شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"نتخوّف من الشتاء المقبل"... ليبيّون يخشون المزيد من "الطقس المتطرف" و"سوء الإدارة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"نحن الجزء الناجي من الكارثة، وما زلنا نحصي أعداد الضحايا والغرقى حتى اليوم، خاصة أن البحر جرف مئات الجثث، وأخرى ما زالت عالقة في الوادي". بعبارات مقتضبة تحدثني هند رجب الهنيد، وهي صيدلانية ثلاثينية من سكان مدينة درنة الليبية، عندما تواصلت معها عبر تطبيق واتساب.

الفيضانات التي اجتاحت الساحل الشرقي لليبيا بسبب العاصفة المتوسطية "دانيال" قبل أيام، ووصلت ذروتها في شمال شرقي ليبيا في العاشر من أيلول/سبتمبر الجاري، تسببت وفق هند "بأثر عميق في المدينة، فاقمه انهيار السدود التي لم تحظَ بصيانة دورية منذ زمن، فاندفعت المياه السريعة والقوية فجر الاثنين وجرفت السكان القاطنين حول ضفتي الوادي، في حين نجا آخرون ممن يقطنون الجبال أو قرب السواحل".

تقول أيضاً إن جهود الإنقاذ والإغاثة مستمرة داخل درنة من قبل عشرات الجهات المحلية والدولية رغم افتقارها للتنظيم، لكن التخوّف الأكبر هو من أشهر الشتاء المقبلة، وتضيف: "الطقس حتى الآن دافئ ومشمس ويساعد على العمل، ونأمل بإنجاز وحدات سكنية للمتضررين وتصليح الطرق قبل قدوم الشتاء فهو قاسٍ جداً هنا في المدينة".

نحن الجزء الناجي من الكارثة، وما زلنا نحصي أعداد الضحايا والغرقى حتى اليوم.

ومع وصول أعداد ضحايا الإعصار إلى أكثر من 11 ألفاً في مدينة درنة وحدها وفق أرقام الأمم المتحدة حتى لحظة نشر التقرير، ترتفع أصوات ليبية، ومنها هند، للمطالبة بالمزيد من الإجراءات والاحتياطات لمنع تكرار ما حدث وضرورة الجهوزية للتعامل مع أحداث مستقبلية مشابهة، ضمن بلد يعاني انقساماً سياسياً ما بين حكومة الشرق وحكومة الغرب، وضعفاً كبيراً في الخدمات منذ قرابة عشر سنوات.

وتشير تقارير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في شرق البحر المتوسط لأكثر من المعتاد يؤدي إلى عواصف مصحوبة بأمطار غزيرة، خاصة بين أشهر أيلول/ سبتمبر وكانون الثاني/ يناير، والمياه الدافئة تجعل من هذه العواصف أكثر عنفاً وضرراً، وعلى العالم توقع المزيد من الأحداث المناخية المتطرفة وغير المسبوقة في السنوات المقبلة. كما أنه ومن المحتمل أن تكون هذه العواصف المدمرة مرتبطة بشكل مباشر بتغير المناخ، وقد أشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى أن "العاصفة دانيال هي تذكير قاسٍ آخر بالتأثير الكارثي الذي يمكن أن يحدثه تغير المناخ على عالمنا".

"الكارثة كانت أخف لو امتلكنا بنية تحتية جيدة"

خلال الأيام السابقة لوصول الإعصار إلى الشواطئ الليبية، دأبت مؤسسة "رؤية" المتخصصة في علوم الفضاء وتطبيقاته على إطلاق تحذيرات حول أوضاع صعبة يمكن أن تتسبب بها العاصفة خاصة في مصبات الأودية والمنحدرات الجبلية. "التوقعات كانت تشير إلى عاصفة ضخمة جداً ستتعرض لها ليبيا، وفعلاً كان المشهد أمامنا يوحي بأن هناك كارثة إنسانية تلوح في الأفق"، يقول عطية الحصادي مدير مجلس إدارة المؤسسة، لرصيف22.

ومع بدء العاصفة، عمل فريق المؤسسة على نشر معلومات دقيقة قدر الإمكان عن كميات الأمطار وسرعة الرياح واتجاهاتها ومناطق تركز العاصفة، مع تتبع للنداءات الإنسانية التي أطلقها أهالي المناطق التي تعرّضت للسيول والفيضانات خاصة جنوب المرج وجنوب الجبل الأخضر.

نحن الآن غارقون في المأساة والحزن، لكن نأمل بألا تمر الكارثة من دون محاسبة حقيقية، وأنا شخصياً آمل بأن تحركنا نحو انتفاضة شعبية حقيقية ضد كل الفساد والفاسدين والمؤسسات المتمترسة في السلطة

لكن الكارثة الكبرى حدثت بالفعل مع انهيار سدود درنة، إلى جانب غياب الخدمات الأساسية ما جعل الأمر أكثر سوءاً وفق تعبير الحصادي، الذي يضيف: "ما حدث كان يمكن تجاوزه رغم كميات الأمطار الكبيرة، لو كانت ليبيا تمتلك بنية تحتية جيدة، فالأمر له علاقة بهذه البنى وبسرعة استجابة الدولة، أكثر من كونه ناتجاً مباشرة وفقط عن التغير المناخي".

ويتفق ذلك مع ما نشرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عقب الإعصار، إذ قالت في بيان صحافي إن "التحذيرات بشأن هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات في ليبيا لم تعالج المخاطر التي تشكلها السدود القديمة، كما أن الوضع السياسي يشكل بدوره محركاً آخر للخطر، إذ تنتج عنه تجزئة إدارة الكوارث وآليات الاستجابة لها في البلاد، فضلاً عن تدهور البنية التحتية، ما يفاقم ضخامة التحديات، ويواجه المركز الوطني للأرصاد الجوية ثغرات كبيرة في أنظمة الرصد ونقص في الموظفين وقدرات محدودة على العمل".

يختم الحصادي بتحذير حول "الكثير من الكوارث الإنسانية في الشتاء القادم، في حال لم تتم صيانة البنى التحتية في ليبيا وإعادة بنائها بشكل جيد".

المحاسبة الحقيقية ضرورة

"على قدر ما كانت الواقعة صادمة ولعلّها أسوأ ما مر علينا نحن الليبيين، على قدر ما أننا لم نستغرب ما حدث، لعلمنا بأن البنية التحتية في بلادنا منهارة والفساد متجذر في كل مؤسسات الدولة منذ الأزل"، تحكي ابنة المنطقة الشرقية في ليبيا، الناشطة المدنية والإعلامية ليبيا إدريس لرصيف22، بصوت يختلط فيه الانفعال والحزن.

نحذر من كوارث إنسانية في الشتاء القادم، في حال لم تتم صيانة البنى التحتية وإعادة بنائها بشكل جيد.

وتعقّب: "نحنا بلاد تغرق في موسم المطر كل عام، وربي من قبل حمانا وأكرمنا بأن كنا خارج نطاق الكوارث الطبيعية، لكني كنت أعلم بأننا نعيش على كف عفريت، واليوم العفريت هز كفه والنتيجة ما وصلنا إليه الآن".

وما فاقم الوضع سوءاً وفق المتحدثة، كون إدارة الأزمة في ليبيا تفتقر للإمكانيات المطلوبة، سواء من الناحية العلمية، أو لكون هذا النوع من الكوارث جديداً على البلاد، الأمر الذي خلق رغم التآزر المجتمعي الكبير، حالة من الفوضى وعدم التنسيق، سواء في الأعمال الإغاثية أو إحصاء عدد القتلى مع عدم وجود إحصائيات دقيقة وثابتة خاصة ضمن المقابر الجماعية.

وهنا تنوّه إلى ضرورة عدم اقتصار التركيز إعلامياً وإنسانياً على مدينة درنة فقط، فهناك مدن أخرى كثيرة متضررة وأبرزها سوسة والوردية، مع انهيار المنازل والطرقات وانعدام إمكانية الوصول إليها.

وبعيداً عن الاستجابة الآنية، فإن ما يشغل بال إدريس أكثر هما موضوعان أساسيان: الأول كيفية ضمان إدارة الأموال المخصصة لصندوق إعادة إعمار درنة، فمن غير المعقول وفق رأيها أن تعيد استلام زمام الأمور ذات الجهات السياسية والإدارية التي أوصلت الليبيين إلى الكارثة الحالية. وتقول متهكمة: "أتخيل في هذه الحالة أن نتحادث بعد سنوات لأقول لك: أتذكرين عندما تحدثنا عن درنة عام 2023؟ لا يزال الحال على ما هو عليه".

وهنا تشير إلى مقترحات تسعى مع ناشطين آخرين للمناصرة لها، ومنها تكليف ليبيين تكنوقراطيين مستقلين بعيدين عن المشهد السياسي ومن أبناء المناطق المتضررة، أو لجنة دولية مستقلة، ليكونوا على رأس إدارة الأزمة، فيعملوا على انتشال ما تبقى من جثث، والوصول لأرقام دقيقة عن الضحايا، وإخلاء الأماكن المنكوبة والتأمين على حياة من بقي فيها، وإعادة الخدمات، "فالشتاء قادم ولم تعد هناك سدود تحمي درنة على وجه الخصوص، ومع أول موسم مطر نخشى أن تغرق المدينة مرة أخرى".

من جهة ثانية، تشدد إدريس على ضرورة المحاسبة، وتقول: "نحن الآن غارقون في المأساة والحزن، لكن نأمل بألا تمر الكارثة من دون محاسبة حقيقية، وأنا شخصياً آمل بأن تحركنا نحو انتفاضة شعبية حقيقية ضد كل الفساد والفاسدين والمؤسسات المتمترسة في السلطة".

الكارثة الكبرى حدثت مع انهيار سدود درنة، إلى جانب غياب الخدمات الأساسية. ما حدث كان يمكن تجاوزه رغم كميات الأمطار الكبيرة، لو كانت ليبيا تمتلك بنية تحتية جيدة، فالأمر له علاقة بهذه البنى وبسرعة استجابة الدولة، أكثر من كونه ناتجاً مباشرة وفقط عن التغير المناخي

لكنها تدرك تماماً مدى صعوبة ذلك، وتشرح: "من جهة لم تتم حتى اليوم إقالة أي شخص، ولم يقدم أي مسؤول استقالته، خاصة من وزارة الشؤون المائية وهيئة السدود والوديان المسؤولة مباشرة عما حدث، بل على العكس رأينا حكومة الوحدة الوطنية مجتمعة ضمن غرفة جميلة مكيّفة لنقاش ما حدث وكأنه بعيد كل البعد عنهم، ولم تكن لديهم تخوفات من أي نوع من التحقيق أو المحاسبة. من جهة أخرى حاول رئيس المجلس البلدي لدرنة نشر فيديوهات مفبركة عن تحذيرات حكومية أطلقت قبل الإعصار وهو أمر لم يحدث، ما يدل على الاستهزاء بالناس وبحجم الكارثة، كما أن رئيس مجلس النواب قال بما معناه أن الكارثة حصلت، ولا وقت للندم أو المحاسبة".

تلفت إدريس إلى تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصف ليبيا بأنها الدولة الوحيدة التي لا تملك برنامجاً وطنياً للتعامل مع التغير المناخي، وتضيف: "نعاني اليوم من الانقسام وغياب الحوكمة، ومن المهم أن نعرف بأن التغير المناخي ليس هو السبب المباشر والوحيد الذي أودى بحياة كل هؤلاء الناس، وإنما الفساد والإهمال وانعدام البنية التحتية. لذلك لا حل إلا بالمحاسبة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image