شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
القضية الفلسطينية في السينما المصرية... تبرير ما لا يبرّر

القضية الفلسطينية في السينما المصرية... تبرير ما لا يبرّر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 24 أكتوبر 202302:51 م

تعتبر السينما المصرية مرجعاً تاريخياً لرصد حال المجتمع، وبالنظر إلى الإنتاج الفني السينمائي المصري يمكننا قراءة توثيق حي للماضي، ينبض بالصوت والصورة والحركة، من ثورات وغارات وحروب، أثّرت بشكل أو بآخر في وطننا العربي عامة، وارتبطت ثقافياً واجتماعياً وجغرافياً بمصر، لاسيما القضية الفلسطينية، التي كانت في يوم من الأيام قضية كل العرب، فكيف ظهرت في الأفلام المصرية.

يأتي فيلم "فتاة من فلسطين" 1948، كأحد أقدم الأفلام المصرية التي تناولت القضية الفلسطينية، تدور أحداثه حول ضابط طيار مصري، يغرق في حب فتاة فلسطينية تجعل منزلها مركزاً لسلاح الفدائيين،  القصة تبدأ بسقوط طائرة الضابط في قرية فلسطينية متأثرة بغارة جوية، تعثر عليه الفتاة وتعتني بقدمه المصابة.

تعجبه الفتاة، ويرى فيها فتاة أحلامه ما يدفعه للزواج منها في أجواء عرس فلسطيني. يستهدف الفيلم عرض قصص بطولات للفدائيين الذين يقدمون نفسهم فداء لبلدهم ضد الإسرائيليين. الفيلم من بطولة محمود ذو الفقار وإخراجه، شاركته البطولة سعاد محمد، وكُتبت قصة الفيلم مشاركة بين عزيزة أمير ويوسف جوهر.

مشهد نادر من فيلم فتاة من فلسطين

فيلم "فتاة من فلسطين" 1948، كأحد أقدم الأفلام المصرية التي تناولت القضية الفلسطينية، تدور أحداثه حول ضابط طيار مصري، يغرق في حب فتاة فلسطينية تجعل منزلها مركزاً لسلاح الفدائيين،  القصة تبدأ بسقوط طائرة الضابط في قرية فلسطينية متأثرة بغارة جوية، تعثر عليه الفتاة وتعتني بقدمه المصابة

قدمت السينما المصرية، فيلم "أرض الأبطال" 1953، إشارة إلى حرب 1948، وتدور أحداثه حول جمال، الشاب الذي يقرّر السفر إلى فلسطين واللحاق بالمقاومة الفلسطينية، بعد إعلان أبيه عن رغبته في الزواج من الفتاة التي أحبها الابن، وكأنه أراد الانتحار بطريقة شرعية يقبلها الله ولا يرفضها المجتمع.

في غزة، تعلقت حبائل قلبه بفتاة فلسطينية، ويقرر الزواج بها، وإيفاء لهذا الحب ينضم للمقاومة، لكنه يفقد بصره بسبب صفقة سلاح فاسد وصلت إلى فلسطين بواسطة أبيه. الفيلم من إخراج نيازي مصطفى ومن تأليفه أيضاً. وفي فيلم "الله معنا" 1955، للمخرج أحمد بدرخان، تم طرح قضية الأسلحة الفاسدة مرة أخرى، وتدور أحداثه حول محاربة إسرائيل من قبل الجيش المصري، بعد حرب 48، حيث يستدعي الجيش بعض المواطنين ليشاركوا في الحرب، ويشارك معهم النقيب أحمد (عماد حمدي) بعد أن شجعته نادية ابنة عمه (فاتن حمامة).

لكن عمه يرفض، ويحاول منعه مستغلاً نفوذه، لكنه يصر على الذهاب، ويفاجئ هو وزملاؤه أن الأسلحة التي يحاربون بها فاسدة وتنفجر فيهم، ويموت الجميع بينما يصاب ويتم بتر ذراعه. الفيلم يتهم، خلال أحداثه، الملك فاروق أثناء حكمه لمصر، أنه السبب في توريد الأسلحة الفاسدة بمشاركة رئيس الحكومة. قوبل الفيلم بالرفض وتم منعه من قبل الرقابة، لكن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تدخل وأمر برفع الحظر عنه، بعد أن تظلم القائمون عليه لمجلس قيادة ثورة 1952.

تحديداً في 1957، طرحت السينما المصرية فيلم "أرض السلام"، وإن كانت قصته لا تختلف كثيراً عن القصص السطحية التي ناقشت من بعيد القضية الفلسطينية، إلا أنه استخدم في الحوار اللهجة الفلسطينية، ولعب الفنان الراحل عمر الشريف، دور أحمد، الشاب الفدائي الذي ينضمّ للمقاومة الفلسطينية لمحاربة الاحتلال، بينما الفنانة الراحلة فاتن حمامة، لعبت دور الحبيبة.

يمثل فيلم "ناجي العلي" 1992، أحد أبرز الأفلام التي ناقشت القضية ، لكن إنتاج الفيلم لم يكن مصرياً خالصاً، وإنما إنتاج فلسطيني مصري، قدم خلاله الفنان الراحل نور الشريف، السيرة الذاتية لرسام الكاريكاتير ناجي العلي، مبتكر شخصية حنظلة، واستخدامه للرسم الساخر في محاربة الاحتلال الإسرائيلي. الفيلم من إخراج المخرج عاطف الطيب، وتأليف بشير الديك.

أدخل هذا الفيلم الفنان نور الشريف في الكثير من الأزمات، أبرزها اتهامه بالحصول على تمويل من الخارج يقدر بمبلغ 3 مليون دولار، من أمريكا أو من جهات فلسطينية، والكثير من الصحف هاجمته واتهمته بالعمالة، حتى أنه بكى في لقاء تليفزيوني مع المذيعة هالة سرحان، بسبب ما قاله زملاؤه عنه، كما اعترض ياسر عرفات، على الفيلم، وحل ضيفاً على الرئيس الراحل حسني مبارك، وطلب حظر عرض الفيلم، كما تم حظر الفيلم في العديد من البلاد العربية.

بكاء نور الشريف على الهواء بسبب فيلم ناجي العلي

أدخل فيلم "ناجي العلي" الفنان نور الشريف في الكثير من الأزمات، أبرزها اتهامه بالحصول على تمويل من الخارج يقدر بمبلغ 3 مليون دولار، من أمريكا أو من جهات فلسطينية، والكثير من الصحف هاجمته واتهمته بالعمالة

انخفضت الأعمال الفنية السينمائية المصرية عن القضية الفلسطينية، وأصبح ظهورها في بعض الأفلام يأتي بشكل جزئي، فظهرت خلال أحداث فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" عام 1998، رمزية، وجاءت في مشهد حرق العلم الإسرائيلي داخل حرم الجامعة، حتى بات هذا المشهد هو شكل التضامن الرسمي لتظاهرات شباب الجماعات الإسلامية داخل الجامعات المصرية، وفي عام 2001، قدم المخرج علي إدريس فيلم "أصحاب ولا بيزنس"، وضم الفيلم مجموعة من نجوم السينما في مصر، مثل هاني سلامة، ومصطفى قمر، وعمرو واكد، ولعب الأخير دور شاب فلسطيني يدعى جهاد، الذي يقرر تفجير نفسه في كمين للجيش الإسرائيلي، ويقوم كريم بتصوير الواقعة، بعد أن كان يتنافس مع صديقه طارق للحصول على إعلان لشركة ملابس، لكن المؤسسة الإعلامية التي كانا يعملان فيها تكلف كريم بالسفر إلى فلسطين لتغطية أحداث الانتفاضة الفلسطينية.

مشهد تفجير جهاد نفسه في كمين إسرائيلي

شارك الكثير من المخرجين المصريين في إنتاج أعمال فنية تستعرض القضية الفلسطينية لكن ليست إنتاج مصري، من بينهم فيلم "أميرة" الذي قدمه المخرج محمد دياب، وتم منع الفيلم من العرض، بسبب اعتباره يهين القضية الفلسطينية، وسحبت دولة الأردن ترشيح الفيلم لجائزة الأوسكار، بعكس فيلم "باب الشمس" الذي اعتبره البعض أعاد هيبة القضية الفلسطينية في الأعمال الفنية والإعلام العربي.

الفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم، للكاتب اللبناني إلياس خوري، قدمه المخرج يسري نصر الله، وتدور أحداث حول مواجهة الشعب الفلسطيني بشكل عام مع الإسرائيليين، حتى أن الناقد الفني رفيق الصبان، كتب عنه قائلاً: "يسري نصر الله استطاع أن يجعل القضية الفلسطينية درة على رأس السينما المصرية"، بما يوضح قيمة السينما المصرية بالنسبة للعرب وأنها السبيل لإظهار كل قضايا المجتمعات العربية للنور.

