الإسكندرية، المدينة الساحلية الجميلة، وثاني أكبر مدينة في مصر، تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. سُمّيت على اسم الإسكندر المقدوني، الذي أمر ببنائها، بعد غزوه لمصر في القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت الإسكندرية عاصمة الحضارة اليونانية خلال العصر البطلمي، ومن أكبر المراكز فيها.
كانت فيها منارة الإسكندرية، التي كانت إحدى عجائب الدنيا السبع، وهذه المنارة عبارة عن فانوس وبرج بحري، تعلوه نار لتوجيه البحارة للوصول إلى ميناء الإسكندرية ليلاً. بُني هذا البرج في جزيرة "فاروس" الصغيرة، وكلمة فاروس، وفي لفظ آخر "فانوس"، تعني المنارة البحرية.
تم بناء هذه المنارة في عهد خليفة الإسكندر، بطليموس الثاني، وعلى يد مهندس معماري يُدعى "سوستراتوس"، وكانت تعلوها مرآة تُعرف بـ"مرآة الإسكندرية". سقطت هذه المدينة على أيدي المسلمين عام 641، وظلت منارتها الشهيرة قائمةً حتى عهد سادس خلفاء الأمويين الوليد بن عبد الملك.
كتب الأمير القاجاري فرهاد ميرزا: "في الإسكندرية، قررت محكمة العدل المدنية أن يمتلك رعايا الدول الأجنبية المتواجدين هناك، حقوقاً مدنيةً كسائر المواطنين، كي لا يمكن للحكومات الأجنبية قول إن الحكومة في هذه المدينة لا تبالي بأمر مواطنينا"
في كتاب "حدود العالم"، الذي يُعدّ من أقدم النصوص الفارسية الباقية عن جغرافيا المنطقة، وألّفه كاتب مجهول في نهاية القرن العاشر تقريباً، جاء عن الإسكندرية وفانوسها: "هذه المدينة متصلة ببحر روما وبحر تنس من الجانبين، ويوجد بداخلها فانوس يقولون إنه بطول مئتي ذراع، ومبني على صخرة في وسط البحر، وكلما هبت الرياح بشدة في البحر، تحرك الفانوس حركةً لا يمكن للمرء رؤيته معها".
الموقع الإستراتيجي لهذه المدينة جعل العديد من الإيرانيين يمرون عبر قناة السويس ويصلون إلى ميناء جدة، بغض النظر عن الذين كانوا يقصدون أوروبا مروراً بالإسكندرية. كان هناك الكثير من الحجاج الذين يعبرون من هذه المدينة في طريقهم إلى مكة، وسنلقي نظرةً على أوصاف هؤلاء السياح والحجاج، الذين خلقوا خلال رحلاتهم، صورةً لكيفية نظرة الإيرانيين/ات إلى هذه المدينة.
وبعد قرن من زيارة مؤلف كتاب "حدود العالم"، زار الشاعر والرحالة الإيراني ناصر خسرو، هذه المدينة عام 1045 تقريباً، وكتب عن أهميتها ومكانتها وفانوسها: "تقع الإسكندرية على حافة البحر الروماني، وعلى ضفاف نهر النيل، ومن خلالها يجلبون الكثير من الفاكهة إلى مصر. يوجد في بحرها فانوس عامر وكبير، يطل من جهة على المدينة، ومن جهة أخرى على البحر. وضعوا في قمة هذا الفانوس، مرآةً كبيرةً لإضاءة مسير حركة السفن القادمة إليها، وذلك من خلال انعكاس ضوء النار المشتعلة في الفانوس، وخلال تواجدي في المدينة، وبالصدفة، تسبب ضوء المرآة، باندلاع النار في سفينة رومانية، حيث أرسل الرومان شخصاً ليكسر تلك المرآة، بهدف الحد من توسع النار في السفينة. وفي هذه المدينة تروي النساء عطشهن من ماء المطر".
وبعد استيلاء العثمانيين على هذه المدينة عام 1517، أصبح حكام الإسكندرية تحت سلطة الأتراك. وبسبب توتر العلاقات بين الإيرانيين والعثمانيين، سافر عدد أقل من الإيرانيين/ات إلى الإسكندرية، ولكن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبعدما تحسنت العلاقات بين البلدين، سافر العديد من السياح الإيرانيين/ات، إلى هذه المدينة.
اختار محمد علي محلاتي، المعروف بـ"الحاج سياح"، طريق الإسكندرية للذهاب إلى مكة بين عامي 1895 و1896، والتاريخ المحدد غير معروف، إذ كتب عن الميناء وحالة العرب الذين يعيشون في الإسكندرية: "بغض النظر عن السفن القادمة إلى هذه المدينة، هناك سفينتان تأتيان من إنكلترا وتتجهان إلى الهند كل شهر، كما تنطلق سفن أخرى من ميناء الإسكندرية إلى الصين وأمريكا، وفي هذا الميناء يعمل المصريون في مجال العتالة فحسب، ولم يكن بينهم أي تجّار، فجميع التجار أجانب، وأكثرهم من اليونانيين والإيطاليين، ويتم جلب العديد من التمور والفواكه الاستوائية والعنب من خلال هذا الميناء. كما توجد في هذه المدينة مدارس دينية فرنسية وإنكليزية ومكتبة ومتحف".
في عام 1875، خطط الأمير القاجاري، فرهاد ميرزا، للذهاب إلى مكة بالعبور من قناة السويس، ووصف الإسكندرية بشكل أقرب إلى المدن الغربية. ونظراً إلى وجود الأوروبيين هناك، فإن إدارة ونظام المدينة القضائي، كانا لا يختلفان عن أوروبا. عن هذا الموضوع كتب فرهاد ميرزا: "في الإسكندرية، قررت محكمة العدل المدنية، أن يمتلك رعايا الدول الأجنبية المتواجدين هناك، حقوقاً مدنيةً كسائر المواطنين، كي لا يمكن للحكومات الأجنبية قول إن الحكومة في هذه المدينة لا تبالي بأمر مواطنينا".
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، انقطعت العلاقات السياسية بين مصر وإيران لأسباب عديدة، ودامت هذه القطيعة حتى يومنا هذا، وتسببت في عدم سفر الإيرانيين/ات إلى مصر أو الإسكندرية، للسياحة أو لأي غرض آخر
كما يقدّم شرحاً عن هذه المدينة: "بُنيت الشوارع بتسوية الأراضي في المدينة، وشُيّدت فيها المصانع وإنارة الغاز في الأزقة، إذ تكون جميع هذه الأمور، وسيلةً لتسهيل الحياة فيها وتطوير المدينة. إلى جانب ذلك، إن الإسكندرانيين أهل لطف ويتحلون بروح كرم الضيافة مع السياح".
ويتابع متحدثاً عن الظلم الذي يمارسه الأتراك على السكان: "قال أحدهم إن الرعايا المصريين يأكلون الشوك ويحملون الأثقال، كما أن النساء والفتيات يعملن في الشارع الجديد الذي يبنونه في المدينة، وحال رعايا تلك المقاطعة يشبه حال الروس قبل مئة عام، عندما كان يستفيد النبلاء من ممتلكات الرعايا، والفرق هو أنهم كانوا يتمتعون بمكانة العبودية. الفرق الوحيد هنا أنهم لا يباعون مثل العبيد، وذلك لأن الإسلام حرّم هذا العمل، أما عن أراضيهم فهم يزرعونها سنوياً مرتين أو ثلاثاً، ويحصدون ما زرعوا، ويبيعون محاصيلهم، ثم يسلّمون للحكومة نفعهم من بيع المحاصيل هذه. ملابس المرأة المصرية التي تكون من النبلاء، تشبه تماماً ملابس النساء الأجنبيات".
بعد أكثر من عقدين، وتحديداً في عام 1897، كتب ميرزا حسن موسوي، وهو حاج إيراني، عن جمال هذه المدينة وخضرواتها: "الإسكندرية مكان رائع، وجميع أراضي أسواقها وأزقتها مبلطة بالحجر، كما تتزين جدرانها بأحجار كبيرة ومنحوتة، وفيها قصور جميلة جداً، والأضواء تشتعل في جميع شوارعها وأزقتها في الليل وحتى الصباح، وأغلب متاجرها تعمل على مدار الساعة ويومياً، حيث مررنا ببعض الأماكن في الساعة الخامسة أو السادسة، وكانت المحال مفتوحةً، ويوجد في سوقها الكثير من الخضروات الرخيصة الجيدة، والفاصولياء الكبيرة التي يزيد حجمها عن طرف الاصبع".
ناصر السلطنة (1864-1933)، أحد كبار الحكومة القاجارية، زار هذه المدينة عام 1899، وذكر في كتابه "سفرنامه ناصري"، عن المكتبة وتاريخ المدينة: "باستثناء حي الأجانب والحديقة الكبيرة، لا يوجد في الإسكندرية مكان يستحق المدح، كما أن أزقتها ضيقة وتقع على البحر، وتوجد فيها مكتبة أصلية تستحق أن يُطلق عليها اسم 'دار الفنون'. بعد الإسكندر الأكبر، فقدت أثينا وغيرها من المدن اليونانية أهميتها ومكانتها، وأصبحت الإسكندرية مركزاً للحضارة اليونانية، وبدعم من البطالمة الذين كانوا أصحاب هذه المدينة، اجتمع فيها العلماء من جميع أنحاء العالم، وذلك لنشر العلوم والتكنولوجيا إلى مختلف البلدان".
وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1918-1914)، وسقوطها، أصبحت الإسكندرية جزءاً من الأراضي المصرية، وخلال هذه الفترة، وبسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية في إيران، تطورت أدوات الاتصال، وفي النصف الثاني من القرن العشرين، لم تعد الإسكندرية جزءاً من طريق الحج للإيرانيين، ولذلك تقلص عدد السياح والحجاج الإيرانيين/ات المارّين من تلك المدينة.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، انقطعت العلاقات السياسية بين مصر وإيران لأسباب عديدة، ودامت هذه القطيعة حتى يومنا هذا، وتسببت في عدم سفر الإيرانيين/ات إلى مصر أو الإسكندرية، للسياحة أو لأي غرض آخر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...