طوال الأيام الماضية بعد عملية "طوفان الأقصى"، لم تهدأ الغارات الإسرائيلية التي تدك المناطق الفلسطينية بالصواريخ لتهدمها على رؤوس ساكنيها، ولم تفرّق بين منازل لمدنيين عُزّل أو مساجد أو كنائس أو مشافٍ. مع محاولات اقتحام بري محدود وحديث عن معركة طويلة وغزو بري، يتم تأجيله لأسباب متعددة.
إسرائيل، وبرغم قصفها وتدميرها لشمال قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، إلا أنها لا تزال تستعد لـ"الاجتياح البري"، وشن حرب استدعت لها قوات الاحتياط، وحشدت لها القوى الغربية سواء بالدعم السياسي والمعنوي أو الدعم المالي والأسلحة كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم إسرائيل مادياً ومعنوياً وهو ما لم يتلقّوه حتى في أثناء حرب 1973. هذا ناهيك عن المدمرتين الحربيتين الأمريكيتين اللتين وصلتا إلى سواحل إسرائيل لدعمها. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين لم يفصحوا صراحةً عن ماهية الاجتياح البري لغزة أو خطته أو حتى موعده، إلا أن العالم يترقب ما الذي ستسفر عنه.
من "الفيتكونغ" إلى "مترو غزة"
"المقاومة الفلسطينية" بجميع فصائلها لا تمتلك مثل الأسلحة الأمريكية المتطورة التي في أيدي الإسرائيليين، والتي تبيدهم بها. إلا أنها استعدت للمواجهة بسلاح برعت في استخدامه، ولديها فيه خبرة طويلة تتطور مع كل حرب أو انتفاضة، أو مع كل تضييق من الاحتلال على سكان القطاع؛ إنه سلاح الأنفاق تحت الأرض، أو كما تسميه إسرائيل "مترو غزة".
لم تكن فكرة الأنفاق وليدة الحرب الحالية الدائرة. فقد بلغ عمر هذه الأنفاق نحو أربعين عاماً، وذلك عندما اكتشفت إسرائيل أول نفق عام 1983، وكانت حينها محدودةً
لم تكن فكرة الأنفاق وليدة الحرب الحالية الدائرة. فقد بلغ عمر هذه الأنفاق نحو أربعين عاماً، وذلك عندما اكتشفت إسرائيل أول نفق عام 1983، وكانت حينها تلك الأنفاق محدودةً. حاولت إسرائيل هدمها خوفاً من عبور السلاح إلى المقاومة عبرها. وقد أفاد الخبير الأمني خالد عكاشة، في أحد التصريحات الصحافية أن المقاومة الفلسطينية استلهمت فكرة الأنفاق من أنفاق "الفيتكونغ"، التي حفرها مقاتلو الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام خلال الحرب الفيتنامية الأمريكية.
شريان حياة... وحرب
في أوقات الهدوء، تعمل تلك الأنفاق كشريان حياة يغذّي القطاع بالمؤن الغذائية والوقود والسلع لسكان القطاع. وقد أشار عكاشة، في حديثه السابق، إلى أن حفر الأنفاق مصدر ربح هائل لصانعيه، حتى أن بعض العائلات الغزاوية تعمل في حفر الأنفاق كمهنة عائلية يربح منها الجميع الملايين، سواء بالاتّجار بالسلع المهربة، أو من خلال العمل في الحفر.
بنت حماس شبكةً كبيرةً من الأنفاق تحت أرض القطاع، استعداداً لما هو آتٍ. وبدأت تتوسع أكثر في بناء الأنفاق منذ العام 2005. وكانت تُستعمل في تهريب الأسلحة بشكل أساسي، ثم البضائع والوقود والسلع من سيناء إلى غزة، خاصةً في أوقات الحصار.
منذ ذلك العام، استخدمت حماس نحو 2500 نفق تصل بين غزة ومصر، لتهريب البضائع والوقود والمسلحين، وهي الأنفاق نفسها التي استطاع عبرها المسلحون دخول إسرائيل واختطاف الجندي جلعاد شاليط عام 2006، بعد قتل جنديين آخرين. وبحسب تقرير لمركز "بيغن السادات الإستراتيجي في جامعة تل أبيب"، فإن الفلسطينيين تمكّنوا بفضل هذه الأنفاق من قتل 11 جندياً إسرائيلياً في ثلاث هجمات منفصلة عام 2014.
تلك الأنفاق التي بدأ الجيش المصري بتدميرها في أواخر 2013، أثناء حملته على ما وصفها "العمليات الإرهابية" في محافظة سيناء، هي نفسها الأنفاق التي هرب منها العديد من مسجوني حماس من السجون المصرية، إبان ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011، بعدما فُتحت السجون، بحسب مزاعم تقارير إعلامية.
هجومية، دفاعية ولوجستية
وتذكر معلومات أن بعض الأنفاق عملاقة لدرجة أنها تتسع لدخول شاحنة محمّلة بالبضائع عبرها، كما ظهر في الصور التي استعرضها الإعلام المصري في الفترة التي كانت تُهدم فيها.
حاولت القوات الإسرائيلية من قبل تدمير هذه الأنفاق خاصةً في عام 2021، إلا أن الغارات الجوية لم تنَل إلا من 100 كيلومتر فقط منها، وقالت حماس حينها إنها تبلغ أكثر من 500 كيلومتر
وقد انقسمت الأنفاق الغزّية إلى ثلاثة أنواع:
1- أنفاق هجومية تستخدمها الفصائل في الإغارة على إسرائيل، وفي الغالب هي الأنفاق التي تفخخها حماس الآن بالعبوات الناسفة استعداداً للاجتياح الإسرائيلي البرّي، والتي تمثّل سلاحاً إستراتيجياً لحماس.
2- أنفاق دفاعية داخل الأراضي الفلسطينية، وهي التي يتنقل فيها المقاتلون بعيداً عن عيون الإسرائيلي وغاراته الجوية.
3- الأنفاق اللوجستية، أو تلك التي تُستخدم كمقار للقيادة وصياغة الخطط ومتابعة سير المعارك وتوجيه المقاتلين، والاحتفاظ بالرهائن والعتاد.
حالياً، لا يستطيع الإسرائيليون حصر هذه الأنفاق أو معرفة طولها، إلا أنهم يعتقدون أنها تبلغ نحو 41 كيلومتراً طولاً، و10 كيلومترات عرضاً، تحت غزة. وقد حاولت القوات الإسرائيلية من قبل تدمير هذه الأنفاق خاصةً في عام 2021، إلا أن الغارات الجوية لم تنَل إلا من 100 كيلومتر فقط منها، وقالت حماس حينها إنها تبلغ أكثر من 500 كيلومتر.
لماذا صمدت طوال تلك السنوات؟
بحسب وثائقيات لمحطات عربية وتقارير لقنوات عالمية، فإن من أهم الأسباب التي حافظت على استمرار وجود هذه الأنفاق وفاعليتها، طوال كل تلك السنوات:
- أولاً، إتقان حماس بناء هذه الأنفاق مع طول سنوات الخبرة في بنائها واستعمالها. فبعدما كانت مجرد أنفاق بدائية تُحفر بأدوات بسيطة لمحاولة إيصال المواد المعيشية فقط، بدأت تتطور شيئاً فشيئاً لتكون أكثر تنظيماً وتتوفر فيها وسائل الراحة لساكنيها الذين يمكثون فيها فترات طويلةً، وجُهّزت بالكهرباء وخطوط السكة الحديدية، وبُنيت تحت الأرض كما الأبنية فوقها، مدعّمةً بالخرسانة، وليس بالرمال سهلة الهدم، بالإضافة أيضاً إلى تشعّب هذه الأنفاق وتداخلها كالمتاهة، وأيضاً تمويه مداخلها في الأماكن المخفية. ومؤخراً زُوّدت تلك الأنفاق بتقنيات الاتصالات والمراقبة الحديثة.
- ثانياً، وهو سبب لا يقل أهميةً عن الأوّل، الحفاظ على السرّية التامة لخرائط هذه الأنفاق. فحتى لو عرف المقاتل أو المقاوم، طريق ومدخل نفق أو اثنين، فإنه بالتأكيد يجهل بقية الخريطة التي يحتفظ بها عدد محدود من القادة.
- ثالثاً، عنصر الخبرة الذي يُعدّ واحداً من أسباب الحفاظ على فاعلية سلاح الأنفاق طوال تلك العقود.
ووفق تقرير أنتجته قناة "سكاي نيوز عربي"، الطريقتان المحتمل أن تحاول من خلالهما إسرائيل تدمير أنفاق حماس في حربها القادمة، هما:
1- إلقاء قنابل خارقة للتحصينات تخترق عمق الأرض قبل أن تنفجر تُسمّى "G BU"، وتزن 2،291 كيلوغراماً، وتحمل 286 كيلو من المواد المتفجرة. وهي قنابل مزوّدة بجهاز تحديد الهدف، يُلقى بها من الطائرات الحربية. لكن لو لجأت إسرائيل إلى هذه الطريقة فسوف تخلّف مجازر لا حصر لأعداد القتلى فيها، نظراً إلى رفض الكثيرين من أهل غزة مغادرة أراضيهم في الشمال.
إذا ما حدث الاجتياح البري الذي تتحدث عنه إسرائيل، فلا أحد يعرف كيف سينتهي ولا متى. سوف تكون معركة النفس الطويل. وبسبب هذه الأنفاق، ستكون معركةً يحارب فيها الإسرائيليون مقاتلين غير مرئيين
2- الاعتماد على صور الأقمار الصناعية، لكن هذه الطريقة لن تكون مفيدةً بسبب متاخمة مداخل الأنفاق للمنشآت المدنية كالمنازل والمساجد.
أنفاق... وأسلحة جديدة؟
إذا ما حدث الاجتياح البري الذي تتحدث عنه إسرائيل، فلا أحد يعرف كيف سينتهي ولا متى. سوف تكون معركة النفس الطويل. وبسبب هذه الأنفاق، ستكون معركةً يحارب فيها الإسرائيليون مقاتلين غير مرئيين، وذلك بسبب طول باع عناصر حماس في استخدام حرب الأنفاق التي تدرّبوا عليها بالطرق الصعبة، طوال عقود وعقود، وتجهزوا لها جيداً، وحربهم على أرضهم وسرّية خرائط الأنفاق، وحفظهم للشوارع الضيقة التي تغيّرت معالمها بعد القصف.
وهذا طبعاً يضاف إليه احتمال امتلاك حماس أسلحةً جديدةً، بحسب ما صرّح فابيان هينز، خبير الصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إذ قال: "من الوارد جداً أن تمتلك حماس قدرات لم نرَها بعد، ولكن قد نكتشفها لاحقاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين