شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رعاة رُحّل في الجنوب المغربي أم

رعاة رُحّل في الجنوب المغربي أم "لوبيّات" تريد السطو على السكان المحليين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الثلاثاء 24 أكتوبر 202301:51 م

هنا في جهة سوس ماسة (جنوب)، وهي إحدى أكبر جهات المملكة المغربية مساحةً وكثافةً سكانيةً، الاقتصاد مبنيّ أساساً على الفلاحة والتجارة إلى جانب نشاط الصيد البحري.

في المناطق القروية التابعة للجهة (تقسيم إداري)، باتت الهجرة واقعاً لا يتغيّر بل يزداد يوماً تلو الآخر.

يغادر الرجال إلى المدن الكبرى بهدف الاشتغال في التجارة في الغالب، في حين أنّ المستقرين يكتفون برعي الأغنام والقليل من الفلاحة البورية المعيشية، وما تجود به أشجار أركان واللوز والخروب والزيتون.

ولا يعكر صفو الحياة هنا إلاّ الجفاف الذي بات ضيفاً مستقراً في السنوات الأخيرة، إلى جانب الرعاة الرحّل الذين "يستبيحون" بإبلهم ومواشيهم ممتلكات الساكنة وحقولها البسيطة، ما يجعل في أحايين متفرقة مفردات الأمن والاستقرار الاجتماعيين في خانة "المبحوث عنها".

ضيف جائر برغم القانون؟

موضوع قديم جديد يعود إلى الواجهة عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في كل وقت تعلو فيه أصوات المواطنين المتضررين من هذه "المعضلة" التي لم يتم التوصل بعد إلى حل وسط لها يخدم مصالح الطرفين.

فما أن تهدأ الأوضاع في قرية حتى تشتعل في أخرى؛ ذلك أن ممتهني الترحال الرعوي القادمين أساساً من أقاليم كلميم وأسا الزاك والأقاليم الجنوبية الصحراوية الطبيعية عموماً، يتنقلون بشكل مستمر بين جبال وقرى سوس ماسة، باحثين عما تسد به قطعانهم، التي تُحسب عادةً بالألف وما يزيد، جوعها وظمأها. فالمحدد الأول في استقرارهم هو الماء، والكلأ ثانياً، وثالثاً القرب من الأسواق الأسبوعية. ويطلَق على هؤلاء الرعاة الرحّل محلياً وصف "إجاكالن".

لتنظيم الترحال الرعوي في المغرب عموماً، وفي جهة سوس ماسة خصوصاً، صادق مجلس النواب المغربي في شباط/ فبراير 2016، على مشروع القانون التنظيمي رقم 113.13 المتعلق بـ"الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية".

يتنقل هؤلاء الرعاة بين القبائل، ما يزرع الرعب في قلوب السكان. ذلك أنهم يقتحمون بقطعانهم ومواشيهم الممتلكات الخاصة ويفرغون الآبار والمَطْفِيَّات (خزانات) من الماء، ويلجؤون في ذلك إلى القوة

ولتنزيل مقتضيات هذا القانون، صادقت الحكومة في 2018، على "مشروع مرسوم بإحداث المجالات الرعوية والمراعي الغابوية وتهيئتها وتدبيرها". ويحدّد القانون التنظيمي المصادق عليه شروط تنقل القطعان والولوج إلى المجالات الرعوية والمراعي الغابوية ومواردها، فضلاً عن الالتزامات المفروضة على مالكي القطعان المذكورة.

كما يخوّل القانون السلطات المختصة فتح المجالات الرعوية والمراعي الغابوية وتحديد خلال فترات الترحال وتنقل القطعان والرعاة، ويحدّد طبيعة المخالفات والغرامات كذلك.

وعلى الرغم من أن المادة الثالثة من القانون التنظيمي تنص صراحةً على ضرورة ممارسة الرعي المرتحِل في إطار احترام ملكية الغير والمحافظة على الموارد الرعوية، إلا أن الممارسة الرعوية للعديد من الرعاة المتنقلين في جهة سوس ماسة، تخرج عن نطاق الرعي العادي لتصل إلى مرحلة "الرعي الجائر"، وتنتج عنها مواجهات واشتباكات مع السكان المحليين.

إشكال مستمر

لفهم الإشكال القائم، تحدث رصيف22 إلى خالد بيكو، أحد مؤسسي "تنسيقية أكال للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة"، والنائب في جماعة أمالو في إقليم تارودانت، الذي يقول إن "الصراع بين الرعاة الرحل والسكان المحليين ما زال يظهر بين الفينة والأخرى، إذ يتنقل هؤلاء الرعاة بين القبائل، ما يزرع الرعب في قلوب السكان. ذلك أنهم يقتحمون بقطعانهم ومواشيهم الممتلكات الخاصة ويفرغون الآبار والمَطْفِيَّات (خزانات) من الماء، ويلجؤون في ذلك إلى القوة، وهو ما أجهز على ما تبقى من أشجار أركان التي لم يعد المحليون يجنون منها شيئاً".

الرعاة الرحّل لم يعودوا يرغبون في الرعي في المراعي الجبلية، بل صاروا يقتحمون المناطق المخصصة للفلاحة

يوضح بيكو أن "تدخل السلطة يبقى محتشماً في هذا الإطار، بحيث تتدخل غالباً في الحالات التي تكون فيها المواجهات بين الرعاة والساكنة"، مشيراً إلى أن "الرعاة الرحّل لم يعودوا يرغبون في الرعي في المراعي الجبلية، بل صاروا يقتحمون المناطق المخصصة للفلاحة".

يسرد محدّثنا مجموعةً من القصص التي تخصّ أفراداً منهم مسنّون في جماعة أمالو "تعرضوا لاعتداءات جسديّة، وآخرون تكبّدوا خسائر ماديةً جسيمةً في ممتلكاتهم".

ويوضح أن من "من تقدّموا بشكاوى إلى القضاء ما زالوا ينتظرون الأحكام القضائية، فيما آخرون لم يجدوا من يقاضونه بعد أن فرّ الرعاة المتورّطون، لأننا لا نملك معلومات عن هؤلاء".

ظروف تسهم في "النزاع"

يسترسل مردفاً: "في السابق، كان الرعاة يمرّون من المنطقة في أوقات متفرقة من السنة، ولم يكونوا يستقرّون فيها. أما اليوم، فتحولت من ممر إلى مستقر بالنسبة إليهم، ونحن في جماعة أمالو، لسنا مرعى ولا نحن ممر، ولم نوقّع على أي وثيقة في هذا الصدد". ثم يضيف: "واكبنا هذا الملفّ منذ سنوات، إذ نظّمنا مسيرات ومظاهرات وراسلنا السلطات، لكن لا جواب منها إلى حدود الساعة".  

من جهته، يقول عادل تنلوست أداسكو، وهو ناشط مدني في منطقة إدوسكا في إقليم تارودانت، إن "الاعتداءات التي يمارسها الرعاة الرحّل متواصلة منذ السنة الماضية بشكل جعل المنطقة تعيش عدم استقرار أمني، إذ لا تزال منطقة تومليلين تشهد 'هجوماً' للرعاة ومواشيهم وجِمالهم على أراضي السكان".

كان الرعاة يمرّون من المنطقة في أوقات متفرقة من السنة، ولم يكونوا يستقرّون فيها. أما اليوم، فتحولت من ممر إلى مستقر بالنسبة إليهم

ويضيف أداسكو، الذي يحذر من تهديد السلم الاجتماعي في المنطقة: "نحن اليوم أمام مشكلة أمنية بالدرجة الأولى، ذلك أن ساكنة المنطقة وأصحاب الأراضي باتوا يعيشون في خوف ورعب وعدم استقرار، فالقانون الذي ينظم هذا المجال تمت صياغته بعيداً عن مشاركة المجتمع المدني".

ترافعٌ مدني

وفق بيان صحافي اطّلع عليه رصيف22، وقّع المغرب سنة 2014، على اتفاقية تمنح بموجبها قطر المملكة هبةً ماليةً بقيمة 136 مليون دولار من أجل "تمويل مشروعين فلاحيين، الأول يهم الريّ بمنطقة أسجن في إقليم وزان، والثاني يخص تنمية المراعي وتنظيم الترحال في المراعي الصحراوية وشبه الصحراوية لجهتي سوس ماسة درعة وكلميم السمارة"، وذلك عقب اللقاء الذي جمع آنذاك رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ووزير المالية القطري علي شريف العمادي.

وتلت المصادقة على القانون التنظيمي رقم 113.13 مجموعة من المسيرات والمظاهرات التي قادتها تنظيمات مدنية وجمعوية، لعل أبرزها "تنسيقية أكال للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة"، التي تم تأسيسها في هذا الصدد.

يقول حمو الحسناوي، الناطق الإعلامي باسم التنسيقية في حديثه إلى رصيف22، إن الوضع القائم هو "وضع نشاز عن طبيعة المنطقة، ويُزَكّى من طرف المنتخبين والسلطات الذين يغضون الطرف عن ممارسات الرعي، ويصوّرونها على أنها مجرد قطعان لرُحّل"، مشيراً إلى أن "التنسيقية تتواصل مع تنظيمات الرُحّل الحقيقيين الذين يتبرؤون من التصرفات التخريبية التي تنتهجها المافيات". 

وعن عمل "أكال"، يوضح الحسناوي أن "التنسيقية تهدف إلى نشر الوعي الجماعي بقضية الأرض وجعل النضال جماعياً. ونحن في التنسيقية لم نحضر سوى اجتماعين مع كل من العثماني رئيس الحكومة، وعزيز أخنوش وزير الفلاحة حينها، والاجتماعان لم يهدفا أساساً إلى نقاش الملف بقدر ما سعت فيهما الحكومة إلى تبرير تمرير القانون التنظيمي رقم 113.13 الذي رفضناه علناً في كل الاجتماعات، وعبّرنا عن ذلك بجميع الأشكال التواصلية والاحتجاجية". 

تبريرات الرعاة وجواب الحكومة

في تصريحاتهم القليلة لفائدة منابر إعلامية، يؤكد الرعاة من جانبهم أن "استمرار موجة الجفاف وقلّة التساقطات دفعا بهم إلى القدوم من الأقاليم الجنوبية التي انحسرت فيها مستويات الكلأ والمياه". كما يرى هؤلاء أن "نية الهجوم على ممتلكات الساكنة غير قائمة إطلاقاً، حيث أن الهجمات التي تحدث في هذا الصدد تكون خارجةً عن الأدبيات والأعراف التي تنظّم ممارسات الترحال الرعوي منذ أمد بعيد، وهي تُحسب في إطار السلوكيات المرفوضة والمدانة". 

أسئلة عديدة طرحها نواب برلمانيون على وزارة الداخلية في ما يخص الموضوع.  وفي جوابه عن أحد الأسئلة، قال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، إن "هذه الظاهرة ليست جديدةً على إقليمَي سيدي إفني وتيزنيت؛ إلا أن تنقّل الرعاة لم يعد يخلو من المشكلات والخلافات مع الساكنة المحلية التي فيها كسّابون وفلاحون".

وزير الداخلية: "هذه الظاهرة ليست جديدةً على إقليمَي سيدي إفني وتيزنيت؛ إلا أن تنقّل الرعاة لم يعد يخلو من المشكلات والخلافات مع الساكنة"

وأشار الوزير إلى أن "الظاهرة قديمة تؤطرها الأعراف والتقاليد التي كانت راسخةً بين الساكنة المحلية والرعاة الرحل، حيث تستفيد هذه المناطق اقتصادياً من مرور قطعان المواشي وذلك بتبادل المنافع التجارية".

وأوضح المسؤول الحكومي أن "توالي سنوات الجفاف وندرة الموارد المائية وتقلص المساحات المزروعة، عوامل تتسبب بين الفينة والأخرى في اعتداءات الرعاة الرحّل على الممتلكات الخاصة والمراعي والمزروعات؛ وهو ما تنجم عنه ردود فعل عكسية من لدن السكان، على شكل مناوشات هنا وهناك"، مؤكداً أن "السكان يحصلون على المواشي مقابل تزويد الرعاة الرحّل ببعض المستلزمات مثل المياه وتوفير الكلأ".

وسجل لفتيت أن "مقاربة ظاهرة الرعاة الرحّل تتم في إطار القانون وتلافي كل ما من شأنه التأثير على النظام العام وحماية الممتلكات الخاصة للساكنة المحلية"، لافتاً إلى "تكليف الوزارة لجاناً محلّيةً تكون مهمتها التدخل بشكل يومي في مناطق وجود الرعاة الرحّل لفرض احترام القانون وحماية الممتلكات الخاصة للساكنة والحيلولة دون حدوث مناوشات بينهم وبين السكان المحليين، وكذا ضبط النظام حال وجود ما يستوجب ذلك".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard