شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بينما تتجه الأنظار إلى غزة… السلطات المصرية تتهم متضامنين بالانضمام إلى جماعات إرهابية

بينما تتجه الأنظار إلى غزة… السلطات المصرية تتهم متضامنين بالانضمام إلى جماعات إرهابية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 23 أكتوبر 202303:51 م

36 ساعة عصيبة عاشها الصحافي المصري محمد موسى مصطفى، إثر اختفاء نجله عقب مشاركته في إحدى التظاهرات التي شهدتها محافظة الإسكندرية، الجمعة 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تضامناً مع القضية الفلسطينية وتنديداً بمجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

 كان مصطفى ذو الـ17 عاماً ضمن كثيرين ممن استجابوا لدعوات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومن خلفه قوى سياسية موالية وأخرى معارضة، إلى الاحتشاد في الميادين رفضاً للدعوات الإسرائيلية لتهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء المصرية، والمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن التظاهرة التي شارك فيها لأول مرة في عمره الصغير، كانت سبباً في اختباره تجربة أخرى جديدة بالاحتجاز بضع ساعات في أحد معسكرات الأمن المركزي. 

مع غياب شمس الجمعة، توالت الأنباء في دوائر المحامين والنشطاء السياسيين عن اعتقال عدد من الشباب الذين تظاهروا في جمعة دعم فلسطين، وخصوصاً الذين اختاروا أماكن غير التي حددتها الأحزاب الموالية للسلطة الحالية

بينما كان الشاب اليافع يختبر عالماً جديداً، لم يتوقف هاتف الوالد وهو صحافي له تجربة حديثة مع الاعتقال، عن الرنين، إذ خاض رحلة من البحث في المستشفيات بعد انقطاع الاتصال بنجله عصر يوم الجمعة، حين فض رجال الأمن بعض التجمعات بالقاهرة والإسكندرية والفيوم لم تكتف بتضامنها مع غزة والشعب والفلسطيني ورفضت دعوات البرلمان والقوى السياسية الموالية لمنح تفويض جديد للرئيس عبد الفتاح السيسي.

 وبعد يومين من حملة مستعرة للقبض على من شوهد في المظاهرات التي لم تتخذ من التفويض شعاراً، أعلنت "الحملة الانتخابية للمرشح عبد الفتاح السيسي" أن تظاهرات يوم الجمعة كانت من ضمن أنشطة الحملة.

يقول الأب لرصيف22: "عشت ساعات من القلق والهواجس تملكتني بخصوص مصير ابني ومستقبله، هذه المظاهرة الأولى له، فلسطين دائماً بوابة علاقتنا بالشأن العام مثل أبناء جيلي الذي تربى على هذه المفردات، ولم أكن أقدر أن أقف في وجه رغبته بنزول مظاهرة تدعم فلسطين وبتأييد من السلطة نفسها، لذا لم أتوقع أن ينتهي اليوم بغيابه عن المنزل".


بمجرد الانتهاء من تجمع مصطفى محمود توجه بعض المتظاهرين إلى ميدان التحرير في محاولة لكسر الحاجز، إلا أن قوات الأمن كانت لهم بالمرصاد، ورغم اختراقهم السياج أجبروا على المغادرة بعد ساعة ونصف على الأكثر، ومن أصر على الاستمرار دخل في مواجهات مع الأمن، ما أدى إلى إلقاء القبض على كثيرين

مع غياب شمس الجمعة، توالت الأنباء في دوائر المحامين والنشطاء السياسيين عن اعتقال عدد من الشباب الذين تظاهروا في جمعة دعم فلسطين، وخصوصاً الذين اختاروا أماكن غير التي حددتها الأحزاب الموالية للسلطة الحالية، حيث آثرت الحركة المدنية الديمقراطية أن تتظاهر في ميدان مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين، لرفض الانخراط في شعارات تفويض السيسي التي روج لها الإعلام المحلي والمحسوبون على النظام. 

وفاء موسى واحدة ممن شاركن في تظاهرات الجمعة الماضية تروي لنا أنه بمجرد الانتهاء من تجمع مصطفى محمود توجه بعض المتظاهرين إلى ميدان التحرير في محاولة لكسر الحاجز بعد سنوات من منع التظاهر بموجب قانون التظاهر والقبض العشوائي على الداعين للتظاهر، إلا أن قوات الأمن كانت لهم بالمرصاد، ورغم اختراقهم السياج أجبروا على المغادرة بعد ساعة ونصف على الأكثر، ومن أصر على الاستمرار دخل في مواجهات مع الأمن، ما أدى إلى إلقاء القبض على كثيرين.


في مواجهة المجهول 

 رحلة بحث موسى كللت بالنجاح بعد إطلاق سراح نجله، بينما لا يزال 14 آخرين من أبناء الإسكندرية، معظمهم في العشرين من عمرهم، يواجهون مصيراً مجهولاً إذ وجهت لهم جهات التحقيق اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، حسبما أوضح المحامي محمد رمضان، عضو جبهة الدفاع عن متظاهري مصر وأحد أبرز المحامين الحقوقيين في الإسكندرية.

قدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات عدد المقبوض عليهم بـ 70 شخصاً في محافظة الإسكندرية، تم اقتيادهم إلى جهات غير معلومة، ولم يظهر منهم إلا 14، ووجهت لهم النيابة تهم مشاركة جماعة إرهابية والاشتراك في تجمهر وإذاعة أخبار كاذبة، وقررت حبسهم جميعا 15 يوما احتياطياً

يقول رمضان لرصيف22 إن قوات الأمن بالإسكندرية ألقت القبض على نحو 65 متظاهراً ممن شاركوا في دعوات التضامن مع القضية الفلسطينية، بسبب "وقوع مشاجرات وارتكاب أعمال عنف في محيط سيدي بشر وسيدي جابر"، مشيراً إلى أنه تم إخلاء سبيل من هم دون الـ18 عاماً من مبنى الأمن الوطني بالإسكندرية وترحيل 14 آخرين إلى نيابة أمن الدولة بالقاهرة باتهامات بينها التظاهر والانضمام لجماعة إرهابية، صدر لاحقاً قراراً بحبهسم 15 يوماً على ذمة التحقيق. 

إلى ذلك، قدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات عدد المقبوض عليهم بـ 70 شخصاً في محافظة الإسكندرية، تم اقتيادهم إلى جهات غير معلومة، ولم يظهر منهم إلا 14، تم التحقيق معهم على ذمة القضية رقم 2469 لسنة 2023 حصر أمن دولة، ووجهت لهم النيابة تهم مشاركة جماعة إرهابية والاشتراك في تجمهر وإذاعة أخبار كاذبة، وقررت حبسهم جميعا 15 يوما احتياطياً.

خالد علي: عدد المقبوض عليهم على خلفية تظاهرات جمعة دعم فلسطين غير معلوم حتى الآن، لكن المؤكد هو تحويل 14 شخصاً إلى جهات التحقيق باتهامات الانضمام لجماعة غير قانونية، إلى جانب 54 آخرين ألقي القبض عليهم في محيط ميدان التحرير ومنطقة عابدين المتاخمة له

ورصدت غرفة طوارئ المفوضية بلاغات بالقبض على 31 شخصاً من 4 محافظات أغلبهم من القاهرة، تواصلت أسر بعضهم مع غرفة الطوارئ التي وجهتهم إلى تقديم بلاغات بالاختفاء خاصة بعد مرور أكثر من 48 ساعة على القبض عليهم من ميدان التحرير عصر ومساء الجمعة 20 أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يظهر أي منهم في أقسام الشرطة المحيطة بالميدان ولم يجر التحقيق معهم في النيابات، فيما تم إطلاق سراح 4 منهم دون تحرير محاضر ضدهم، كما رصدت وقائع القبض على 3 أشخاص من منازلهم، في القاهرة والجيزة.

في السياق ذاته، يشير المحامي الحقوقي خالد علي، في تصريح لرصيف22، إلى أن عدد المقبوض عليهم على خلفية تظاهرات جمعة دعم فلسطين غير معلوم حتى الآن، لكن المؤكد هو تحويل 14 شخصاً إلى جهات التحقيق باتهامات الانضمام لجماعة غير قانونية، إلى جانب 54 آخرين ألقي القبض عليهم في محيط ميدان التحرير ومنطقة عابدين المتاخمة له.

المحامي الحقوقي أبدى تفاؤله بإطلاق سراح جميع المتظاهرين الذي تعرضوا للاعتقال خلال الأيام الماضية ولم تحرر لهم محاضر أو يتم ضمهم إلى قضايا قائمة.

وإلى جانب من ألقي القبض عليهم في المظاهرات، بدأت قوات الأمن حملة موسعة لإلقاء القبض على مشاركين في التظاهرات التي رفعت شعار "المظاهرة دي بجد إحنا مش بنفوض حد"، إذ قدرت المحامية الحقوقية ماهينور المصري عدد من ألقي القبض عليهم من منازلهم عقب المظاهرات، وحتى لحظة إعداد هذا التقرير للنشر، نحو 100 شخص كان من بينهم وجوه بارزة في حملة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي الذي اعلن انسحابه من سباق الترشح في وقت سابق، بعد تضييقات واسعة النطاق واجهتها حملته ومؤيديه. 


الحرية كمنحة

مع ارتفاع أعداد المقبوض عليهم على خلفية تظاهرات جمعة دعم القضية الفلسطينية، توالت الإدانات والمطالبات من الكيانات والأحزاب المعارضة بإخلاء سبيل الشبان الذين شاركوا في المظاهرات الشعبية، إذ قالت الحركة المدنية الديمقراطية المنضوي فيها عدد من الأحزاب والشخصيات العامة إنها تتابع بقلق وانزعاج كبيرين الأنباء التي وردت من محامين وشهود عيان بشأن القبض على 44 متظاهرة ومتظاهراً شاركوا في إحدى الوقفات الاحتجاجية التي عمت كل المدن المصرية الجمعة تضامناً مع شعب غزة وللمطالبة بوقف جرائم الحرب التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق المدنيين العزل هناك. 

وطالبت الحركة المدنية بالإفراج الفوري عن كل  من تم القبض عليه "حفاظاً على روح التضامن الوطني بين جموع المصريين المتضامنين مع شعب غزة وفلسطين".

 وذكرت الحركة في بيانها أن القبض على متظاهرين من اجل غزة هو استفزاز لمشاعر الآلاف من المصريين الذين "عبروا على مدى الأسبوعين الماضيين عن غضبهم وإدانتهم لجرائم العدو الصهيوني"، مشيرة إلى أن "كل التظاهرات التي شهدناها على مدى الأيام الماضية وشارك بها الآلاف التزمت  السلمية ولم يعكر صفوها أية اشتباكات أو احتجاز للمتظاهرين، وهو ما كانت الحركة  تأمل استمراره في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية التي يمر بها الوطن والمنطقة برمتها".

إقدام الأجهزة الأمنية على احتجاز المواطنين الذين تمت دعوتهم للاحتشاد من رأس السلطة في مصر، دفع حزب العيش والحرية للتساؤل حول "التعامل مع حرية الرأي كمنحة تهبها الحكومة لمن ترغب وتمنعها عمن تريد، وزيادة الشكوك حول رغبة السلطات في استغلال التظاهرات في تحقيق أهداف سياسية"

وأكد حزب العيش والحرية أكد على المعنى نفسه في بيان منفصل، إذ طالب السلطات المصرية بالإفراج عن من تم القبض عليهم وعرضهم على النيابة صباح الأحد، على خلفية مظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، وحث السلطات كذلك على سرعة الكشف عن أماكن تواجد المقبوض عليهم والذين لم يتم عرضهم على النيابة إلى الآن، والإفراج أيضًا عنهم دون قيد أو شرط، وكذا التوقف الفوري عن تلك الممارسات دون تأخير حتى لا نعرض مستقبل عشرات من هؤلاء الشباب للضياع داخل دوامة الحبس الاحتياطي والتدوير.

