شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ما الذي يمكننا حقاً عمله من أجل الفلسطينيين–هنا والآن؟

ما الذي يمكننا حقاً عمله من أجل الفلسطينيين–هنا والآن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الخميس 9 نوفمبر 202311:19 ص

ثلاثون يوماً مرّ على أحداث السابع من تشرين أول/ أكتوبر، والغرض مما أكتبه هنا هو، وفي ضوء استعراض ما حدث وقيل خلال هذا الشهر، أن أقف على إجابة أوضح للسؤال الكبير الذي يقضّ مضاجعنا: أليس بيدنا حقاً ما يمكننا فعله هنا - في الجوار - والآن - أثناء الاجتياح الإسرائيلي - من أجل الفلسطينيين في غزة، وفي الضفة، وفي الداخل، وفي الجوار، وفي العالم؟

انقشعت في هذا الشهر أوهام كثيرة. ونشأت أوهام أخرى وانقشعت، أو يفترض أن تكون انقشعت أو على الأقل ضعفت. هناك في اللحظة الأولى: (حدود) الأمن الإسرائيلي، وموت القضية الفلسطينية، وحدود وإمكانات حركة التحرير والمقاومة المسلحة. في اللحظة الثانية: (حدود) الانقسام (والضعف) الإسرائيلي، صلاحية المقارنات التاريخية المفرطة، وجود أي إجماع على نوع ما من التمييز والتعريف للمقاومة العنفية ومقوماتها وأهدافها؛ ما الكفاح المسلح وما الإرهاب وهل يحدث أن يتداخلا؟ من المدني ومن الأعزل ومن العسكري وما معنى "أبرياء"؟ أين المستوطنة وأين إسرائيل بالمعنى المضبوط (إن وجدت) وأين فلسطين المراد تحريرها (ومم وممن)؟ في اللحظة الثالثة (والرابعة وهكذا تباعاً): الحصانة الإسرائيلية أمام النقد والمحاسبة والضغط، (حدود) الضغط والانقسام الدولي وداخل الدول والأروقة والمنظمات الأممية، (حدود) الضغط الشعبي والإعلامي على الأخص في أوروپا والولايات المتحدة، صمود السرديات الإسرائيلية العتيد في مقابل حصار السرديات الفلسطينية، الروح الانتصارية لدى المتحمسين لعملية طوفان الأقصى بما يشمل الاتكاء على ورقة الرهائن والرهان على توسيع رقعة المواجهة، عجز العسكرية الإسرائيلية عن الاستمرار في عمليتها بسبب حسابات الأثمان المتنوعة بما يشمل تفاقم الكارثة الإنسانية، انفجار الشعوب العربية وتعرض الأنظمة العربية لتهديد جدي داخلي، القانون الدولي والنزعة الإنسانية الغربية وخطاب حقوق الإنسان وحرية التعبير.

أمام المشهد المتسارع وضخامته وتناقضاته وتحولاته، ومع تحطم الأعصاب وتلقي الصدمات، وتحت الشروط القمعية الرهيبة، المتوقعة والمفاجئة، على الأرض وعلى الأثير وفي كل مكان، يحاول كل منا الاستيعاب عاطفياً وذهنياً، صوغ معنى لما يجري وفهم مغزاه أثناء محاولة التعاطي معه والاستجابة له

أمام المشهد المتسارع وضخامته وتناقضاته وتحولاته، ومع تحطم الأعصاب وتلقي الصدمات، وتحت الشروط القمعية الرهيبة، المتوقعة والمفاجئة، على الأرض وعلى الأثير وفي كل مكان، يحاول كل منا الاستيعاب عاطفياً وذهنياً، صوغ معنى لما يجري وفهم مغزاه أثناء محاولة التعاطي معه والاستجابة له.

وجراء اكتشاف قسوة الحدود الموضوعة أمام الفعل والتظاهر، على الأخص في بلدان الجوار والعالم الناطق بالعربية، يصب جهدنا وتضامننا في: المتابعة، التعبير عن التضامن إلكترونياً والمساهمة في حشد التعاطف وفضح الأكاذيب وإفحام مؤيدي إسرائيل والتحايل على الخوارزميات أثناء إعادة اكتشاف أساليب الوسائط الاجتماعية في زمن الحروب الإسرائيلية، انتظار الإغاثة والصراخ على الإنترنت والتبرّع، إكبار الصمود الفلسطيني (أياً يكن معناه) والتعويل على نجاح المقاومة في صد العدوان (أياً يكن معناه)، إطلاق وترديد دعوات الحرب والجهاد أثناء إعادة اكتشاف ماهية الأنظمة والجيوش العربية والتباكي على خذلان الأمة لفلسطين، التوعية وتقديم التوصيات السياسية والاستراتيجية على حساباتنا الاجتماعية وفي مقالات الرأي وبالصوت والصورة، ولننس هنا تماماً ظاهرة الإتجار بالفلسطينيين على المواقع الاجتماعية في سبيل المشاهدات والاعجابات والاشتراكات والنجومية وفي أفضل الأحوال تسجيل النقاط.

ويحاول البعض منا أن يتجاوز محاولة المواكبة الشاقة بأن يحلق فوق اللحظة ويستشرف المستقبل القريب والأقل قرباً: نتيجة الحرب، نهاية العملية (أم العمليتين؟)، كيف ستدار غزة، إعادة الإعمار، محاسبة إسرائيل لنتنياهو ونظامه والأجهزة الأمنية ومواجهة الإرهاب اليهودي اليميني الاستيطاني وإعادة ترتيب البيت وإدارة الصراع بعد نتنياهو، ملاحقة مجرمي الحرب دولياً، أثر الانقسام الجيلي الأمريكي على الانتخابات، خسائر ومكاسب الأنظمة، المصري والسعودي والإماراتي، وخسائر ومكاسب محكوميها، لبنان وإيران وروسيا، الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مصير فلسطينيي الضفة والقدس والداخل، الرأي العام الإسرائيلي بشأن المستقبل مع الفلسطينيين والجيران، الرأي العام الفلسطيني بين مخاطر المزيد من التجذر الإسلامي وإيثار السلامة لأجل طويل، عودة اليسار الإسرائيلي من غربته المتعمقة مع يسار أوروبا وأمريكا، إمكانية صعود مقاومة فلسطينية غير إسلامية، ارتداد القضية لمجرد قضية إنسانية أو مواصلة إحيائها سياسياً جنباً إلى جنب، أو بعد الكارثة الإنسانية وأتون الحرب.

ولكن وسط كل أفعال المشاهدة من ناحية (ماذا يحدث) وتوقع السيناريوهات والتحليلات المعمقة من ناحية أخرى (لماذا حدث ما حدث وعم سيسفر)، لنركز على نقطتين أقرب ما يكون إلى مركز محدد وقابل للإمساك به في قلب هذه العاصفة الكبرى، وللمضي كذلك في اتجاه ما، عساه يكون مشاركة في كتابة السيناريو وليس مجرّد تقييم للمشهد. هناك الآن سؤالان بسيطان هما:

1. هل هناك مآل مباشر واضح للوضع القائم في غزة قبل 7 أكتوبر/تشرين أول يمكننا الاتفاق عليه إلى هذا الحد أو ذاك، أياً يكن مقدار ما هو مجهول بشأن طبيعة التحول الجاري والقادم؟

2. كيف يمكننا تطوير أفضل نتاج للسابع من أكتوبر/تشرين أول، والبناء على زخمه الهائل، وتوسيع رقعة المواجهة زمنياً ومكانياً على صعد أخرى سلمية أي غير مسلحة أو عسكرية، على نحو يتعامل بكل حصافة ممكنة مع آلة القمع الجبارة القادرة على ملاحقة الأصوات بغلظة وتدمير أي حراك في مهده، وهي آلة قد لا تزداد الآن إلا قوة ووحشية في ضوء كل التطورات؟

أقترح أن الإجابة على السؤال الأول هي شيء من هذا القبيل: بينما نعرف أن السابع من أكتوبر/تشرين أول نسف الوضع القائم نسفاً، ولا نعرف إلامَ ستنتهي إسرائيل حتى في المدى المنظور، فإن حماس كما نعرفها انتهت. قد تبقى كتنظيم سرّي واحد أو متعدّد منقسم أو بصبغة جديدة في غزة وفي المنفى، لكنها خرجت من الحكم الذي لم تكن تريده من الأصل لأنها رفضت أوسلو والاعتراف بإسرائيل.

في أفضل الأحوال إذن - بالنسبة إلى مؤيدي حماس - ستعود إلى سابق عهدها كتنظيم مسلّح أياً تكن درجة نجاح إسرائيل في إضعاف إمكاناته العسكرية وتصفية قياداته وتقليل عديده من المقاتلين، بما يشمل حركة المقاومة الفلسطينية عموماً.

لكن غزة، وإلى أجل غير معلوم، غير قابلة للحكم، لحكم كائن من كان. لن تعود غزة إلى أي وضع سابق، لا إلى ما قبل طرد فتح، ولا إلى زمن الاحتلال المباشر والاستيطان، ولا إلى الإدارة المصرية للقطاع، وإنما ستذهب إلى وضع جديد فريد، قد يكون خليطاً من عناصر من كل هذا أو بعضه أو أكثر منه، يمكننا فقط تخيله وتخيل الوضع الفلسطيني (والمصري)  ككل في ضوئه، ومن ثم تخيل المستقبل الذي ستمتد فيه تحركاتنا نحن الآن والزخم القابل لكل الاحتمالات، ليس حسب الظروف فقط، وإنما حسب قدراتنا وإرادتنا الجماعية أيضاً، وهو ما يقودنا إلى محاولة تلمّس إجابة للسؤال الثاني، أي السؤال الأصعب والخاص بمسؤوليتنا نحن.

غزة، وإلى أجل غير معلوم، غير قابلة للحكم، لحكم كائن من كان. لن تعود غزة إلى أي وضع سابق، لا إلى ما قبل طرد فتح، ولا إلى زمن الاحتلال المباشر والاستيطان، ولا إلى الإدارة المصرية للقطاع، وإنما ستذهب إلى وضع جديد فريد، قد يكون خليطاً من كل هذا أو بعضه أو أكثر منه

من نحن؟ نحن المناصرين للفلسطينيين خليط شتى من أشياء كثيرة جداً متنوعة ومتنافرة ومتناقضة، وإذا اقتصرنا على المصريين المقيمين بمصر، ممن لديهم تصور لمشروع تحرّر أياً يكن نصيبه من الجدية - وليس مجرد تعاطفات وتمنيات وصلوات - فهناك بشكل واضح وعام: وطنيون/قوميون/عروبيون، وإسلاميون، وطبعات مختلفة من يسار تقدمي علماني.

ولأسباب كثيرة، على رأسها تقييد السؤال بالخيارات السلمية وغير الصدامية مع الدولة المصرية، فسأقصر إجابتي المقترحة (كيف يمكننا) على هؤلاء الأخيرين باعتبارهم نحن، وباعتبار حالتنا من التشرذم والانقسام وضعف التنظيم (أو انعدامه) على الأخص بعد عقد من القمع الشديد أضعف كذلك قدرتنا على التعبير والتواصل والتأثير وتطوير الأفكار والخطاب، ناهيك عن اتخاذ خطوات عملية. لكن قصر الإجابة علينا نحن هؤلاء لا يجب بالمرة أن يعني استبعاد بقية المناصرين على اختلاف ميولهم، وعلى الأخص الأجيال الأحدث سناً والتي يمثل ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين أول مرحلة بالغة الخطورة في تشكل وعيها، ليس بقضية فلسطين وحدها، وإنما وعيها السياسي والتاريخي وتشكلها الإنساني بشكل عام.

باعتقادي أن مسألة الوعي هذه، شئنا أم أبينا، هي مفتاح الإجابة على السؤال، وأنني لم أصل إلى هذه النتيجة بشكل آلي وجاهز وبديهي، وإنما على نحو يكاد يكون تسليماً مريراً وكارهاً.

في رسالته المصورة القصيرة إلى معهد الدراسات الفلسطينية، وللمفارقة، يقول يانس ڤاروفاكس، ساخراً تقريباً، إن هذا ليس وقت دراسة فلسطين، وإنما وقت الدفاع عن الفلسطينيين. ونحو ختام لقاء أخير بين غادة الكرمي وأنتوني لوينشتاين (مؤلف كتاب صدر حديثا عن "المختبر الفلسطيني: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى أنحاء العالم"، تتساءل الكرمي المعجبة ببحثه: إلى متى سنظل ندرس إسرائيل بدلاً من أن نوقفها؟ وهو سؤال يتردّد فيه صدى أطروحة ماركس الحادية عشرة الشهيرة حول فيورباخ، وتوافقها المحاوِرة على أهميته الملحة باعتباره صياغة أخرى لسؤال شهير أيضاً هو: "ما العمل؟"، ويمكننا بيسر سحبه على النكبة المناخية.

هناك تنويعة مختلفة بعض الشيء على هذه الفكرة في الفعالية المناهضة للحرب التي نظمتها احتفالية فلسطين للأدب 2023، "لكننا لابد أن نتكلم: عن فلسطين والمسؤوليات التي يمليها الضمير"، إذ بينما يؤكد تا-ناهيسي كوتس على أن التعرف على طبيعة ومصدر الظلم في فلسطين- إسرائيل لا يتطلب دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط (وهو ما كرّره في لقائه مع إذاعة "الديموقراطية الآن") يعود رشيد الخالدي ويؤكد أن الانتصار لفلسطين وأخذ موقف يتطلب الإلمام بالتاريخ.

لكن كوتس يتحدّث بالأساس عن رحلته الشخصية للوعي بالقضية كـ "وافد متأخر"، وهو ما تطلب جهوداً من بينها خبرة شخصية مباشرة في فلسطين - إسرائيل، ليفاجئ كما عبّر بأن ما داهمه لم يكن تعقيد المسألة الذي يتكرّر ذكره في بلده، وإنما في الحقيقة بساطتها الشديدة. في بداية حرب البيانات التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين أول فوراً، برز تعليق كورنيل ويست المقتضب على بيان طلبة هارڤارد المثير للجدل لإدانته إسرائيل حصراً على العملية الفلسطينية وما تلاها: إنه سليم في مجمله لكنه يفتقر إلى رهافة التدقيق (أو التفصيل)، وهو الافتقار الذي استفاضت جوديث بتلر في تبيينه ونقده (ترجم مقالها إلى العربية مرتين)، حيث تناقش جدلية السياق والنسبوية وأخلاقيات العنف، انطلاقا من حجة عدم الحاجة إلى المعرفة لإدانة العنف.

سأختتم أمثلتي عن طرح هذه المعضلة بمثالين وأكتفي. في الجلسة التعليمية الأولى عن "غزة في السياق" - والعنوان الكامل بالإنكليزية لافت، على الأخص كلمة "teach-in" الضاربة في التاريخ الناشطي والجامعي الأمريكي والمقترنة بمناهضة حرب ڤييتنام - تلفت مايا مكداشي الانتباه إلى ظاهرة "العلم دون معرفة" بين البشر الشاهدين على الإبادة - أو المعرفة وعدم المعرفة في آن معاً - ويحظى رأيها بقبول المتحدثين.

يمضي عز الدين أعرج إلى ما هو أبعد وأكثر تحديداً وخطورة، إذ بلورت وأكدت له مواقف زملائه في حقل دراسات ما بعد الاستعمار ليس فقط شكوكه إزاء تمييع مصطلح "الاستعمار الاستيطاني" أو محاولة الاستيلاء الصهيوني عليه، وإنما أيضاً إزاء ما يعتبره تحويل إنهاء الاستعمار إلى استعارة مجازية أو رمزية، أي إلى موضوع أكاديمي للدراسة والفكر والتأمل فقط، وبشكل يشترط من ناحية النأي بالنفس عن الفعل والانخراط والواقع، ومن ناحية تفريغ المجهود العلمي متعدّد التخصصات من مضمونه التحرري كمجرد خطاب نقدي ثقافي معمق ورصين لظاهرة تنتمي تقريباً إلى الماضي، باعتبارها تمت وانتهت ولا سبيل إلى عكسها.

بعبارة موجزة، أصبح تفكيك الاستعمار على هذا النحو يعني تفكيكه نقدياً لا تقويضه فعلياً على أرض الواقع، بل رفض هذا التقويض إن لم يكن سلمياً أو على الأكثر عنيفاً بشكل منضبط.

كل فعل مباشر نستطيعه اليوم وإلى ما شاء الله، من الاحتجاج إلى المقاطعة إلى كل أشكال الدعم والضغط، هو رقم صفر، فإن رقم واحد وأول ما يمكننا ويجب علينا فعله هو خلق حركة جديدة منظمة مناصرة للفلسطينيين، على الأرض والأثير والورق والشاشة، هنا والآن وفوراً

إذا كان هذا هو الوضع في الغرب أو في العالم الأنگلوفوني، حيث للفعل إمكانات أكبر بكثير (كما نرى في المظاهرات والاعتصامات التاريخية الحاشدة وغيرها رغم التضييق)، وللتعبير والإنتاج المعرفي شروط أفضل بما لا يقاس (تجعل أغلب الإنتاج الجيد والمنتظم حول قضية فلسطين بالإنكليزية، بما في ذلك إنتاج بنات وأبناء منطقتنا)، فماذا عن الوعي المصري بالقضية؟ ألا يمكننا أن نصفه بالوعي الجنيني على الأكثر دون أن نحيد عن الإنصاف؟ وماذا عن جدلية المعرفة-في-الجهل من ناحية والمعرفة والفعل/الموقف من ناحية أخرى؟ هل يمكن تصور عطاء أو تضامن جدي ليس فقط في ظل القمع الداخلي الطويل وإنما بعد تاريخ طويل من تسيد نبرات وخطابات وسرديات بعينها، يمكننا أن نصفها باختصار شديد بأنها لا-تاريخية وتفتقر إلى أدنى رهافة وتفصيل وتدقيق؟

إذا كانت الحرب الرقمية على الفلسطينيين بمعناها المباشر تعود إلى سنوات قليلة وذات طابع جزئي، فإن الحرب المعرفية ضدهم في مصر أقدم وأشمل، وتشمل في أبسط وأقرب مستوياتها، حجب مئات المواقع التي تمنع المصريين اليوم من استخدام عشرات المنابر والوسائل الرقمية المناصرة للفلسطينيين، من مختلف الألوان والفئات وباللغتين العربية والإنكليزية، وقد فصَّل إدوارد سعيد في "مسألة فلسطين" تاريخ إسكات الفلسطيني وحجب المعرفة الفلسطينية في الغرب، ما ساهم في إنجاح الصهيونية.

وإذا قلنا إن كل فعل مباشر نستطيعه اليوم وإلى ما شاء الله، من الاحتجاج إلى المقاطعة إلى كل أشكال الدعم والضغط، هو رقم صفر، فإن رقم واحد وأول ما يمكننا ويجب علينا اليوم وكل يوم نحو الفلسطينيين - ونحو أنفسنا - فعله هو خلق حركة جديدة منظمة مناصرة للفلسطينيين، على الأرض والأثير والورق والشاشة، هنا والآن وفوراً، تتمحور حول إعادة تأسيس وتعميق المعرفة بإسرائيل وبالقضية الفلسطينية، وأشكال النضال في سبيلها والتفكير الجماعي حولها والتأكيد على ارتباطها الوثيق بقضايانا هنا وفي بقية العالم.

كلنا هنا بهذا المعنى وافدون جدد، ولعلنا وافدون متأخرون. ولعل من ضمن القليل الذي أثبته السابع من أكتوبر/تشرين أول - مقابل كل ما نفاه - أننا لم نتأخر أكثر من اللازم، أو أننا تأخرنا أكثر من اللازم لكن هذا لم يعد مهماً ولا يمكن أن يوقفنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image