تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
هل ما زال يخفى على أحد أن الفئات الأكثر تضرراً من الأزمات والكوارث والحروب التي تحل بالعالم، هي الأكثر هشاشةً داخل المجتمع؟
سفينة تحمل مهاجرين/ ات من المغرب الكبير إلى أوروبا، يغرق فيها أشخاص من ضمنهم نساء وأطفال. عمل إرهابي في أميركا يستهدف مجتمع الميم-عين، فيقتل عابرات/ ين ومثليات/ ين.
زلزال يهز الأرض في المغرب فيذهب ضحاياه الفقراء والقاطنون/ ات في مناطق منسية.
إذا تأملنا كل المصائب في العالم، سواء أكانت طبيعيةً أم اجتماعيةً أو سياسيةً، سنجد أثرها أكثر قسوةً على من لا حول لهم ولا قوة في عالم تسود فيه الطبقية والهيمنة.
في هذا المقال، نتناول زلزال المغرب الأخير على سبيل المثال لا الحصر، ونرصد تأثيره اجتماعياً ونفسياً على حياة أفراد مجتمع الميم-عين، ونحاور عابرين/ ات ومثليين/ ات يعيشون داخل المنطقة التي شملها الزلزال أو على حدودها، داخل المغرب أو خارجه، حول تأثير الزلزال عليهم/ نّ بشكل مباشر أو غير مباشر.
حسّ تضامني
ليلة الجمعة، الثامن من أيلول/ سبتمبر الماضي، عند حدود الساعة الحادية عشرة، هزّ زلزال بقوة سبعة على سلّم ريتشتر، منطقة الحوز في جبال الأطلس المغربية.
طال الزلزال مدناً كبرى على بعد كيلومترات من الأطلس: مراكش، أغادير، الدار البيضاء، وفاس. وإن استطاع سكان المدن الكبرى النجاة من أضرار الزلزال الجسيمة، فسكان الأطلس أو ما يسميه المغاربة "المغرب المنسي"، كانوا أكثر عرضةً للموت، والجروح البالغة، والأضرار النفسية والمادية.
هل ما زال يخفى على أحد أن الفئات الأكثر تضرراً من الأزمات والكوارث والحروب التي تحل بالعالم، هي الأكثر هشاشةً داخل المجتمع؟
كشف الزلزال عن حس تضامني كبير لدى المغاربة. فمنذ الساعات الأولى للزلزال، تتالت المبادرات المدنية لإغاثة سكان المنطقة المنكوبة، وهناك من ذهب بنفسه إلى المنطقة للمساعدة أو استعمل منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي للدعم والمؤازرة.
كان تضامن المغاربة وغير المغاربة مع ضحايا الزلزال والناجين مثالاً ملهماً للحس الإنساني وضرورته في عالمنا.
ولكن ما هي مكانة أفراد مجتمع الميم-عين في المغرب من كل هذا الدعم والتضامن، سواء من جهة المنكوبين أو المتضامنين؟
الشعور بالخوف
تقول شاما (34 عاماً)، العابرة جندرياً، والمقيمة في بلدة قريبة من مراكش، والتي وصلت إليها الأضرار الناتجة عن الزلزال: "كنت نائمةً عندما وقع الزلزال. أيقظتني الاهتزازات. نظرت من النافذة ورأيت الناس تجري في كل مكان".
لم تستطع شاما الخروج إلى الشارع العام من شدة إحساسها بالخوف، وفق ما توضح لرصيف22: "شعرت بالخوف والرغبة في الهرب، إلا أنني لم أستطع مغادرة المنزل من شدة خوفي من الاختلاط بالناس والتعرض للضرب من طرفهم".
إذا تأملنا كل المصائب في العالم، سواء أكانت طبيعيةً أم اجتماعيةً أو سياسيةً، سنجد أثرها أكثر قسوةً على من لا حول لهم ولا قوة في عالم تسود فيه الطبقية والهيمنة
وتكشف شاما أنها تعودت عدم الخروج إلى الفضاء العام عند وجود كثير من الناس في الشارع، تجنّباً للمضايقات: "وجود الناس بشكل كبير في الشارع ذكّرني بكل المضايقات التي أتعرض لها كلما خرجت إلى الشارع."
برغم كل الخوف والمشاعر السلبية التي انتابت شاما، إلا أن هذا لم يمنعها من التضامن مع كل ضحايا الزلزال: "مع أنني فقدت الكثير من المقتنيات داخل المنزل إثر الزلزال، إلا أنني تبرعت ببعض الملابس التي ربما تحتاجها نساء في المناطق الجبلية أكثر منّي."
أشعر بالذنب
تقطن ليلى (27 سنةً)، في مدينة الدار البيضاء، مذ تركت عائلتها المقيمة في منطقة الحوز، لتجنّب المضايقات بسبب مثليتها وللبحث عن مستقبل أفضل، وكانت النتيجة قطيعةً شبه دائمة مع أفراد عائلتها.
تكشف ليلى أنها وما أن أحست بذبذبات الزلزال التي وصلت إلى مدينة الدار البيضاء، حتى تذكرت عائلتها: "أحسست برغبة شديدة في التواصل مع أمي وإخوتي".
وبرغم انقطاع شبكة الهاتف لبضع دقائق في كل أنحاء المغرب، إلا أن ليلى لم تيأس من الاتصال ببعض أفراد العائلة الذين لا تزال على تواصل معهم/ نّ: "ظللت أتصل بخالاتي وبنات خالاتي لأطمئن عليهنّ وعلى باقي أفراد العائلة".
وتوضح ليلى لرصيف22، أنها ليست المرة الأولى التي تشعر فيها بهذا الإحساس، ففي وقت جائحة كورونا، عاشت التجربة نفسها: "يربطنا بعائلتنا رابط قوي يظهر وقت الأزمات."
الانتقائية في التضامن
"لا أفهم انتقائية بعض الناس في التضامن"؛ هكذا يبدأ شاهين (24 عاماً)، وهو صاحب صفحة مغربية داعمة لمجتمع الميم-عين على الإنستغرام، حديثه إلى رصيف22، ويضيف: "سعيد جداً برؤية المغاربة يتضامنون ويتآزرون، يداً بيد، دون شروط، ولكن في الوقت نفسه أتساءل عمّا يجعل الناس يتضامنون مع قضية دون أخرى؟ لماذا نسكت أحياناً على الظلم، ونتحداه أحياناً أخرى؟".
ويرى شاهين أن التضامن خصلة موجودة في قلب المجتمع المغربي، ويلاحظها بنفسه منذ طفولته إلى حد الآن، ويختم كلامه قائلاً: "أحلم بأن تشمل ميزة التضامن، أفراد مجتمع الميم-عين كذلك."
الغربة عند الأزمات أقسى
يكون وقع خبر الزلزال على أفراد مجتمع الميم-عين المقيمين/ ات في الخارج بالحدة نفسها التي تقع على من يقطنون في المغرب، وفق ما يقول هشام (23 عاماً)، لرصيف22: "الغربة عند الأزمات هي أقسى وأعنف".
ويتابع: "عندما سمعت بخبر الزلزال، شعرت بالخوف على أفراد عائلتي الموجودين/ ات في المغرب، لكن القطيعة بيني وبينهم بسبب جنسانيتي حالت دون أن أتواصل معهم".
اكتفى هشام بتتبع الأخبار من بعيد ليهوّن عليه وطأة ما حدث: "تتبّعت ما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي، وربما ما كنت أشعر به هو ضعف ما يشعر به من يتواجد داخل المغرب".
"نحن نتضامن مع الكل، فمن يتضامن معنا؟"
في حديثه إلى رصيف22، يقول نجيب (40 سنةً)، المغربي المقيم في بلجيكا، إن أفراد مجتمع الميم-عين المغاربة بصفة عامة هم دائماً سريعون/ ات في التضامن مع كل المغاربة والمغربيات في كل ما يحل بهم من مكروه، وحتى في المسرّات هم حاضرون/ ات، على حدّ قوله: "لا أنسى فرحتنا العارمة عندما تأهل المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم".
ويضيف: "إلا أن العكس غير صحيح، فالتضامن مع مجتمع الميم-عين، وإن حصل، يكون قائماً على شروط يحددها الآخرون/ الأخريات داخل المجتمع".
ويختم نجيب حديثه قائلاً: "نحن نتضامن مع الجميع، فمن يتضامن معنا؟".
على صفحة لأفراد مجتمع الميم-عين المقيمين في أغادير على فيسبوك، حيث اطمأن أفرادها على بعضهم البعض، ودعا بعضهم للتبرع بالدم للضحايا الذين هم في حالة حرجة، يقول طارق (19 سنةً)، في حديثه إلى رصيف22، وهو عضو في هذه المجموعة: "هو أمر طبيعي أكثر مما هو نضالي، كيف لا نساعد الناس ونحن الأدرى بأهمية التضامن؟".
ويتابع: "عندما نساعد الضحايا، فمن الأكيد أننا نساعد أفراداً من مجتمع الميم، وإن لم يصرّحوا بذلك".
إن القصص والمواقف التي شاركتها شاما، ليلى، شاهين، هشام ونجيب، تسلّط الضوء على تأثير الزلزال على حياتهم/ نّ، فتُظهر القلق والخوف اللذين شعر بهما البعض خلال الزلزال، وكيف تأثرت مشاعرهم/ نّ بشكل مباشر إثر ما حدث.
متى تنتهي الانتقائية في التضامن مع الآخر؟ متى ينتهي التضامن على أساس اللون والجنسانية والهوية الجندرية؟ ماذا لو أصبح التضامن سياسةً مستدامةً، وليس لحظات مسروقةً من سنة إلى أخرى؟ ماذا لو شمل التضامن الفئات الأكثر تعرضاً للتمييز والتهميش كأفراد مجتمع الميم-عين؟
وعليه، يتبين أن الأزمات والكوارث قد تؤثر بشكل كبير على الأفراد، وقد تزيد الضغط النفسي عليهم/ نّ، كما أظهرت القصص التضامن والرغبة في مساعدة الآخرين/ الأخريات، وهذا هو جانب إيجابي مهم في مواجهة الأزمات.
ومع ذلك، فقد تظهر أيضاً بعض القضايا المتعلقة بالانتقائية في التضامن وتفضيل بعض الأمور على أخرى.
التحدي الحقيقي هو كيف يمكن للمجتمع تعزيز التضامن والتعاون بين جميع فئاته دون تمييز.
لتحقيق ذلك، يجب تعزيز الوعي بأهمية التضامن مع الجميع في جميع الظروف والمواقف، بغض النظر عن انتمائهم/ نّ أو ميولهم/ نّ. هذا يتطلب تغييراً في الثقافة وتعزيز قيم التعاون والتسامح.
في نهاية المطاف، يجب أن يكون التضامن والدعم متاحَين للجميع، سواء أكانوا ضحايا كوارث طبيعية أو ضحايا تمييز اجتماعي أو سياسي، والتساؤلات المطروحة هي: متى تنتهي الانتقائية في التضامن مع الآخر؟ متى ينتهي التضامن على أساس اللون والجنسانية والهوية الجندرية؟ ماذا لو أصبح التضامن سياسةً مستدامةً، وليس لحظات مسروقةً من سنة إلى أخرى؟ ماذا لو شمل التضامن الفئات الأكثر تعرضاً للتمييز والتهميش كأفراد مجتمع الميم-عين؟ لما ليست للجميع القدرة نفسها على التضامن مع كل من يتعرض للعنف والتمييز في العالم، مهما كانت مرجعيته؟
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون