، في كتابه "إطلاق النار وعدم البكاء: عسكرة إسرائيل الجديدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين"، أن السياسي في إسرائيل هو العسكري ذاته، وأن المستوى السياسي يغلب على تفكير أهله دوماً الحل العسكري، لأن معظم القادة السياسيين، كانوا عسكريين قبل تقلّدهم المناصب السياسية.
ونشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، دراسةً بعنوان: "الانحرافات في العلاقات بين الرتب السياسية والعسكرية في عصر عدم الاستقرار السياسي: معانيها وسبل تصحيحها"، للبروفيسور مئير الران، والبروفيسور كوبي ميخائيل، قالا فيها: "اتسمت العلاقات بين المستوى السياسي والعسكري منذ قيام الدولة بالتوازن المعقول بين الخلافات والاتفاقات، وفي السنوات الأخيرة، يبدو أن التوازن المطلوب قد تم تقويضه بسبب التسييس المتحيز لاعتبارات شخصية وحزبية بدلاً من اعتبارات الدولة"، واستشهد الكاتبان بمواقف عدة أظهرت التخبط بين الجيش والحكومة في السنوات الأخيرة، مثل عدم إشراك الجيش في مناقشات صفقة القرن كمثال، وكذلك اتفاقات السلام مع الدول العربية مثل "اتفاق أبراهام"، وترى الدراسة أن من أسباب الصراع غموض المستوى السياسي عند اتخاذ القرارات وعدم إشراك المستوى العسكري فيها، وهو ما يدفع العسكريين لمهاجمة السياسيين حال الفشل في الحروب والعمليات.
دراسة أخرى لمعهد دراسات الأمن القومي، ترى أنه منذ قيام الدولة تم وضع الأمن في مركز الوجود الإسرائيلي، بسبب موقع إسرائيل الجيو-سياسي والتهديدات التي تواجهها من جيرانها، لذلك يكون الجيش شريكاً أساسياً في السردية الأمنية الإسرائيلية، سواء داخلياً أو خارجياً، فنجد الجيش مكلفاً بتقييم التهديدات الخارجية للحكومة. ولهذا يعرّف البعض المستوى المهني العسكري بأنه شريك حاضر، ولو لم يكن دائماً، في عمليات صنع القرار وتنفيذه في شؤون الأمن القومي.
"الرصاص المصبوب" 2008 بين إسرائيل وغزة... لا مجال للخلاف
سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في 2007، بعد انسحاب إسرائيل من القطاع في 2005، وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، شهد القطاع أول حرب مفتوحة ضد الاحتلال، في عملية سُمّيت "الرصاص المصبوب"، والهدف الأساسي منها كان إنهاء حكم حماس في القطاع وسيطرتها عليه، واستعادة الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، ورأى وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، إيهود أولمرت، أن الحرب حققت أهدافها وتجاوزتها، بتدمير نحو 60% من أنفاق حماس، واتسمت هذه الحرب بتوافق نسبي بين المستوى السياسي والعسكري على الأهداف والمخططات.
في إسرائيل... "اتسمت العلاقات بين المستوى السياسي والعسكري منذ قيام الدولة بالتوازن المعقول بين الخلافات والاتفاقات، وفي السنوات الأخيرة، يبدو أن التوازن المطلوب قد تم تقويضه بسبب التسييس المتحيز لاعتبارات شخصية وحزبية بدلاً من اعتبارات الدولة"
وكُلّفت قيادة الأركان بالتعامل مع وسائل الإعلام لتوضيح التفاصيل، وهو ما يُعدّ نظرياً مساحةً لإشراك العسكريين في مخاطبة الجمهور، ما زاد الزخم والتأييد للحرب من قبل الجمهور، حيث أيد 91% من الإسرائيليين حينها الحرب، وكان هناك توافق بين المستويين العسكري والسياسي. وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد حققت الحرب أهدافها، ونجح الجيش تكتيكياً، ما دفع بعض أعضاء الكنيست للمطالبة بتوسيع الأهداف واحتلال غزة، بل حظيت الحرب على تأييد اليسار الإسرائيلي الذي يدعو للسلام في ظاهر الأمر، مثل حزب ميرتس، لذا يقدر الكثير من المحللين والعسكريين الإسرائيليين أن حرب 2008 لم تشهد خلافاً جوهرياً بين المستويين السياسي والعسكري.
