شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هل تنام؟

هل تنام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الاثنين 6 نوفمبر 202303:58 م

هل تنام؟ ليس فعلاً.

إن كنت بسؤالك هذا تطمئنّ على حالي، فسأخبرك بأني لا أفعل. إنمّا يستنفد جسدي طاقته فيخبو. وحين يفعل تزورني الكوابيس. مشاهد عن أحداث من الماضي وشبح أشخاص يحضرون ليؤرقوا دماغي التَعِب. سأخبرك بأني مذ علمت بقتل إسرائيل لعصام، أصابني شلل كلّي. مذ رحل وأنا لا أعمل. فقدت قدرتي على التركيز. سكنني شعور بالعجز وقلة الحيلة. أتنقل بين مواقع التواصل الافتراضي والفضائيات العالمية، لأغرق من خلال الشاشة في الركام والدماء.

مشاهد عن أحداث من الماضي وشبح أشخاص يحضرون ليؤرقوا دماغي التَعِب. سأخبرك بأني مذ علمت بقتل إسرائيل لعصام، أصابني شلل كلي...

البارحة بكى ولدي، وأنا أقصّ له شعره بطلب من مدرسته. لم أسأله التوقف مُقارناً بين ما لديه، وما خسره أترابه في غزة. من بَقِيَ منهم. نظر في المرآة وسألني: كم من الوقت يلزم لينمو من جديد؟ وفي الليل انزوى في غرفته لأنه "ما بدّي شوف هالأشيا". قَصَد بـ"الأشيا"، دمار غزة وأشلاء أهلها. أتركه مع جهازه الإلكتروني المتطور وأعفيه من درس التاريخ عن فلسطين، جرحنا المفتوح. أسرق منه قبلةً حين يغفو، وأنتظر قربه حين يَشبُّ فزعاً على دوِيّ صوت الرعد، مطمئناً إياه بأن إسرائيل لم تبدأ عدوانها بعد، كما حصل معه ليلة البارحة.

أهرب ويقيني أني لن أجد مكاناً آمناً في هذا العالم؛ كما قال ميلان كونديرا. بَهُتَت المعاني؛ معنى عمر صديقي الذي انتهى فجأةً فاختفى من مشهدي اليومي، ومعنى أن أتضامن مع فلسطين على فيسبوك أمام متابعين متضامنين مع القضية نفسها...

كلا. لا أنام يا صديقي. حواسي مُستفَزَّة وبدني متشنج. أودعنا عصام تحت التراب وسافرت في الليلة نفسها، بعد أن دَبَّرتُ هروب ولدي في حال تدهورت المسألة. حملت اللابتوب وحاجيات كافية ظنّاً أنَّ السُبُلَ ستنقطع لتحولَ دون العودة لوقت طويل. تمنيت ألا أرجع. أمّا الحياة على الكوكب، فتسيرُ بشكلها الطبيعي. الناس تتسوق وتتلذذ بأصناف الطعام والشراب. المنبهرون بأضواء المدن يأخذون صوراً ينشرونها على حساباتهم الافتراضية. يعبّون من حق وجودهم على هذه الأرض، ويمتلئون به. تعنيهم الحرب الدائرة رحاها في غزة بالحيّز نفسه الذي احتلته حرب أوكرانيا في يومياتنا، نحن المشرقيين العرب. غريبٌ تفاعلنا. نُبرّر حين يحلو لنا وندين كيفما شئنا.

أهرب ويقيني أني لن أجد مكاناً آمناً في هذا العالم؛ كما قال ميلان كونديرا. بَهُتَت المعاني؛ معنى عمر صديقي الذي انتهى فجأةً فاختفى من مشهدي اليومي، ومعنى أن أتضامن مع فلسطين على فيسبوك أمام متابعين متضامنين مع القضية نفسها، ومعنى أن تحقق مبارزات بيرس مورغن الكلامية مشاهدات قياسيةً، ومعنى أن أجادل في وجوب مقاطعة العلامات التجارية الداعمة للاحتلال، وأثر الفراشة الذي يمكننا إحداثه، ومعنى أن أشتاقُكِ في الرابعة صباحاً، وأقنع نفسي بأن اللحظة الموعودة حانت لأراسلك بعد قطيعة دامت كل هذه السنوات، فربما لن نعيشَ إلى الغد. معنى أن لا أفعل. معنى أن أكتب نصاً لا أقدر على إنهائه. نَصٌ لا يعني أحداً. كآلاف أطفال ونساء استحالوا أشلاءً. كرجالٍ لا يذكرهم أحد. لن يتذكرنا أحد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image