 "تظاهرات الجمعة الماضية، هي في الأساس استجابة لطلب أهالي غزة بالتضامن معهم -ولا يمكن أن يكون الحبس هو ثمن التضامن مع أهلنا في غزة وتلبية ندائهم" بحسب بيان الحزب اليساري، الذي أكد على "ضرورة استيعاب طاقة الغضب الواسعة لدى قطاعات عريضة من المجتمع جراء المشاهد اليومية للجرائم الصهيونية بحق شعبنا في غزة، وكذا ضرورة احترام قيمة التظاهر السلمي كأحد أدوات التعبير التي لا يجب على أي وجه سلبها من الأجيال الناشئة وحرمانهم منها".


وحذّر ‏الحزب كذلك من اتساع دائرة القبض على الشباب من المشاركين في مظاهرات دعم فلسطين في مختلف المحافظات من منازلهم عقاباً لهم على المشاركة بشكل فعال في الاحتجاجات.

إقدام الأجهزة الأمنية على احتجاز المواطنين الذين تمت دعوتهم للاحتشاد من رأس السلطة في مصر، دفع الحزب للتساؤل حول "التعامل مع حرية الرأي كمنحة تهبها الحكومة لمن ترغب وتمنعها عمن تريد، وزيادة الشكوك حول رغبة السلطات في استغلال التظاهرات في تحقيق أهداف سياسية لا تتناسب مع هول المأساة الجارية على حدودنا بإطلاق بعض المواقع الإخبارية المحسوبة على الموالاة نداءات بـ(تفويض) جديد يحمل صلاحيات فوق دستورية" وهو ما رفضه العديد من المتظاهرين سواء بالجامع الأزهر أو تظاهرات الحركة المدنية بمسجد مصطفى محمود أو تظاهرات القائد إبراهيم بالأسكندرية وغيرها من التظاهرات.

في السياق ذاته، طالبت حملة المرشح الرئاسي المحتمل فريد زهران، رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بالإفراج الفوري عن كل الذين تم القبض عليهم الأيام الأخيرة، والإسراع في استكمال الوعود السابقة وخروج باقي المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وصولا لغلق نهائي لهذا الملف.

وجاء في بيان حملة زهران:" تفاجأنا بأن نفس السلطات التي دعت لتظاهر المواطنين دعمًا للشعب الفلسطيني، تقوم بإلقاء القبض على بعضٍ ممن شارك في هذه المظاهرات، وزادت الأمور سوءاً بحملة مداهمات لمنازل عدد منهم دون مبررٍ أو سبب، بل ووصل الأمر أيضًا إلى إلقاء القبض على بعض معارضي النظام على خلفية الانتخابات الرئاسية".

 ويبدي خالد داوود، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، أسفه واستغرابه من تحول تظاهرة مخصصة لدعم القضية الفلسطينية والاحتجاج على المذابح التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق المواطنين العزل في قطاع غزة إلى فصل جديد من فصول القمع الأمني، معتبرا أنها ممارسات لا تتماشى مع الموقف الرسمي الذي حظي بإشادة المعارضين قبل الموالين.

يوضح داوود لرصيف22: "الدولة موقفها واضح هو رفض تهيجير ووقف المذابح بوقف إطلاق النار لذا كان مستغرباً أن يتم القبض على أشخاص شاركوا بدعوة من السلطة لإثبات رفضهم وغضبهم من إسالة الدماء الفلسطينية".

ويشير إلى أن مشاهد الميادين بين التفويض وعدم التفويض لم تكن تجسد انقساماً كما رأى البعض، لأن الجميع ملتف حول موقف السلطة من الأحداث ولم تصدر رسالة عن الرئاسة والسلطة أن هذا تفويضا بشيئ بقدر ما هو محاولة من أحزاب الموالاة لاستغلال هذا الحشد لصالح دعم الرئيس خصوصاً في عمل الحملة الرئاسية.

يتوقع المتحدث باسم الحركة المدنية أن تستجيب الأصوات العاقلة ويتم تخلية سبيل جميع ممن تعرضوا للاعتقال في التظاهرات الأخيرة خصوصاً أن معظمهم من صغار السن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image