ملخص فيلم باب الشمس

بالرغم من أن فيلم "السفارة في العمارة" 2005، مادة فنية كوميدية بالأساس، إلا أن الجانب المؤثر فيه كان يدور حول القضية الفلسطينية، لعب الفنان القدير عادل إمام، شخصية شريف خيري، المناضل سيء الأخلاق، زير نساء من الدرجة الأولى.

أثناء عمله في الإمارات، يتعرف على الطفل إياد، ابن صديقه، فلسطيني الأصل ويحلم بالعودة إلى وطنه، لكن شريف يسبقه في العودة إلى مصر، يفاجئ هناك أن السفارة الإسرائيلية تتخذ من الشقة المجاورة له في نفس العمارة التي يسكن فيها مقرّاً لها، ويقع في العديد من المشاكل بسبب وجودهم جانبه، ومحاولات السفير الإسرائيلي (لطفي لبيب) في التودد له ليصبح صديقاً له أو يبيع لهم شقته، لكنه يرفض كل الحلول.

وفي أحد الأيام وأثناء عودته إلى العمارة يقابل من يتابعون انتفاضة فلسطينيين وهم يشيعون جثمان الطفل إياد، يصرخ ثائراً ويطرد ضيوف السفير الإسرائيلي من شقته بعد أن سمح له باستقبال ضيوفه فيها.

السفير الإسرائيلي مع عادل إمام

السينما، كغيرها من الصناعات الفنية في مصر، مرتبطة بمزاج الأنظمة على الدوام، وهامش حريتها ممنوح من النظام، ولن يتغير الأمر حتى يتغير النظام السياسي والاجتماعي برمته

في فيلم همام في امستردام، كان همام (محمد هنيدي) يكره زميله في العمل بعد ما اكتشف أنه يهودي الديانة وإسرائيلي الجنسية، وبالرغم من المحاولات المتكرّرة للزميل بهدف التودّد له، ورغبته في تقريب العلاقة بينهما، لكنه يفشل، ليلقي الضوء على الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لم يعد صراعاً الآن، فالكثير من الدول العربية طبعت العلاقات مع إسرائيل كخطوة للسلام، وكذلك يأتي السائح الإسرائيلي إلى مصر، خاصة سيناء وشرم الشيخ وطابا، ويعامل أفضل معاملة، لكن هل يقبل المشاهد العربي عملاً فنياً يقول إن هناك مباحثات تجرى على أرض الواقع للسلام بين إسرائيل والعرب، أم أن المشاهد يطعن في شرف صناع الفيلم إن ارتكبوا هذه الجريمة ويخرس أمام الحكام؟

يرى البعض أن السينما المصرية لم تعط القضية الفلسطينية حقها، واختزلت ظهورها في أعمال درامية سطحية وتقليدية، حتى أن صناع السينما في مصر لم يقدموا أعمالاً كاملة عن القضية التي تشغل العرب وتعتبر قضيتهم الأولى، وخلال السنوات الماضية لم تعد القضية تذكر بالأساس في أي عمل فني. لكن دعونا نسأل: ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه السينما؟ هل من أهداف السينما تثوير الشارع المصري أو العربي، أو تقديم أدلّة وبراهين على إجرام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؟

نحن نعلم مدى تحكّم الأنظمة بشكل عام بصنّاع السينما في العالم العربي وبشكل خاص في مصر، ونعلم ألا وجود لحرية رأي، ناهيك عن حرية التعبير، ونعلم مدى ارتباط صنّاع السينما، من ضمن الصنّاع الآخرين، بالأنظمة العربية الديكتاتورية بعمومها، ونعلم أن نظاماً من الأنظمة حين يسمح بانتقاد إسرائيل بدرجة معينة ترتفع وتنخفض، ليس أكثر من حركة مناورة يستخدمها لمآرب عديدة، ليس منها "دعم القضية الفلسطينية".

السينما، كغيرها من الصناعات الفنية في مصر، مرتبطة بمزاج الأنظمة على الدوام، وهامش حريتها ممنوح من النظام، ولن يتغير الأمر حتى يتغير النظام السياسي والاجتماعي برمته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard