"تحذير! السيطرة على الأوبئة ستكون صعبة بسبب نقص المياه في ظل استمرار عدوان الاحتلال". بيان مقتضب خرج من مسؤول دائرة العدوى في وزارة الصحة الفلسطينية صباح الثلاثاء الفائت، ونقله تلفزيون فلسطين، وتحدث عن واحد من الجوانب الكارثية التي تنتظر أكثر من مليونين من سكان قطاع غزة، بعد عشرة أيام من القصف المستمر والحصار المطبق إثر انطلاق عملية "طوفان الأقصى" صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
على مدار الساعة، تنتشر بيانات وتحذيرات من جهات فلسطينية محلية، ومؤسسات أممية ودولية عاملة في قطاع غزة أو خارجه حول مدى كارثية الوضع نتيجة القصف غير المسبوق على كافة أنحاء القطاع وتدمير البنى التحتية إلى جانب الحصار المطبق، ونحن هنا نتحدث عن منطقة كانت تعاني أساساً من بنى تحتية متهالكة بفعل سنوات الحصار الطويلة.
الوضع في غزة يهدد بأن تصبح أرضاً خصبة للكوليرا وأمراض أخرى.
فإلى جانب الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تكبدها القطاع والتي وصفت حتى اليوم بأنها "غير مسبوقة" في أي من الحروب السابقة التي عاشتها فلسطين، فإن عدداً من الكوارث الصحية والبيئية تتهدد السكان، وتزيد من الحاجة إلى هدنة إنسانية فورية وفق ما تطالب به المنظمات كافة، لفتح ممرات آمنة ودخول كل أنواع المساعدات الضرورية وإمكانية دعم القطاعات الطبية والصحية وغيرها، قبل أن "ينفد الوقت".
نقص المياه وانتشار الأمراض
يوم الثلاثاء، أشارت وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين "الأنروا" إلى أن "شح المياه يمثل مشكلة كبرى في غزة"، محذرة من أن "الناس سيموتون إذا لم يتوفر الماء، وسيصابون بالجفاف والأمراض المنقولة عبر الماء، في ظل انهيار خدمات المياه والصرف الصحي بما في ذلك إغلاق آخر محطة في غزة لتحلية مياه البحر يوم الاثنين". كما نوّهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن "الأسر في غزة تعاني بالفعل من صعوبة الحصول على مياه نظيفة"، مضيفة بأن الأهالي لا يحتملون بأن يسقوا أطفالهم العطشانين ماء ملوثاً.
ويعاني القطاع أساساً من عجز حاد في موضوع المياه، إذ يفتقد أكثر من 90 بالمائة من سكانه للمياه العذبة، وتتمثل مصادر المياه التي يعتمد عليها في الخزان الجوفي ومياه شركة "مكروت"، وهما مصدران تتحكم بهما قوات الاحتلال، إلى جانب محطات تحلية مياه البحر وتجميع مياه الأمطار لكنهما مصدران يعانيان من محدودية الإنتاج وسوء البنية التحتية. أما مع العملية العسكرية الأخيرة، وانقطاع الكهرباء، وقطع سلطات الاحتلال التام للمياه عن غزة، فإن الحصول على المياه بات أشبه بالمستحيل.
سيؤدي كل ذلك دون شك لآثار كارثية على صحة سكان القطاع، فالأمر لا يقتصر على "العطش"، بل يتعداه لانتشار الأمراض، والحفاظ على النظافة الشخصية، وغيرها من الممارسات. وقد أشارت منظمة أوكسفام يوم الثلاثاء إلى أن "الوضع في غزة يهدد بأن تصبح أرضاً خصبة للكوليرا وأمراض أخرى. كما قالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة خلال مؤتمر صحافي يوم الأربعاء بأن "انقطاع المياه وتدهور منظومة الصرف الصحي يزيدان مخاطر تفشي الأمراض السارية".
الاكتظاظ داخل الملاجئ
"أكثر ما يقلقنا اليوم هو تكدس النازحين في مراكز الإيواء، المجهزة بإمدادات مياه ومواد صحية شحيحة جداً، وفي كل مركز ما يزيد عن 5000 نازح"، يتحدث أحد عمال الإغاثة في جنوب قطاع غزة لرصيف22، مفضّلاً عدم التصريح باسمه. وتقدر منظمة الأنروا أن قرابة مليون شخص نزحوا داخل قطاع غزة منذ بداية الحرب.
ويشرح المتحدث أكثر بالقول: "مراكز الإيواء في مدينة غزة والشمال متروكة بسبب إجبار الاحتلال المؤسسات الأممية والدولية على المغادرة، ما أدى إلى ترك ما يزيد عن 200 ألف نازح في المراكز بلا خدمات، إلى جانب ذلك هناك ما يقرب من 500 ألف نازح ترك شمال غزة ومدينة غزة باتجاه الجنوب".
عدا القتل والتدمير، فإن لاستخدام الأسلحة خاصة المحرمة دولياً آثار صحية وبيئية طويلة المدى، وسيحتاج الكشف عن الكوارث التي ستلحقها الحرب الأخيرة والأسلحة المستخدمة فيها على صحة سكان غزة وجودة الحياة والبيئة فيها، سنوات طويلة
ينتشر النازحون الآن وفق المتحدث في أماكن عشوائية أو في منازل أقارب ومعارف، بالإضافة إلى دور العبادة وما شابه، في حين أن مراكز الإيواء طافحة والخدمات فيها أقل بكثير مما يلزم، ويتابع: "هناك نقص كبير جداً في مياه الشرب والمياه بشكل عام، وهناك غياب تام لمواد النظافة والتعقيم، وهناك أيضاً عجز كبير في توفير احتياجات النساء والأطفال والحوامل وذوي الأمراض المزمنة". وقد تحدث موظفون في منظمة أوكسفام عن أن "الملاجئ غير مجهزة أبداً، فهي عبارة عن مجرد مدارس".
إلى ذلك، هناك صعوبات بالغة في جمع النفايات ما يعني تكدسها وتحولها إلى مصدر للأمراض وخطر كبير على البيئة، إذ لم تجمع هذه النفايات بمختلف أنواعها منذ اليوم الأول لانطلاق العمليات العسكرية والقصف على القطاع، وباتت القوارض والحشرات تنتشر في مختلف المناطق، والسكان يشتكون من عوارض صحية مرتبطة بهذا الأمر. يضاف إلى ذلك تكدس الجثث وعدم القدرة دوماً على دفنها بالسرعة المطلوبة، ما يزيد من خطر انتشار الأوبئة بسبب تحللها.
كعاملين في القطاع الإنساني، يحاول متحدثنا ومن معه من زملاء توفير احتياجات النازحين الأساسية، "لكن في ظل منع دخول المساعدات والوقود والدعم الطبي والإنساني فإن وضعنا مأسوي وخدماتنا ضعيفة"، يقول. ويختم: "حتى الآن يصعب تقدير الأمور، لكنها ذاهبة باتجاه مكرهة صحية عظيمة. إذا استمر الحال هكذا فمن المحتمل جداً مواجهة بعض الأوبئة والأمراض الجلدية والأمراض الخطرة كمرض السحايا".
خليط مدمر من الأسلحة
منذ بداية طوفان الأقصى، أبلغ مواطنون ومراسلون وخبراء عن استخدام إسرائيل أنواع أسلحة مختلفة وحديثة في قصف غزة، بعضها محرّم دولياً مثل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وهو أمر أكدته هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر. إلى جانب العديد من القنابل والذخائر المتفجرة ذات القدرات التدميرية الهائلة، والتي أشار كثير من شهود العيان لكونها "غير مسبوقة".
ومن الشهادات حول الأنواع المختلفة من الأسلحة المستخدمة، ما نشره تلفزيون فلسطين حول "حزام من القنابل ألقتها قبل قليل طائرات الاحتلال شكلت سحابة دخان غير معروف التكوين فوق حي الزيتون شرق مدينة غزة"، وكذلك ما أشار إليه تقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن "إصابات غريبة في غزة بسبب نوعية الأسلحة المستخدمة".
هناك نقص كبير جداً في مياه الشرب والمياه بشكل عام، وهناك غياب تام لمواد النظافة والتعقيم، وهناك أيضاً عجز كبير في توفير احتياجات النساء والأطفال والحوامل وذوي الأمراض المزمنة
عدا القتل والتدمير، فإن لاستخدام هذه الأسلحة آثار صحية وبيئية طويلة المدى. بالنسبة للفوسفور الأبيض، فهو مادة حارقة شديدة الاشتعال، لها تأثير حارق كبير على البشر، ويمكن أن تشعل النار في المباني والحقول، ولها تأثيرات مدمرة على البيئة والنباتات وقد تبقى عالقة في التربة العميقة لعدة سنوات دون أي تغيرات. أما اليورانيوم فهو معدن سام يمكن أن يؤثر على وظائف مختلفة في جسم الإنسان لدى التعرض له، كما أن بقاء مخلفاته وتأثيرات نشاطه الإشعاعي يمكن أن تؤدي لإصابات بالسرطانات وغيرها من الأمراض الخطيرة المزمنة، وكذلك آثار سلبية للغاية على البيئة والتربة والكائنات الحية.
سيحتاج الكشف عن الكوارث التي ستلحقها الحرب الأخيرة والأسلحة المستخدمة فيها على صحة سكان غزة وجودة الحياة والبيئة فيها، سنوات طويلة. قبل قرابة أربعة أعوام، نشرت "مجلة إدارة المخاطر والكوارث" دراسة حول تلوث التربة والمياه شمال قطاع غزة بفعل قصف قوات الاحتلال، وبينت بأن مستويات هذا التلوث أعلى من الحد المسموح به من منظمة الصحة العالمية. وهذه الحرب لن تكون استثناء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه