لا يزال الفيديو القصير الذي نشره الفنان الكوميدي محمد سلام عبر حسابه الخاص على انستغرام، معلناً فيه انسحابه من تقديم عرض مسرحي خلال موسم الرياض المتواصل الآن في المملكة العربية السعودية، يثير العديد من ردود الأفعال المؤيدة من جانب جمهوره وغاضبة ولائمة من جانب زملائه من العاملين بالمجال الفني.
نشر سلام الفيديو مساء الثلاثاء 24 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ليعبر فيه عن مشاعره الشخصية ويعلن أنه غير قادر على المشاركة في عرض مسرحي "زواج اصطناعي" يعتمد على الاستعراضات والرقص والكوميديا، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من 5700 فلسطيني نصفهم على الأقل من الأطفال.
موقف سلام يأتي بعد سلسلة من قرارات تأجيل المهرجانات الفنية المصرية ذات الطابع الدولي لوقت غير معلوم مثل مهرجان الجونة السينمائي، مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان الموسيقى العربية، وكذلك إعلان الفنان عمرو دياب عن تأجيل حفلاته لحين انتهاء العدوان على غزة.
فيديو سلام أخرج إلى ساحة الرأي العام جدلاً خفيضاً كان يدور في الأوساط الفنية حول مبادرة المهرجانات المصرية وتبعتها أخرى تونسية وعربية لتعليق فعالياتها والإعلان رسمياً عن "تأجيلها" من دون تحديد موعد بديل للانعقاد مع استمرار العدوان وازدحام الشاشات بصور الضحايا الفلسطينيين، خاصة في ظل رفض من الفنانين لإلغاء الفعاليات الفنية كونها مهنتهم التي يعتاشون منها كما أفادت الفنانة اللبنانية في ردها على من طالبوها بتعليق حفلاتها في الوقت الحالي.
لكن كيف يرى الفاعلون في الثقافة المصرية سؤال استمرار الفعاليات الفنية خلال العدوان، وهل هناك حدود لما يمكن تقديمه من فنون في هذا التوقيت؟
يرى الناقد والكاتب الصحافي سيد محمود أن الأحداث الفنية ذات الطابع الدولي لا يجب أن تتوقف وأنه يمكن استغلالها. يعلق محمود لرصيف22 "هذه الفعاليات يمكن استغلالها كمناسبات لتأكيد موقفنا من الصراع العربي الإسرائيلي، لأنني عندما أغيب عن حدث أعطي فرصة للصوت الإسرائيلي أن ينفرد به ويقدم روايته".
لكن كيف يرى الفاعلون في الثقافة المصرية سؤال استمرار الفعاليات الفنية خلال العدوان، وهل هناك حدود لما يمكن تقديمه من فنون في هذا التوقيت؟
وتابع: "القيمة الأساسية لفكرة المناسبات الدولية هي تأكيد الصوت الفلسطيني، إذا كنت صاحب حق فلماذا تعطل فعاليات مثل هذه، وإعلان هذا الحق في مناسبة مثل مهرجان الموسيقى يمكن أن يتم بأكثر من شكل، بوضع شارة حداد على شهداء الأحداث الأخيرة، لا أطالبك أن تعلنها بشكل صريح فيكفي أن تشير أنك تواسي الضحايا".
ويعتبر محمود أن "الفن شكل من أشكال المقاومة، الحياة هي الشكل الأنسب لمقاومة الموت وليس الحداد، بمعنى الانسحاب أو الغياب أو التوقف عن الحياة. في رأيي أن كل الأشخاص الذين ينسحبون من هذا النوع من الأنشطة لا يساعدون القضية بل بالعكس يساهموا في تقديم إشارة أننا أعداء للحياة".
ويرى أن الفنان يستطيع أن يعبر عن موقفه بطرق مختلفة "منها أن يعلن موقفه على المسرح لأننا ننتصر للحياة"، إلا أنه يرى أن هناك فنانين "اختطفوا القضية الفلسطينية واختزلوها في موقفين الأول قومي شعاراتي، والثاني موقف إسلامي ديني متعلق بأنها قضية مقاومة بين المسلمين وغير المسلمين، وهي ليست كذلك في الموقفين، هي قضية شعب يطالب بحقوقه هذا الشعب لديه مكونات من هويات مختلفة الأديان والتنوع ونحن من يجب أن يدافع عن هذا التنوع".
الفن لصالح القضية
الناقد زين خيري شلبي، كرر لرصيف22 موقفه المعلن من رفض تعطيل الفعاليات الفنية أيا كانت "كنا في ظروف أصعب من هذه بكثير بعد نكسة 1967 والفعاليات الفنية لم تتعطل، بل كانت وسيلة مساعدة للحرب والتجهيز لها وخلال فترة الصمود 6 سنوات والاستعداد للمعركة. ولم يستخدم الفن لخدمة المجهود الحربي فقط بل كان هناك توجه من القيادة السياسية للفنانين أن يعملوا وفي هذه الفترة قدمت أعمال كبيرة من الأفلام الهزلية والكوميدية والاستعراضية، وبالتالي البلد كانت تثبت للعدو أننا قادرين على الحياة تحت أصعب الظروف".
زين خيري: في الوقت الذي تعطل فيه المهرجانات الدولية في مصر من أجل العدوان على غزة فوجئنا أن وزارة الثقافة المصرية تشارك في معرض فرانكفورت بوفد رسمي، في حين قاطعه اتحاد الناشرين العرب واتحاد الناشرين المصريين بعد تصريحات رئيس المعرض المؤيدة لإسرائيل
وتابع "يمكن أن تقام الفاعلية من دون احتفالات وسجادة حمراء أي يقام الحفل بضوابط، ويحضر الفنانون وهم يرتدون الشارات المؤيدة للقضية الفلسطينية بوجود كل القنوات العالمية، هكذا نوجه رسالة قوية جداً مفادها أن الفن لصالح القضية، كان هذا ممكناً في مهرجان الموسيقى العربية أيضاً فيجري يقديم أغان لصالح القضية وتاريخنا مليء بالأغاني الوطنية".
ويرى زين أن "فكرة إلغاء أو تأجيل فعالياتنا الفنية هي ترسيخ فكرة أن الفن شيء هامشي وغير جاد، وهذا لم يحدث في تاريخنا كله. بالعكس الفن كان ظهيراً مهماً لدعم الجبهة لو افترضنا أننا في جبهة حرب حتى وليس في موقف تضامني، ويمكن فهم تعطيل الفعاليات خلال فترة الحداد 3 أيام لكن استمرار تعطيل الفعاليات شيء غريب، خاصة أن هناك فعاليات أخرى تعمل مثل مهرجان المسرح الجامعي ومهرجان دي- كاف، وعروض مسرح الدولة وفعاليات أخرى، مما يوضح أن هناك تناقضاً شديداً وغياباً للإستراتيجية ووضوح الرؤية".
ولفت زين إلى أن في الوقت الذي تعطل فيه المهرجانات الدولية في مصر من أجل العدوان على غزة "فوجئنا أن وزارة الثقافة المصرية تشارك في معرض فرانكفورت للكتاب بوفد رسمي في حين أن هذا المعرض قاطعه اتحاد الناشرين العرب واتحاد الناشرين المصريين بعد تصريحات رئيس المعرض المؤيدة لإسرائيل وإلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي. هناك تناقض في المواقف حتى لو قرار المشاركة مسبقاً، إذ كان يمكن تدارك الموقف قبل بداية المعرض".
صعوبات لوجيستية
الناقد السينمائي والكاتب الصحافي عصام زكريا رئيس مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية يرى أن إلغاء الفعاليات بشكل كامل "خطأ. لأن الثقافة والفنون تساهم في التوعية والتثقيف، وإلغائها مرفوض".
لا يخفي الناقد عصام زكريا ضيقه من "الابتذال الفني" في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على فلسطين، ومع قضية التحرر الوطني الفلسطينية بشكل عام
وأضاف في حديثه لرصيف22، أن "تأجيل الفعاليات مختلف عن الإلغاء فالتأجيل أحيانا يتعلق بالظروف واللوجيستيات وظروف السفر، خاصة أنه لكي تقيم مهرجان دولي لن يأتي أحد لأن هناك توتراً وتباشير حرب بالمنطقة، ومخاوف بالفعل. لكن بالنسبة للفعاليات المحلية يجب أن تظل مستمرة، ويمكن أن تكون نوعية الأعمال جادة، ليس يجب أن تتحول لخطب سياسية لا أن تدور كلها حول القضية الفلسطينية".
ويعتبر زكريا أن هناك "قلة فهم لوظيفة وأهمية الفن والثقافة" فيما يتصل بدورهما في التوعية والتثقيف والمتعة الروحية، وان كل هذا لا يتعارض مع التعاطف "المهرجانات تقدم أعمال إنسانية وسياسية وأفلام توعوية وأخرى جادة".
إلا أنه لا يخفي ضيقه من "الابتذال الفني" في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على فلسطين ومع قضية التحرر الوطني الفلسطينية بشكل عام، يقول "رأيت أغنية على إحدى القنوات أنتجت على خلفية الأحداث الجارية، فيها استسهال تركيب كلمات على لحن قديم. المهم أن يقدموا أغنية". ويواصل: "بالطبع لست مع تقديم الأعمال على عجل أو بسطحية لأنه يكون هدفها الاستهلاك اليومي والسريع، وخلال مشاهدتي للفضائيات العربية لم أر غيرنا قدم أغاني، وهذا ليس موقف بكاء ودموع. ينبغي إطلاق موقف توصيل رسائل تشارك في صناعة الرأي العام، ولا بد للأمور أن تظل في إطار عدم الابتذال أو تتجاوز المهنية".
ولفت عصام زكريا إلى فكرة استغلال الموقف لأنه يشغل الجميع، موضحاً أن هناك من يستغل ما يجري على الأراضي الفلسطينية لتحقيق الشهرة "لكن المطلوب الآن جدية وتفكير جيد عن كيفية تغيير ما يحدث على أرض الواقع من خلال عمل كل واحد في مكانه".
ضوابط لا جمود
الدكتور حاتم حافظ أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون يقول لرصيف22: "من أول فعالية جرى تأجيلها وهي مهرجان الجونة السينمائي كتبت أن تأجيل الفعاليات ليس في صالح أحد، وأنه في الظروف المماثلة يلغي الشكل الاحتفالي وتقام الفعاليات بعيداً عن تسليط الضوء على الافتتاح والختام فهما مجرد احتفاليات تسويقية يمكن الاستغناء عنها، لكن النشاط الفني والثقافي والنقدي المصاحب للمهرجانات مهم للفن والفنانين، يعني من الممكن أن نعمل الأفلام والندوات والورش دون احتفالات".
وتابع "حتى الاحتفالات يمكن استخدامها لخدمة القضية، مثالاً على ذلك مهرجان القاهرة وهو مهرجان دولي تتبعه وسائل إعلام عالمية، لو في الافتتاح حضر الفنانين وهم يرتدون اللون الأسود ويعقدون مؤتمراً صحفياً مشتركاً مرتدين الكوفية الفلسطينية كان هذا كان سيكون له صدى كبير مثل الصدى الذي أحدثه محمد صلاح فالعالم كله رأي الفيديو، لا يمكننا إنكار الأثر الذي يحدثه تبني الشخصيات المؤثرة للقضايا".
وتابع: "تعلمنا من أساتذتنا الكبار وحُكِي لنا عن ممثلين كانوا يعرضون مسرحيات في ليلة وفاة فرد من عائلتهم، وهذا كان يجعلنا نبجل الفن لأن الفن ارتباط فنان بجمهوره، وطالما هناك جمهور حجز تذكرة لحضور حفلة أو عرض مسرحي أو فيلم، فالفنان ملزم أن يحترم الجمهور".
ويري حافظ أن كل إنسان حر في المواقف التي يأخذها وحر في الإعلان عنها أيضاً، رافضاً مهاجمة الفنان محمد سلام على موقفه الشخصي: "ما فعله (سلام) يمكن أن يكون له مردود سياسي أكثر منه فنياً، خاصة في ظل وجود حالة من المزايدة على مصر ومواقفها في دول مجاورة. وسلام حر في موقفه وأحييه لأنه ليس سهلاً الآن على فنان أن يأخذ موقف في مواجهة آلة الإنتاج السعودية، ويمكن أن يؤثر هذا على مستقبله المهني. هو أخذ القرار بشجاعة وهو مدرك تبعاته لذلك أنا أحييه على موقفه حتى لو لم اتفق معه".
ويختتم حافظ حديثه بالتساؤل: "لكن السؤال الذي أريد إجابة عليه من وزارة الثقافة المصرية، لماذا نجد أن المهرجانات الفنية مثل مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الموسيقى يتم تأجيلها أو إلغاؤها، في حين أن مسارح الدولة تعمل ومباريات كرة القدم ولم يتوقف شيء إلا الغناء والسينما هي التي ألغيت؟".
السيناريست دكتور وليد سيف أستاذ النقد السينمائي بأكاديمية الفنون يتفق مع الآراء الذاهبة إلى ضرورة استمرار النشاط الثقافي والفني مع إلغاء الاحتفالات التي لها طابع راقص ومبهج مليء بالمرح في توقيت تتوحش فيه شراسة القتل في فلسطين: "شخصيا أحضر الفعاليات الثقافية الجادة، ولا يوجد أي مانع من أن تستمر الفعاليات الفنية بضوابط تتخلى عن المظهر الاحتفالي".
وأضاف "على مستوى الفنانين من حق كل فنان أن يعتذر ويعلن أسباب اعتذاره لكن أيضاً من حق كل فنان آخر أن يعمل طالما أنه يرى أنه لا يوجد تعارض بين ما يقدمه وبين موقفه، أنا احترم من يعتذر واحترم المستمر في العمل، وللأسف أصبح لا يوجد لدينا فكرة تقبل الرأي الآخر".
وتابع سيف "من الوارد أن يكون هناك أعمال تقدم بواقع التأثر بالحالة لكن العمل الفني يحتاج بعض الوقت كي تستطيع استيعاب التجربة وتفهم الواقع وإعادة تقديمه بشكل جيد، ولا يوجد مانع أن تقدم أعمالاً مواكبة للأحداث. لكن في اعتقادي نادراً ما يظهر في هذه الأجواء فن حقيقي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع