"لا نملك أية معلومات عن وضع أسرى غزة في السجون الإسرائيلية. لكن هيئة السجون الإسرائيلية انتهزت حالة الحرب، وتوسّعت في الإجراءات العقابية والتنكيل بالأسرى الذين أصبحوا معزولين تماماً عن العالم الخارجي، وهناك تخوّف من أن تقدم على قتل بعض الأسرى".
بهذه الكلمات، تلخّص المحامية والحقوقية الفلسطينية سحر فرنسيس، المديرة العامة لمنظمة حقوق الإنسان الفلسطينية "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، لرصيف22، الظروف التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي تاريخ بدء حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، عبر جناحها المسلّح حركة عز الدين القسام، عملية "طوفان الأقصى".
ومنذ 14 يوماً، تشنّ إسرائيل حرباً شرسة على قطاع غزة رداً على العملية الفلسطينية، ما خلّف أكثر من 3785 قتيلاً و12 ألف مصاباً. امتدّ العدوان الإسرائيلي ليشمل الضفة الغربية أيضاً، فأسقط أكثر من 75 قتيلاً و1300 جريح.
هذه الحصيلة الضخمة والتي تتزايد بوتيرة متسارعة نتيجة المجازر الإسرائيلية التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني يومياً، بما في ذلك الكنائس والمستشفيات ومدارس الأونروا التي تحتضن النازحين، تُثير تساؤلات عن وضع الأسرى والأسيرات في سجون إسرائيل: هل يتعرّضون للتنكيل؟ هل يتمتعون بأدنى حد من حقوق المعتقلين؟ نحاول في هذا التقرير الإجابة عن هذه الأسئلة.
"لا نملك أية معلومات عن وضع أسرى غزة في السجون الإسرائيلية. لكن هيئة السجون الإسرائيلية انتهزت حالة الحرب، وتوسّعت في الإجراءات العقابية والتنكيل بالأسرى الذين أصبحوا معزولين تماماً عن العالم الخارجي، وهناك تخوّف من أن تقدم على قتل بعض الأسرى"...
ارتفاع هائل في أعداد الأسرى
منذ بداية "طوفان الأقصى"، وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، ارتفع عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، من 5300 معتقل لأكثر من 10 آلاف، بما في ذلك نحو 4000 عامل من غزة، أعلنت السلطات الإسرائيلية احتجازهم في معسكرات خاصة، لم يتسنّ للمؤسسات الفلسطينية العاملة على ملف الأسرى التحقّق من أعدادهم وهوياتهم، علاوة على نحو 900 شخص اعتقلتهم من مدن الضفة الغربية وأراضي 48.
وارتفع عدد الصحافيين الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية إلى 25، بمن فيهم 8 اعتقلوا منذ بدء عملية طوفان الأقصى، كما بلغت حالات الاعتقال منذ مطلع العام الجاري أكثر من 6000 حالة اعتقال.
وأكّد نادي الأسير الفلسطيني أن حملات الاعتقال الحالية في الضّفة الغربية "هي الأعلى منذ سنوات"، مبرزاً أنها "تركّزت في محافظتي، الخليل والقدس".
ظروف "خطيرة وغير مسبوقة"
خلال مؤتمر صحافي يوم الخميس 19 تشرين الأول/ أكتوبر، وصف رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، قدورة فارس، ما يعيشه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية راهناً، بأنه ظروف "خطيرة وغير مسبوقة"، موضحاً أن "الأسرى يتعرّضون لعملية تجويع وعملية تعطيش، ومنعهم من الوصول والحصول على الدواء، خاصة أدوية الأمراض المزمنة"، و"قطعت إدارة السجون الماء والكهرباء عن الأسرى"، و"تكرّرت عمليات اعتداء جسدية حتى أنهم يستخدمون العصي في ضرب الأسرى، فالعديد من الأسرى تكسرت أطرافهم، أيديهم وأرجلهم".
ومن أشكال التنكيل الأخرى التي يتعرّض لهم الأسرى والأسيرات، والكلام ما يزال لفارس، "استخدام التعابير النابية للتحقير، والإهانات، والشتم والتعابير النابية، وربطهم بالقيود (الكلبشات) إلى الخلف وشدها على آخرها، والتفتيش العاري والمهين والجماعي للأسرى، وعلى وجه الخصوص في ‘معتقل النقب‘، الذي أصبح تماماً مثل ‘سجن أبو غريب‘ الذي لا يُمحى من الذاكرة".
واعتبر فارس أن "نزعة الانتقام وحدها هي التي تحرّك السجّانين الإسرائيليين"، لافتاً إلى قلق الهيئة البالغ من "الوجود المسلّح بمحاذاة الأسرى وفي الساحات وفي الأقسام"، والمخاوف من وقوع حوادث "اغتيال وتصفية جسدية" ضد الأسرى.
تجويع وحرمان من المياه والكهرباء وعزل تام عن العالم الخارجي... إسرائيل تنتهز حربها على غزّة وتنكّل بالأسرى والأسيرات في سجونها. مخاوف من وقوع حالات "اغتيال وتصفية جسدية" في صفوف الأسرى
بحسب قدورة فارس، يُعتبر الأسرى من غزة في السجون الإسرائيلية بمثابة "مقاتلين غير شرعيين"، وأُنشِئت لأجلهم "معسكرات جديدة في جنوب فلسطين"، في ما يعتبرها محاولة لـ "إعادة إنتاج غوانتانامو".
في أحدث تصعيد ضد الأسرى والأسيرات، أبلغ بعض السجون الأسرى باحتفاظ كل أسير بغيارين فقط، تمهيداً لمصادرة كافة الملابس والأغطية والممتلكات التي تبقت لديهم.
يعتقد الفلسطينيون المعنيون بملف الأسرى أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، يقف خلف كل هذه الإجراءات العقابية ضدهم، لغرض "فرض أمر واقع جديد يستهدف كافة تفاصيل الحياة اليومية داخل السجون والمعتقلات".
الأسيرات لسن أفضل حالاً
وضع الأسيرات في سجن الدامون ليس أفضل بأي حال. وفق الهيئة، هاجمت إدارة السجن، منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، غرف الأسيرات و"ضربتهن ورشتهن بالغاز وقطعت عنهن الكهرباء، وعزلت ممثلة الأسيرات في سجن الجلمة مرح بكير، كما أغلقت الكانتين، وقلّصت ساعات الاستحمام، وقطعت الأسيرات عن العالم الخارجي بمنع زيارة الأهل أو الاتصال بهم، أو زيارة المحامين، وسحب كافة الأجهزة الكهربائية والراديو والتلفاز".
وتحدثت الهيئة عن محاولات "ترهيب عالية جداً" للسجينات، حيث "يدخل السجّانون إلى الأقسام بطريقة مستفزّة، وهم يحملون الدروع والعصي والغاز المسيل، ويرتدون الدرع الواقي والخوذ" كما "يقيدون الأسيرات بسلاسل حديدية عند نقلهن، مع تهديدهن وتخويفهن المستمرّ بتصعيد الإجراءات العقابية بحقهن".
اتخذت بعض الأسيرات إجراءات احتجاجية، بينها الامتناع عن تناول وجبات الطعام أحياناً، ورفض الإجراءات التنظيمية المعتادة مثل العدّ والتفتيش، ودخلن لاحقاً إضراباً مفتوحاً عن الطعام، منذ الأحد الموافق 15 تشرين الأول/ أكتوبر، لحين إعادة ممثلة الأسيرات من العزل.
الانتهاكات ليست جديدة، لكن التوسّع بها غير مسبوق
بالعودة إلى سحر فرنسيس، من مؤسسة الضمير، فإن إسرائيل تنتهز فرصة الحرب لفعل ما يحلو لها من صنوف التنكيل والقمع والتعذيب بحق الأسرى والأسيرات، سواء أولئك الذين يقبعون في سجونها منذ أعوام أو المعتقلين في الموجة الحالية. وتؤكد سحر: "هناك تنكيل بالأسرى الجدد خلال عمليات الاعتقال، تتم بصورة وحشية مع اعتداءات أيضاً على الأهل وتخريب وتكسير لمحتويات المنازل، علاوة على استخدام التعذيب الشديد خلال التحقيق".
وبينما تسترسل المحامية الفلسطينية في ذكر الإجراءات العقابية المفروضة على الأسرى والأسيرات منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، بما في ذلك "منع التريّض وقطع المياه والكهرباء معظم ساعات النهار، وتقديم أكل سيئ من حيث النوع والكمية، وسحب الأجهزة الكهربائية وأدوات الطبخ، والعزل التام عن العالم الخارجي"، تشدّد على أنها كلها "إجراءات كان يستخدمها الاحتلال أصلاً على مدار عقود دون مساءلة ومحاسبة، والآن يتمّ استغلال حالة الحرب للتنكيل أكثر والقمع والسيطرة على كافة أفراد المجتمع الأسير".
وهي تلفت في الوقت نفسه إلى "الارتفاع الكبير للغاية" في استخدام إجراءات الاعتقال الإداري (أي الاعتقال بدون توجيه تهم واضحة، وإنما استناداً لـ"ملف سري")، مشددةً "هذه الاعتقالات تعسّفية، وقد تجاوز عدد المعتقلين الإداريين 1500 شخص".
قانون جديد لشرعنة مزيد من الانتهاكات
وبحسب فرنسيس، أقرّت السلطات الإسرائيلية، قبل أيام، قانوناً ضمن حالة الطوارئ والحرب، "يتيح لكل مدير سجن أن يسمح بنوم أسرى على الأرض دون أسرّة، وأيضاً تقليص المساحة المخصّصة لكل أسير داخل كل غرفة"، مبرزةً "من شأن هذا القانون أن يؤدي إلى اكتظاظ رهيب في السجون، خاصة في ظل موجة الاعتقالات غير المسبوقة أخيراً".
وتأسف فرنسيس أنهم، أي المؤسسات الحقوقية والمحامين العاملين على ملف الأسرى، "لا نعلم شيئاً عن وضع أسرى غزة"، ولم تستبعد أن يكون القمع والانتهاكات بحقهم أشدّ، مردفةً بأن أحدهم (تقصد الأسير ياسر أبو دقة) فقد كل أفراد عائلته تقريباً في قصف إسرائيلي وهو لا يعلم.
ما هي خيارات الأسرى بوجه هذا الانتقام الإسرائيلي؟
وتقول فرنسيس إنه ليست هناك خطوات قانونية يمكن دعم موقف الأسرى والأسيرات عبرها وتوفير الحماية لهم ضد هذا الانتقام الإسرائيلي، مستدركةً "هناك بعض المحاولات لتقديم التماسات أمام المحكمة الإسرائيلية العليا ولكن دون نتائج حتى الآن".
إسرائيل تمرر قانوناً جديداً لشرعنة مزيد من الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونها إذ "يتيح لكل مدير سجن أن يسمح بنوم أسرى على الأرض دون أسرّة، وأيضاً تقليص المساحة المخصّصة لكل أسير داخل كل غرفة، ما من شأنه أن يؤدي إلى اكتظاظ رهيب في السجون، خاصة في ظل موجة الاعتقالات غير المسبوقة أخيراً"
وتضيف أن "الأسرى لا يستطيعون أخذ إجراءات احتجاجية أو تصعيدية ضد إدارة السجون الإسرائيلية حالياً، لأن هذا سوف يعرّضهم للكثير من القمع، وهناك تخوف أن يتم استغلال الفرصة وقتل بعض الأسرى".
وترى في المقابل أن الاهتمام الإعلامي بوضع الأسرى وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرّضون لها، وإقامة الوقفات والمطالبات الحقوقية، قد تُساهم في تحسين أوضاعهم.
وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين قد طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتحرّك الفوري لزيارة السجون الإسرائيلية، وتكثيف طواقمها العاملة للوقوف على كل مجريات الأحداث، و"وضع حدّ لهذا الجنون المخالف لكل المواثيق والأعراف، ولمبادئ القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية".
كما أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، قبل يومين، مقاطعتها المحاكم الإسرائيلية بكافة درجاتها المختلفة، "تنديداً بالإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال المجرم بحقّ أبناء شعبنا في قطاع غزة"، وبسبب "التضييق على الطواقم القانونية العاملة في متابعة شؤون الأسرى والمعتقلين، بحيث لم يعد المحامي قادراً فعلياً على تقديم الخدمات القانونية التي كان يستطيع تقديمها سابقاً لموكله أو حتى طمأنة أهله".
وأوضحت الهيئة إن هذا القرار "ليس قراراً أو موقفاً عدميّاً، بل إنه أداة للضغط على المحاكم الإسرائيلية"، ونجح سابقاً في تحقيق أهدافه ضد حملات الاعتقال الوحشية، وفي هذا السياق، توضح فرنسيس أن هناك قيوداً على جلسات المحكمة، حيث تُعقد الجلسات الخاصة بملفات الاعتقال الإداري وجلسات تمديد التوقيف عبر الفيديو، فيما تؤجّل باقي الملفات لعدة أشهر.
وتقدّم الهيئة بانتظام، عبر حسابها في فيسبوك، توعية بحقوق الاعتقال سيّما بالنسبة للقصّر، علاوة على نصائح لتفادي حملات الاعتقال التعسفي التي تشنّها إسرائيل، ومن بينها:
*طلب محامي قبل بداية التحقيق والإصرار على ذلك.
*الامتناع عن الدخول في أي نقاش سياسي خلال التحقيق.
*تسجيل جميع الانتهاكات التي تحدث أثناء التحقيق، بما في ذلك التحرّش والاعتداء والضرب والإهانة، وطلب استشارة محامي.
*رفض تفتيش الهاتف بدون إذن محكمة أو استشارة محامي.
*طلب مترجم من العبرية للعربية في حالة عدم الإلمام باللغة.
*عدم التوقيع على الأقوال دون قراءتها جيداً، والشطب على أي فراغات قد تتم إضافة أي كلمات فيها بعد التوقيع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...