"عامود السحاب" 2012
لم تستمر هذه العملية طويلاً. بدأتها إسرائيل في عهد رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، إيهود باراك، وأصر رئيس الأركان وقتها، بني غانتس، على أن يكون قائد كتائب القسام، أحمد الجعبري، هو الهدف الأساسي، وبالفعل اغتالته إسرائيل. حظيت هذه العملية بتأييد مطلق من النظام السياسي الإسرائيلي، سواء من أحزاب اليمين أو اليسار. ويرى البوفيسور الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، إيال زيسر، أن الإنجاز البارز للعملية هو أن حماس، للمرة الأولى منذ تأسيسها، وافقت على إلقاء سلاحها والتخلي عن المقاومة، ووافقت على أن تكون "شرطياً نيابةً عن إسرائيل ملتزماً بالحفاظ على السلام على طول الطريق"، ومدح الإعلام الإسرائيلي القيادة السياسية والعسكرية وتوافقها بعد الحرب، والتي كان من نتائجها، عدم إطلاق أي صاروخ على إسرائيل لمدة شهرين كاملين بعد الحرب، ما دفع الكاتب الإسرائيلي، أفي يساخروف، في موقع "والا" لكتابة مقالة بعنوان "من فضلكم لا تنزعجوا: إسرائيل ومصر وحماس تحافظ على السلام في غزة"، تناول فيها الهدوء الذي تحقق بعد العملية، وبشكل عام لم يكن هناك خلاف بين المستويين السياسي والعسكري في هذه الحرب.
"الجرف الصامد" 2014
كانت عملية "العصف المأكول" كما تسمّيها "المقاومة الفلسطينية"، من أطول الحروب التي خاضها الاحتلال ضد القطاع، وبدأت في السابع من تموز/ يوليو 2014، وسمّتها إسرائيل "الجرف الصامد".
عملية "حارس الأسوار" عام 2021، كشفت عن سلسلة من الإخفاقات في إعداد وعمل الجيش وفي قيادة حكومة مرتبكة وعاجزة.
كان نتنياهو حينها يرأس الحكومة، بينما كان موشيه يعالون، وزيراً للدفاع، وأيّد الجميع في إسرائيل هذه الحرب، سواء على المستوى الشعبي أو السياسي، حتى المعارضة وقتها بزعامة يتسحاق هرتسوغ، أيّدتها إذ يقول هرتسوغ: "لا يوجد خلاف بين المعارضة والائتلاف في هذا الشأن، نحن نخوض معركةً عادلةً من أجل صورة الدولة وصورة شعب إسرائيل"، وفي ما يتعلق بسردية توافق المستويين السياسي والعسكري في تلك العملية أو تعارضهما، كان هناك توافق واضح، بسبب أن نتنياهو ينتمي إلى حزب الليكود، وهو حزب موشيه يعالون وزير الدفاع نفسه، فلم تظهر خلافات في أثناء إدارة المعركة، والخلاف كان مع وزراء آخرين خارج الليكود.
فمثلاً وزير الخارجية حينها، أفيغدور ليبرمان، عارض نتنياهو ويعالون ورئيس أركان الجيش، بني غانتس، وعدّهما فكراً واحداً، لذا أعلن فك الشراكة والانسحاب من الحكومة، بسبب معارضته قرار وقف إطلاق النار الذي اتخذته القيادة السياسية والعسكرية، وهو مؤشر على انسجام متخذ القرار السياسي حينها وهو نتنياهو، مع العسكر في تلك الحرب.
عملية "حارس الأسوار" 2021
بدأت عملية "حارس الأسوار"، كما تسميها إسرائيل، أو "سيف القدس" كما تسميها "المقاومة الفلسطينية" في العاشر من أيار/ مايو 2021، بعد التصعيد في حي الشيخ جرّاح، واقتحامات متكررة للمسجد الأقصى، حيث أطلقت "المقاومة" نحو 4 آلاف صاروخ على المستوطنات الإسرائيلية، وكانت هذه الحرب هي الثالثة لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل حينها، وكان وزير الدفاع بني غانتس. لكن إسرائيل فشلت في هذه الحرب، بل ازدادت قوة حركة حماس، ونجحت في توسيع شعبيتها، حتى داخل الضفة والقدس، وخارج فلسطين بالكامل، ولم ينكر الإسرائيليون أنفسهم فشلهم في الحرب، حيث اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، يائير لابيد، الذي كان حينها زعيماً للمعارضة، بأن الحكومة فشلت من الناحية السياسية في الحرب، وأن قوة حماس تعاظمت، واتهم نتنياهو بعدم وجود سياسة أو خطة لمواجهة حماس.
وتحدث رون بن يشاي، في مقالة له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن الإخفاقات والفشل في هذه الحرب، فلم يتمكن الجيش من تدمير أنظمة إطلاق الصواريخ، واحتفظت حماس بأسلحتها بعد الحرب. ويقول المحلل السياسي ألوف بن، في صحيفة "هآرتس"، إن عملية "حارس الأسوار" كشفت عن سلسلة من الإخفاقات في إعداد وعمل الجيش وفي قيادة حكومة مرتبكة وعاجزة، ويضيف: "لقد ألحقت حماس أضراراً جسيمةً بنسيج الحياة الطبيعي من تل أبيب إلى الجنوب، ولا يبدو أن الجيش الإسرائيلي قادر على منع ذلك أو إيقافه حتى بعد أسبوع ونصف من تبادل إطلاق النار"، وكلها دلالات على التخبط بين المستويين السياسي والعسكري في هذه الحرب التي لم تؤتِ ثمارها، بل كانت نتيجتها الحتمية فشل إسرائيل سياسياً وعسكرياً.
"طوفان الأقصى"... لا جيش ولا حكومة
اقتربت عملية "طوفان الأقصى" التي بدأت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من إتمام شهرها الأول، وهي الأعنف من حيث شراسة الاحتلال تجاه المدنيين في غزة، فقد تجاوز عدد الشهداء عشرة آلاف، والأرقام تزيد كل لحظة، وبرغم أنها أكثر حرب دمويةً خاضتها إسرائيل حتى الآن، لكن التخبط بين المستوى السياسي والعسكري هو الحاكم والفارض نفسه وبقوة على سيناريوهات الحرب، خاصةً في ما يتعلق بعملية الاجتياح البري الشامل للقطاع، فالجيش بقيادة يوآف غالانت، يصرّ على عملية الاقتحام، بينما يرفض نتنياهو ذلك، وبين الحالتين، نجد تخبّطاً غير مسبوق تشهده إسرائيل بين المستوى السياسي والمستوى العسكري.
أصبحت عملية اقتحام القطاع معضلةً كبيرةً وتحدياً أمام الجيش والحكومة على حد سواء، وتناولنا في رصيف22، حالة الصراع العنيفة بين الجيش والحكومة في عملية اتخاذ القرار؛ فيرى نتنياهو أن الأفضل هو عدم التعجل في الاقتحام، وممارسة سلاح الجو لمهامه حتى يتم تدمير الأنفاق، بينما يرى الجيش ضرورة الاجتياح البري. لكن الحدث الأبرز هو اتهام نتنياهو للعسكر بالفشل، خاصةً رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وكذلك الشاباك، حيث لم تتوقع الأجهزة الأمنية فكرة شنّ هجوم من قبل حماس، وبهذه الكيفية، وبعدها تراجع نتنياهو عن حديثه، واعترف بأنه أخطأ في حديثه، واعتذر عن ذلك وأعلن دعمه بعدها لقادة الأذرع الأمنية، لكن موقفه الهجومي على الجيش لم يكن حالةً لحظيةً، بل بدأت منذ الشهور الأولى لولاية نتنياهو الحالية في الحكم، حينما حاول إقالة غالانت من منصبه كوزير للدفاع.
وحذّر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في السابع من أيلول/ سبتمبر الماضي، من الخلافات بين المستوى السياسي والعسكري في الحكومة الحالية، وهو ما خلق حالةً من القلق بحسب الدراسة التي تحدثت عن خلافات الحكومة السياسية المتمثلة في نتنياهو والمستوى العسكري المتمثل في وزير الدفاع وباقي الأجهزة الأمنية، خاصةً بعد خطة الحكومة ورغبتها في إنفاذ إصلاحات قضائية وقانونية، وهو ما لم يلقَ ترحيباً وسط ضباط الاحتياط بالجيش. وتشير الدراسة إلى أن الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري انعكس في لغة الخطاب الموجهة إلى الجمهور، ما خلق أزمة ثقة، حتى أن موقف قادة الجيش الحالي المعارض لسياسة نتنياهو انتقل إلى الجنود أنفسهم، ففي 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هاجم أحد الجنود نتنياهو حينما كان يزور أحد المواقع، وسبّه في مقطع مصوّر انتشر بشكل واسع.
حظيت خلافات نتنياهو وغالانت على تغطية وتحليل واسع لدى الأوساط الإسرائيلية، لأنها طغت على المعركة الدائرة حالياً، وهو ما يدفعنا للقول بأن إسرائيل تشهد حالةً من التباري بين مستواها السياسي ومستواها العسكري في عملية "طوفان الأقصى"، خاصةً أن نتنياهو يرفض تماماً تحمّل مسؤولية الهزيمة في العملية، بسبب أن التقارير التي وردت إلى مكتبه من القيادات الأمنية كانت تشير إلى أن حماس لن تشنّ حرباً، وحالة الخلاف الحالية تدفعنا لانتظار مصير سوداي ينطوي على مزيد الاتهامات المتبادلة بين المستويين السياسي والعسكري بعد انتهاء الحرب، وسيتم بالطبع كما في الحروب السابقة، تشكيل لجنة تحقيق، لتبحث عن أسباب الهزيمة، ومن المؤكد أن حالة عدم الانسجام الحالية ستكون حاضرةً على الطاولة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع