عادة، يأتي المطر ويهرع الناس لاستقباله بفرح وحماس، لكن في الأسبوع الأخير من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، كان الوضع مغايراً بالنسبة لليمنيين، إذ جاء المطر بقوة إعصار جارف مصحوباً بالهواء العاصف، وألقى بظلال الرعب والخوف على قلوب أبناء محافظات جنوب شرقي البلاد، فالأماكن الآمنة بعيداً عن الكارثة المدمرة أصبحت حلماً لهم.
لم تتوقف الأمطار لثلاثة أيام متتالية، وعاش اليمنيون ساعات من الرعب والهلع، في حين لم يكن هناك ما يكفي من المساعدة، إذ اعتمدوا فقط على الهلال الأحمر اليمني وبعض العسكريين الذين سارعوا للتعاون معهم، لكن لم يكن بمقدورهم إنقاذ كل المتضررين.
كبار السن ممن تجاوزوا الثمانين من عمرهم لم يروا مثل هذه الأمطار والرياح من قبل.
يصف عبد الله بن ويصل، من سكان مديرية الغيضة في محافظة المهرة، المشهد بكلمات مؤثرة، ويعبر عن دهشته من قوة العاصفة وضعف البنية التحتية، ويشكر الله على النجاة والبقاء على قيد الحياة، ويعتبر ذلك نعمة كبيرة، مع عدم وقوع خسائر كبيرة في الأرواح.
يقول لرصيف22: "كأنه كان يوم القيامة، مع أصوات النساء والأطفال والأمطار والسيول التي جاءت من كل مكان، وكانت ترافقها رياح شديدة اقتلعت الأشجار ودخلت إلى المنازل التي غُمرت بالمياه بسبب تسربها من الأسطح والأبواب، كما تهدمت جميع البيوت التقليدية المصنوعة من الطين في مديرية الغيضة وحصوين دون استثناء".
مرت تلك الأيام على عبد الله وأهله بصعوبة وخوف، دون مياه ولا كهرباء ولا اتصالات، ويضيف أن كبار السن ممن تجاوزوا الثمانين من عمرهم لم يروا مثل هذه الأمطار والرياح خلال فترة حياتهم كلها.
دمار وخسائر
أسفر الإعصار عن بضع وفيات وعشرات الإصابات والمفقودين وفق التقديرات المحلية، كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن تدمير وتضرر أكثر من 600 منزل في جزيرة سقطرى، وأفادت المنظمة في بيان نشرته على منصة إكس بأن الإعصار تسبب في تدمير 300 منزل وتضرر 314 منزلاً آخر في محافظة المهرة.
وقد أفادت السلطات المحلية في أرخبيل سقطرى بأن الإعصار لم يتسبب في أي خسائر بشرية، لكنه أدى لأضرار مادية في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء اليمنية، التي أشارت أيضاً إلى أن الإعصار تسبب في تضرر نحو 50 في المائة من الطرقات في المناطق الشرقية خاصة، فتعذر الوصول إلى بعض المناطق بسبب قطع الطرق.
ووفقاً لإحصائيات مراكز الإيواء في محافظة المهرة والتي أنشئت نتيجة العاصفة تيج، يبلغ إجمالي عدد الأسر في ثماني مناطق هي الغيضة وحصوين وقشن وسيحوت والمسيلة وشحن وحات وحوف، نحو 2500 أسرة.
تأثيرات الإعصار امتدت أيضاً إلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فقد تسبب في تدمير المنازل والمنشآت العامة والخاصة وتشريد السكان، ووفقاً لتصريحات مسؤول المتابعة والتقييم في مكتب مؤسسة "ائتلاف الخير للإغاثة الإنسانية" في المهرة عوض كعيتي، فإن هناك خسائر جسيمة في المحافظة تختلف من منطقة إلى أخرى، وتشمل انهيار المنازل وانقطاع الطرقات.
كأنه كان يوم القيامة، مع أصوات النساء والأطفال والأمطار والسيول التي جاءت من كل مكان، وكانت ترافقها رياح شديدة اقتلعت الأشجار ودخلت إلى المنازل التي غُمرت بالمياه بسبب تسربها من الأسطح والأبواب، كما تهدمت جميع البيوت التقليدية المصنوعة من الطين
كما أن الإعصار أثر، وفق ما يقول كعيتي لرصيف22، على الخدمات الأساسية مثل إمدادات المياه والتيار الكهربائي. ويشير إلى انقطاع المياه والكهرباء لمدة ثلاثة أيام متتالية، وتراكم المياه الراكدة وهذا يزيد من احتمالية انتشار الأمراض.
إجراءات ضرورية
يشير كعيتي إلى أهمية اتخاذ إجراءات فورية وفعالة والعمل على تعزيز البنية التحتية للمنازل والطرقات لتحمل السيول وتقليل خطر انهيارها، وتعزيز نظام الصرف الصحي لضمان شفط المياه الراكدة وتجنب تراكمها في المناطق المأهولة، وتوفير خدمات مستدامة للماء والكهرباء للمجتمعات المتأثرة، من خلال تطوير بنية تحتية قوية واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
ويؤكد على ضرورة تعزيز التوعية والتدريب على كيفية التصرف في حالات الطوارئ، بما في ذلك التحذير من خطر الفيضانات، وتوفير إرشادات للسكان حول كيفية التعامل مع المياه الراكدة والوقاية من الأمراض، وهو أمر لا بد أن يتم بجهود المنظمات المحلية والدولية ذات الخبرة في مجال البيئة والكوارث الطبيعية، وبالتعاون الشامل بين الحكومة والمجتمع المحلي، مع ضرورة تخصيص الموارد الكافية لذلك.
في نفس السياق، يقول الدكتور عبد القادر الخراز، الأستاذ المشارك في تقييم الأثر البيئي في جامعة الحديدة: "الأعاصير مثل إعصار تيج تحدث تأثيرات لا يمكن منعها. ومع ذلك، يمكن تخفيف هذه التأثيرات باتخاذ إجراءات واستجابة مسبقة، بدلاً من الانتظار حتى وقوع الكارثة. ما يقرب من سبعة أعاصير ضربت اليمن منذ عام 2005، ما يشير إلى أننا بتنا نواجه حالة ثابتة من الأعاصير تترتب عليها أضرار جسيمة".
واستعرض الخراز هذه الأضرار بما فيها تلك المتعلقة بالبيئة الساحلية والبحرية، والشعاب المرجانية التي تلعب دوراً رئيسياً في حماية السواحل والكائنات البحرية، هذا طبعاً إلى جانب الخسائر المادية وفقدان الأرواح.
ويتابع الخبير في حديثه لرصيف22: "يجب التركيز على التخفيف من تأثيرات الأعاصير في المناطق المتضررة والتي تتعرض بشكل متكرر لهذه الظاهرة، بتدريب السكان على كيفية التعامل مع الأعاصير وتوعيتهم بالاستجابة المبكرة، وتعزيز البنية التحتية، إلى جانب توفير الملاذات الآمنة، وتطوير نظام إنذار مبكر فعّال، وتعزيز القدرات الفنية والتقنية للهيئات المعنية بالتخطيط والاستجابة للأعاصير".
وينبه المتحدث إلى قضية الاتصالات التي يمكن أن تقطع أثناء الأعاصير في المناطق المنكوبة، إلى جانب الكهرباء والمياه. ويضيف: "تلعب الاتصالات دوراً مهماً في نقل الرسائل وتسهيل الإغاثة وتوفير الخدمات الأساسية مثل الغذاء والدواء، فلا بد من التأكد من جاهزيتها أو توفير بديل لها".
كما يلفت إلى أهمية إعادة تخطيط المدن الساحلية، مع التركيز على بناء منشآت ومبانٍ وبنى تحتية مقاومة للأعاصير والفيضانات والرياح القوية، ويمكن أن تشمل هذه التدابير استخدام مواد قوية وتقنيات بناء ملائمة، وتعزيز الأساسات وتأمين النوافذ والأبواب، وتطوير نظم التصريف، مع ضرورة عدم التعدي على مجاري الوديان لتجنب الفيضانات التي يسببها ذلك، ويمكن الاستفادة من خطط وتجارب دول أخرى في ذات الإطار.
الأعاصير أصبحت ظاهرة متكررة في اليمن خلال السنوات الثماني الماضية، إذ تعرضت خلالها البلاد لسبعة أعاصير، في حين كانت الوتيرة في السابق ما لا يزيد عن عاصفة واحدة كل عشر سنوات. هنا نرى الدور الذي تلعبه التغيرات المناخية في تكرار الأحداث والظواهر المتطرفة
وبخصوص التنبؤ بأي أعاصير مقبلة، يشير الخراز إلى "ضرورة وجود مركز فعال للإنذار المبكر مجهز بجميع التجهيزات اللازمة، مثلما هو موجود في سلطنة عمان أو الهند، بما يعزز القدرة على التنبؤ بالأعاصير ويوفر المعلومات الجوية المحدّثة بشكل منتظم، مع استخدام التقنيات الحديثة لمراقبة العواصف وتتبع مسارها"، ويضيف حول أهمية أن تتعاون الدول المجاورة في المنطقة وتشكل تحالفاً في مجال الإغاثة والاستجابة للكوارث، بما يمكن أن يسهم في تبادل المعلومات والموارد والخبرات في هذا المجال.
التغيرات المناخية وزيادة تكرار الأعاصير
يلفت الخراز إلى أن الأعاصير أصبحت ظاهرة متكررة في اليمن خلال السنوات الثماني الماضية، إذ تعرضت خلالها البلاد لسبعة أعاصير، في حين كانت الوتيرة في السابق ما لا يزيد عن عاصفة واحدة كل عشر سنوات. "هنا نرى الدور الذي تلعبه التغيرات المناخية في تكرار الأحداث والظواهر المتطرفة بشكل غير طبيعي، نتيجة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض، ما يساهم في تحول الحالة المدارية بشكل سريع إلى أعاصير"، يقول.
ويواصل الخراز حديثه بشأن التغيرات المتلاحقة والمتسارعة في البيئة، قائلاً: "يجب أن ندرك أن هذه التغيرات هي أمور طبيعية تحدث على مدار فترات زمنية طويلة، لكن ليس بهذه السرعة التي نشهدها اليوم، فقد زادت الأنشطة الصناعية والبشرية المضرة بالبيئة حدة التغيرات المناخية. بمعنى آخر، فإن التغيرات التي كانت تحدث في خمسين سنة تحدث الآن في عشر سنوات".
وفيما يتعلق بالأعاصير، فهي عادة ما تتشكل في المحيطات بناءً على شروط محددة، فتبدأ كحالة مدارية وتتطور إلى عاصفة، وتزداد سرعة الرياح وحرارة سطح المياه، وعندما تصل سرعة الرياح إلى 65 كيلومتراً في الساعة والحرارة قرابة 26 مئوية، تتكون العاصفة، ومع ازدياد سرعة الرياح تتحول الحالة المدارية إلى إعصار، يترافق مع رياح شديدة وكميات هائلة من الأمطار التي تصل إلى 800 مليمتر خلال فترة الإعصار.
واليوم، من الواضح أن التأثيرات الواسعة النطاق لإعصار تيج باتت تتطلب تدخلاً عاجلاً وجهوداً مشتركة للإغاثة وإعادة الإعمار، فيجب توفير المساعدة الطارئة للسكان المتضررين، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، وتأمين الاحتياجات الأساسية مثل المأوى والغذاء والمياه النظيفة، كما يجب العمل على حماية البيئة وتأهيل النظم البيئية المتضررة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...