شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بعد توقيف سجناء إرهاب فارين... هل سجون تونس مخترقة؟

بعد توقيف سجناء إرهاب فارين... هل سجون تونس مخترقة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الثلاثاء 7 نوفمبر 202301:47 م

تمكنت تشكيلات من الأمن والجيش التونسي، صبيحة 7 نوفمبر/تشرين الثاني  من القبض على أربعة إرهابيين فارين من سجن تونسي.

عثرت عناصر الجيش على هؤلاء متحصّنين في جبل بوقرنين في حين ألقي القبض على آخر بمساعدة من المواطنين قبلها بيومين.

نشرت وزارة الداخلية بياناً "تشكر فيه جميع وحداتها التي لا تدخر جهدا في مكافحة الإرهاب وتعقب الإرهابيين والتصدي لهم حماية للمواطنين و حفاظاً على حرمة الوطن".

لكن عمليّة الفرار، فتحت الباب أمام التساؤلات والشكوك حول كيفية هربهم من سجن يعتبر من أكثر السجون تحصينا في تونس.

هروب هوليودي

تمكّن السجناء الخمسة المعتقلون في قضايا إرهاب واغتيالات سياسية، من الفرار من السجن المدني في المرناقية، وهو من أكبر السجون وأشدّها صرامةً في تونس في الثالث من نوفمبر.

وقد أعلمت وزارة الداخلية في بيان لها عن فرار "عناصر خطيرة فجر يوم الثلاثاء الماضي"، داعيةً المواطنين إلى التعاون مع الوحدات الأمنية فور مشاهدتهم، قصد القبض عليهم والاحتراس من العمليات الإرهابية.

المساجين الفارون شاركوا في أعنف الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس في السنوات الأخيرة

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لشباك حديدي مقطوع في إحدى الزنزانات، وحبل غليظ يتدلى من أحد أبراج المراقبة في السجن، ليشكّك كثيرون في إمكانية هروب المساجين بهذه الطريقة التقليدية، خاصةً أن السجن مجهّز بمعدات حراسة حديثة ومتطورة. وأصبحت الصور المتداولة محل سخرية واستهزاء من قبل التونسيين، الذين أعربوا عن شكوكهم في حادثة الهروب المعلن عنها، حتى جاء خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد، صريحاً ووصف الحادثة بأنها عملية تهريب.

وقد شدد سعيّد، خلال لقائه وزيرة العدل، على ضرورة التدقيق في ملابسات حادثة تهريب المساجين والوصول إلى منفّذ العملية، ومن خطّط لها، سواء من الداخل أو الخارج، عادّاً أن هذه العملية لا يمكن أن تحصل إلا بتخطيط من جهات لا يمكن أن تكون وراء القضبان.  

الهروب بتواطؤ داخل السجن؟

يرى الخبير الأمني علي الزرمديني، أن عمليات الفرار يمكن أن تقع في كل السجون بما فيها السجون التونسية، وكذلك التجاوزات مثل تسريب الوثائق وغيرها، لكن عمليةً بهذا الحجم والنوعية هي وفق وجهة نظره نتيجة لتواطؤ داخلي من المؤسسة السجنية التي كانت دائماً بعيدةً عن هذا.

ويرى محدث رصيف22، أن طريقة الهروب التي تم الترويج لها تُعدّ "مشهداً كاريكاتورياً وأبعد مما يمكن أن يصدّقه إنسان عاقل يعرف المقاييس الأمنية داخل السجون وكيفية بنائها".

ويوضّح أن مفهوم التضليل والمغالطة يدخل في عقيدة الجماعات الإرهابية، و"هو عنصر أساسي قائم لدى كل هذه الجماعات لتوجيه التحقيق نحو أهداف ومبادئ غير حقيقية".

ويوضح الزرمديني، أن الجماعات الإرهابية مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً، ولديها المنهج نفسه الذي تعتمده جميعها بالصورة نفسها، وينبع من الممارسات التي تتقنها هذه الجماعات، مشدداً على أنّ التخطيط لهذه العملية تم من الخارج ونُفّذ بأيادٍ تونسية.

ويرى الخبير الأمني أن التخطيط للعملية لم يتم في أسبوع أو شهر، وأن "العملية استغرقت وقتاً، وتواصل تحضيرها على مدى طويل، قبل أن تُنفّذ. لكن فكرة التهريب موجودة منذ دخول المجموعة للسجن".

ويضيف الزرمديني أن هناك عناصر خارجيةً دبّرت للعملية، واستقطبت أفراداً من داخل السجن عبر منهجية معيّنة، سواء بالمال أو بأي شكل آخر من الأشكال، كما تم التواطؤ مع أطراف خارج السجن لتسهيل هروب المساجين إلى مكان بعيد.

ويوضح الخبير الأمني أن "هناك ثغرةً كبيرةً تخص الأمن داخل السجن. فالمجموعة التي ساعدت ونفّذت وخططت لا تقتصر على الأطراف التي تم توقيفها، فلا يمكن تنفيذ العملية من قبل أربعة أو خمسة أشخاص في سجن محصن تحصيناً أمنياً وله ثوابت أمنية. هناك تقصير على مستوى الاستخبارات الداخلية داخل السجن وهناك ثغرة أمنية واسعة أدت إلى هذا الفعل الإجرامي الإرهابي".

ويرى علي الزرمديني، أن المؤسّسات الأمنية، بما فيها المؤسسة السجنية، شهدت ارتباكاً على مدى العشرية الأخيرة، والتداخل في شأنها أثّر عليها، مبيّناً أن هذه المؤسسة لديها تقاليدها، وأنها أبعد ما يكون عن كل الشبهات، إلا أنَّ زرع عناصر فيها تسبب في مثل هذه الثغرات، مشدداً على ضرورة مراجعة للأفراد ولكل الخطط الأمنية وإحياء المفاهيم الأمنية الصحيحة التي حاولوا ضربها في عقيدتها على أن تكون عملية الإصلاح شاملةً.

هل العناصر الفارة خطرة على تونس؟

عن مسلسل الهروب وإمكانية خطر الجماعات الإرهابية على أمن تونس، يؤكد الباحث أن على المجتمع التونسي أن يتحصن أكثر من هذه الجماعات، مؤكدا على خطورتها وعلاقتها بتنظيمات إرهابية دولية.

وكانت تونس قد عاشت على إيقاع أعمال إرهابية وانتشار لجماعات متطرفة بعضها يوالي تنظيم الدولة الإسلامية، حاولت التسلّل إلى البلاد، قبل سنوات، لكنها جوبهن بحزم من طرف السلطات الأمنية والشعب التونسي.

أثارت قضية فرار سجناء متهمين بالإرهاب التساؤلات حول كيفية تمكّنهم من الفرار، وسط حراسة مشددة وإجراءات أمنية يؤمّنها السجن

وعن الخطر الإرهابي يقول الزرمديني: "برغم هذه الهوّة، يجب أن تكون رؤوسنا مرفوعةً، وننظر إلى المستقبل بكل ما يقتضيه الأمر، ولا نسقط في الخطة التي وضعوها، وهي إرباك المجتمع والتأثير على معنويات الأفراد. الشعب التونسي عليه أن يواجه الإرهاب الذي ما زال موجوداً وتسعى جهات إلى تغذيته وتفعيله".

ويؤكد المتحدث على "ضرورة وضع الأجهزة الأمنية لكل الاحتمالات أمامها، وكأنها حقيقة، والتنسيق مع الأطراف المجاورة، والعمل في العمق الأمني من الداخل قبل النظر إلى الخارج"، لافتاً إلى أنه من خلال معرفته بالعديد من الضباط وتدريسه لهم تعرّف على خصالهم ووطنيتهم وإخلاصهم، لكن هذا لا يمنع وجود بعض الأطياف التي تسيئ إلى المؤسسة وهي أقلية.

تحقيقات وإقالات

أثارت حادثة تهريب المساجين جدلاً واسعاً، خاصةً أن العناصر الفارين مصنّفون خطيرين ومتهمين بقضايا قتل رجال شرطة واغتيال السياسيّين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ومن بين الفارين المسجون الإرهابي المكنّى بـ"الصومالي"، وهو أربعيني يُدعى أحمد المالكي، ومن ضمنهم كذلك الإرهابي رائد التواتي، الذي قُبض عليه في سفوح جبال الشعانبي.

المؤسّسات الأمنية، بما فيها المؤسسة السجنية، شهدت ارتباكاً على مدى العشرية الأخيرة، والتداخل في شأنها أثّر عليها

وتتراوح الأحكام السجنية الصادرة ضدّهم بين الإعدام والسّجن لعشرات السنين، وقد رفعت قوات الأمن في تونس من مستوى اليقظة، خاصةً أن المساجين الفارين شاركوا في أعنف الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس في السنوات الأخيرة.

وبالتوازي مع انتشار خبر فرار المساجين، قررت وزيرة العدل إقالة مدير السجن المدني في المرناقية، كما قررت إقالة خمسة أعوان في السجن، وأقيل المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة التابعان للإدارة العامة للأمن الوطني.

وتعهد القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بإجراء تحقيقات في حادثة الفرار، لكن يظل سؤال عودة المخاطر الإرهابية، مركزياً لدى الكثير من التونسيين.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

جميعنا عانينا. عانينا كثيراً، ولا نزال نعاني، من انتشار الجماعات المتطرفة والأفكار المتطرفة، ولذلك نحرص في رصيف22 على التصدي لها وتفكيك خطاباتها، ولكن نحرص أيضاً، وبشدّة، على عدم الانجرار إلى "شرعنة" ممارسات الأنظمة التسلطية، لأن الاستبداد أحد أسباب ظاهرة التطرّف، ولا يمكن التصدي لها بمزيد من الاستبداد. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image